الوطن والمواطنة في فكر الإمام البنا
بحث قُدم إلى المؤتمر الدولي للجمعية الفلسفية المصرية في الفترة من (16- 18 - 2006)
إعداد: د. جمال فتحي نصار .. دكتوراة في الفلسفة الإسلامية – كلية دار العلوم – جامعة القاهرة
محتويات
مقدمة
لا يستطيع باحث أو دارس منصف لفكرة "الوطن والوطنية " أن ينسى أو يتناسى جهود الإمام حسن البنا في هذا المضمار ، فقد اتضح مفهوم الوطن والوطنية لديه من خلال النظرة الموسوعية لهذا المفهوم ، واعتبار أن الوطن والوطنية جزء لا يتجزأ لفهم المسلم لإسلامه وتجرده وحبه له ، وأن هذا أصل مهم في عقيدة الإخوان المسلمين .
ولم يفهم الكثير من المسلمين هذا المعنى ، حتى إن الأكثرية المطلقة من المسلمين باتت تفهم أن الإسلام هو الشهادتان ، والصلاة ، والزكاة ، والصوم ، والحج فقط .
ففي مواجهة المضمون الغربي، الضيق لكل من "الوطنية" و"القومية" .. والذي وجد له دعاة وأحزابًا تخندق بعضها عند "الوطنية الإقليمية" .. وتخندق بعضها الآخر عند "القومية العنصرية" .. وافتعل آخرون – كرد فعل – التناقضات بين الإسلام وبين الوطنية والقومية .. في مواجهة هذا الغلو ، رأينا الأستاذ البنا يبعث – بالتجديد – المنهج الإسلامي الذي يؤلف بين جميع دوائر الانتماء – الوطني .. والقومي .. والإسلامي .. والإنساني – فيسلكها جميعًا في سُلّم واحد .
والمتتبع لجهود الإمام البنا يلمس أنه يحب وطنه ، ويحرص على وحدته القومية بهذا الاعتبار ، ولا يجد غضاضة على أي إنسان أن يخلص لبلده ، وأن يفنى في سبيل قومه ، وأن يتمنى لوطنه كل مجد وكل عز وفخار .. كما يحترم قوميته الخاصة باعتبارها الأساس الأول للنهوض المنشود ، ولا يرى بأسًا أن يعمل كل إنسان لوطنه ، وأن يقدمه في العمل على سواه، ويؤيد الوحدة العربية ، باعتبارها الحلقة الثانية في النهوض .
وفي أكثر من موضع يؤكد الإمام البنا على الجامعة الإسلامية، باعتبارها السياج الكامل للوطن الإسلامي العام كما يجعل فكرة الخلافة والعمل لإعادتها في رأس مناهجه.
ويعتقد أن ذلك يحتاج إلى كثير من التمهيدات التي لابد منها ، وأن الخطوة المباشرة لإعادة الخلافة لابد أن تسبقها خطوات:
- 1- العمل على الوحدة الثقافية والفكرية والاقتصادية بين الشعوب الإسلامية كلها.
- 2- يلي ذلك تكوين الأحلاف والمعاهدات وعقد المجامع والمؤتمرات بين هذه البلاد.
- 3- يلي ذلك تكوين عصبة الأمم الإسلامية.
- 4- حتى إذا استوثق ذلك للمسلمين كان عنه الإجماع على "الإمام" الذي هو واسطة العقد، ومجمع الشمل، ومهوى الأفئدة ، وظل الله في الأرض .
كما نادى الإمام البنا بالوحدة العالمية ، لأن هذا هو مرمى الإسلام وهدفه ، ومعنى قول الله تبارك وتعالى (ومَا أَرْسَلْنَاكَ إلا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ) (الأنبياء: 107).
أما مصر، فإنها قطعة من أرض الإسلام ، وزعيمة أممه (رسالة إلى الشباب) .. وفي المقدمة من دول الإسلام وشعوبه (الإخوان المسلمون تحت راية القرآن) .. ونحن نرجو أن تقوم في مصر دولة مسلمة ، تحتضن الإسلام ، وتجمع كلمة العرب ، وتعمل لخيرهم ، وتحمي المسلمين في أكناف الأرض من عدوان كل ذي عدوان ، وتنشر كلمة الله وتبلغ رسالته .. فالمصرية لها في دعوتنا مكانتها ومنزلتها وحقها في الكفاح والنضال .. ونحن نعتقد أننا حين نعمل للعروبة نعمل للإسلام ولخير العالم كله ..) (رسالة دعوتنا في طور جديد).
ومن ثم نجد أن الأستاذ البنا صاغ أهم النظريات السياسية والاجتماعية المعاصرة في تعدد وتكامل دوائر الانتماء – الوطنية .. والقومية .. والإسلامية .. والإنسانية - .. مع الإشارة إلى دور مصر – الرائد والقائد – في تحقيق هذه الوحدة المنشودة لأمة الإسلام.
فكل هذه الدوائر للانتماء هي درجات في سلم الانتماء الواحد ، يصعد عليها الإنسان المسلم – عقيدة أو حضارة – دونما تناقضات .. وبعبارة الأستاذ البنا: "فكل منها تشد أزر الأخرى ، وتحقق الغاية منها ، دونما تعارض بين هذه الوحدات بهذا الاعتبار ..
تمهيد: تعريف بشخصية الإمام البنا
يُعَدّ الإمام "حسن البنا" (1324هـ -1368هـ = 1906-1949) نموذجًا فريدًا للزعيم الروحي والمفكر الديني، والمصلح الاجتماعي، والقائد الجماهيري الذي يمكن أن تلتف حوله مختلف الطوائف والمستويات التي يجمعها اتجاه فكري واحد، وتربط بينها أيدلوجية مشتركة، فقد استطاع "حسن البنا" في سنوات قليلة أن يؤسس أكبر جماعة دينية شاملة في القرن العشرين بلغ أتباعها الملايين.
فقد كان الإمام "حسن البنا" مزيجًا متميزًا من الفكر السلفي والروحانية الصوفية، فقد كان تجسيدًا فريدًا للروحاني الصوفي، والعالم المسلم، والقائد الحركي الذي امتلك قدرة نادرة على تحريك الجماهير، من خلال ترجمة معاني الإسلام كما جاء به الرسول الكريم محمد - صلى الله عليه وسلم - إلى منهاج حياة .
وقد تمتع الإمام البنا بصفات شخصية قلما تجتمع في إنسان واحد ، وقد أهلته هذه الصفات الشخصية والمواهب التي حباه الله بها لأن يصبح الداعية الأول في القرن العشرين، ومؤسسًا وقائدًا لأكبر حركة إسلامية (حركة الإخوان المسلمون) على مستوى العالم فقد حباه الله بإيمان قوي يتحمل الشدائد والمصائب فضلاً عن ذاكرة قوية تحتفظ بالمعلومات والأسماء بطريقة عجيبة وسرعة فائقة ، كما تمتع بسعة الأفق وقدرة على تحليل الأحداث واستخلاص النتائج التي قلما تخطئ ، فقد كان رحمه الله مستوعبًا لمتغيرات العصر الذي يعيشه فقيهًا في حركته ذا حكمة وذكاء ، زاهدًا في رغد العيش مع القدرة على الكسب ، متواضعاً في غير ذلة، معتزاً بدينه وبدعوته في غير غرور أو كبرياء ، يحب إخوانه ويألفهم ويألفونه.
وقد كان رحمه الله يقدم دعوته على غيرها من الأشياء ، فدعوته تسبق راحته وأولاده دون تقصير في حقهم ، فقد عاش بالدعوة وللدعوة ، وقد امتلأت روحه بالقوة والإرادة التي لا يفت فيها الضعف والعزيمة التي لا تفتر.
وكان رحمه الله رجل عقيدة متوكل على الله حق توكله فقد كان حسن الظن بربه حتى في أحلك الظروف والشدائد ، كان لديه يقين من الوصول إلى غايته فلم يستبد اليأس بقلبه أو مشاعره أبدًا.
وكان شديد الإيمان بالقضاء والقدر ، إيماناً ليس نظريًا بل عن يقين ومشاهدة ، وكما قيل من ذاق عرف ، وكان شاغله الشاغل كتاب ربه القرآن الكريم فقد أتقنه حفظاً وتلاوة وفهما وتدبراً وعملاً ، فضلا عن السنة المطهرة .
