الهوية والثقافة وحركة الوجود
محتويات
[أخف]مقدمة
الحمد لله رب العالمين، وأزكى الصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين،وعلى آله وصحبه أجمعين،وبعد..
مع بداية مرحلة الدعوة نبهنا القرآن العظيم إلى أهداف الأعداء في طمس هوية الأمة وانتمائها، فقال: {وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا} [البقرة: 217].
وفي سورة المائدة بعد أن حذرنا من موالاة أعداء الأمة بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [المائدة: 51].
بيّن الله في الآية التالية دور المنافقين في ولاية الكافرين،والمسارعة في اتباعهم في العادات والسلوك، وإرضائهم في تحقيق سياستهم وخدمة أهدافهم في بلاد المسلمين، فقال تعالى: {فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ} [المائدة: 52]. فهم في موالاتهم السياسية والثقافية لأعداء الإسلام،يقدمون (الفواتير) للعدو؛ كسبًا لرضائه وحفاظًا على مصالحهم.
وبعد هذه الآية بقليل يحذرنا ربنا من موالاة أعداء الإسلام الذين استهزءوا بحضارتنا وثقافتنا وديننا، فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَ يَعْقِلُونَ} [المائدة: 57، 58].
فهاتان الآيتان تبرزان استخفاف الأمريكان واليهود ومن والاهم بديننا وثقافتنا وحضارتنا وصلاتنا،وسعيهم لتحويل هذه الأمة إلى ثقافة الأعداء في الرقص والغناء،والمأكل والمشرب،وسائر عادات الحياة.
تحذير الرسول لتقليد ثقافة العدو
وقد حذرنا رسول الله من هذا التقليد لثقافة العدو وأخلاقه، فقال: "لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرًا بشبر وذراعًا بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه"، أو بمعنى الحديث.
ويبين القرآن الكريم أسلوب العدو في الخداع والتزوير لتمرير ثقافته وأهدافه، فقال تعالى في المنافقين: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلاَ إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لاَ يَشْعُرُونَ} [البقرة: 11، 12]. وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لاَ تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [البقرة: 104]. فاليهود يخاطبون النبي الكريم ويصفونه (بالرعونة)،تحت ستار معنى آخر يحمله الفعل وهو: "المراعاة".
وكشف القرآن خداع أحبارهم الذين يخفون الحقيقة، ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا، فقال: {لاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلاَ تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [آل عمران: 188].
ما أشبه يهود اليوم وأتباعهم وحاملي أختامهم، بيهود الأمس الذين يعملون على خداع الأمة وتزوير المصطلحات؛فهدم القيم والأخلاق،واستباحة ما حرم الله،وتغريب المرأة والبيت والمجتمع،وإشاعة ثقافة الرومان والغرب،وإحياء مدرجات الرومان،على الطريقة الرومانية الغربية،وتغيير المناهج والكتب المدرسية باسم التطوير التربوي،لحذف الآيات المتعلقة بالجهاد،أو المقاومة، أو بني إسرائيل، وإبعاد التوجيه القرآني النبوي المتعلق بالدفاع عن الأمة والعقيدة والوطن،كل هذا يُسمّى في نظرهم ثقافة وتطورًا،وما هو إلا هدم وخدمة لأهداف العدو الأمريكي اليهودي، الذي أعلن أنه يريد أن يعلم أبناءنا الفرح على الطريقة الأمريكية،رقصًا،وغناءً،وعريًا،وإباحية،وتساهلاً في العلاقات بين الرجال والنساء.
تحذير القرآن من تحول القلوب الي اللهو واللعب
لقد حذرنا القرآن الكريم أن يتحول الدين في قلوب أبنائه إلى لعب ولهو،بدل أن يكون طاعة وخضوعًا والتزامًا بأمر الله وأحكامه وتعظيمًا لخالق السموات والأرض، رب العالمين.
قال تعالى: {وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا} [الأنعام: 70]، وقال تعالى في وصف المشركين: {وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكَاءً وَتَصْدِيَةً} [الأنفال: 35]؛ أي صفيرًا وألحانًا وتصفيقًا يتنافى مع حرمة تعظيم الله وعبادته.
وذكر القرآن الكريم (الانسلاخ الثقافي) وحذرنا منه بقوله تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آَتَيْنَاهُ آَيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ} [الأعراف: 175].
وهو ما تطلبه الولايات المتحدة من الدول العربية والإسلامية في مجال التربية والتعليم وتغيير المناهج،وفي مجال قوانين الأسرة والمجتمع وتغريب المرأة والأسرة،وفي مجال الإعلام ونشر القيم الغربية وأخلاقها،وفي مجال الجامعات وتغريبها وتسهيل إقامة الجامعات الأجنبية في بلاد المسلمين؛
لتقوم بدورها التدميري لشباب الأمة وقياداته الواعدة،وفي مجال تفريغ المساجد من الدعاة الآمرين بالمعروف الناهين عن المنكر،حيث تعمل قوانين الوعظ لمصادرة حق الدعوة ومؤسسات المجتمع المدني،وفي مجال تشجيع السباحة المختلطة على ملاعب الوزارات وغيرها،وفي مجال صنع أصنام وتماثيل لأحسن مغنية أو لأحسن راقصة لتحويل الشباب إلى العدمية والعبثية،في الوقت الذي يعيش أهلنا في فلسطين والعراق معركة الوجود،ويفرشون أرضهم بدماء الشهداء والمجاهدين.
دور العلماء
وأخيرًا، أين العلماء الذي حمّلهم الله مسئولية الدفاع عن قلعة الإسلام وحصونه الثقافية والحضارية؟
أين العلماء الذين يبلغون رسالات الله ولا تأخذهم في الله لومه لائم؟أين الوعاظ والأئمة والخطباء الذين يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ويصبرون على ما أصابهم؟أين الأئمة الذين يدافعون عن حرمة بيوت الله حتى لا تحول إلى خطب مكرورة لا تأمر بمعروف ولا تنهى عن منكر ولا تتحدث عن جراح الأمة وهمومها؟
لقد ذكر الله بني إسرائيل والمشركين وتخريبهم للمساجد بقوله: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا} [البقرة: 114].
وذكر تقصير علماء بني إسرائيل في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكيف أفضى إلى هلاكهم فقال: {لَوْلاَ يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [المائدة: 63].
وقال فيمن آثروا رتبهم ورواتبهم على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: {فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ * وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ} [هود: 116، 117].
ومعنى: {وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ}؛ أي اتبع علماؤهم ما أترفوا فيه من رتب ورواتب،وآثروها على تبليغ كلمة الله والنهي عن المنكرات،فهلكوا،وأهلكوا الأمة معهم،وكانوا مجرمين.. نسأل الله الهداية والعون،وهو حسبنا ونعم الوكيل.
المصدر
- مقال:الهوية والثقافة وحركة الوجود موقع قصة إسلام