النظام الإقتصادي الإسلامي

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
النظام الإقتصادي الإسلامي


أولاً: مدخـل

خطأ في إنشاء صورة مصغرة: الملف مفقود


يمر الاقتصاد العالمي المعاصر بأزمة خانقة، سواء على صعيد النظم والنظريات أو على صعيد الواقع العملي لاقتصاد السوق. والنظام الاقتصادي الإسلامي يمتلك بقدراته المكنونة والمتميزة الحلول لأزمة الاقتصاد المعاصر قطرية كانت أو دولية، محلية أو عامة. إن الإسلام يقدم ضمن منظومته القواعد العامة لنظام اقتصادي متكامل، تؤلف فيه الشريعة الإسلامية، وأخلاقيات السلوك الإسلامي الحضاري، الإطار العام لآلية السوق، مع الاعتراف بواقع المسلمين الاقتصادي المتخلف.

النظام الاقتصادي الإسلامي، بقواعده ليس تعديلاً في النظام الاقتصادي الرأسمالي، ولا بديلاً عن إخفاق النظام الاشتراكي، أو عن رأسمالية الدولة، أو دولة (الرفاهية). إنما هو نظام أصيل بقواعده، ينطلق من شريعة سماوية تؤلف دستوراً للحياة ماضيها وحاضرها ومستقبلها.

إن النظام الاقتصادي الإسلامي، يحاكي متطلبات العصر، ويستجيب إليها بمرونة، وهو في الوقت نفسه بعيد عن استغلال الإنسان لأخيه الإنسان، لأنه يزاوج في اتخاذ القرارات الاقتصادية بين متطلبات السوق، والمتطلبات الاجتماعية والأخلاقية. وإذا كان ثمة تقصير في جلاء ملامح الصورة لهذا النظام، فإن مرجع ذلك يعود إلى تقصير حركة الفقه الإسلامي المعاصر في إعادة اكتشاف سمات النظام الاقتصادي ومزاياه وإيجابياته، وقدراته الحركية على التصدي للأزمات والمشكلات الاقتصادية بكفاءة عالية.

لقد رأى الكثيرون في انهيار النظام الاشتراكي، انتصاراً مطلقاً للرأسمالية والليبرالية، ورأوا في هذا الانتصار (الظرفي) نهاية التاريخ!! ولم يستطيعوا أن يستوعبوا وهم مغمورون بموجة المد (الرأسمالي ـ الليبرالي)، أن حركة المد يتبعها جزر، وأن التقويم الكلي لمسيرة التاريخ لا تتعلق بفقه اللحظة.

إن سقوط النظام الاشتراكي، لأسباب داخلية وخارجية، وهو الذي قام على أسباب مسوغة من عيوب الرأسمالية، لا يعطي النظام الرأسمالي شهادة حسن سلوك، لأن ساحة الفكر والفقه الإنسانيين ليست مقصورة على ثنائية (رأسمالية أو اشتراكية وفردية أو جماعية). ففي حضارات الأمم وثقافات الشعوب، أسس كامنة جديرة بالإبراز والتوضيح لإيجاد الحلول لمشكلات الإنسان.