مؤلفاته
- لا تُعرف للإمام حسن البنا كتبًا أو مؤلفات خاصة سوى عدد من الرسائل مجموعة ومطبوعة عدة طبعات بعنوان "رسائل الإمام الشهيد حسن البنا"، وهي تعتبر مرجعًا أساسيًّا للتعرف على فكر ومنهج جماعة الإخوان بصفة عامة. وله مذكرات مطبوعة عدة طبعات أيضًا بعنوان "مذكرات الدعوة والداعية"، ولكنها لا تغطّي كل مراحل حياته وتتوقف عند سنة 1942م، وله خلاف ذلك عدد كبير من المقالات والبحوث القصيرة، وجميعها منشورة في صحف ومجالات الإخوان المسلمين التي كانت تصدر في الثلاثينيات والأربعينيات، بالإضافة إلى مجلة الفتح الإسلامية التي نشر بها أول مقالة له بعنوان "الدعوة إلى الله .
- وقد بذل الأستاذ جمعة أمين ومجموعة من الباحثين جهدًا مشكورًا في جمع تراث الإمام الشهيد حسن البنا في عدة كتب ، صُنفت بشكل مميز .
تأسيس جماعة الإخوان المسلمين
- لما استقر الإمام البنا به المقام بالإسماعيلية أثر في نفسه ما رآه من الاستعمار العسكري المتمثل في المعسكرات الإنجليزية بالقناة ، والاستعمار الاقتصادي المتمثل في شركة قناة السويس ، ثم ساءه أن يعرف أن المسلمين في البلد منقسمون بسبب خلافات دينية ، نتيجة تعصب كل فريق لرأي خاص ، وأخذ يزاول التدريس والدعوة ويتحرى الموضوع الذي يتحدث فيه ، دون أن يتعرض للنواحي الخلافية ، ويضرب لهم مثلا لتسامح علماء المسلمين في الصدر الأول رغم اختلافهم في المسائل التي تحتمل أوجه الخلاف .
- وقد عمل الوعظ عمله في نفوس المتلقين ، فأخذوا يفيقون ويفكرون ، ثم تدرجوا من ذلك إلي سؤاله عما يجب عليهم تجاه دينهم وأمتهم ، فأجابهم إجابات غير قاطعة جذبًا لانتباههم ، واسترعاء لقلوبهم ، وانتظارًا للفرصة السانحة ، وتهيئة للنفوس الجامحة .
- وفي ذي القعدة سنة 1347هـ ، مارس سنة 1928م زار الأستاذ البنا أولئك الإخوة الستة : "حافظ عبد الحميد" ، و"أحمد الحصري" ، و"فؤاد إبراهيم" ، و"عبد الرحمن حسب الله"، و"إسماعيل عز" ، و"زكي المغربي" ، وهم من الذين تأثروا بالدروس والمحاضرات التي كان يلقيها ، وجلسوا يتحدثون إليه ، وفي صوتهم قوة ، وفي عيونهم بريق ، وعلي وجوههم سنا الإيمان والعزم ، وقالوا ما هي الطريق العملية إلي عزة الإسلام وخير المسلمين؟!ونحن لا نملك إلا هذه الدماء تجري حارة بالعزة في عروقنا ، وهذه الأرواح تسري مشرقة بالإيمان والكرامة مع أنفسنا ، وهذه الدراهم القليلة من قوت أبنائنا وكل الذي نريده أن نقدم لك ما نملك؛ لنبرأ من التبعية بين يدي الله ، وتكون أنت المسئول بين يديه عنا وعما يجب أن نعمل .
- كان لهذا القول المخلص أثره البالغ في نفس الأستاذ البنا ، ولم يستطع أن يتنصل من هذه التبعية ، وقال في أثر عميق : (شكر الله لكم وبارك هذه النية الصالحة ووفقنا إلي عمل صالح يرضي الله ، وينفع الناس ، وعلينا العمل ، وعلي الله النجاح ، فلنبايع الله علي أن نكون لدعوة الإسلام جندًا ، ففيها حياة الوطن وعزة الأمة) .
- وكانت بيعة وكان قسمًا أن نحيا إخوانا نعمل للإسلام ونجاهد في سبيله .
- وقال قائلهم : بم نسمي أنفسنا ؟ وهل نكون جمعية أو ناديًا أو طريقة أو نقابة ، حتى نأخذ الشكل الرسمي؟ فرد الأستاذ البنا قائلا : لا هذا ولا ذاك دعونا من الشكليات ، ومن الرسميات ، وليكن أول اجتماعنا وأساسه : الفكرة والمعنويات والعمليات . ونحن أخوة في خدمة الإسلام ، فنحن إذا (الإخوان المسلمين) ...
- وهكذا غُرست البذرة الأولي لفكرة الإخوان المسلمين في أرض طيبة من هذه القلوب الستة ، آمنوا بها ، وعاهدوا الله علي الجهاد في سبيله ، فكانت تلك الثمار المباركة لوفائهم وإخلاصهم ، من نجاح الدعوة ، ومرشدها ، مصداقًا لقول الله تعالى : (ومَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا).
ولبث الأستاذ البنا يعمل لدعوته صامتًا ، فكسبت دعوته – كل يوم- مزيدًا من الأنصار والجنود ، بفضل الله ثم إخلاصه العميق ، وفهمه الدقيق للفكرة ، وأهدافها.
اغتيال الإمام
- وفي مساء يوم السبت 14 من ربيع الآخر 1368هـ = 12 من فبراير 1949م عندما كان الإمام حسن البنا يغادر جمعية الشبان المسلمين بشارع رمسيس بالقاهرة اغتالته يد الغدر والخيانة، ولكنها لم تستطع أن تغتال أفكاره أو تنال من دعوته التي انتشرت لتملأ ربوع الأرض بنورها، وتهدي قلوب الحائرين بهديها، وتضيء ظلام النفوس بأفكارها وضيائها.
- لقد استشهد "حسن البنا"، ولكن أفكاره، ما زالت حية، تنبض بها القلوب وتتوهج بها الأرواح والنفوس.
دعائم المشروع الحضاري لدى الإمام البنا
- مشروع الإمام البنا الحضاري موجود في مصادره وأبرزها مجموعة الرسائل ، وهو يقوم علي جملة دعائم:
- 1- الإيمان بالمرجعية العليا للإسلام المجسدة في القرآن والسنة في بناء حياتنا كلها ، ثقافية واجتماعية وسياسية واقتصادية .
- 2- الدعوة إلي تجديد الدين وإلي الاجتهاد في فهمه ، لمن يملك شروطه ، وفي مجال الاجتهاد ، والنظر إلي الإسلام وأصوله بعينه، وإلي العصر ومشكلاته بعين أخري.
- 3- الاستفادة من كل المدارس الإسلامية في علاج مشكلاتنا المعاصرة ، وخصوصًا المدارس التجديدية في تراثنا الفكري والفقهي ، والانتفاع بإبداعاتها ، والإضافة إليها.
- 4- رفض ما ألصق بالإسلام من أفهام خاطئة مختلفة ، من رواسب عصور الهزيمة والتراجع الحضاري، عملا بالقول المأثور : "خذ ما صفى ودع ما كدر" .
- 5- الانتقاء مما جاءتنا به الحضارة الغربية ، فلا نقبل كل ما جاءت به ، ولا نرفضه ، بل نأخذ منها ما ينفعنا ويتفق مع قيمنا وشريعتنا ، وندع ما يضرنا ويخالف ديننا . ومن أهم ما نأخذ منها :الجوانب العلمية والتكنولوجية والإدارية ، فاقتباس هذه الجوانب وإتقانها فريضة وضرورة . وهي في الواقع بضاعتنا ترد إلينا .
- 6- المشروع للأمة الإسلامية كلها ، ولكن مصر هي نقطة الانطلاق ، لموقعها الديني والحضاري والتاريخي والجغرافي ، ولأنها بلد الأزهر ، والوطن الأم للحركة الإسلامية ، ولتجاوب جماهير شعبها مع الإسلام فكرًا وشعورًا وسلوكًا .
