الوثيقة الإسلامية حول العنف والتطرف وأحداث نهر البارد
الحمد لله، والصلاة والسلام على محمد رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد..
فقد كان لأحداث مخيم نهر البارد، وممارسات منظمة (فتح الإسلام ) أثرٌ بالغٌ على الساحة الإسلامية خاصةً، وعلى الساحة الوطنية عامةً، أدَّى إلى تشويه كبير في فهم الفكر الإسلامي، وامتدَّ محاولاً أن ينالَ من الإسلام نفسه، دين الله الحق، الذي يدعو إلى السماحة واحترام القيم الإنسانية، وينأى عن العنف والتطرُّف.
لذلك رأى المشاركون في (المؤتمر الإسلامي حول العنف والتطرُّف) من العلماء والشخصيات ورؤساء وممثلي الجمعيات والحركات الإسلامية في لبنان، أنَّ الواجب الإسلامي والوطني، يفرض عليهم إعلان موقف واضح من بعض القضايا الفكرية، التي قد يُساء فهمُها عند بعض الشباب المسلم، وتُستغل في حملة التشويه التي تقودها الإدارة الأمريكية والعدو الصهيوني ضد كل ما هو إسلامي؛ لتخوض بعد ذلك معركتها الشرسة ضد الإسلام والمسلمين تحت ستار مكافحة الإرهاب.
المقدمة
الإنسان في نظر الإسلام مخلوق مكرَّم بذاته؛ لقول الله تعالى ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِيْ آدَمَ﴾ (الإسراء: من الآية 70)، وهو مستخلَف في الأرض لعمارتها ﴿هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيْهَا﴾ (هود: من الآية 61)، والإسلام هو رسالة الله تعالى إلى الإنسان، تحدِّد له موقعه في هذا الوجود كمخلوق، وواجبه تجاه الخالق، وتحدِّد له سلوكه في الحياة، ضمن منظومة متكاملة من التشريع والأخلاق، تؤدِّي إلى إقامة مجتمع أمثَل، يساعد الإنسان على القيام برسالته وأداء مهمًّته.
والساحة الإسلامية في لبنان ، وهي تمثِّل شرائح متعددة وتيارات مختلفة، يجمعها إيمانها العميق ب الإسلام عقيدةً وشريعةً، وحرصها على لبنان وطنًا حرًّا سيدًا، وهو جزء من الأمَّة العربية والعالم الإسلامي، وساحة الدعوة والحوار والعيش المشترك الذي نريده وطنًا لجميع أبنائه، في ظل حماية الحريات والمحافظة على حقوق الإنسان.
الإسلام والعنف
إن العنف هو ضد التسامح الذي شرَّعه الإسلام ، وهو استخدام القوة والغلظة في التعامل مع الآخر، ومن حيث المبدأ فإنَّ جميع الشرائع السماوية في أصولها تنبذ العنف في التعامل بين الناس، و الإسلام خاصةً دين الرحمة والرفق، وقد بيَّن الله تعالى ذلك فقال مخاطبًا نبيَّه محمدًا- صلى الله عليه وآله وسلم-: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِيْنَ﴾ (الأنبياء: 107)، وقد رغَّب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في الرفق وأدان العنف، فقال: "إنَّ اللهَ رفيق يحب الرفق، ويعطي عليه ما لا يعطي على العنف" (رواه مسلم).
ولا يجوز للمسلم أن يبدأ تعامله مع الغير بالعنف، ولا بأي نوع من أنواع السوء، سواءٌ كان ذلك تجاه مسلم أو غير مسلم، فهو يتعارض مع العلاقات الإنسانية الأخوية، ومع القيم الأخلاقية التي بشَّرت بها الرسالات السماوية، وأكَّدها الإسلام على لسان رسوله محمد- صلى الله عليه وآله وسلَّم- الذي قال: "بُعثت لأتمِّم مكارم الأخلاق" (رواه أحمد ومالك).
ولقد أباح الإسلام مقابلة السيئة بمثلها على سبيل القصاص والعقوبة، أمَّا إذا أراد الإنسان أن يدفع السيئة عن نفسه بأمل ألاَّ تعود، فأحسن وسيلة لذلك مقابلتها بالحسنة، وفي ذلك قال تعالى: ﴿ادْفَعْ بِالَّتِيْ هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَة...﴾ (المؤمنون: من الآية 96)، وقال في وصف أولي الألباب من المؤمنين ﴿... ويَدْرَأونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ...﴾ (الرعد: من الآي 22) وقال مبيِّنًا أن مقابلة السيئة بالحسنة تؤدِّي إلى تحويل العداوة إلى محبَّة ﴿ادْفَعْ بِالَّتِيْ هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِيْ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّّهُ وَلِيٌّ حَمِيْمٌ﴾ (فصِّلت: من الآية 34)، وقد كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- القدوة الحسنة في كل هذا، فكان يعفو ويسامح، حتى الذين آذوه وأخرجوه من بلده بغير الحق.
