الوسائل الشرعية المعينة على الثبات

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
الوسائل الشرعية المعينة على الثبات

لقد كثرت حوادث السقوط، أو الردة والنكوص على الأعقاب والانتكاسات حتى بين بعض العاملين للإسلام، مما يحمل المسلم على الخوف من أمثال تلك المصائر، ويتلمس وسائل الثبات للوصول إلى بر الأمان،وشاطئ النجاة.

إنّ حاجة المسلم اليوم لوسائل الثبات أعظم من حاجة أخيه المسلم أيام السلف، والجهد المطلوب لتحقيقه أكبر؛ لفساد الزمان، وندرة الأخوان الناصحين، وضعف المعين، وقلة الناصر، وقوة إمكانات المكر ووسائل القهر، ومن رحمة الله عزّ وجل بنا أن بيّن لنا فـي كتابه وعلى لسان نبيه وفـي سيرته وسائل كثيرة للثبات.

نعرض بعضاً منها:

أولاً:الإقبال على القرآن تلاوة وتدبراً وعملاً

إّنه لا نجاة للأمة من الفتن والشدائد التي حلّت بها، والثبات على الدّين إلا بالاعتصام بالكتاب، لأنّ من تمسك به أنجاه الله تعالى، ومن دعا إليه هُدِيَ إلى صراط مستقيم. والقرآن العظيم وسيلة الثبات الأولى،(إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً) الإسراء:9، وهو شفاء لعلل السقوط والشقاء (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَاراً) الإسراء:82، (مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى) طـه:2، والقرآن الكريم مثبت للقلوب (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً) الفرقان:32(لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) الحشر:21.

وهو حبل الله المتين، والنور المبين، من تمسك به عصمه الله تعالى من الزلل، ومن اتبعه أنجاه الله تعالى من السقوط، وثبّته على الحق،ومن دعا إليه هُدي إلى صراط مستقيم.قال الله تعالى:(وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ)آل عمران:103وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:'من تمسك به هُدِي إلى صراط مستقيم هو حبل الله المتين وهو الصراط المستقيم '.

ونصّ الله على أنّ الغاية التي من أجلها أنزل هذا الكتاب منجماً مفصلاً هي التثبيت، فقال تعالى فـي معرض الرد على شُبه الكفار:(وقال الذين كفروا لولا نزّل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلاً ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيراً) الفرقان: 32 لماذا كان القرآن مصدراً للتثبيت ؟؟

1- لأنه يغرس الإيمان وينميه، ويزكي النفس، ويقوي الصلة بال له(وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَاناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ) التوبة:124.

2- لأنّ آيات القرآن تتنزل برداً وسلاماً على قلب المؤمن، فلا تعصف به رياح الفتنة، ويطمئن قلبه بذكر الله .(الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) الرعد:28

3- لأنّه يزود المسلم بالتصورات والقيم الصحيحة، التي يستطيع من خلالها أن يُقوِّم الأوضاع من حوله، ويمده بالموازين الدقيقة، التي تهيئ له الحكم على الأمور فلا يضطرب حكمه،ولا تتناقض أقوله باختلاف الأحداث والأشخاص،(وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً)الفرقان:33. ثانياً:التزام شرع الله، والعمل الصالح

قال الله تعالى:( يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت فـي الحياة الدنيا وفـي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء ) إبراهيم :27 قال قتادة -وكذا روي عن غير واحد من السلف- 'أما الحياة الدنيا فـيثبتهم بالخير والعمل الصالح، وفـي الآخرة فـي القبر'، وقال سبحانه:(ولو أنّهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيراً لهم وأشدّ تثبيتاً)النساء:66

(ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ)البلد:17،(إِنَّ الإنسان لَفـي خُسْر إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) العصر:2-3، فعمل الصالحات والطاعات،والتواصي بذلك تزكي النفس، وتهذب القلب، وهي كفارة للذنوب،ومبعدة عن مواقع الزلل والزيغ،قال الله تعالى:(وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ) البقرة:45. وقال سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) البقرة:153، وقال تعالى:(اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) العنكبوت:45.

ثالثاً:تدبر قصص الأنبياء والصالحين، ودراستها للتأسي والعمل

قال تعالى:( وكلاً نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك وجاءك فـي هذه الحق وموعظة وذكرى للمؤمنين) هود:120. فما نزلت تلك الآيات على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلّم للتلهي والتفكه وإنّما لغرض عظيم هو تثبيت فؤاد رسول الله صلى الله عليه وسلّم وأفئدة المؤمنين معه.