- 7- تقوم النهضة أول ما تقوم علي تحرير الوطن – المصري والعربي والإسلامي –من الاستعمار وآثاره الثقافية والتشريعية والتربوية والاجتماعية ، وإعادة بنائها في شتي نواحي الحياة .
- 8- أن تقوم فيه للإسلام دولة قوية تبني عقيدته ، وتحكم شريعته ، وتبث قيمه ، دولة شورية مجددة وملتزمة ، تستلهم التراث ، وتعايش العصر ، تؤمن بالله ربًا ، وبالإنسان خليفة له في الأرض ، وتؤدي الواجبات ، وترعي الحقوق ، وتصون الحريات ، وتؤمن الحرمات ، وتقوم بمهمتها في تعبئة قوي الشعب ، وجمع كلمة العرب والمسلمين ، وتبليغ رسالة الإسلام إلي العالم .
- 9- العمل علي إقامة مجتمع فاضل راق ، جدير بالانتماء للإسلام ، متحرر من الظلم والقهر والخوف ، تتحقق فيه تنمية إنسانية شاملة وعادلة ، اجتماعية كاملة ، وتكافل إنساني عميق ، مجتمع يحارب الفقر والجهل والمرض والرذيلة ، ويجد فيه الجائع خبزه ، والمريض دواءه ، والقادر عمله ، والمشرد مأواه ، والمحتاج كفايته، والمظلوم عدالته ، والمكبوت حريته .
- 10- يهدف المشروع الإسلامي إلي توحيد الأمة الإسلامية ، كما أراد لها الله تعالى، وكما كانت في التاريخ ، وكما يوجبه منطق العصر في ضرورة التكتلات الكبرى ، ولكنه يؤمن بسنة التدرج ، ويرى أن وحدة العرب وتحررهم وعزتهم ، مقدمة ضرورية لوحدة الأمة الإسلامية وعزتها ، فالعروبة وعاء الإسلام ، والعربية لسانه ، والعرب هم عصبة الإسلام ، وحملة رسالته الأولون ، وفي الأثر : "إذا ذل العرب ذل الإسلام" .
- 11- يبدأ المشروع بإصلاح الفرد ، وبنائه بناء متكاملا : روحيًا بالعبادة ، وعقليًا بالثقافة ، وجسميًا بالرياضة ، وخلقيًا بالفضيلة ، مع التركيز على التغيير النفسي والعقلي ، فهو أساس كل تغيير (إنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ) ثم بناء البيت المسلم ، فالمجتمع المسلم ، فالأمة المسلمة ، في خطوات متدرجة ، ومراحل مدروسة ، وفق سنن الله في خلقه ، بلا قفز على الواقع، ولا إنكار للعوائق والصعوبات .
- 12- يقوم المشروع الحضاري الإسلامي على التوعية والتثقيف للجماهير ، وعلى التربية والتكوين للطلائع ، وعلى الكفاح السلمي ، والنضال الدستوري ، والتواصل مع الشعب ، حتى تتغير الأمة من داخلها ، وتتحق آمالها.
أصل مفهوم الوطن والمواطنة
في اللغة
- وطن بالمكان (يَطِنُ) وَطْنًا: أقام به.
- الموطن : الوطنُ. وكلُّ مكان أَقام به الإنسانُ لأَمر.
- الوطن : مكانُ إِقامةِ الإِنسان وَمقَرُّه ، وإليه انتماؤه ، وُلد به أَو لم يولد.
- ويقصد بالمواطنة العضوية الكاملة والمتساوية في المجتمع بما يترتب عليها من حقوق وواجبات، وهو ما يعني أن كافة أبناء الشعب الذين يعيشون فوق تراب الوطن سواسية بدون أدنى تمييز قائم على أي معايير تحكمية مثل الدين أو الجنس أو اللون أو المستوى الاقتصادي أو الانتماء السياسي والموقف الفكري، ويرتب التمتع بالمواطنة سلسلة من الحقوق والواجبات ترتكز على أربع قيم محورية هي :
أولاً: قيمة المساواة
- التي تنعكس في العديد من الحقوق مثل حق التعليم، والعمل، والجنسية، والمعاملة المتساوية أمام القانون والقضاء، واللجوء إلى الأساليب والأدوات القانونية لمواجهة موظفي الحكومة بما في هذا اللجوء إلى القضاء، والمعرفة والإلمام بتاريخ الوطن ومشاكله، والحصول على المعلومات التي تساعد على هذا.
ثانيًا: قيمة الحرية
- التي تنعكس في العديد من الحقوق مثل حرية الاعتقاد وممارسة الشعائر الدينية، وحرية التنقل داخل الوطن، وحق الحديث والمناقشة بحرية مع الآخرين حول مشكلات المجتمع ومستقبله، وحرية تأييد أو الاحتجاج على قضية أو موقف أو سياسة ما، حتى لو كان هذا الاحتجاج موجهًا ضد الحكومة، وحرية المشاركة في المؤتمرات أو اللقاءات ذات الطابع الاجتماعي أو السياسي.
ثالثًا: قيمة المشاركة
- التي تتضمن العديد من الحقوق مثل الحق في تنظيم حملات الضغط السلمي على الحكومة أو بعض المسئولين لتغير سياستها أو برامجها أو بعض قراراتها، وممارسة كل أشكال الاحتجاج السلمي المنظم مثل التظاهر والإضراب كما ينظمها القانون، والتصويت في الانتخابات العامة بكافة أشكالها، وتأسيس أو الاشتراك في الأحزاب السياسية أو الجمعيات أو أي تنظيمات أخرى تعمل لخدمة المجتمع أو لخدمة بعض أفراده ، والترشيح في الانتخابات العامة بكافة أشكالها.
رابعا: المسئولية الاجتماعية
- التي تتضمن العديد من الواجبات مثل واجب دفع الضرائب ، وتأدية الخدمة العسكرية للوطن، واحترام القانون، واحترم حرية وخصوصية الآخرين.
الوطن والمواطن في نظر الإسلام
لقد جُبل الإنسان على حب نفسه والمحافظة عليها كما جبل علي حب العائلة التي ينتسب إليها ومنها خرج إلي الحياة الاجتماعية ، فهي مهد الإنسانية الأولي وبانتشار الناس في الكرة الأرضية وتكوين كل مجموعة متجانسة مجتمعًا يعيشون فيه انتقل الأشخاص من دائرة العائلة والقبيلة إلي دائرة المجتمع لهذا كان لأفراد هذا المجتمع انتماء إليه بجانب انتمائهم إلي العائلة ، وهذا الانتماء يرتب واجبات وينشئ ولاء لهذا المجتمع ويعرف هذا بالمواطنة .
فالمواطن هو الشخص الذي ينتمي بنشأته وتقاليده إلي وطن معين وبذلك يصبح مواطنا طبقا لقانون الجنسية في هذا البلد ، ولكن المواطنة أكثر شمولا من مفهوم الجنسية التي لا توجد إلا مع وجود دولة أصدرت قانونا للجنسية يحدد العلاقة بين الدولة والأفراد .
والمواطنة علاقة سابقة علي وجود الدولة وعلي وجود قانون الجنسية ، وهي أعمق وأشمل من الجنسية فقد تمنح الحكومة جنسية الدولة لشخص لم يكن مواطنا في هذه الدولة ويحتفظ بجنسيته الأصلية .
ولقد أدى ظهور مصطلح الوطنية والقومية إلي التساؤل عن موقف الإسلام من ذلك . فأقصى ما يهدف إليه دعاة الوطنية هو حب الوطن والدفاع عنه، وذلك قد فطرت عليه النفس وأمر به الإسلام ، فالنبي قال عن موطنه مكة (ما أطيبك من بلد وأحبك إلي، ولولا أن قومي أخرجوني منك ما سكنت غيرك).
وأقصى ما يهدف إليه دعاة القومية هو الاهتمام بعشيرة الإنسان وقومه والذود عنهم .
وكل ذلك قد أمر به الإسلام وحث عليه فقد جعل الله من درجات الإيمان ونيل درجة الشهيد أن يدافع الإنسان عن وطنه ويفديه بالنفس والمال ، قال تعالي : (ومَا لَكُمْ لا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ والْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ والنِّسَاءِ والْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ القَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا واجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ ولِيًّا واجْعَلْ لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا).
