الهجرة النبوية بصمة فريدة فى التاريخ الاسلامي
بقلم : أ/ أمل صبرى
مع بداية كل عام هجري جديد يكون كل منا على موعد مع تأمل هذا الحدث العظيم "الهجرة" الذي يُعد مرحلة فارقة في حياة الأمة الإسلامية على مدى تاريخها فهو نقطة التحول في حياة الدعوة الإسلامية من المحلية إلى العالمية ومن بيئة الظلم والجور إلى العدل والجوار ومن الانحصار إلى الانتشار ومن الخوف إلى الأمان ومن فئة مؤمنة مضطهَدة إلى دولة مؤمنة لها كيان وأرض ودستور وسيادة... بحق إنها البصمة الفريدة للهجرة النبوية الشريفة التي استحقت بها أن تكون بداية للتقويم الإسلامي.
من الخطوات التي سبقت الهجرة النبوية الشريفة ومنحتها ميزة التفرد:
- تفرد رسالة الإسلام التي يحملها النبي صلى الله عليه وسلم بالشمولية والمنهج التربوي الذي يسير عليه في تربية أصحابه والرعيل الأول للدولة الناشئة.
• استقامة الرسول القدوة ومَن خلفه صحابته الكرام على المنهج الإسلامي قولاً وفعلاً كما أراد الله لهذا المنهج أن يطبق.
• معرفة الرسول صلى الله عليه وسلم مواطن الضعف والقوة لكل فرد من أفراد الفئة المؤمنة وتوظيفها التوظيف الأمثل من أجل أن تتكامل وتتكاتف الجهود لتبني معه هذا الصرح العظيم "الأمة الإسلامية".
• تهيئة المدينة لاستقبال الفئة المؤمنة واحتضانها والذود عنها بكل ما تملك من قوة وذلك من خلال الاتصال بالأنصار في مواسم الحج والعمرة ثم بيعة العقبة الأولى والثانية وإرسال السفراء من المسلمين لنشر تعاليم الدين الإسلامي بين أهل المدينة
• إلمام الرسول صلى الله عليه وسلم بالبيئة المحيطة به من أفراد وأرض ونقاط الضعف والقوة لكل منها
ويظل السؤال الذي يجول بخاطر كل منا كيف استطاع الرسول بهذه الفئة المؤمنة قليلة العدد والعدة إرساء قواعد الدولة الإسلامية ومنحها صفة التميز في هذه الفترة الوجيزة في عمر الأمم؟
النية:-
النية كانت وستظل هي الفاعل الرئيسي لتفرد الأمة الإسلامية بتوجيه العمل كله لله في كل شأن من شئونها وباختيار كل ما هو أصلح وأحسن قولاً وفكراً وسلوكا بما يرضي الله لعباده المؤمنين وللرسالة الخاتمة.
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول(إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه) متفق عليه.
فكانت الهجرة لله وبدين الله
جيل لا يقبل لنفسه إلا أن يكون الأول:-
قال تعالى: " وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا " (الفرقان: 74)
جيل لا يعرف الاستكانة أو البطالة:-
تجلّى هذا المعنى في حدث الهجرة فالصدِّيق رفيق السفر وبناته أسماء وعائشة رضي الله عنهما تحفظا السر وترتبا الزاد، والابن ينقل الأخبار ويعفو الآثار، كل ذلك في صورة تبرز التنوع والتكامل بحسب قدرة كل فرد من أفراد المجتمع المسلم العامل من أجل إعلاء كلمة الله.
فالكل يبذل والجميع يجتهد ويضحي بكل ما يملك من قوة ومال ووقت حتى الضعفة والمساكين لهم دورهم حتى وإن كانوا لا يملكون القوة والمال الذي يقدمونه لدعوتهم ينبّه إلى ذلك الرسول -صلى الله عليه وسلم- بقوله: «إنما ينصُر الله هذه الأمة بضعيفها؛ بدعوتهم وصلاتهم وإخلاصهم».رواه النسائي
للهجرة النبوية الشريفة تضحيات عظيمة لا تقل عظمة عن نتائجها ومنها:-
فالهجرة ذاتها تضحية عظيمة فيها ما فيها من الألم من ترك الأهل والأحبة والأرض والعمل إلى كل ما هو جديد مما يشق على النفس احتماله وتقبله بسهولة كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم عند خروجه من مكة: " والله إنك لأحب الأرض إلي، وإنك لأحب أرض الله إلى الله، ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت " رواه ابن ماجة
التجريد من المال:-
عندما أراد صهيب أن يهاجر إلى النبي صلى الله عليه وسلم تبعه نفر من قريش مشركون، فنزل فانتثل كنانته - أي استخرج ما فيها من سهام- فقال: قد علمتم يا معشر قريش أنى أرماكم رجلاً بسهم، وأيم الله لا تصلون إلي حتى أرميكم بكل سهم في كنانتي ثم أضربكم بسيفي ما بقي في يدي منه شيء، ثم شأنكم بعد ذلك، وإن شئتم دللتكم على مالي بمكة وتخلوا سبيلي، قالوا: نعم.. فأنزل الله تعالى على رسوله ﴿وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ (207)﴾ (البقرة)، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم صهيبًا قال: "ربح البيع يا أبا يحيى" مرتين، وفي رواية: قالوا له: يا صهيب قد قدمت إلينا ولا مال لك وتخرج أنت ومالك! والله لا يكون ذلك أبدًا. (تفسير آية البقرة، وحياة الصحابة 1/ 358).