ففـي قصص الأنبياء،والصحابة،والصالحين وعلماء الأمة الأتقياء ما يزيد المرء ثباتاً واستقراراً.

- فلو تأملت أخي المسلم: قول الله عز وجل فـي سيدنا إبراهيم عليه السلام الذي واجه طغيان الطغاة:( قالوا حرقوه وأنصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين قلنا يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم وأرادوا به كيداً فجعلناهم الأخسرين) الأنبياء:68-70، ألا تشعر بمعنى من معاني الثبات أمام الطغيان والعذاب يدخل نفسك وأنت تتأمل هذه القصة ؟

- لو تدبرت أخي المسلم: قول الله عز وجل فـي قصة موسى عليه السلام:( فلما تراءى الجمعان قال أصحاب موسى إنّا لمدركون قال كلّا إنّ معي ربي سيهدين)الشعراء:61-62 ألا تحسّ بمعنى آخر من معاني الثبات عند مطاردة وملاحقة الظالمين،أي الثبات فـي لحظات الشدّة وسط صرخات اليائسين وأنت تتدبر هذه القصة؟.

- لو استعرضت أخي سائل الثبات: قصة سحرة فرعون، ذلك المثل العجيب للقلة التي ثبتت على الحقّ بعدما تبين.ألا ترى أنّ معنىً عظيماً من معاني الثبات يستقر فـي النفس أمام تهديدات الظالم وهو يقول:( آمنتم له قبل أن آذن لكم إنه لكبيركم الذي علمكم السحر فلأقطعنّ أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنّكم فـي جذوع النجل ولتعلمن أينا أشد عذاباً وأبقى) طه :71.

إنّه ثبات القلة المؤمنة الذي لا يشوبه أدنى تراجع وهم يقولون:( لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات والذي فطرنا فاقض ما أنت قاضٍ ، إنما تقضي هذه الحياة الدنيا ) طه:72 .

- وهكذا قصة المؤمن فـي سورة يس ومؤمن آل فرعون،وأصحاب الأخدود، وغيرها،يكاد الثبات يكون من أعظم دروسها جميعا.

- وهذا عروة بن الزبير أحد فقهاء التابعين فـي الإسلام، مثل صالح للمؤمن الصابر الراضي، المقدر لنعم الله، فقد رووا أن رجله وقعت فـيها الأكلة فقرر الأطباء قطعها حتى لا تسري إلى ساقه كلها ثم إلى فخذه، وربما ترقت إلى الجسد فأكلته، فطابت نفسه بنشرها.

فعرضوا عليه أن يشرب شيئاً يغيب عقله حتى لا يحس بالألم ويتمكنوا من قطعها فقال: ما ظننت أن أحداً يؤمن بالله يشرب شيئاً يغيب عقله حتى لا يعرف ربه عز وجل ولكن هلموا فاقطعوها، فقطعوها من ركبته وهو صامت لا يتكلم، ولا يعرف أنه أنّ (اشتكى)!!

وشاء القدر أن يبتلى الرجل على قدر إيمانه، ففـي هذه الليلة التي قطعت فـيها رجله سقط ابن له -كان أحب أولاده إليه- من سطح فمات، فدخلوا عليه فعزوه فـيه، فقال: اللهم لك الحمد، كانوا سبعة فأخذت واحداً وأبقيت ستة، وكان لي أطراف أربعة فأخذت واحداً وأبقيت ثلاثة، فإن كنت أخذت فلقد أعطيت، ولئن كنت قد ابتليت لقد عافـيت!!

رابعاً:الـدعـاء: من صفات عباد الله المؤمنين أنّهم يتوجهون إلى الله عز وجل بالدعاء أن يثبتهم، فالدعاء من أقوى ما يعين المسلم على ذلك عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:'إنّ الدعاء سلاح المؤمن'. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو لأصحابه بالثبات، ومن ذلك دعائه لعبد الله بن رواحة: 'وأنت فثبتك الله يا ابن رواحة، قال هشام فثبته الله أحسن الثبات، قتل شهيداً،وفتحت له الجنة ودخلها'.

ومن كان حريصاً على الدعاء يلهج به فـي كل وقت كان تذكيراً له لاتخاذ أسباب الثبات والحذر من أسباب الزيغ والانحراف؛ والدعاء فـيه تذكير بمحاسبة النفس عن كل مؤثر على مسيرة القلب، ومن الأدعية فـي ذلك:(ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا )، (ربنا أفرغ علينا صبراً وثبت أقدامنا)، (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فـي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا) آل عمران:147، ولما كانت 'قلوب بني آدم كلها بين أصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه حيث يشاء ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك '.

