امامـةُ المتـَّقـيــن

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
امامـةُ المتـَّقـيــن


الاثنين,20 أبريل 2015

كفر الشيخ اون لاين | خاص

إن المعركة الطويلة الدائمة بين الحق والباطل ، بين الهدى والضلال ، بين الخير والشر ، معركة لن تنقضي إلى يوم القيامة ، لكنها على مر الزمن تفرز البشر وتميز الناس إلى أصنافٍ شتى ، حتى يتشيعون ويتشعبون ما بين أناسٍ هم عبدةٌ للشيطان وآخرين هم عبادٌ للرحمن ، وبينهما تتسع المسافات وتكثر الجماعات.

وعبادُ الرحمن هم أكيسُ الناس ، أفرزتهم حركةُ الجهاد الطويل الشاق وتحمُّل الشدائد والصبر على المكائد ، والمصابرة والجلد على ظلم الظالمين وطغيانهم ، أناسٌ أفرزتهم المحن كأنهم حصاد الفلاح للصبر والمصابرة والمرابطة والتقوى ، فكأنهم خلاصة البشرية والثمرة الجنية لهذا الجهاد الشاق الطويل ، وحصادُ نصرٍ في نهاية المعركة التي تدور رحاها في تعاقبٍ على مر الزمن ، فتثمرُ أناساً هم علامات الهدى ، لهم صفات ومقومات خاصة ، وكأن هذه الصفات هي العزاء المريح لهم فيما لاقوه من عنتٍ وظلمٍ وجحودٍ وإعراضٍ ، هؤلاء هم عباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً ، وإن من صفاتهم التي يُلِحُّون على الله دوماً أن يرزقهم إياها هي صفة إمامة المتقين ، (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا- الفرقان-74) ، إنهم يحلمون أن يرتقوا إلى الله بأن يكونوا أئمة الهدى وزعماء المرتقين إلى الله ، تحدوهم الرغبة الفطرية العميقة في مضاعفة أعداد السالكين في الطريق إلى الله وفي مقدمتهم الأهل الذين هم أول من أمرهم ربهم بإنقاذهم من النار ،( آباؤهم وأزواجهم وذرياتهم ) ، وهم أوَّلُ أمانةٍ يُسألون عنها أمام الله ، ورغبتهم الصادقة في إحساسهم بأن يجعلهم الله قدوةً للخير يأتم بهم الراغبون إلى الله والميممون شطره ، دون شعور باستعلاء أو أثرة فالجميع في طريق الله ، وقد كان ابن عمر يقول في دعائه : اللهم اجعلنا من أئمة المتقين. وإن إمامة المتقين يلزم معها استكمال صفات عباد الرحمن أخلاقاً وسلوكاً ، تأسياً برسول الله صلى الله عليه وسلم عسى أن يكونوا رفقاءه في الجنة ، وكي تتحقق فيهم القدوة العملية فيبلغ التأثير في المدعوين إلى الله مداه.

وإن للأخلاق بدايات ونهايات ، وعلى صاحب الدعوة أن يرتقي في أخلاقه حتى يحقق ـ مستعيناً بالله ـ أعلى الدرجات التي يمكن له أن يصل إليها فيها ، ودائماً ما يردد بينه وبين ربه " اللهم اهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت " . يقول ابن القيم: " إن الدين كله خلقٌ فمن زاد عليك في الخلق زاد عليك في الدين" ، وحسن الخلق كما يقولون هو: "بذل الندى وكفُّ الأذى ، وأنه التخلي عن الرذائل والتحلي بالفضائل" ، وحسن الخلق يقوم على أربعة أركان " الصبر والعفة والشجاعة والعدل" ، وسوء الخلق يقوم على أربعة أركان" الجهل والظلم والشهوة والغضب" ، ومن هذه الأركان تتولد جميع الأخلاق طيبها وفاسدها ، والخلق هو حالة في النفس راسخة تصدر عنها الأفعال من خيرٍ أو شرٍ من غير حاجةٍ إلى فكرٍ أو رويَّةٍ.