كما روي أبو داود والترمذي عن النبي - صلي الله عليه وسلم - أنه قال ( من قتل دون دينه فهو شهيد ، ومن قتل دون دمه فهو شهيد ، ومن قتل دون أهله فهو شهيد ).
ففي المفهوم الإسلامي لا يوجد تعارض بين انتماء الفرد لدينه وأسرته ووطنه ودمه كما لا تعارض بين الروابط التي تربط الشخص بزوجته وأولاده ووالديه.
موقف الإمام البنا من الوطنية
يُرجع الإمام البنا الاهتمام بالوطنية – كانتماء سياسي – إلي شعور الشعوب الشرقية بإساءة الغرب إليها إساءة نالت من عزتها واستقلالها ، وإلي تألمها من الاحتلال الغربي الذي يفرض عليها فرضًا ، فانتشرت فكرة القومية والوطنية كدافع ، ورد فعل بهدف التخلص من الغير الغربي ويري أن هذا حسن وجميل ، فيقول: "افتتن الناس بدعوة الوطنية تارة والقومية تارة أخرى وبخاصة في الشرق حيث تشعر الشعوب الشرقية بإساءة الغرب إليها إساءة نالت من عزتها وكرامتها واستقلالها وأخذت من مالها ومن دمها ، وحيث تتألم هذه الشعوب من هذا النير الغربي الذي فرض عليها فرضًا ، فهي تحاول الخلاص منه بكل ما في وسعها من قوة ومنعة وجهاد وجلاء ، فانطلقت ألسن الزعماء وسالت أنهار الصحف، وكتب الكاتبون وخطب الخطباء وهتف الهاتفون باسم الوطنية وجلال القومية".
فالأستاذ البنا ينظر إلي الوطنية – عامة- في مصر والبلدان المستعمرة – علي أنها سلاح مقاومة ضد الغزو الغربي – والتخلف الذي كان قائمًا .
إلا أن الوطنية لها مفهومها ومضمونها الخاص عند الإمام البنا فقد انتقد رأيًا لبعض المؤمنين بالوطنية كما هي عند الغربيين ، يزعم أن الإسلام في ناحية وهذه الفكرة في ناحية أخري ، ويزعم أن إدخال الإسلام في هذا الأمر إضعاف وتفرقة للوحدة الوطنية ، ومن ثم ناقش الإمام البنا هذا المفهوم محددًا موقف الإخوان منه، وقد بين الإمام البنا منهج تناوله له بأنه يزنها بميزان دعوته (الإسلام) فما وافقها فمرحبًا به وما خالفها تبرأ منه . فالعبرة كما يري بالمضمون وليس بالأسماء.
أولاً: معني الوطنية عند الإمام البنا
- أ- يحلل مرشد الإخوان الأول ( الإمام البنا ) الوطنية إلي عدة معان ، ويبين موقفهم من كل معني :
- 1- فإن كان دعاة الوطنية يريدون بها حب مصر والحنين إليها ، والانعطاف نحوها ، فهذا أمر فطري من جهة ، ومأمور به في الإسلام من جهة أخرى ، أي أن رابطة الوطنية بهذا المعني فطرة يقرها الإسلام ، "إن كان دعاة الوطنية يريدون بها حب هذه الأرض وألفتها والحنين إليها والانعطاف نحوها ، فذلك أمر مركوز في فطر النفوس من جهة ، ومأمور به في الإسلام من جهة أخرى ، وإن بلالا الذي ضحى بكل شيء في سبيل عقيدته ودينه ، هو بلال الذي كان يهتف في دار الهجرة بالحنين إلي مكة في أبيات تسيل رقة وتقطر حلاوة :
ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة
- بواد وحولي أذخر وجليل
وهل أردن يومًا مياه مجنة
- وهل يبدون لي شامة وطفيل
- ولقد سمع رسول الله صلي الله عليه وسلم – وصف مكة من (أصيل) فجرى دمعه حنينا إليها وقال : يا أصيل دع القلوب تقر .
- 2- وإن كان يراد بها وجوب العمل بكل جهد لتحرير البلد من الغاصبين وتوفير استغلاله له وغرس مبادئ العزة والحرية في نفوس أبنائه ، فنحن معهم في ذلك أيضًا ، والإسلام يشدد في ذلك أبلغ التشديد ، يقول : "وإن كانوا يريدون أن من واجب العمل بكل جهد في تحرير البلد من الغاصبين وتوفير استقلاله له وغرس مبادئ العزة والحرية في نفوس أبنائه ، فنحن معهم في ذلك أيضًا ، وقد شدد الإسلام في ذلك أبلغ التشديد ، فقال تبارك وتعالي : (ولِلَّهِ العِزَّةُ ولِرَسُولِهِ ولِلْمُؤْمِنِينَ ولَكِنَّ المُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ) ويقول : (ولَن يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى المُؤْمِنِينَ سَبِيلاً) .
- 3- وإن أريد بالوطنية تقوية الرابطة بين أفراد القطر الواحد ، وإرشادهم إلي طريق استخدام هذه التقوية في مصالحهم ، فيوافق الإمام البنا علي ذلك ، بأن الإسلام يراه فريضة لازمة ، يقول : "وإن كانوا يريدون بالوطنية تقوية الرابطة بين أفراد القطر الواحد وإرشادهم إلي طريق استخدام هذه التقوية في مصالحهم ، فذلك نوافقهم فيه أيضا ، ويراه الإسلام فريضة لازمة ، فيقول القرآن الكريم (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً ودُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ البَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ ومَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ) .
- فالأستاذ البنا – إذن- يرى أن الوطنية بمعني حب البلد والحنين إليها ، والعمل علي تحريره وتقويته، وتقوية الرابطة بين أفراده بما يعود بالخير علي فكرة صائبة يقرها الإسلام ، ومن ثم فهو يؤمن بها ، ويعمل لها .
- ومن شأن هذا الفهم أن يربي في من يقبله شعور الانتماء الوطني الصحيح والإحساس بالمسؤولية تجاه الوطن والرغبة القوية في العمل والتحرر من المحتل .
- فالعلاقة بين الوطنية والإسلام – بهذا المعني السابق – لا تناقض بينها .
- 4- ولكن الإمام البنا يرفض الوطنية إذا أريد بها تقسيم الأمة طوائف متناحرة متشيعة لمناهج وضيعة ، تفسر وفق مصالح شخصية تستغل من قبل العدو لمنع اتصال بعضهم ببعض وتعاونهم ، ويرى أن هذه وطنية لا خير فيها وزائفة أي أن الإخوان يرفضون الوطنية المجزئة وذات المضمون المنافي للإسلام ، والتي بالتالي تعمل لصالح المستعمر ، يقول : "وإن كانوا يريدون بالوطنية تقسيم الأمة إلى طوائف تتناحر وتتضاغن وتتراشق بالسباب وتترامى بالتهم ويكيد بعضها لبعض ، وتتشيع لمناهج وضيعة أملتها الأهواء وشكلتها الغايات والأغراض وفسرتها الأفهام وفق المصالح الشخصية ، والعدو يستغل كل ذلك لمصلحته ويزيد وقود هذه النار اشتعالا يفرقهم فى الحق ويجمعهم على الباطل ، ويحرم عليهم اتصال بعضهم ببعض ويحل لهم هذه الصلة به والالتفاف حوله فلا يقصدون إلا داره ولا يجتمعون إلا زواره ، فتلك وطنية زائفة لا خير فيها لدعاتها ولا للناس ، فها أنت ذا قد رأيت أننا من دعاة الوطنية ، بل مع غلاتهم فى كل معانيها الصالحة التى تعود بالخير على البلاد والعباد، وقد رأيت مع هذا أن تلك الدعوة الوطنية الطويلة العريضة لم تخرج عن أنها جزء من تعاليم الإسلام".
- ب- والذي يبين فهم الإمام البنا للوطنية هو بيانه لعلاقة الوطنية بالعقيدة ، ولحدود الوطن، وبناء علي تلك العلاقة:
- فالإمام البنا يذكر أن الإخوان المسلمين أشد الناس إخلاصًا لأوطانهم تفانيًا في خدمتها واحترامًا لكل من يعمل لها مخلصًا ، إلا أنه يقرر أن هناك فروقًا بين الوطنية كما يفهمونها ، وبين دعاة الوطنية المجردة .