ونجد كثيرًا من الأدعية تركز على معنى الثبات،ومن ذلك دعاء عبد الله بن مسعود:'الله إني أسألك إيمانـًا لا يرتدّ ونعيمـًا لا ينفد '، وقال شداد بن أوس: 'كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا كلمات ندعو بهنّ فـي صلاتنا: الله إني أسألك الثبات فـي الأمر وأسألك عزيمة الرشد'.

ولقد استعان يوسف عليه السلام فـي الثبات أمام ف كيد النساء بالدعاء، فتوجه إلى الله (قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ) يوسف:33.

خامساً:ذكر الله تعالى:

قال تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) الأنفال:2، ذكر الله من أعظم أسباب التثبيت..تأمل فـي هذا الاقتران بين الثبات وذكر الله فـي قوله عز وجل:( يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيراً)الأنفال:45.

فجعله من أعظم ما يعين على الثبات فـي الجهاد،(إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فـي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ) الأنفال:12

ولقد استعان يوسف عليه السلام بذكر الله فـي الثبات أمام فتنة المرأة ذات المنصب والجمال لما دعته إلى نفسها ؟ ألم يدخل فـي حصن 'معاذ الله' فتكسرت أمواج جنود الشهوات على أسوار حصنه ؟،(وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فـي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) يوسف:23.

وكذا تكون فاعلية الأذكار فـي تثبيت المؤمنين. وإذا غفل المؤمن عن ذكر الله تعالى جثم الشيطان الرجيم على قلبه، وانبسط عليه، وبذر فـيه أنواع الوساوس، التي هي أصل الذنوب كلها،، قال تعالى: (اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ) المجادلة:19، فإذا ذكر العبد ربه عز وجل، واستعاذ به انخنس وانقبض.

قال قتادة: 'والله ما نسي قوم ذكر الله عز وجل إلا باروا وفسدوا'. يقول ابن القيم:' إن دوام ذكر الرب تبارك وتعالى يوجب الأمان من نسيانه الذي هو سبب شقاء العبد فـي معاشه ومعاده، فإنّ نسيان الرب سبحانه وتعالى يوجب نسيان نفسه ومصالحها (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) الحشر:19، وإذا نسي العبد نفسه أعرض عن مصالحها ونسيها واشتغل عنها فهلكت وفسدت ولا بد، كمن له زرع أو بستان أو ماشية أو غير ذلك ومما صلاحه وفلاحه بتعاهده والقيام عليه فأهمله ونسيه، واشتغل عنه بغيره وضيع مصالحه، فإنّه يفسد ولابد'.

سادساً:الحرص على سلوك طريق أهل السنة والجماعة

إنّ الطريق الوحيد الصحيح الذي يجب على كل مسلم سلوكه هو طريق السلف الصالح أهل السنة والجماعة، طريق الطائفة المنصورة والفرقة الناجية،أهل العقيدة الصافـية،والمنهج السليم، واتباع السنة والدليل،والتميز عن أعداء الله ومفاصلة أهل الباطل.

عن عمران بن حصين رضي الله عنهما قال: قال:النبي صلى الله عليه وسلم:' ثم خيركم قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم' قال عمران:لا أدري أذكر النبي صلى الله عليه وسلم بعد قرنه قرنين أو ثلاثة، وعن عبد الله رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:'ثم خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يجيء أقوام تسبق شهادة أحدهم يمينه ويمينه شهادته'.

عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن بني إسرائيل افترقت على إحدى وسبعين فرقة، وإن أمتي ستفترق على ثنتين وسبعين فرقة، كلها فـي النار إلا واحدة وهي الجماعة '.