وعباد الرحمن يبذلون الهمة العالية للوصول إلى أعلى درجات الأخلاق ليكونوا قدوةً في العبادات ، يحرصون على الصف الأول وتكبيرة الإحرام ، ويكثرون من الخطى إلى المساجد والمكث فيها ، يقومون إلى الصلاة متى سمعوا النداء ، لهم خلوات بالليل مع الله يتزودون بقربهم منه ومناجاته والأنس به، (إِنَّ نَاشِئَة اللَّيْل هِيَ أَشَدّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا -6- المزمل).

وعباد الرحمن يجاهدون أنفسهم على التخلي والتحلي ليتشبهوا برسول الله صلى الله عليه وسلم فيتحرون سنته قولاً وعملاً ، يحبونه فيتبعونه ، (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ -31- آل عمران) ، وحب الله هدفهم يلتمسوه بكثرة الطاعات والتقرب إليه بالنوافل ، (وما يزال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه) ، وعباد الرحمن لا يضعون أنفسهم في مواضع الشبهات والتهم ، (من عرَّض نفسه للتهم فلا يلومنَّ من أساء الظن به)، يستيقنون أنهم محاسبون على السمع والبصر والفؤاد وكل النعيم ، أخذوا عن قدوتهم صلى الله عليه وسلم ( إنما الدين المعاملة) ، فعاملوا غيرهم أحسن ما تكون المعاملة ، برُّوا والديهم، ووصلوا أرحامهم، وأحسنوا إلى جيرانهم، وصانوا أعراضهم، وما تتبعوا عورات الناس ، وإن رأوها ستروها ، عاشوا بين الناس في ألفةٍ وودٍ ، فهم يألفون ويؤلفون ، ويخالطون الناس ولا يقاطعون ، ويحسنون الظن بالناس ولا يسيئون، فإن أصابهم أذىً من الناس يصبرون ويحتسبون، يتلطفون إلى الناس ويتواضعون ، يلينون الكلام ويفشون السلام ويطعمون الطعام، يوفون إذا عاهدوا ، سمحاء إذا باعوا أو تقايضوا ، رحماء إذا تعاملوا ، حلماء إذا ما قدروا ، ذاكرون لله مستغفرين إذا ما غضبوا ، فهم للغيظ كاظمون ، غضبتهم لله ، وغيرتهم على الدين ، وحرصهم على رضا الله ، الوقار هيئتهم والتوسط نهجهم ، يرضون ربهم بحلمهم على عباده وإنفاقهم من مال الله الذي آتاهم ، هم المتوكلون دوماً على الله، الراضون به وكيلاً ، ساكنةٌ قلوبهم إلى اختيار الله لهم ، دائماً يناجي الواحد منهم ربه : (إن أعطيتني قبلت ، وإن منعتني رضيت ، وإن تركتني عبدت ، وإن دعوتني أجبت ) ، يدعون ربهم أن يرزقهم الرضا والقناعة فيفلحوا ،كما قال صلى الله عليه وسلم : (قد أفلح من أسلم ورزقه كفافاً وقنعه الله بما آتاه)، التزموا مع الله بشروط الإمامة ( الصبر واليقين) ،حيث يقول تعالى:( وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ - السجدة:24) ،يقينٌ بوعد الله وحكمته وخبره ، وصبرٌ على ما يلقاه العبد في هذا الطريق ، وكما قال الإمام ابن تيمية رحمه الله: (بالصبر واليقين تُنال الإمامةُ في الدين)، فيقين بلا صبر ليس بيقين حقيقة، وكذلك صبر بلا يقين ليس بصبر حقيقة، فلابد منهما معاً.

فاللهم اجعلنا من أئمة المتقين واجعلنا من الصابرين ، واجعلنا من المستيقنين بوعدك وحكمتك وخبرك ، اجعل رزقنا كفافاً وقنعنا بما رزقتنا ، واجعلنا ممن إذا أعطيته قبل ، وإن منعته رضي ، وإن تركته عبد ، وإن دعوته أجاب ، إليك ربي المرجع والمتاب ، انصرنا حيث قل النصير ، وأمِّنَّا إلى جوارك فقد تكالب علينا الظالمون ، بقوتك ورحمتك نستجير ، وأنت نعم المولى ونعم النصير ، وصلِّ اللهم على سيدنا محمدٍ وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه وسلك طريقه إلى يوم الدين.

أ.د. الغباشي الشرنوبي العطوي

المصدر