لقد أفرزت الحضارة الغربية أربع عقائد أو تجارب اقتصادية رئيسية خلال القرون الثلاثة الماضية: الرأسمالية، والاشتراكية، و(الفاشية ـ القومية)، وأخيراً دولة الرفاهية. وجميعها تقوم على خلفية النظرة الغربية للكون والحياة والإنسان، التي تتشبث بأن (الدين) و(القيم) لا يمتان بصلة إلى قضايا الإنسان (السياسية) أو (الاقتصادية) أو (الاجتماعية)، وأن السلوك الإنساني العام هو ضرب من السلوك الحيواني في السعي إلى الإشباع، وأن سلوك الإنسان الاقتصادي تحكمه آلية السوق المجردة من كل بعد (أخلاقي). وبعيداً عن أي منظومة للعلاقات الإنسانية أو الاجتماعية. فالرأسمالية أقامت بنيانها على أساس الاقتصاد الحر، غير المقيد، والمعتمد على حافز الربح وآلية السوق. والاشتراكية نشدت السعادة والعدالة من خلال المشاريع العامة، والحوافز الاجتماعية، والاقتصاد الآمر القائم على أساس التخطيط المركزي. وتَمثل في (القومية ـ الفاشية) مزيج متميز لكل من الرأسمالية والاشتراكية، مما أدى إلى نشوء رأسمالية الدولة المتوجهة نحو التوسع السياسي والمغامرات العسكرية. أما دولة الرفاهية فقامت على أساس نظام الاقتصاد المختلط، وهو شكل من أشكال الرأسمالية ممزوج بشيء من الرأفة الاجتماعية. إلا أنه بالرغم من الإنجازات الجديرة بالتنويه في بعض المجالات المحددة، فإن هذه التجارب على المسرح الاقتصادي أخفقت في حل المشاكل الاقتصادية الرئيسية التي تعاني منها البشرية. بل إن هذه المشكلات ما تزداد مع التطور المنحرف إلا تفاقماً وتعقيداً، فسرطان الفقر كما التصحر، مازال يكتسح أعداداً أكبر من بني البشر، حيث تنتشر المجاعات والأمراض، بينما يبتلع غول البطالة المزيد من الملايين العاطلين عن العمل، ويهوي بهم عن منصة الإنتاج إلى قاع الحياة. وتبقى المعضلة الاقتصادية العالمية أشد خطراً على الحضارة الإنسانية من (السرطان) و(الإيدز).

فحين تقدم ماكينة الإنتاج العالمي لبعض الناس المزيد من سلع الرفاهية لإطفاء نهمتهم التي لا تشبع؛ فإنها تفعل ذلك بطحن أجساد بشر يعانون من الجوع والعري والمرض في هذا العالم.


ثانياً: إطلالة على الاقتصاد الإسلامي

الإقتصاد-الإسلامي.gif


هل يمكن أن تقدم النظريات والمناهج الاقتصادية المادية، حلولا ناجعة؟! الإسلام يعد بذلك. ويقدم الأسس العامة له، ضمن منظومته التشريعية المتكاملة، إذا أحسن تطبيقها تطبيقا متكاملا شاملا.

تعتبر المعضلة الاقتصادية الأبرز حضوراً، والأشد إلحاحاً على الأجندة القومية والقطرية لدول العالم الثالث، ومن ضمنها أقطار العالم العربي، على وفرة ما حباها الله سبحانه وتعالى من ثروات. ومع أن أكثر الأنظمة القطرية ومنها قطرنا العربي السوري تبالغ في ادعاء الانتصارات على الصعد السياسية والاجتماعية، إلا أنها تقر بشيء من الانكسار أن برامجها الاقتصادية سارت في طرق خاطئة عبر عقود مضت.

إن نقطة الخطأ الأولى في الرؤية الاقتصادية (المادية) إنما نشأت عن فرز البعد الاقتصادي عن بقية المنظومة التشريعية المسيطرة على حياة الناس. ولا سيما عن منظومة القيم (الإنسانية) و(الأخلاقية)، التي تحكم الأفراد والمجتمعات. وتجعل لسعيها الإيجابي الدائب معناه ومغزاه. وتعطي قيم التضحية والإيثار والعفة والطهارة مكانتها في شعب القيم الإنسانية بشكل عام.

إن السوق (الإسلامية) لا تحركها يد السوق الخفية، التي تؤزها نهمة لا تشبع كما هي الحال في الرأسمالية، وإنما يحركها إنسان متلبس بالقيم، قيم ( الواجب والإحسان والشفقة وتجنب العيب والحرام).

إن أجنحة الإسلام الاقتصادية ترفرف على ضمير الفرد وعلى سلوكه، كما تظلل حياة الجماعة. ففي النفس وعلى المائدة وفي الحقل والمصنع والسوق دائماً يبقى الإسلام حاضراً وموجهاً يطفئ بروحه السمحة سعار السعي الحثيث نحو التملك والإشباع الماديين، ولن نستطيع في هذا المقام أن نستقري منظومة القيم الإسلامية في ميدان الاقتصاد، وإنما سنمر على نثرة منها لتكون دليلاً على ما وراءها.