وعن بن مسعود رضي الله عنه قال لي النبي صلى الله عليه وسلم يا عبد الله بن مسعود؟ فقلت: لبيك يا رسول الله ثلاث مرار قال:' هل تدري أي عرى الإيمان أوثق؟ قلت الله ورسوله أعلم، قال: أوثق الإيمان الولاية فـي الله بالحب فـيه والبغض فـيه، يا عبد الله بن مسعود؟ قلت لبيك يا رسول الله ثلاث مرار، قال: هل تدري أي الناس أفضل؟ قلت الله ورسوله أعلم، قال: فإن أفضل الناس أفضلهم عملا إذا فقهوا فـي دينهم يا عبد الله بن مسعود قلت لبيك وسعديك ثلاث مرار، قال: هل تدري أي الناس أعلم؟ قلت الله ورسوله أعلم، قال:' فإن أعلم الناس أبصرهم بالحق إذا اختلفت الناس وإن كان مقصرا فـي العمل، وإن كان يزحف على إسته واختلف من كان قبلنا على اثنتين وسبعين فرقة، نجا منها ثلاث وهلك سائرها، فرقة:وازت الملوك وقاتلتهم على دين الله ودين عيسى بن مريم حتى قتلوا وفرقة: لم يكن لهم طاقة بموازاة الملوك، فأقاموا بين ظهراني قومهم فدعوهم إلى دين الله ودين عيسى بن مريم فقتلتهم الملوك ونشرتهم بالمناشير، وفرقة: لم يكن لهم طاقة بموازاة الملوك ولا بالمقام بين ظهراني قومهم، فدعوهم إلى الله وإلى دين عيسى بن مريم، فساحوا فـي الجبال وترهبوا فـيها، فهم الذين قال الله (ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها -إلى قوله- فاسقون) فالمؤمنون الذين آمنوا بي وصدقوني، والفاسقون الذين كفروا بن وجحدوا بي'.

وإذا أردت أن تعرف قيمة هذا فـي الثبات فتأمل وسائل نفسك :لماذا ضلّ كثير من السابقين واللاحقين وتحيروا ولم تثبت أقدامهم على الصراط المستقيم ولا ماتوا عليه ؟ أو وصلوا إليه بعدما انقضى جل عمرهم وأضاعوا أوقاتاً ثمينة من حياتهم ؟؟. فترى أحدهم يتنقل فـي منازل البدع والضلال من الفلسفة إلى علم الكلام والاعتزال إلى التحريف والتأويل إلى التفويض والإرجاء، ومن طريقة فـي التصوف إلى أخرى...فإن أردت الثبات فعليك بسبيل المؤمنين.

سابعاً: التربية السليمة:

تعد التربية الإيمانية العلمية الواعية المتدرجة عامل أساسي من عوامل الثبات. فالتربية لإيمانية:هي التي تحيي القلب والضمير بالخوف،والرجاء والمحبة،المنافـية للجفاف الناتج من البعد عن نصوص القرآن والسنة والعكوف على أقاويل الرجال.

  • التربية العلمية: القائمة على الدليل الصحيح المنافـية للتقليد والأمعية الذميمة. قال الإمام الزهري: كان من مضى من علمائنا يقولون إن الاعتصام بالسنة نجاة والعلم يقبض قبضا سريعا فنشر العلم ثبات الدين والدنيا وفـي ذهاب العلم ذهاب ذلك كله'.
  • التربية الواعية: التي لا تعرف سبيل المجرمين وتدرس خطط أعداء الإسلام وتحيط بالواقع علماً وبالأحداث فهماً وتقويماً ، المنافـية للانغلاق والتقوقع على البيئات الصغيرة المحدودة .
  • التربية المتدرجة:التي تأخذ بيد المسلم شيئاً فشيئاً ، ترتقي به فـي مدارج الكمال البشري بتخطيط موزون ،دون الارتجال والتسرع والقفزات التي تحطّمة .

ثامناً:الثقة بالطريق:

لا شك أنه كلما ازدادت الثقة بالطريق الذي يسلكه المسلم، كان ثباته عليه أكبر. ولهذا وسائل منها:-

1- استشعار أن الصراط المستقيم الذي تسلكه ليس جديداً، ولا وليد زمانك، وإنّما هو طريق قديم قد سار فـيه من قبلك الأنبياء والصديقون والعلماء والشهداء والصالحون، فتزول غربتك،وتتبدل وحشتك أنساً،وكآبتك فرحاً وسروراً، لأنك تشعر بأن أولئك كلهم أخوة لك فـي الطريق والمنهج.

2- الشعور بالاصطفاء، قال الله عز وجل: ( الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى) النمل :59، وقال:( ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفـينا من عبادنا) فاطر:32.وقال:( وكذلك يجتبك ربك ويعلمك من تأويل الأحاديث) يوسف:6.وكما أنّ الله اصطفى الأنبياء فللصالحين نصيب من ذلك الاصطفاء، وهو ما ورثوه من علوم الأنبياء .