- 1- إن أساس وطنية المسلم العقيدة الإسلامية ، والإسلام قد جعل الشعور الوطني بالعقيدة لا بالعصبية الجنسية ، وقد حدد هدفه بالعمل للخير من أجل البشر، فالاعتبار هنا للعقيدة ، بينما هي عند غيرهم ترتبط بالحدود الجغرافية فوطن المسلم هي كل أرض فيها مسلمون ، يقول الإمام البنا : " أما وجه الخلاف بيننا وبينهم فهو أننا نعتبر حدود الوطنية بالعقيدة وهم يعتبرونها بالتخوم الأرضية والحدود الجغرافية ، فكل بقعة فيها مسلم يقول لا إله إلا الله محمد رسول الله وطنى عندنا له حرمته وقداسته وحبه والإخلاص له والجهاد فى سبيل خيره ، وكل المسلمين فى هذه الأقطار الجغرافية أهلنا وإخواننا نهتم لهم ونشعر بشعورهم ونحس بإحساسهم .
- ودعاة الوطنية فقط ليسوا كذلك ، فلا يعنيهم إلا أمر تلك البقعة المحدودة الضيقة من رقعة الأرض ، ويظهر ذلك الفارق العملى فيما إذا أرادت أمة من الأمم أن تقوى نفسها على حساب غيرها ، فنحن لا نرضى ذلك على حساب أى قطر إسلامى وإنما نطلب القوة لنا جميعًا ، ودعاة الوطنية المجردون لا يرون فى ذلك بأسًا ، ومن هنا تتفكك الروابط وتضعف القوى ويضرب العدو بعضهم ببعض"
- 2- وتأسيسًا علي هذا الفرق ، فإن حدود الوطن التي تلزم التضحية في سبيل حريته وخيره ، لا تقتصر علي حدود قطعة الأرض التي يولد عليها المرء بل إن الوطن يشمل:
- القطر الخاص أولا .
- ثم يمتد إلي الأقطار الإسلامية الأخرى ، والأقطار التي فتحها المسلمون الأولون ثم أخضعت لغير المسلمين .
- ثم يمتد وطن المسلم ليشمل الدنيا جميعًا ، ومن ثم يوفق الإسلام – كما يري الإمام البنا – بين شعور الوطنية الخاصة وشعور الوطنية العامة .
- ويبين الإمام البنا خطورة ذلك فيما أرادت الأمة أن تقوي نفسها علي حساب غيرها ، فيقرر لا يرفضون ذلك علي حساب أي قطر إسلامي وإنما نطلب القوة لنا جميعًا ، أما دعاة الوطنية المجردة فلا يرون بذلك بأسًا مما يؤدي إلي تفكك الروابط ، يقول الإمام البنا :"يسمو وطن المسلم بعد ذلك كله حتى يشمل الدنيا جميعا؛ ألست تسمع قول الله تبارك وتعالى (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ) وبذلك يكون الإسلام قد وفق بين شعور الوطنية الخاصة وشعور الوطنية العامة ، بما فيه الخير كل الخير للإنسانية جميعا : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا).
ثانيًا: الوطنية المصرية والموقف منها
- أ- في رسالة "نحو النور" يذكر الإمام البنا أن الأمة في حالة نهوضها – وهذا شأن مصر كما قرر – تحتاج إلي الاعتزاز بقوميتها ، وطبع ذلك في نفوس الأبناء ليعطوا لخير الوطن وإعزازه ، وأن هذا الشعور قد كفله الإسلام الذي جعل الشعور الوطني مرتبط بالعقيدة ، يقول : "ليس فى الدنيا نظام يمد الأمة الناهضة بما تحتاج إليه من نظم وقواعد وعواطف ومشاعر كما يمد الإسلام بذلك كله أممه الناهضة" ، ثم يقول : "وتحتاج الأمم الناهضة إلى الاعتزاز بقوميتها كأمة فاضلة مجيدة لها مزاياها وتاريخها ، حتى تنطبع الصورة فى نفوس الأبناء ، فيفدون ذلك المجد والشرف بدمائهم وأرواحهم ، ويعملون لخير هذا الوطن وإعزازه وإسعاده".
- وفي رسالة "إلي الشباب" ذكر أنهم يعملون لوطن مثل مصر يجاهدون في سبيله ويفنون في هذا الجهاد ، لأن مصر من أرض الإسلام وزعيمة أممه ، إلا أنهم لا يقفون بهذا الشعور عند حدودها ، بل يشركون معها كل وطن إسلامي ، ويذكر أنه بلغ من وطنية الإخوان اعتقادهم أن التفريط في أي شبر أرض يقطنه مسلم جريمة لا تغتفر حتى يعيدوه أو يهلكوا دون إعادته ولا نجاة لهم من الله إلا بهذا، يقول : "الفارق بين المسلمين وبين غيرهم من دعاة الوطنية المجردة أن أساس وطنية المسلمين العقيدة الإسلامية ، فهم يعملون لوطن مثل مصر ويجاهدون فى سبيله ويفنون فى هذا الجهاد لأن مصر من أرض الإسلام وزعيمة أممه ، كما أنهم لا يقفون بهذا الشعور عند حدودها بل يشركون معها فيه كل أرض إسلامية وكل وطن إسلامى ، على حين يقف كل وطنى مجرد عند حدود أمته ولا يشعر بفرضية العمل للوطن إلا عن طريق التقليد أو الظهور أو المباهاة أو المنافع ، لا عن طريق الفريضة المنزلة من الله على عباده ، وحسبك من وطنية الإخوان المسلمين أنهم يعتقدون عقيدة جازمة لازمة أن التفريط فى أى شبر أرض يقطنه مسلم جريمة لا تغتفر حتى يعيدوه أو يهلكوا دون إعادته ، ولا نجاة لهم من الله إلا بهذا".
- وفي رسالة "دعوتنا في طور جديد" : يذكر أن الوطنية المصرية لها مكانتها ومنزلتها وحقها في النضال – في دعوتهم ، ويقول : "إننا مصريون بهذه البقعة الكريمة من الأرض التي نبتنا فيها ونشأنا عليها ، ومصر بلد مؤمن تتلقى الإسلام تلقيًا كريمًا وقد انتهت إليه حضانة الفكرة الإسلامية والقيام عليها ، فكيف لا نعمل لمصر ولخير مصر؟! وكيف لا ندفع عن مصر بكل ما نستطيع وكيف يقال إن الإيمان بالمصرية لا يتفق مع ما يجب أن يدعو به رجل ينادي بالإسلام ويهتف بالإسلام؟! إننا نعتز بأننا مخلصون لهذا الوطن الحبيب ، عاملون له مجاهدون في سبيل خيره وسنظل كذلك ماحيينا ، معتقدين أن هذه هي الحلقة الأولي في سلسلة النهضة المنشودة ، وأنها جزء من الوطن العربي العام، وأننا حين نعمل لمصر نعمل للعروبة وللشرق وللإسلام.
- ب- والبين مما سبق أن الدافع العقيدي وراء هذه الوطنية ، وهو ما قرره في رسالة "المؤتمر الخامس" حيث رد علي من غمز الإخوان في وطنيتهم لتمسكهم بالفكرة الإسلامية ، فيذكر الإمام البنا "أن الإسلام فرضها فريضة لازمة لا مناص منها أن يعمل كل إنسان لخير بلده وأن يتفانى في خدمته..، فكل مسلم مفروض عليه أن يسد الثغرة التي هو عليها وأن يخدم الوطن الذي نشأ فيه ، ومن هنا كان المسلم أعمق الناس وطنية وأعظمهم نفعًا لمواطنيه لأن ذلك فرض إلهي . فالإخوان أشد الناس حرصًا علي خير وطنهم ، وتفانيًا في خدمة قومهم .. فالإخوان يحبون وطنهم ويحرصون علي وحدته القومية بهذا الاعتبار ، ولا يجدون غضاضة علي أي إنسان أن يخلص لبلده وأن يفني في سبيل قومه وأن يتمني لوطنه كل عز ومجد وفخار .. الإخوان المسلمون يحترمون قوميتهم الخاصة باعتبارها الأساس الأول للنهوض المنشود ، ولا يرون بأسًا بأن يعمل كل إنسان لوطنه وأن يقدمه في الوطن علي سواه".