النَّهيُ عن المنكر
الأصل في النهي عن المنكر فرض كفاية، وهو وسيلة التحصين والإصلاح التي يستخدمها المسلمون داخل المجتمع المسلم ضد كل أنواع الانحراف؛ عملاً بقوله تعالى: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةً يَدْعُوْنَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُوْنَ بِالْمَعْرُوْفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُؤْمِنُوْنَ بِاللهِ...﴾ (آل عمران: من الآية 104).
لقد غلب على الأذهان أنَّ استعمال القوة في النهي عن المنكر مشروع أو واجب؛ وذلك لقول رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "من رأى منكم منكرًا فليغيِّرْه بيده؛ فإن لم يستطع فبلسانه؛ فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان" (رواه مسلم)، لكن استعمال اليد لتغيير المنكر مشروع بشرطين: أن يؤدِّي فعلاً إلى إزالة المنكر، وأن يكون ذلك مستطاعًا ولا يؤدِّي إلى منكر أكبر أو مثله، وبناءً على ذلك فإنَّ اليد هنا هي السلطة التي تَقدِر على التغيير، وهي ليست محصورةً بسلطة الدولة، بل تشمل كل صاحب سلطة ولو في مجال محدد، كالأب في البيت، أو المدير في المدرسة، أو صاحب المؤسسة في مؤسسته، أو غير ذلك.
أمَّا استخدام السلاح في النهي عن المنكر فهو غير جائز عند جمهور الفقهاء، ويذكر الأشعري في كتاب (مقالات الإسلاميين) رأيين في هذه المسألة: الأول أنَّه يجوز تغيير المنكر باللسان والقلب، أما باليد فلا، والثاني: تُغيِّر بقلبك؛ فإن أمكنك فبلسانك؛ فإن أمكنك فبيدك، وأمَّا السيف فلا يجوز.
والمسلم في لبنان يستطيع إنكار ما يراه من المنكرات بلسانه دون أي حرج، وهذا يُعتبر من مقتضيات حرية الرأي، وهو من أهم واجبات الدعاة إلى الله تعالى، أمَّا إزالة المنكر باليد فقد تسمح به القوانين في ظرفٍ وتمنعها في ظرف آخر، وإذا كانت القوانين تمنع تغيير بعض أنواع المنكر باليد، فإنَّ هذا التغيير لم يعد مستطاعًا، ولا يمكن أن يتم، وقد يؤدِّي إلى ضرر أكبر؛ لذلك فإنَّنا ندعو إلى الالتزام بتغيير المنكر باللسان، وعدم اللجوء إلى استخدام اليد إلاَّ بالنسبة لصاحب السلطة فيما يقع تحت مسئوليته.
الإسلام والإرهاب
الإرهاب في اللغة هو نشر الرعب والخوف بين الناس، وحرمانهم من نعمة (الأمن) التي اعتبرها الرسول محمد- صلى الله عليه وسلم- من أعظم نعم الله في هذه الدنيا؛ فقال: "من أصبح آمنًا في سربه، معافًى في بدنه، عنده قوت يومه، فكأنما حِيزت له الدنيا بحذافيرها" (رواه الترمذي وابن ماجة).
إذا كان الإسلام قد أدان العنف، وهو استخدام القوة والغلظة في غير موضعها مع الخصوم، فإنَّ الإرهاب الشائع اليوم هو استخدام القوة مع مَن لا توجد معهم خصومة أصلاً، كخطف الرهائن وقتل السيَّاح، والاعتداء على الأبرياء الذين ليست لنا معهم قضية، والإسلام يرفض كل ذلك ويدينه ويستنكره، وقد قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- "المؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم" (رواه الترمذي).
وقد اعتبر العلماء أن توفير الأمن للناس من أهم مقاصد الشريعة؛ ولذلك تشدّد الإسلام في فرض العقوبة على الجرائم لأنَّها تهدد أمن الناس، وكان أكثر تشديده في جريمة الحرابة أو قطع الطريق، واعتبر مقترفيها من الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادًا؛ لأنَّها جريمة تهدد أمن المجتمع وتنشر الخوف بين الناس.