3- ماذا يكون شعورك لو أنّ الله تعالى خلقك جماداً، أو دابة، أو كافراً ملحداً،أو داعياً إلى بدعة وضلاله،أو فاسقاً، أو مسلماً غير داعية لإسلامه، أو داعية فـي طريق ذي عوج ؟ ألا ترى أنّ شعورك باصطفاء الله لك، وأنْ جعلك داعية من أهل الحق من عوامل ثباتك على المنهج ؟ تاسعاً: ممارسة الدعوة إلى الله عز وجل

إنّ النفس البشرية إن لم تتحرك تأسن، وإن لم تنطلق تتعفن، ومن أعظم مجالات انطلاق النفس: الدعوة إلى الله، فهي وظيفة الرسل، ومخلصة النفس من العذاب، فـيها تتفجر الطاقات، وتنجز المهمات (فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ) الشورى:15 .وليس يصحّ شيء يقال فـيه:'فلان لا يتقدم ولا يتأخر' فإنّ النّفس إن لم تشغلها بالطاعة شغلتك بالمعصية.

والدعوة إلى المنهج الصحيح تكون ببذل الوقت، وكدّ الفكر، وسعي الجسد، وانطلاق اللسان، بحيث تصبح الدعوة همّ المسلم وشغله الشاغل الذي يقطع الطريق على محاولات الشيطان بالإضلال والفتنة.

زد على ذلك ما يحدث فـي نفس الداعية من الشعور بالتحدي تجاه العوائق، والمعاندين وأهل الباطل، وهو يسير فـي مشواره الدّعوي، فـيرتقي إيمانه، وتقوى أركانه.

فتكون الدعوة بالإضافة لما فـيها من الأجر العظيم وسيلة من وسائل الثبات،والحماية من التراجع والتقهقر، لأنّ الذي يُهاجم لا يحتاج للدفاع، والله مع الدعاة يثبتهم ويسدّد خطاهم، والداعية كالطبيب لا يحارب المريض إنّما يحارب المرض بخبرته وعلمه، وبمحاربته فـي الآخرين فهو أبعد من غيره عن الوقوع فـيه.

عاشراً:الالتفاف حول العناصر المثبتة

إنّ من العناصر المثبتة الالتفاف حول العلماء الربانيين، وهم المشهود لهم بالصدق والتقوى، أولئك السائرين على نهج أئمة أهل السنة والجماعة،إنّ الالتفاف حولهم عامل معين على الثبات،وعدم الزيغ والانحراف فـي وقت الفتن والشدائد والابتلاءات، وكيف لا وهم أنصار شرع الله، والذين يبينون للناس الحق من الباطل، والهدى من الضلال، فلا بد من الالتفاف حولهم بحضور دروسهم ومجالسهم العلمية، وزيارتهم باستمرار ومشاورتهم، حتى لا تنقطع علاقاتنا بهم، وحتى لا يجد أعداء الإِسلام فجوة يستطيعون الدخول عن طريقها للنيل من الإِسلام،، ولا يترك المجال لأعداء الإِسلام كي يبثوا سمومهم ومقالاتهم المشبوهة، لزعزعة الثقة بين العلماء والمجتمع بصفة عامة، وبين العلماء وشباب الصحوة بصفة خاصة.

وإنّّ البحث عن العلماء والصالحين والدعاة المؤمنين، والالتفاف حولهم معين كبير على الثبات.وقد حدثت فـي التاريخ الإسلامي فتن ثبت الله فـيها المسلمين بالعلماء الصالحين والدعاة العاملين. وعندما يتعرض المسلم لفتنة ويبتليه ربه عز وجل ليمحصه، يكون من عوامل الثبات أن يقيّض الله له رجلاً صالحاً يعظه ويثبّته، فتكون كلماته الطيبة دواءً شافـياً ينفع الله تعالى بها، تقوي عزائمه وتثبته على الحق.

والصديق الصالح من أكبر المعينات على استقرار القلب، ولقد مثَّله النبي عليه السلام بحامل المسك، والمؤمن مرآة أخيه، وكل قرين يقتدي بقرينه؛ فاختياره صالحاً سبب من أسباب الثبات.

قال الله تعالى: (واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه). تلك العناصر الصالحة التي من صفاتها ما أخبرنا به عليه الصلاة والسلام : 'إنّ من الناس ناساً مفاتيح للخير مغاليق للشر'.