- ج- وبهذا يتبين أن الإخوان يقبلون الوطنية المصرية علي أنها ذات مضمون إسلامي وعلي أنها حلقة في سلسلة النهضة التي ينشدونها ، ويرفضون الوطنية علي أنها إحياء للفرعونية وصبغ الأمة بها أوعلي أنها محدودة بحدود الوطن المصري، فالمصرية أو القومية لها فى دعوتنا مكانها ومنزلتها وحقها فى الكفاح والنضال .. فكيف لا نعمل لمصر ولخير مصر؟ وكيف لا ندفع عن مصر بكل ما نستطيع .. إننا نعتز بأننا مخلصون لهذا الوطن الحبيب عاملون له مجاهدون فى سبيل خيره ، وسنظل كذلك ما حيينا معتقدين أن هذه هى الحلقة الأولى فى سلسلة النهضة المنشودة ، وأنها جزء من الوطن العربى العام ، وأننا حين نعمل لمصر نعمل للعروبة والشرق والإسلام .. وليس يضيرنا فى هذا كله أن نعنى بتاريخ مصر القديم ، فنحن نرحب بمصر القديمة كتاريخ فيه مجد وفيه علم ومعرفة ، ونحارب هذه النظرية بكل قوانا كمنهاج عمل يراد صبغ مصر به ودعوتها إليه بعد أن هداها الله بتعاليم الإسلام وشرح له صدرها وأنار به بصيرتها وزادها به شرفًا ومجدًا فوق مجدها".
- وهذا الموقف الاعتقادي عند الإخوان يربي في الفرد شعور الانتماء إلي مصر ، والإحساس بالمسؤولية تجاهها ، ويبعث علي العمل علي تحريرها وترقيها ، وفي نفس الوقت يوسع أفق الوطن باعتبار أن مصر حلقة أولي لحلقات النهضة . ومن ثم فلا تناقض بين هذا الموقف والعروبة.
ثالثا: الموقف من الوحدة الوطنية (الأقليات)
- تقدم أن الوطنية عند الإخوان تنطلق من العقيدة الإسلامية ، وذات مضمون إسلامي ، مما قد يؤدي إلي تسائل عن الموقف لغير المسلمين في الوطن المصري فهل لهم حقوق المواطن ووجباته كاملا ، أم أن القول بالمضمون الإسلامي للوطنية يؤدي إلي انحصار بعض تلك الحقوق عن غير المسلمين؟ ويذكر المستشار البشري أن هذه النقطة العملية هي أدق ما يواجه فريقي الجامعتين الدينية والقومية ، ولعله فيها تكمن بذرة الخلاف الأساسي بينهما.
- ويتضح من خلال استقراء لأفكار الإمام البنا في هذه النقطة أنها كانت تأخذ حيزًا غير قليل من بياناته وتوعيته مما يشير إلي أنها كانت تمثل اهتماما له ، والمنهج السائد في تناوله جميعًا هو بيان موقف الإسلام – عقديًا وتاريخيًا- من غير المسلمين في المجتمع الإسلامي .
- ففي أكثر من رسالة وخطاب يتناول الإمام البنا الموقف من الأقباط ، فيرد علي من يقول إن فهم الوطنية بهذا المعني السابق يمزق وحدة الأمة لأنها تأتلف من عناصر دينية مختلفة ، بأن الإسلام دين الوحدة ودين المساواة وأنه كفل هذه الروابط بين الجميع ماداموا متعاونين علي الخير : (لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِينِ ولَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وتُقْسِطُوا إلَيْهِمْ إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُقْسِطِينَ) فمن أين يأتي التفريق إذن؟.
- وفي رسالة "نحو النور" : يذكر أن الإسلام يحمي الأقليات عن طريق : أنه قدس الوحدة الإنسانية العامة وقدس الوحدة الدينية العامة بأن فرض علي المؤمنين به الإيمان بكل الرسالات السابقة . ثم قدس الوحدة الوطنية الخاصة من غير تعدي ولا كبر ، ويري أن هذا (مزاج الإسلام المعتدل ) لا يكون سببًا في تمزيق وحدة متصلة بل يكسب هذه الوحدة صفة القداسة الدينية بعد أن كانت تستمد قوتها من نص مدني فقط، ويذكر أن الإسلام حدد بدقة من يحق للمسلمين مقاطعتهم وعدم الاتصال بهم وهم الذين يقاتلونهم في الدين ويخرجونهم من ديارهم ويظاهرون علي إخراجهم ، يقول : "فإن الإسلام الذى وضعه الحكيم الخبير الذى يعلم ماضى الأمم وحاضرها ومستقبلها قد احتاط لتلك العقبة وذللها من قبل ، فلم يصدر دستوره المقدس الحكيم إلا وقد اشتمل على النص الصريح الواضح الذى لا يحتمل لبسًا ولا غموضًا فى حماية الأقليات ، وهل يريد الناس أصرح من هذا النص : (لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) ، فهذا النص لم يشتمل على الحماية فقط ، بل أوصى بالبر والإحسان إليهم".
- هذا الإسلام الذى بنى على هذا المزاج المعتدل والإنصاف البالغ لا يمكن أن يكون أتباعه سببًا فى تمزيق وحدة متصلة ، بل بالعكس إنه أكسب هذه الوحدة صفة القداسة الدينية بعد أن كانت تستمد قوتها من نص مدنى فقط".
- ويؤكد الإمام البنا نفس هذه الفكرة في رسالته للشباب ، فيقول: "فيخطئ من يظن أن الإخوان دعاة تفريق عنصري بين طبقات الأمة" ويستدل بأن "الإسلام عني أدق عناية باحترام الرابطة الإنسانية العامة بين بني الإنسان ، وأوصي بالبر والإحسان بين المواطنين وإن اختلفت عقائدهم ،وبإنصاف الذميين وحسن معاملتهم (لهم مالنا وعليهم ما علينا ) فلا ندعو إلي فرقة عنصرية ولا إلي عصبية طائفية ثم يؤكد الإمام البنا المعني السابق للوطنية فيقرر "ولكننا إلي جانب هذا لا نشتري هذه الوحدة بإيماننا ولا نساوم في سبيلها علي عقيدتنا ، ونهدر من أجلها مصالح المسلمين وإنما نشتريها بالحق والعدالة والإنصاف وكفى".
- وفي رسالة "مشكلاتنا في ضوء النظام الإسلامي" : يبين الإمام البنا موقف الأقلية غير المسلمة ذاتها من الإسلام وبالتالي من دعوة الإخوان , فالأقلية – كما يذكر الإمام البنا – من أبناء هذا الوطن تعلم تمام العلم كيف تجد الطمأنينة والأمن والعدالة والمساواة التامة – في كل تعاليم الإسلام وأحكامه ، "وهذا التاريخ الطويل للصلة الطيبة الكريمة بين أبناء هذا الوطن جميعًا – مسلمين وغير مسلمين _ يكفينا مؤنة الإفاضة والإسراف ، فإن من الجميل حقًا أن نسجل لهؤلاء المواطنين الكرام أنهم يقدرون هذه المعاني في كل المناسبات ، ويعتبرون الإسلام معني من معاني قوميتهم , وإن لم تكن أحكامه وتعاليمه من عقيدتهم".
- ويمكن إجمال نظرة الإمام البنا والإخوان للأقباط في عاملين أساسيين هما :
- 1. الجانب العقائدي : وفيه التزام الإخوان بما جاء في القرآن الكريم والسنة من أن أهل الكتاب أرسل الله لهم سيدنا عيسى – عليه السلام – نبيًا ورسولا وأنزل معه الإنجيل، وهم أقرب للمسلمين من اليهود فقد قال الله فيهم : (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا اليَهُودَ والَّذِينَ أَشْرَكُوا ولَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُم مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ ورُهْبَانًا وأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ) وهذا هو المفهوم العام والذي تربى عليه الإخوان وهو موجود في مختلف أدبياتهم .