إنّ من أبرز الأعمال الإرهابية خطف المدنيين واحتجازهم رهائنَ، والتهديد بقتلهم لهدفٍ سياسي يُطلب من الدولة التي ينتمون إليها، وهو يعتبر من الأعمال الحربية، وغير جائز أصلاً، إلاَّ في حالة الحرب المعلَنة والقائمة بين الدول، ولا يجوز توجيهه ضدَّ من لا يجوز توجيه الأعمال الحربية إليهم، وهم غير المقاتلين من النساء والأطفال والرهبان والشيوخ العاجزين وسائر المدنيين، وقد أمر الرسول- صلى الله عليه وسلم- بإطلاق من اختُطف أثناء معاهدات الصلح.
الإسلام والجهاد
الجهاد هو بذل الجهد في كل عمل يرضي الله تعالى؛ ولذلك فإنَّ المسلم مجاهد على امتداد حياته، مجاهد لنفسه وشيطانه، مجاهد للشر والفساد من حوله، مجاهد بلسانه وقلمه في تبليغ دعوته، وقد اعتبر الله عز وجل الدعوة إليه جهادًا، فقال لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو في مكة المكرمة قبل الهجرة ﴿فَلاَ تُطِعِ الْكَافِرِيْنَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ-أَيْ بِالقُرآنِ- جِهَادًاً كَبِيْرًا﴾ (الفرقان:) بل اعتبر الرسول- صلى الله عليه وآله وسلم- أن أعظم أنواع الجهاد الجهر بالحق، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أمام السلطان الجائر، فقال: "سيد الشهداء حمزة، ورجل قام إلى إمام جائر، فأمره ونهاه فقتله" (رواه الحاكم).
أما الجهاد بمعنى القتال، فهو استثناء في العلاقات الإنسانية التي يجب أن تقوم على الدعوة والتعاون، وتُحفظ بالأخلاق والعدالة، وقد شرعه الإسلام لسببين أساسيين: الأول هو الاعتداء على الأوطان، لقول الله تعالى ﴿وَقَاتِلُوا فِيْ سَبِيْلِ اللهِ الَّذِيْن يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعُتَدُوا...﴾ (البقرة: من الآية 190) والثاني إكراه المسلمين على الخروج من دينهم لقوله تعالى: ﴿وَقَاتِلُوْهُمْ حَتَى لاَ تَكُوْنَ فِتْنَة﴾ (البقرة: من الآية 193)،.
ولذلك يحرص الإسلام دائمًا على العودة إلى أجواء السلام فورَ زوال أسباب الحرب بإقامة وردِّ الحقوق إلى أهلها، قال تعالى: ﴿وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحَ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ﴾ (الأنفال: 61)، وقال: ﴿فَإِنْ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوْكُمْ وَأَلْقَوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيْلاً﴾ (النساء: 90).
المقاومة ضد العدو الخارجي
لقد أجمع الفقهاء قاطبةً على وجوب القتال دفاعًا عن أوطان المسلمين، بل إنَّ جميع الشرائع الإلهية والمواثيق الدولية وشرعة حقوق الإنسان، تحفظ لجميع الشعوب حقَّها في السيادةِ على أرضها، وردِّ العدوان عنها، واختيارِ نظام حكْمِها، وطالما أنَّ الاعتداء على حقوق وأرض وثروات العرب والمسلمين قائمٌ اليوم في أكثر من مكان، فالواجب الشرعي يفرض علينا مقاومة العدوان بكل ما نستطيع.
هذه المقاومة التي تَجري في كثير من بلاد المسلمين- وخاصةً في فلسطين و العراق و أفغانستان و لبنان - تُعتبر جهادًا في سبيل الله، ما دامت موجَّهةً للعدو الخارجي، وتندرج تحت السبب الأول من أسباب الجهاد، وهو الاعتداء على الأوطان، وهي أيضًا واجبٌ وطنيٌّ وحقٌّ إنسانيٌّ، ونحن نرفض وصفَها بالإرهاب؛ لأنَّها دفاعٌ عن النفس، بينما الإرهاب الحقيقي هو الاحتلال الأجنبي، الذي يُعتبر عدوانًا بكل المقاييس، ويفتقد أيَّ نوعٍ من المشروعية حتى لو تمَّت تغطيته من أي مؤسسة دولية.
إنَّنا ندعو العرب والمسلمين وكل أحرار العالم إلى التكاتف ضد كل أنواع الاحتلال الأجنبي، ومقاومته بكل الوسائل المتاحة، وحيث يمكن استعمال السلاح فهو واجب، خاصةً على أهل المناطق المحتلة، وحيث لا يمكن ذلك فإنَّ المقاومة يمكن أن تتخذ أشكالاً متنوِّعة، من الممانعة السياسية إلى المقاطعة الإقتصادية، إلى غير ذلك من الوسائل.