السجن:-
تعرض بعض الصحابة للسجن على أثر محاولتهم الهجرة إلى المدينة عندما لحق بهم المشركين فأمسكوا بمن طالتهم أيديهم وكانوا يوثقوا أيديهم وأرجلهم في بيوت من بيوت مكة أو في غرف ليس لها سقف إمعانا في الظلم والتعذيب حيث إن الشمس تكون حارقة في نهار مكة تلك البيئة الصحراوية شديدة الحرارة كما فُعِل مع عياش وهشام ابن العاص(1)
من نتائج الهجرة "دولة فريدة تتحرك على الأرض"
من أهم نتائج الهجرة النبوية الشريفة بناء الدولة الإسلامية بكل ما تحمل الكلمة من معنى دولة في العصر الحديث فهي تشمل أرضاً وشعباً ورئيساً وإدارة ومعاهدات مع الخارج وترابط الداخل بالمؤاخاة بين الأوس والخزرج والمهاجرين والأنصار في نسق فريد لم تشهده المنطقة العربية من قبل إنه يعد مرحلة انتقال بالعرب من المحلية إلى العالمية من خلال الدين الإسلامي الذي يحمل في ذاته القوة الفكرية والحركية نحو العالمية الحديثة على مر العصور تحت مظلة دستور واحد "القرآن الكريم" وضع فيه رب العالمين كل أسس العدل والمساواة والحكم بين أفراد المجتمع الإسلامي مسلمين وغيرهم من أصحاب العقائد المختلفة.
كما حملت الهجرة النبوية في رحمها سنة التدافع بين الفئة المؤمنة وغيرها من أصحاب العقائد الفاسدة المحاربين لدين الله وخاتم النبيين وكان دائما النصر حليف المؤمنين بإيمانهم وتمسكهم بمنهجهم القويم إنها سنة الله في الأرض قال تعالى " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ" (محمد:7).
منذ أن استقر أمر المسلمين في المدينة وأصبحت لهم دولة وبدأ انتشار العدل بين الناس لم يركن الرسول القائد ولا جنده الأكارم إلى هذه الحال بل انشغلوا بتأمين حدود الدولة الإسلامية والتعرف على البيئة المحيط بالمدينة من خلال إرسال السرايا فهم لم يبحثوا في حقيقة الأمر عن مكان يأمنوا فيه على أنفسهم ولكنها دعوة الله والبحث لها عن منطلق من بعد أن ضاقت بها مكة وتجمد انتشار الدعوة بها....ونتيجة وضوح الهدف لدى الرعيل الأول وهذا الجيل الفريد فلم تتوقف الدعوة يوماً ولم يتوقفوا عن تطوير أنفسهم في شتى المجالات التي تخدم الدعوة حتى أن أحدهم تعلم لغات القبائل المختلفة في مدة قياسية خدمة لدعوة الله ونشرا لدينه الذي ارتضاه لعباده.
أخيرا..........
ينبغي أن نتذكر أن عودة الأمة الإسلامية لتحتل مكانتها الفريدة التي تستحقها لن تكون إلا إذا علم كل منا أن صناعة البصمة الفريدة في تاريخ الأمة الإسلامية في أي زمان ومكان لم تخلو قط من أفراد نذروا أنفسهم لله واستقاموا على منهج الله كما أراد لهم ربهم مع الأخذ بأسباب القوة والنصر وتهيئة المجتمع للعودة إلى الفكرة الإسلامية والعمل لها والتوكل على الله وأيقنوا أن لعودة الريادة للأمة الإسلامية ثمناً لابد أن يدفع أولا من أموالهم ودمائهم وأعدوا أنفسهم وحملوا مسؤولية عودة الإسلام إلى حركة الحياة اليومية من خلال حركة الأفراد وفقاً لمبادئه وضوابطه التي تتسم بالعادل والتسامح.
المصدر موقع منارات
المصدر
- مقال:الهجرة النبوية بصمة فريدة فى التاريخ الاسلاميموقع:نافذة مصر