فإن هذا يفـيد الإنسان كثيرًا، ويدعوه إلى محاكاتهم، والنسج على منواله، لتقلّ العثرات،وتسلم الخطوات.

عن ابن عمر رضي الله عنه مرفوعاً:'عليكم بالجماعة، وإياكم والفرقة فإنّ الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد، من أراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة، من سرته حسنته وساءته سيئته فذلكم المؤمن..'.

ومن ذلك:ما قاله علي بن المديني رحمه الله تعالى:' أعز الله الدّين بالصديق يوم الردة، وبأحمد يوم المحنة '. وتأمل ما قاله ابن القيم رحمه الله عن شيخه شيخ الإسلام فـي التثبيت: 'وكنّا إذا اشتد بنا الخوف، وساءت بنا الظنون، وضاقت بنا الأرض أتيناه، فما هو إلا أن نراه ونسمع كلامه فـيذهب ذلك كله عنا، وينقلب انشراحاً وقوة ويقيناً وطمأنينة، فسبحان من أشهد عباده جنته قبل لقائه وفتح لهم أبوابها فـي دار العمل ، وآتاهم من روحها ونسيمها وطيبها ما استفرغ قواهم لطلبها والمسابقة إليها'.

وهنا تبرز الأخوة الإسلامية كمصدر أساسي للتثبيت فإخوانك الصالحون والقدوات والمربون هم العون لك فـي الطريق، والركن الشديد الذي تأوي إليه فـيثبتوك بما معهم من آيات الله والحكمة..الزمهم وعش فـي أكنافهم وإياك والوحدة فتتخطفك الشياطين فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية .

الحادي عشر : الثقة بنصر الله تعالى وأن المستقبل للإسلام:

إنّنا نحتاج إلى الثبات كثيراً عند تأخر النصر، حتى لا تزل قدم بعد ثبوتها، قال تعالى:(وكأيّن من نبي قاتل معه ربيّون كثير فما وهنوا لما أصابهم فـي سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين وما كان قولهم إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا فـي أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين فآتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة) آل عمران:146-148 .

ولمّا أراد رسول الله صلى الله عليه وسلّم أن يثبّت أصحابه المعذبين أخبرهم بأن المستقبل للإسلام فـي أوقات التعذيب والمحن، جاء فـي حديث خباب بن الأرت مرفوعاً عند البخاري أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال:'وليُتمنّ الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت ما يخاف الله والذئب على غنمه '. فعرض أحاديث البشارة بأنّ المستقبل للإسلام على الناشئة مهمّ فـي تربيتهم على الثبات.

نعم إنّ المستقبل لهذا الدين لأنه منهج حياة للبشرية، يشتمل على كل المقومات المنظمة لشتى جوانب الحياة البشرية، ولقد كافح الإسلام- وهو أعزل- لأن عنصر القوة كامن فـي طبيعته، وكامن فـي بساطته ووضوحه وشموله، وملائمته للفطرة البشرية، وتلبيته لحاجاتها الحقيقية، وأعداؤه يحاربونه لأجل ذلك، ولأنه يقف عائقاً أمامهم عن تحقيق أهدافهم الاستعمارية الاستغلالية، ولكن، الذي لا شك فـيه أنه سينتصر كما انتصر فـي السابق، وسيكون المستقبل لهذا الدين.

فمن طبيعة المنهج الذي يرسمه الإسلام، ومن حاجة البشرية إلى هذا المنهج نستمد نحن المسلمين يقيننا الذي لا يتزعزع فـي أن المستقبل للإسلام، وأنَّ له دوراً كبيراً فـي هذه الأرض، دوراً فـي قيادة البشرية، خاصة بعد أن أثبت الواقع البشري إفلاس كل النظم والمذاهب فـي مناهجها وتشريعاتها وعقائدها، إن الإسلام مدعو لأداء دوره فـي المستقبل القريب، أراد أعداؤه أم لم يريدوا.

الثاني عشر: الإيمان بالقدر يهون على المؤمنين البلاء :-

إنّ ما ينزل بالمؤمنين من المصائب والشدائد ليس ضربات تقع هكذا ضربة لازب، ولا هي خبط عشواء، ولكنّه يصبهم وفق قدر الله المعلوم، وقضائه المرسوم، ووفق حكمته وكتابته: (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً) الفرقان:2 (سُنَّةَ اللَّهِ فـي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً) الأحزاب:38، (وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُورا) الأحزاب: من الآية38، (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ)القمر:49، فآمن المؤمنون الصادقون بأنّ ما أصابهم لم يكن ليخطئهم، وما أخطأهم لم يكن ليصيبهم...(ما أصاب من مصيبة فـي الأرض ولا فـي أنفسكم إلا فـي كتاب من قبل أن نبرأها، إن ذلك على الله يسير) الحديد: 22 .