المقاومة في لبنان
والمقاومة في لبنان جزءٌ لا ينفصل عن مقاومة الأمة كلها ضد العدوان الصهيوني ، خاصةً أنَّنا لا نزال في حالة حرب مع هذا العدو، وهو يصرِّح دائمًا بأطماعه في أرضنا ومياهنا، ولا يزال يحتلُّ أرضَنا، ويشكِّل تهديدًا مستمرًّا للشعب اللبناني، عبر انتهاك مياهه وأجوائه؛ مما يُوجِب استمرار المقاومة ضده، وهي التي استطاعت- بعون الله- طردَ المحتل وردَّ العدوان.
كما أن واجب المقاومة أن تنسجم مع مشروع الدولة، وأن تتحرك تحت سقفها، وأن يظل هدفها الإستراتيجي المحافظة على خيار المقاومة والتوافق الوطني حولها وإن تغيَّرت صيغتها، وواجب الدولة أن تحفظ المقاومة، وتمكِّنها من القيام بواجبها في حماية الوطن والدفاع عنه، ولا يتحقق هذا التكامل إلاَّ بالتوافق على صيغة جديدة للمقاومة تكون جزءًا من الإستراتيجية الدفاعية، تتبنَّاها الدولة بمؤسساتها الدستورية، وتكون متاحةً أمام جميع اللبنانيين المؤمنين بها، ولا تعود سببَ اختلال في التوازنات الطائفية أو السياسية.
الحروب الداخلية ليست جهادًا
1- إن الجهاد الشرعي لا يكون إلا ضد العدو الخارجي وعملائه المجاهرين بعِمالتهم، نفهم ذلك من استعراض السياق التاريخي لأحكام الجهاد، فقد مُنِع المسلمون في مكة المكرَّمة من القتال دفاعًا عن النفس، رغم تعرُّضهم لأبشع أنواع الاضطهاد والتعذيب والقتل، وقال لهم ربهم تبارك وتعالى ﴿... كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيْمُوا الصَّلاَةَ ...﴾ (النساء: من الآية 77).
2- من أجل ذلك نقولها صريحةً: إن القتال بين أبناء المجتمع الواحد ليس جهادًا في سبيل الله، بل يدخل في باب الفتنة التي نُهينا عن الدخول فيها، وهو نوعٌ من التمرُّد على القوانين، وتخريبٌ للسلم الأهلي، واعتداءٌ على أمن المجتمع، فضلاً عن أنه قد يكون خدمةً لمشاريع الأعداء، يستوي في ذلك أن يكون بين المسلمين أو بينهم وبين إخوانهم المواطنين، ويستوي في ذلك أن يقع تحت راية (إنكار المنكر) أو تحت أي عنوان آخر، سواءٌ كان سياسيًّا أم فكريًّا.
أحداث مخيم نهر البارد
لقد فاجأت أحداث مخيَّم نهر البارد الجميع، وهي تعنينا؛ لأنَّها حملت عنوانًا إسلاميًّا "فتح الإسلام "، وبدأ بعض رموزها يطرحون شعاراتٍ متطرِّفةً، وسواءٌ جاءت هذه المجموعات بالتنسيق مع بعض دول الجوار أو أنها امتدادٌ لتنظيم القاعدة أو غيره؛ فإنَّ ما يعنينا أنَّها لم تنسِّق مشروعها السياسي- فيما نعلم- إن كان لها مشروع مع أيٍّ من القوى الإسلامية في الساحة اللبنانية.
وكانت الإشكالية الأبرز في اعتصام هذه المجموعة في مخيم فلسطيني، يعاني سكَّانُه ظروفًا اجتماعيةً ومعيشيةً صعبةً، فضلاً عن الظلامات التي يشتكي منها جميع الإخوة الفلسطينيين اللاجئين في لبنان ، ووقعت المواجهة بين هذه المجموعة وبين الجيش اللبناني، فأدَّت إلى تدمير المخيَّم، وتهجير أهله إلى مخيَّم البداوي، الذي يعيش أهله ظروفًا أشدَّ صعوبةً، وإلى استشهاد عدد كبير من الجيش والمدنيين، وإلى شلل شبه كامل في النشاط الاقتصادي للمنطقة المجاورة.