فقد كان الإسلام في السوق مع التاجر، ووضع الإسلام التاجر الصدوق مع النبيين والصديقين، وحض على الكسب والإنتاج (ما أكل أحد طعاماً قط خيراً من أن يأكل من عمل يده ). وكان في الحقل مع الزارع فحض على الزراعة والإنتاج (إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فإن استطاع أن لا تقوم حتى يغرسها فليغرسها ) (ما من مسلم يزرع زرعاً أو يغرس غرساً ، فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة ) (من أحيى أرضاً مواتاً فهي له ) وكتب عمر بن عبد العزيز إلى أحد ولاته (انظر ما قِبَلكم من أرض الصافية فأعطوها بالمزارعة بالنصف ، وما لم تزرع فأعطوها بالثلث، فإن لم تزرع فأعطوها حتى تبلغ العشر، فإن لم يزرعها أحد فامنحها، فإن لم يزرع فأنفق عليها من بيت مال المسلمين ولا تُبيرن قِبَلك أرضاً) أي لا تدعها بوراً بلا زراعة. واعتبر الإسلام اليد العليا، وهي اليد التي تعمل وتكد لتكسب ما تفيض به على الآخرين من فضل كسبها وجهدها وعرقها، خيراً من اليد السفلى التي يعجز صاحبها أو يضعف أو يكسل فيقع سعيه دون ضروراته فيندفع ليتكفف الناس.

كما كان حاضراً في المصنع مع الصانع (إن الله يحب أحدكم إذا عمل عملاً أن يتقنه )، وكان حاضراً على المائدة مع الذي يتناول اللقمة يفرض سلطانه، ويلقن الجميع دروساً في (الاقتصاد). والاقتصاد هنا إنما يعني الاعتدال والتوسط وعدم تجاوز الحد. وينهي عن الإسراف، ويدعو إلى المشاركة في الطعام، ويقرر أن طعام الواحد يكفي الاثنين، وطعام الاثنين يكفي الثلاثة، وأنه ما ملأ ابن آدم وعاء شراً من بطنه، يؤدب في تصغير اللقمة ولعق الصفحة. يحض على الزينة والنظافة، وينهي عن المبالغة ويحذر من ثوب الشهرة، ومن إطالة الإزار كبراً. ينهى عن السرف حتى فيما يظن أنه من الدين، ويحبب إلى الناس التوسط والاعتدال في كل أمورهم (ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك، ولا تبسطها كل البسط فتقعـد ملوماً محسوراً ) (الذين إذا أنفقـوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواماً ) (وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيراً إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفوراً ) ويحرم الغش والتدليس وألواناً من البيوع الجائرة، كما يحرم الاحتكار والربا، ويأمر بالصبر على المعسر، وبمساعدة الغارم (وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة ).

القيم الاقتصادية العامة في ميدان حياة الفرد والجماعة أكبر من أن نحيط بها، ولكن الذي يجب أن نؤكده أن الإسلام قد شرع نمطاً للسلوك الاقتصادي للفرد والجماعة، تحض على الإنتاج والكسب، وتصون الثروة، وتحفظها ثم توظفها فيما هي أولى به، وهي حالة (القوام) التي أشارت إليه الآية القرآنية الكريمة (القوام) بين التقتير والإسراف، الذي يقوم به أمر الناس والحياة.


مشكلاتنا الاقتصادية في بعدها الإيماني

إنه ما اجتمع كد البشر وإرادة الله وتوفيقه، إلا كان العمل الصالح المبارك المبرور، وكما أن توفيق الله لا يوهب للكسالى والمتواكلين، فإنه أيضا لا يهدى للعصاة، ولا لمن يتنكب شريعة الله، أو لمن يجعل الإسلام في زاوية من زوايا التدين المحدودة، فالمسلم لا يكون مسلما كما أمره الله حتى يحيط بأمر الله من كل جوانبه، ويؤمن بالكتاب كله، ويعزم عزيمة صادقة على العمل بكل ما فيه، على ما يعتوره أحيانا من لمم وخطيئة وضعف وجهالة ونسيان. (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين . لا شريك له، وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين)

إن من ثمرة الإيمان الصادق أن يهيئ الله لأهل طاعته ما ليس في الحسبان (ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض) ، (ولو أنـهم أقـاموا التـوراة والإنجيـل ومـا أنزل إليـهم من ربـهم لأكـلوا من فوقهـم و من تحـت أرجلهم ) ، (وألو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا) .