وعرفوا أن من صفة الله تعالى أن يقدر ويلطف، ويبتلي ويخفف، ومن ظن انفكاك لطفه الله تعالى عن قدره فذلك لقصور نظره (إن ربي لطيف لما يشاء، إنه هو العليم الحكيم) يوسف: 100.

وعرفوا من لطف ربهم تعالى أنّ هذه الشدائد دروس قيمة لهم، وتجارب نافعة لدينهم ودنياهم، تنضح نفوسهم، وتصقل إيمانهم، وتذهب صدأ قلوبهم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: 'إنما مثل العبد المؤمن حين يصيبه الوعك أو الحمى كمثل حديدة تدخل النار فـيذهب خبثها، ويبقى طيبها'.

وما أبلغ ما قال الرافعي 'ما أشبه النّكبة بالبيضة، تحسب سجناً لما فـيها وهي تحوطه، وتربيه وتعينه على تمامه، وليس عليه إلّا الصبر إلى مدة، والرضى إلى غاية، ثم تنقف البيضة، فـيخرج خلق آخر.وما المؤمن فـي دنياه إلاّ كالفرخ فـي بيضته: عمله أن يتكون فـيها، وتمامه أن ينبثق شخصه الكامل فـيخرج إلى عالمه الكامل'.

الثالث عشر:معرفة حقيقة الباطل ومخططاته وعدم الاغترار به مهما تجبّر وتكبّر:

قال الله عز وجل:( لا يغرنّك تقلب الذين كفروا فـي البلاد ) آل عمران:196، تسرية عن المؤمنين وتثبيت لهم.وقوله عز وجل:( فأما الزبد فـيذهب جفاء) الرعد:17،عبرة لأولي الألباب فـي عدم الخوف من الباطل والاستسلام له.

ومن طريقة القرآن فضح أهل الباطل وتعرية أهدافهم ووسائلهم (وكذلك نفصل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين) الأنعام:55،حتى لا يؤخذ المسلمون على حين غرة، وحتى يعرفوا من أين يؤتى الإسلام.

وكم سمعنا ورأينا حركات تهاوت، ودعاة زلت أقدامهم، فتساقطوا وفقدوا الثبات لمّا أتوا- بسبب جهلهم بأعدائهم-من حيث لم يحتسبوا.

الرابع عشر: استجماع الأخلاق المعينة على الثبات:-

ومن ذلك:-

1- العلم الشرعي: إنّ المسلم يجب أن يكون على علم وبصيرة من أمر دينه وإذا فقد المسلم العلم الشرعي تخبط وزاغ،ولم يثبت، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه:'إنّ نور النبوة وشمس الرسالة يحصل به الهدى والصواب، ويزول به عن القلوب الشك والارتياب.

وقال:'إذا انقطع عن الناس نور النبوة وقعوا فـي ظلمة الفتن، وحدثت البدع والفجور ووقع الشر بينهم'. قال الله تعالى: (وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فـيؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) الحج:54، (وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) سـبأ:6، (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) المجادلة: من الآية11، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: ' يتقارب الزمان ويقبض العلم وتظهر الفتن ويلقى الشح ويكثر الهرج، قالوا:وما الهرج يا رسول الله ؟ قال:القتل'.

وقال عليه الصلاة والسلام: 'إنَّ من أشراط الساعة أن يرفع العلم ويظهر الجهل'. وعن عبد الله بن عمرو بن العاص يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ثم إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من الناس ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يترك عالما اتخذ الناس رؤساء جهالاً، فسئلوا فأفتوا بغير علم، فضلوا، وأضلوا '.

2- الصبر:إنّ الصّبر المطلوب هو:عدم استعجال النتائج قبل أوانها، وألا يخطو المرء خطوة قبل أن يحين وقتها،ومنه:الظهور بالاستقامة والتجلد،وعدم التقهقر عند مواجهة المحن والشدائد، ومنه: ألاّ يساور القلب اليأس والوهن إذا تأخر ظهور النتائج المرجوة بعد بذل الجهد المطلوب، ومنه ألا تزل الأقدام عن طريق الحق إذا ما تعرض لرهبة وخوف، أو رغبة وطمع، مع الهدوء ورجاحة العقل وركود القلب وسكون الإرادة القوية.