انطلاقاً من هذا الواقع، ومن حرصِنا على السلم الأهلي في لبنان ، فإنَّنا نعلن ما يلي: أولاً: إن ما قام به الجيش اللبناني لإنهاء هذه الظاهرة في مخيم نهر البارد، مدعومًا من الدولة ومن جميع القوى اللبنانية والفلسطينية، يُعتبر إنجازًا كبيرًا، ومن واجب الجميع التعاونُ لتحصينه، ومعالجةُ تداعياته، ومنعُ تكرار مثل هذه الظاهرة.
ثانيًا: علينا جميعًا الحرص على العلاقات اللبنانية الفلسطينية، وعدم السماح بتوظيف بعض الأخطاء من هذا الطرف أو ذاك؛ من أجل إفساد علاقة الأخوَّة التي كانت قائمةً في المنطقة بين أهل المخيَّم وجيرانه، وعدم تحميل الإخوة الفلسطينيين مسئوليةَ ما جرى، فهم كانوا أوَّل الضحايا.
ثالثًا: ضرورة العمل- بالتنسيق مع الجهات المعنية في الدولة ووكالة غوث اللاجئين- على إعادة إعمار المخيم تمهيدًا لعودة أهله إليه في نفس المكان خلال أسرع فترة زمنية ممكنة.
رابعًا: أنْ تُباشر الدولة- بالتنسيق مع الدول المانحة ووكالة غوث اللاجئين- تأمين الإقامة المؤقَّتة اللائقة لنازحي مخيَّم نهر البارد ومحيطه المتضرر والتعويض عليهم، ريثما تنتهي عملية إعمار المخيم.
خامسًا: أن تبادر الدولة إلى إصدار تشريعات وقوانين تعالج الأوضاع المعيشية الصعبة داخل المخيمات، والمساعدة على توفير الخدمات والبنى التحتية، وإعادة حق الملكية والحقوق المدنية، لا سيما المتعلِّقة بفرص العمل، حتى يستطيع الفلسطيني اللاجئ أن يعيش حياةً كريمةً، وأن يطمئن إلى لقمة عيشه ومكان إقامته.
سادسًا: التأكيد على حق العودة للاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم التي أُخرجوا منها؛ باعتباره موضعَ إجماع فلسطيني لبناني، وعدم المتاجرة بموضوع التوطين، وكأنَّ الإخوة الفلسطينيين أو قطاعًا من اللبنانيين يسعون إليه.
سابعًا: صاحَبَ أحداث مخيَّم نهر البارد واعتقال مجموعة من الشباب من كل الجنسيات تعرُّضهم لكثير من الإهانات والتعذيب. إنَّ مثل هذه الممارسات تُسهِم في دفع الشباب نحو التطرُّف والحقد على المجتمع، وبالتالي فإنَّنا نعلن استنكارَنا لهذا الأسلوب في عصر حقوق الإنسان، كما ندعو للكشف عن الجهة التي كانت وراء هذه الظاهرة، كما نطالب بالإفراج السريع عن الأبرياء، وإحالة المتهمين إلى محاكمة عادلة.
ثامنًا: العملُ على إصلاح ذات البَيْن بين الشعبَين الفلسطيني واللبناني، وحضُّ العلماء والعاملين في حقل الدعوة الإسلامية على بذل كل جهد ممكن؛ من أجل حماية العلاقة الأخوية بين الشعبَين.
إنَّ المشاركين في (المؤتمر الإسلامي حول العنف والتطرُّف) إذ يعلنون براءة الإسلام من كلِّ أنواع الفكر المتطرِّف، وإدانتهم لكلِّ أعمال العنف والإرهاب، يؤكِّدون التزامهم بواجب النهي عن المنكر وفريضة الجهاد في سبيل الله ضمن الضوابط الشرعية، ويحيُّون أعمال المقاومة ضدَّ العدو المحتلِّ في فلسطين و العراق و أفغانستان ، ويستنكرون الحروب الداخلية التي تستنزف طاقات الأمَّة، ويعتبرونها فتنةً منهيًّا عنها، لا يمكن أن تدخل في إطار الجهاد، وهم إلى ذلك يطالبون الدولة بتحقيق العدالة بين جميع اللبنانيين والفلسطينيين؛ لأنَّ الظلم من أهم العوامل التي تدفع الشباب اليائس إلى أجواء العنف والتطرُّف، ويتوجَّهون بالدعاء إلى الله تعالى أن يعيننا جميعًا على معالجة تداعيات أحداث مخيَّم نهر البارد والخروج منها، حتى لا تترك آثارًا سلبيةً على العلاقات اللبنانية الفلسطينية أو على الساحة الإسلامية.
المصدر
- خبر:الوثيقة الإسلامية حول العنف والتطرف وأحداث نهر الباردإخوان أون لاين