النصر والفوز حقيقة كما أخبرنا الحق سبحانه
بقلم: د. توفيق الواعي
تداول الحضارات في العالم قانون وسنة من سنن الحياة، تدور مع شعوب الأرض؛ ولكنها تستديم مع من يستحقها ويحمل مؤهلاتها، وتلك الأيام نداولها بين الناس، والحقيقة أن قيام الحضارات واستدامتها يلزمه أمران:
الأول:
منهج متكامل،
والثاني:
استقامة على ذلك المنهج، ونحن والحمد لله عندنا المنهج الإلهي الصالح، وتلزمنا الاستقامة، ولأننا بشر فعنصر الاستقامة يلزمه عزم وجلد، ويخضع للتداول، ولكننا نمتاز بالمنهج المتكامل الخاص بالأمة، وإن شاء الله سيفيء المسلمون ويستقيمون إن شاء الله على الجادة بعزم رجالهم، كما يحدث الإمام البنا رضي الله عنه إذ يقول: نحن المسلمين نؤمن ونعتقد في قرارة أنفسنا أنه لا بد أن ينتصر هذا الإسلام، وتتحرر دوله وأممه، وتنتصر شعوبه، وتتحقق رسالته، ويسود ويحكم ويهيمن ويعلو، ولنا على ذلك أدلة:
الدليل الأول (السمعي): فنحن نقرأ قول الله تبارك وتعالى: ﴿وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (8)﴾ (الصف)، و﴿وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ﴾ (التوبة: من الآية 32).. ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ﴾ (التوبة: من الآية 33)، ﴿كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (21)﴾ (المجادلة).. ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (55)﴾ (النور).
نحن لا نشك في هذه الآيات أبدًا، ونؤمن تمام الإيمان بأنها حق وصدق، وبأن كلمة الله ستعلو وراية حقنا سترفع، وأننا سنستخلف في الأرض، ويبدِّلنا الله بعد خوفنا أمنًا بإذنه وقدرته، ولو كانت الظواهر كلها تدعو إلى اليأس ﴿حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (110)﴾ (الأعراف).
والدليل الثاني (التاريخي): فأطوار التاريخ كلها منذ وجد الإسلام، تدلنا على أنه أقوى ما يكون عودًا وأنشط ما يكون مقاومة إذا أحدقت به الأخطار وأحاطت بأممه وشعوبه المتاعب؛ هناك يتجلى ما في هذه النفوس من إيمان كامل وعزم قاطع، وتنتفض لتجاهد فتنتصر، وتفوز وتعلو من جديد كلمة الله.
كذلك كان يوم الردة حين لم يبق إلا أبو بكر يقول: "والله لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه لرسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم متى استمسك السيف بيدي".. ثم يجهز في يوم واحد أحد عشر جيشًا، تتحرك من الجرف بقيادة أبطال القواد من المؤمنين وتعود بالفوز والظفر.
وكذلك كان أيام التتار حين حُطمت الخلافة، وقُضي على الجند، واضمحلت القوى، وظن الناس الظنون، ثم تحققت معجزة الإسلام، فإذا هو يأكل هؤلاء الغازين حِسًّا بالهزيمة ومعنى بالإيمان، فإذا هم مسلمون تحت راية دولة الإسلام.
ورأى العالم هذه الصورة مرة ثالثة، يوم تألبت أوروبا المتعصبة، ولا أقول المسيحية؛ ولكن الهمجية على حضارة المسلمين الظاهرة، وانهالت أفواج الغزاة من الصليبين صوب الشرق، فقذفت بهم قوات صلاح الدين وخلفاؤه إلى البحر، وتندر بهم الشاعر ابن مطروح يذكرهم بالأسر فيقول:
دار ابن لقمان على حالها والقيد باقٍ والطواشي صبيح
وليست محنة اليوم بأقصى من محن الأمس، وتلك الأيام نداولها بين الناس، وسننتصر ونتحرر ونقوى ونفوز بإذن الله.
والدليل الثالث (الحسابي): فإن الدور لنا لا علينا، والناظر في التاريخ العام يعلم صدق هذا الحساب، فلقد انبثق فجر الحضارة في هذا الشرق، فقاد الدنيا بزمام، وعرفت الأرض حضارة الهنود والصينيين والفرس والمصريين والفينيقيين والبابليين.. إلخ، ثم دار الفلك دورته، وانتقل زمام القيادة إلى الغرب، وظهرت فلسفة اليونان وسلطة الرومان، ومكثت الحال على ذلك ما شاء الله لها أن تمكث حتى ظهرت الرسالات العظيمة في الشرق وختامها الإسلام، فعادت القيادة إليه من جديد، وألقت إليه الدنيا بالمقاليد، وجبي خلفاؤه خراج السحاب، وخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة،
واتبعوا الشهوات، واستيقظ الغرب من سباته، ونهض نهضته الحديثة المعتمدة على العلم والكشف والاختراع، وهي عماد القوة والسلطان، فاستلب القيادة مرة ثانية، وكان عنيفًا جبارًا خبيثًا ماكرًا، فأحكم القيود وضيَّق الأغلال وضرب الدنيا بأساليب من المطامع والدسائس والمكايد والأهواء، ولم يحسن الإمامة، ولم يقم بحق الله في الخلافة، فاستخدم هذا العلم في الهلاك والدمار، وكان طبيعيًّا أن يحدث هذا التصرف السيئ أثره، فأُظلي العالم نار حربين قاسيتين في أقل من ربع قرن من الزمان، وظهر جليًّا إفلاس هذه القيادة الغربية، ولم يبق إلا أن تفلت عجلة القيادة، فيقبض عليها خلفاء في أرضه من المسلمين في هذا الشرق المنير، ويومئذٍ يفرح المسلمون بنصر الله، ينصر من يشاء، وهو العزيز الرحيم.
والدليل الرابع: سنة الله التي لا تتخلف ﴿كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ﴾ (الرعد: من الآية 17).
وعندنا بحمد الله ما ينفع الناس، وما سواه زبد وهباء لا قيمة له ولا خير فيه.. ﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (21)﴾ (يوسف).
ولهذا نحن مطمئنون، وما نراه اليوم من أحداث هو ما أشار إليه كتابنا، وحذَّر منه نبينا صلى الله عليه وسلم، ورسم لنا طريق النجاة منه، والاستفادة به بالتقوى والبذل والإخلاص والجهاد، ويجب أن نكون كذلك لنفوز بإذن الله.. ولله عاقبة الأمور.
إن تخلف المسلمين اليوم ليس ضربة لازب ولا قدرًا محتومًا، وإنما هو أمر معروف أسبابه ومعلوم دوافعه، ومحدود أوقاته إن شاء الله.
ولا يبقى أمام المسلمين إلا أن ينتبهوا إلى معوقاتهم وإلى أمراضهم؛ ليصح الجسد، وتسلم المسيرة، ويفرح المسلمون بوعد الله في قوله: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا﴾ (النور: من الآية 55)، فهل بعد ذلك يكون هناك شك في النصر إذا قويت العزائم واستقامت النفوس على منهج الله سبحانه؟!.
كنا جبالاً كالجبال وربما سرنا على موج البحار بحارا
بمعابد الإفرنج كان أذاننا قبل الكتائب يفتح الأمصارا
لم نخش طاغوطًا يحاربنا ولو نصب المنايا حولنا أسوارا
ندعوا جهارًا لا إله سوى الذي خلق الوجود وقدر الأقدارا
المصدر
- مقال:النصر والفوز حقيقة كما أخبرنا الحق سبحانهإخوان أون لاين