وفي المقابل فإن من عاقبة الإعراض عن شريعة الله، ومخالفة أمره ، الإيذان بعقوبة الله وسخطه، وخاب من آذنه الله بالحرب بعد إذ عصى أمره (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين. فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله..) ولعله بعضا من شؤم هذه الحرب الربانية على الذين آمنوا ثم لم يمتثلوا أمر الله، ولم يذروا ما بقي من الربا، ما يعانيه العرب والمسلمون اليوم من مشكلات اقتصادية وشلل تنموي، وخوف وفقر ومرض، كما قال الله تعـالى : (وضـرب الله مثلاً قـريةً كانت آمنـة مطمئنة يأتيـها رزقـها رغـداً من كـل مكـان فكـفرت بأنعم الله فأذاقـها الله لبـاس الجـوع والخـوف بما كانوا يصنـعون ) ، وهذا بعد إيماني أساسي ندعو إخواننا المؤمنين لتأمله وجعله في أولويات تقويم المسار. على أن دعوتنا للحل الاقتصادي الإسلامي ليست قاصرة على المسلمين فحسب، بل قناعتنا أن ديننا رحمة للعالمين، وعدالته تسع الجميع، وخيره يعم..


ثالثاً: قواعد النظام الاقتصادي الإسلامي وأساسياته

وفي ظل السلوك الإسلامي الاقتصادي في حياة الفرد والجماعة يمكن أن نتوقف في مشروعنا الحضاري على قواعد النظام الاقتصادي الإسلامي وأساسياته.


القاعـدة الأولـى : المال مال الله، والإنسان مستخلف فيه

وهي الحقيقة التي مررنا بها في النظام السياسي. (وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه ) فالملكية المطلقة هنا هي لله تعالى وحده، كما كانت الحاكمية المطلقة هنالك لله وحده، وفي ظل هذه الملكية المطلقة يستخلف الإنسان ليتصرف في هذا المال حفظاً وتنمية وإنفاقاً.

وحرم الإسلام كنز المال وتجميده، قال تعالى: (والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم ). ثم فرض في المال الزكاة التي تقدر بربع العشر، وشرع الإسلام لتنمية المال سبلاً وأبواباً،وأغلق على أشكال الكسب غير المشروع الذي يقوم على انتهاب ثروات الآخرين.

وحقيقة أن (المال مال الله) وأن الإنسان مستخلف فيه، تفتح الآفاق أمام التشريعات الاقتصادية في حالات النوازل والجوانح، ليرجع ما للفرد على المجموع.


القاعـدة الثانية : تحديد أولويات دوائر (الإنتاج والإنفاق)

فقد قسم الفقهاء المسلمون الاحتياجات الإنسانية إلى دوائر ثلاث، في ترتيب يقوم على تقديم الأولوية لكل دائرة من الدوائر على حساب الأخرى: (الضروريات) و(الحاجيات) و(التحسينيات) وجعلوا الحصول على الضروريات حقاً عاماً لكل إنسان يحصلها بجهده وكده، فإن عجز تعلق حقه بالدولة أو المجتمع، أو بجاره الذي يجاوره (ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم به ).

وفي دائرة تأمين الضروريات يسقط كل حق بفضل، حتى يشبع الجائع، ويكسى العاري، ويداوى المريض.

ولأهل كل عصر أن يعيدوا تقويم ما يعتقدون أنه ضروري في عصرهم. وحين يحوز كل إنسان في المجتمع سهمه من الضروريات تنداح دائرتا: الحاجيات والتحسينات، لينال كل فرد نصيبه منهما حسب جهده وكده. دون أن ينسى أبداً أن المال مال الله، وأنه مستخلف فيه، وأن للفقراء والمساكين حقهم فيه.


القاعـدة الثالثـة : حق الملكيـة

يعتبر حق الملكية الفردية، حقاً من الحقوق الأساسية للإنسان. ويجعل الإسلام من حق الملكية حافزاً للإنسان ليعمل ويجهد وينافس. (هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها ) (وفيه الدلالة على وجوب عمارة الأرض للزراعة والغراس والأبنية).