ولقد مدح الله تعالى الصّابرين فقال الله تعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ)البقرة:153وقال:(وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) البقرة:155 وقال:(وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فـي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ)آل عمران:146،وقال:(وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) الأنفال:46، قال النبي صلى الله عليه وسلم:'وما أعطي أحد عطاءً خيراً وأوسع من الصبر'..

وأشدّ الصبر عند الصدمة الأولى، قال النبي صلى الله عليه وسلم:'إنما الصبر ثم الصدمة الأولى'، وإذا أصيب المرء بما لم يتوقع تحصل النكسة،ويزول الثبات إذا عدم الصبر.ولما أصيب المسلمون فـي أحد لم يكونوا ليتوقعوا تلك المصيبة لأنّ الله وعدهم بالنّصر، فعلمهم الله بدرس شديد بالدماء والشهداء:(أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم) آل عمران:165 ماذا حصل من عند أنفسهم ؟ فشلتم وتنازعتم فـي الأمر، وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبّون لأنّ منكم من يريد الدنيا،ولم يصبر.

وثبت فـي الترمذي عن أبي ثعلبة الخشني عن النبي عليه السلام قال: 'حتى إذا رأيت شحا مطاعا وهوى متبعا ودنيا مؤثرة وإعجاب كل ذي رأي برأيه فعليك بخاصة نفسك ودع العوام فإن من ورائكم أياماً:الصبرُ فـيهن مثل القبض على الجمر للعامل فـيهن مثل أجر خمسين رجلا يعملون مثل عملكم'.

وتأمل فـيما قاله ابن الجوزي رحمه الله:'رأيت كبيراً قارب الثمانين، وكان يحافظ على الجماعة، فمات ولد لابنته، فقال:ما ينبغي لأحد أن يدعو، فإنّه ما يستجيب الله له. ثمّ قال: إنّ الله تعالى يعاند فما يترك لنا ولداً، تعالى الله عن قوله علواً كبيراً '.

السادس عشر:التأمل فـي نعيم الجنة وعذاب النار وتذكر الموت:-

إن ّالجنّة بلاد الأفراح، وكشف الأحزان،ومأوى رحال المؤمنين والنفس مجبولة على عدم التضحية والعمل والثبات إلا بمقابل يهوّن عليها الصعاب، ويذلل لها عقبات ومشاق الطريق. فالذي يعلم الأجر تهون عليه مشقة العمل، وهو يسير ويعلم بأنّه إذا لم يثبت فستفوته جنة عرضها السموات والأرض، ثم إن النفس تحتاج إلى ما يرفعها من الطين الأرضي ويجذبها إلى العالم العلوي.

وكان النبي صلى الله عليه وسلم يذكر الجنة فـي تثبيت أصحابه، ففـي الحديث الحسن الصحيح مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بياسر وعمار وأم عمار وهم يؤذن فـي الله تعالى فقال لهم: 'صبراً آل ياسر صبراً آل ياسر فإن موعدكم الجنة'.

وكذلك كان صلى الله عليه وسلم يقول للأنصار:' إنكم ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض'. وكذلك من تأمل حال الفريقين فـي القبر والحشر، والحساب والميزان، والصراط، وسائر منازل الآخرة. كما أن تذكر الموت يحمي المسلم من التردي، ويوقفه عند حدود الله فلا يتعداها.

لأنه إذا علم أن الموت أدنى من شراك نعله، وأن ساعته قد تكون بعد لحظات، فكيف تسول له نفسه أن يزل، أو يتمادى فـي الانحراف، إنّ تذكر الموت وتوقع فجأته فـي كل وقت تجعل المرء دائم الاستعداد للقائه، حريصاً على ثبات قلبه، واستمرار عطائه، ولأجل هذا قال صلى الله عليه وسلم:'أكثروا من ذكر هادم اللذات'.

قال ابن قيم الجوزية:'فإذا فكر فـي الآخرة وشرفها ودوامها وفـي الدنيا وخستها وفنائها:أثمر له ذلك الرغبة فـي الآخرة والزهد فـي الدنيا وكلما فكر فـي قصر الأمل وضيق الوقت:أورثه ذلك الجد والاجتهاد وبذل الوسع فـي اغتنام الوقت، وهذه الأفكار تعلى همته، وتحييها بعد موتها وسفولها، وتجعله فـي واد والناس فـي واد'.

المصدر