- 2. الجانب المعاملاتي : وفيه اعتبر الإخوان أن الأقباط لهم كافة حقوق المواطنة ؛ حيث إنهم جزء من نسيج الوطن ، فهم شركاء في هذا الوطن ، ولذلك جاءت علاقة الإخوان بالأقباط عمومًا علاقة طيبة كباقي فئات المجتمع ، ولم يعكرها إلا تدخل بعض المغرضين الذين يكرهون الخير للبلاد ، أو متعصبون ضد كل ما هو إسلامي يحكمهم في ذلك الهوى والحقد الشخصي ، أو فئة فهمت الإسلام فهمًا خطئًا.
شهادات في حق الإمام البنا
قال الشهيد سيد قطب رحمه الله تحت عنوان : "حسن البنا وعبقرية البناء" :
- "في بعض الأحيان تبدو المصادفة العابرة قدرًا وحكمة مدبرة في كتاب مسطور ـ حسن البنا ـ إنها مصادفة أن يكون هذا لقبه . ولكن من يقول أنها مصادفة ؟! والحقيقة الكبرى لهذا الرجل هي البناء وإحسان البناء بل عبقرية البنا ؟! وإن استشهاده عملية جديدة من عمليات البناء وعملية تعميق الأساس وتقوية للجدران . وما كان ألف خطبة وخطبة ، ولا ألف رسالة للفقيد الشهيد لتلهب الدعوة في نفوس الإخوان كما ألهبتها قطرات الدم الزكي المهراق .. إن كلماتنا تظل عرائس من الشمع ، حتى إذا متنا في سبيلها دبت فيها الروح , وكتبت لها الحياة . وعندما سلط الطغاة الحديد والنار علي بناء حسن البنا والعاملين فيه ، استطال عليهم الهدم ، لأن الحديد والنار لا يمكن أن يهدما فكرة في يوم من الأيام".
وقال السيد أبو الحسن الندوي رحمه الله:
- "إن كل من عرف حسن البنا عن كثب لا عن كتب ، وعاش متصلا به ، عرف فضل هذه الشخصية التي قفزت إلي الوجود وفاجأت مصر ثم العالم العربي والإسلامي كله بدعوتها وقوتها الفذة .
- فقد اجتمعت فيه صفات ومواهب تعاونت في تكوين قيادة دينية اجتماعية لم يعرف العالم العربي والإسلامي وما وراءه قيادة دينية أو سياسية أقوى وأعظم تأثيرًا ، أو أكثر إنتاجًا منها منذ قرون ، وفي تكوين حركة إسلامية يندر أن تجد حركة أوسع نظامًا وأعظم نشاطًا ، وأكبر نفوذًا منها".
وقال الشيخ محمد الحامد رحمه الله تعالى :
- "كان حسن البنا لله بكليته وروحه وجسده ، بقلبه وقالبه ، بتصرفاته وتقلبه ، كان لله فكان الله له ، واجتباه فجعله من سادات الشهداء والأبرار".
وقال عبد الحكيم عابدين رحمه الله :
- "أقام الداعية المؤمن مدرسته الفاضلة في توجيه الفكر الإسلامي علي عشر دعائم :
- 1- دوام استهداف الوحدة ، وهي الحرص علي رابطة اجتماع القلوب واجتماع الكلمة .
- 2- كل من قال (لا إله إلا الله ) يلتقي معك في ظل التوحيد .
- 3- اتهام النفس ، وإحسان الظن بالمخالف .
- 4- أدب الأفكار والاختصام ، فإذا أنكر علي إنسان أو خاصم ، التزم الخلق الرفيع في ذلك .
- 5- ذم الجدال والمكابرة .
- 6- جواز تعدد الصواب .
- 7- التعاون في المتفق عليه وتبادل العذر في المختلف فيه .
- 8- استحضار خطر العدو المشترك الذي لا يميز بين مسلم وآخر .
- 9- فتح آفاق العمل والإنتاج ، فعلي كل أخ – فوق أعماله الخاصة_ أن يقرأ كل يوم ورد من القرآن ، ويحاسب نفسه قبل النوم .
- 10- الرثاء للقتال المنحرف ، لا الشماتة فيه ولا التشهير به".
ويقول الأديب الكبير أحمد حسن الزيات :
- "وجدت فيه ما لم أجد في قبيله ، أو أهل جيله: من إيمان بالله راسخ رسوخ الحق ، لا يزعزعه غرور العلم ولا شرود الفكر ، وفقه في الدين صاف صفاء المزن ، لا يكدره ضلال العقل ، ولا فساد النقل ، وقوة في البنيان مشرقة إشراق الوحي لا تحبسها عقدة اللسان ، ولا ظلمة الحس ، إلي حديث يتصل بالقلوب ، ومحاضرة تمتزج بالأرواح ، وجاذبية تدعوك إلي أن تحبه ، وشخصية تحملك علي أن تذعن !!"
- ثم قال :"والفطرة التي فطر عليها حسن البنا والحقبة التي ظهر فيها حسن البنا تشهدان بأنه المصلح الذي اصطنعه الله لهذا الفساد الذي صنعه الناس".
وقال الأمير المجاهد عبد الكريم الخطابي – رحمه الله :
- "ويح مصر وإخوتي أهل مصر مما يستقبلون جزاء ما اقترفوا ، فقد سفكوا دم ولي من أولياء الله !! تري أين يكون الأولياء إن لم يكن منهم ، بل في عزتهم ، حسن البنا الذي لم يكن في المسلمين مثله".
يقول السيد منصور فهمي باشا : بعنوان "الفقيد الشهيد" :
- "لقد أخطأ وظلم من توهم أن فى دعوة الفقيد ذرة من التعصب المقيت ، يتجلى فى معاداة من ليسوا على دينه وعقيدته ، وذلك لأن هذا الرجل كان رقيق القلب مهذب النفس ، يفهم دينه كما يجب أن يفهم على حقيقته ، ويعلم أن من الأسس التى قامت عليها دعائم الإسلام ألا إكراه فى الدين ، وإنى لأعلم علم اليقين أن الفقيد الراحل كان أخًا كريمًا وصديقًا صادقًا للكثيرين من أهل الرأى والفكر مما هم على غير دينه".
يقول الأستاذ أنور الجندي فى مقاله بعنوان : "حسن البنا علامة مضيئة على طريق الدعوة :
- "يمثل الأستاذ الإمام حسن البنا علامة مضيئة على طريق الدعوة الإسلامية فى العصر الحديث من بين كوكبة من الدعاة إلى الله الذين عملوا على إحياء مفهوم الإسلام الصحيح ، مجددين هذا الدين ، بوصفه منهاج حياة ونظام مجتمع ، فقط أعطى هذا المنهج قلعة حصينة بناها فى خلال عشرين عاما وهو البناء ، تلك هى الانتقال من مرحلة الدعوة العامة إلى مرحلة بناء الأجيال المسلمة المؤمنة القادرة على حمل أمانة الرسالة عن طريق التربية ، فكان عمله ذلك إضافة واسعة لمن سبقوه منذ الإمام "محمد بن عبدالوهاب" ، و"المهدى" ، و"السنوسى" ، و"أحمد بن عرفان" ، وصولا إلى "جمال الدين" ، و"محمد عبده و"رشيد رضا".
يقول اللواء محمد صالح حرب من كبار الوطنيين فى مقاله بعنوان "كان حسن البنا قليل المثال نادر النظير" :
- "كان حركة دائبة لا يعرف الكلل أو الملل فهو يرتحل ويسافر ويخطب ويحاضر ، ويتحدث ويحاور، وينظم ويؤسس ، ويصل الليل بالنهار ولا يعرف الراحة أو الاستجمام ، وذلك شأن الداعية الحريص على أن يصل بدعوته إلى ما يريد ، فلابد له أن يبذل فى سبيلها كل ما يستطيع وقد فعل".
يقول مكرم عبيد باشا أحد الزعماء الوطنيين :
- "فضيلة الشيخ حسن البنا هو حى لدينا جميعًا فى ذكراه ، بل كيف لا يحيا ويخلد فى حياته رجل استوحى فى الدين هدى ربه ، ففى ذكره حياة له ولكم"
- ومن ذا الذى يقول بهذا هو مكرم عبيد صديقه المسيحى الذى عرف فى أخيه المسلم الكريم الصدق والصداقة معا ، ولئن ذكرت فكيف لا أذكر كم تزاورنا وتآزرنا إبان حياته ، ولئن شهدت فكيف لا أشهد بفضله بعد مماته".