وضبط الإسلام وسائل التملك وسبله وحدد قوانينه، وحذر من تكدس المال بيد فرد أو أيدي مجموعة، فنهى عن أن يكون المال (دُولة بين الأغنياء ) كما أنه في الوقت نفسه وضع الشرائع والقوانين لتفتيت الثروة وامتصاصها، وذلك بتشريع الزكاة والصدقة والوصية، ثم بتشريع الميراث الذي يفتت الملكية تلقائياً، إلى عدد من أصول الإنسان وفروعه.


القاعـدة الرابعـة : المخاطـرة

يقوم النظام الاقتصادي الإسلامي على أساس المخاطرة، وقاعدة الفقهاء الذهبية في ذلك أن (الغنم بالغرم). وروح المغامرة في نفس الإنسان، هي التي تخلق المبادرات نحو الإنجاز المبدع الذي لا يزال تقدم البشرية يقوم عليها.

إن النظام الربوي القائم على الفائدة المضمونة لصاحب المال، إنما يعني أن يؤول المال في صيرورته النهائية إلى المرابين الذين يربحون دائماً ولا يخسرون، ولا سيما في ظل نظام عالمي مفتوح، تقع الكوارث والجوائح على الصناع والتجار ورجال الزراعة والتعدين، بينما صناديق البنوك تغص بعرق وجهد هؤلاء.

قنن الإسلام سبل الكسب وحددها وراقبها مراقبة دقيقة، فجعل التراضي أساس المبادرات التجارية، ولكن التراضي ينبغي أن يكون دائماً في بحبوحة الشرع بين المسلمين (والمسلمون عند شروطهم إلا شرطاً أحل حراماً أو حرم حلالاً ).


القاعدة الخامسة : التكافـل

يعتبر التكافل بآفاقه الإسلامية السامية وتشريعاته المتعددة: (الزكاة ـ والصدقة ـ والوصية ـ والوقف والكفارات..) قاعدة أساسية من قواعد الاقتصاد الإسلامي.

فقد نص القرآن الكريم على أن في مال الأغنياء حقا هو (حق معلوم) (والذين في أموالهم حق للسائل والمحروم ) فشرع الزكاة نصيباً مقدراً في ضروب المال وأشكاله. ثم حض على الصدقة، وندب إليها، وقرر أن في المال حقوقاً غير الزكاة، ثم شرع الوصية وكتبها على الإنسان إن ترك خيراً لغير الورثة من الأقربين والفقراء زيادة في تفتيت الثروة وتوزيعها. ثم كانت (الكفارات) بأنواعها لتحول ما يجترحه الإنسان من حقوق الله تعالى إلى عباده الضعفاء والمجهدين. ثم كان الوقف شكلاً من أشكال التكافل والتعاون على البر والتقوى.

ويروى عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: (إن الله فرض على الأغنياء في أموالهم بقدر ما يكفي فقراءهم وإن جاعوا وعروا وجهدوا فبمنع الأغنياء، وحق على الله أن يحاسبهم يوم القيامة ويعذبهم عليه) وهكذا يعتبر التكافل الذي تقوم على حق الله فيه (الدولة) أو مؤسسات المجتمع أو الأفراد أحد ركائز النظام الاقتصادي الإسلامي في سد الثغرات، وإصلاح الخلل، والمشاركة في بناء التوازن الاجتماعي حيثما أصابه وهن أو خلل.


القاعدة السادسة : حق العمل

إن العمل الإنساني هو الأساس الرئيس للدخل في المجتمع، وهو حق لكل قادر عليه، وقد جاء في الحديث: (أفضل الكسب بيع مبرور، وعمل الرجل بيده )، وفي الأثر عن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه: (الرجل وبلاؤه، والرجل وحاجته) قاعدة اقتصادية عظيمة، أي لكل فرد حق التمتع بثمار جهده، والحق في الحصول على حاجته في كل الأحوال.


القاعدة السابعة : التوزيع العادل للثروة

إن التوزيع العادل للثروة هو جزء من قضية العدل العام الذي دعا إليه الإسلام، وأن التفاوت الاجتماعي الواسع هو نتيجة طبيعية لتراكم الظلم، وسبب للصراع المدمر بين فئات المجتمع، والقضاء على الفوارق المبنية على الاستغلال والاكتناز أمر أساسي لصيانة أمن المجتمع واستقراره.