وقال محمد نجيب رئيس الجمهورية الأسبق :
- "كان حسن البنا صاحب عقيدة أخذت بزمام نفسه ، وملكت عليه منافذ حسه فعاش من أجلها أشق عيشة وأقساها ، ومات فى سبيلها أشرف ميتة وأسماها ، وكان – رحمه الله – يؤمن بأن الدين هو الكفيل بإيجاد الأخلاق القومية فى نفوس أبناء الوطن العزيز ، وهو الوسيلة إلى حمل النفوس على الفداء والبذل من أجل الكرامة والحرية والعدل ، وهى المعانى التى يأمر بها الدين ويريد إعلاء قدرها وتثبيت دعائمها بين الناس أجمعين".
وقال الشيخ محمد مصطفى المراغي شيخ الأزهر الأسبق :
- "إن الأستاذ البنا ، رجل مسلم غيور على دينه ، يفهم الوسط الذى يعيش فيه ، ويعرف مواضع الداء فى جسم الأمة الإسلامية ، ويفقه أسرار الإسلام ، وقد اتصل بالناس اتصالا وثيقًا على اختلاف طبقاتهم ، وشغل نفسه بالإصلاح الدينى والاجتماعى ، على الطريقة التى كان يرضاها سلف هذه الأمة".
وقال الكاتب الأمريكي روبير جاكسون :
- "شاءت الأقدار أن يرتبط تاريخ ولادة حسن البنا وتاريخ وفاته بحادثين من أضخم الأحداث في الشرق .. فقد ولد عام 1906 وهو عام دنشواي ومات عام 1949 وهو عام إسرئيل التي قامت شكليًا عام 1948 وواقعيًا سنة 1949 .. وقد أفلت الرجل من غوائل المرأة والمال والجاه وهي المغريات الثلاث التي سلطها المستعمر على المجاهدين .. وقد فشلت كل المحاولات التي بذلت في سبيل إغرائه وكان الرجل عجيبًا في معاملة خصومه وأنصاره على السواء، كان لا يهاجم خصومه ولا يصارعهم بقدر ما يحاول إقناعهم وكسبهم إلى صفه ويرى أن الصراع بين هيئتين لا يأتي بالنتائج المرجوة وكان يؤمن بالخصومة الفكرية ولا يحولها إلى خصومة شخصية ولكنه مع ذلك لم يسلم من إيذاء معاصريه ومنافسيه ... كان الرجل يقتفي خطوات عمر وعلي ويصارع مثل بيئة الحسين فمات مثلهم شهيدًا.
- وأستطيع بناءاً على دراستي الواسعة عن الرجل أن أقول : إن حياته وتصرفاته كانت تطبيقًا صادقًا للمبادئ التي نادى بها ...
- كان بالإضافة إلى ذلك يؤمن بالواقعية ويفهم الأشياء على حقيقتها مجردة من الأوهام ... وكان يبدو حين تلقاه هادئا غاية الهدوء وفي قلبه مرجل يغلي ولهيب يضطرم ... فكان في عقله مرونة وفي تفكيره تحرر وفي روحه إشراق وفي أعماقه إيمان قوي جارف ... وكان متواضعًا تواضع من يعرف قدره متفائلا عف اللسان .. عف القلم ينأى بنفسه عن أن يجري مجرى أصحاب الألسنة الحداد. كان مذهبه السياسي أن يرد مادة الأخلاق إلى صميم السياسة بعد أن نزعت منها .. وبعد أن قيل أن السياسة والأخلاق لا يجتمعان".
المراجع
1- الإخوان المسلمون أوراق تاريخية ،إبراهيم زهموم ، بدون تاريخ .
2- الإخوان المسلمون 70 عامًا فى الدعوة والتربية والجهاد ،د. يوسف القرضاوي – مكتبة وهبة – الطبعة الأولى – 1420هـ - 1999م.
3- الأصولية في العالم العربي – ريتشارد هرير كمجيان – ترجمة عبد الوارث سعيد – دار الوفاء - المنصورة – الطبعة الثالثة – 1412هـ - 1992م.
4- الإمام الشهيد حسن البنا .. داعية .. مجاهدا .. شهيدا – الشيخ محمد عبد الله الخطيب ،دار الت[[وزيع والنشر الإسلامية – 1420هـ - 1999م.
5- الإمام الشهيد حسن البنا مجدد القرن الرابع عشر الهجري ،أحمد حسن شوربجي – دار الدعوة – [[الإسكندرية]ي – الطبعة الأولى – 1418هـ = 1998م.
6- التربية السياسية عند الإخوان المسلمين – د. عثمان عبدالمعز رسلان – دار التوزيع والنشر الإسلامية – الطبعة الأولى – 1990م.
7- دور الإخوان المسلمين في المجتمع المصري (1938-1945) – ضمن أوراق من تاريخ الإخوان المسلمين (6) – جمعة أمين عبد العزيز – دار التوزيع والنشر الإسلامية – الطبعة الأولى – 1427هـ = 2006م.
8- حسن البنا الرجل القرآني – روبير جاكسون – ترجمة أنور الجندى – مركز الإعلام العربى – الطبعة الأولى – 1427هـ = 2006م.
9- الدولة والسياسة في فكر حسن البنا – جابر رزق – دار الوفاء – المنصورة – الطبعة الأولى – 1405هـ = 1985م.
10- الفكر التربوى وتطبيقاته لدى جماعة الإخوان المسلمين – أحمد ربيع عبدالحميد خلف الله – مكتبة وهبة – الطبعة الأولى – 1404هـ = 1984م.
11- الفكر السياسى للإمام حسن البنا – د. إبراهيم البيومي غانم – دار التوزيع والنشر الإسلامية – الطبعة الأولى – 1412هـ = 1992م.
12- قالوا عن الإمام البنا – جمعة أمين عبد العزيز – دار التوزيع والنشر الإسلامية – الطبعة الأولى – 1424هـ = 2003م.
13- قواعد التعامل مع غير المسلمين – المستشار سالم البهنساوي – دار الوفاء – المنصورة – الطبعة الثانية – 1415هـ = 2004م.
14- لسان العرب – ابن منظور – دار المعارف – القاهرة .
15- مجموعة رسائل الإمام الشهيد حسن البنا – دار الدعوة – الإسكندرية - الطبعة الأولى – 1423هـ = 2002م
- رسالة دعوتنا
- رسالة نحو النور
- رسالة إلى الشباب
- رسالة دعوتنا فى طور جديد
- رسالة المؤتمر الخامس .
- رسالة مشكلاتنا في ضوء النظام الإسلامي .
16- المدخل إلى دعوة الإخوان المسلمين – سعيد حوى – الطبعة الثانية – 1404هـ = 1984م.
17- مذكرات الدعوة والداعية – الإمام الشهيد حسن البنا – دار الشهاب – بدون تاريخ .
18- المسلمون والأقباط فى إطار الجماعة الوطنية – المستشار طارق البشري – الهيئة المصرية العامة للكتاب – 1980م.
19- معالم المشروع الحضارى فى فكر الإمام الشهيد حسن البنا – د. محمد عمارة – دار التوزيع والنشر الإسلامية – الطبعة الأولى – 1427هـ = 2006م.
20- المعجم الوسيط – مجمع اللغة العربية – القاهرة – بدون تاريخ .
21- منهج الإصلاح والتغيير عند جماعة الإخوان المسلمين دراسة فى رسائل الإمام البنا – د. محمد عبد الرحمن – الطبعة الأولى – 1427هـ - 2006م.
22- موسوعة شهداء الحركة الإسلامية فى العصر الحديث – د. توفيق يوسف الواعي – دار التوزيع والنشر الإسلامية – الطبعة الأولى – 1427هـ = 2006م.
23- الموسوعة الميسرة فى الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة – إشراف مانع الجهني – دار الندوة العالمية للطباعة والنشر والتوزيع – الطبعة الخامسة 1424هـ = 2003م