المقاومة العراقية بين عظم الانجاز وضخامة التآمر

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
المقاومة العراقية بين عظم الانجاز وضخامة التآمر


بقلم : ياسر سعد

كشف التقرير الدوري الذي يقدمه البنتاجون إلى الكونجرس عن تطورات الوضع في العراق بأن أعمال العنف في العراق قد بلغت أعلى مستوى لها منذ "إعادة السيادة" للحكومة العراقية في يونيو/ حزيران من عام 2004. وحسب التقرير فإن أخطر عمليات العنف وقعت في بغداد وفي محافظة الأنبار غرب العراق حيث تنشط الحركات المسلحة الموالية للسنة. ويذكر التقرير - الذي يصدر كل ثلاثة أشهر والذي عنوانه "تقييم الاستقرار والأمن في العراق"- أن متوسط المعدل الأسبوعي للهجمات في العراق خلال الفترة ما بين منتصف أغسطس/ أب إلى نوفمبر/ تشرين الثاني الماضيين، بلغ 959 هجوما، أي بارتفاع ناهزت نسبته 22 %. وأضاف التقرير أن 54% من الهجمات نفذ في العاصمة العراقية بغداد وفي محافظة الأنبار؛ وأن 68% من الهجمات كان يستهدف القوات الأمريكية في العراق.

في الوقت الذي تشتد فيه هجمات فرق الموت والخطف على الأحياء الآمنة في العراق لتعمل في أهلها فتكا وتعذيبا وقتلا وخصوصا في بغداد لتفريغها من أهلها من السنة والذين يشكلون العمود الفقري للمقاومة العراقية متزامنة مع انتشار متزايد لسيارات الموت الحاقدة والتي تفتك بمئات الأبرياء والفقراء من الشيعة ولتنقل وسائل إعلام حكومة المنطقة الخضراء وبشكل متعجل بأن تلك الانفجارات المروعة من فعل الانتحاريين لتلقي في روع العامة أن الدوافع مذهبية طائفية دون انتظار لنتائج تحقيقات لا تبدأ أصلا عن نوعية التفجيرات وعن أي من بلدان الجوار الذي يمتلك لها مثيلا أو عن مصدر السيارات المفخخة ومن أين أتت؟ وكأن الهدف الأساسي من تلك الإعلانات المتسرعة هو نفس هدف من يقف خلف السيارات المفخخة: تفجير حرب أهلية لا تبقي ولا تذر لتكون مخرجا مشرفا لقوات الاحتلال وسبيلا سلسلا لتحقيق أحلام التوسع والهيمنة الإيرانية. مع كل هذه الظروف الصعبة والقاسية تبدو المقاومة العراقية صلبة العود واضحة الهدف والمقصد، مستهدفة الاحتلال البغيض دون أن تنجر لمستنقع حرب أهلية مدمرة يسعى إليها الكثيرون من السياسيون "العراقيون" المتحركون بالأوامر العابرة للحدود.

المقاومة العراقية التي خاضت وما تزال معارك طاحنة مع اكبر قوة عسكرية في العالم وربما على مدار التاريخ، تفتقد لدعم دولي وتفتقر لمساندة دول الجوار، بل وعلى العكس تماما تتبارى كثير من الدول في محاربتها ومحاصرتها والتضييق عليها على الرغم من أن تلك المقاومة هي التي أوقفت الزحف المغولي الحديث والذي كان يلوك أحاديث الفوضى الخلاقة ويريد أن ينشر مبادئه في الصدمة والترويع وينثر الدمار والقتل حيث ما حل وارتحل. ومع كل هذا التأمر والتضييق والحصار والتشويه فإن عمليات المقاومة تزداد كما وتتطور نوعا وكيفية وباتجاه الاحتلال وقواته.

المقاومة العراقية ساهمت في تكبيل الوحش الأمريكي الفالت من عقال محافظين جدد اعتنقوا مبادئ الحروب الإستباقية والمناهج الاستعلائية والتي تبيح لهم وفي سبيل المحافظة على ما يرونه مصالحهم تدمير أمم وإعادة رسم خرائط مصبوغة برائحة الدم والمعاناة والبؤس الإنساني البليغ. المقاومة بصمودها وبطولاتها كشفت عن وجوه قبيحة تخفت تحت أقنعة زائفة من أيدلوجيات وشعارات رنانة، فالذين أصموا أذاننا بالحديث عن الشيطان الأكبر وعن جهاد المستضعفين والمظلومين كان لأعوانهم وربائبهم الدور الأكبر في التمكين لذلك الشيطان من تدمير العراق ومن بعد سعوا ولا يزالون ليعقدوا معه صفقات تقاسم الغنائم ولو كانت على أشلاء الضحايا العراقيين ومعاناتهم وعلى حساب مستقبل أجيالهم. أما الذين ما انفكوا يتحدثون عن الصمود والتصدي والخطر الامبريالي فإنهم وفي مرحلة ما قبل تقرير بيكر-هاملتون وما بعده ما فتئوا يرسلون الإشارات والرسائل الواضحة والمبطنة معلنة استعدادهم الكامل لخدمة المحتل الأمريكي مقابل دور هامشي في المنطقة يبقيهم في سدة حكم اغتصبوه عنوة ومارسوه بالقهر والاستبداد.

المقاومة العراقية تكتب صفحات مضيئة في تاريخ الأمة تعيدنا إلى أمجاد ظن الكثيرون أنها لن تخرج من بطون كتب التاريخ، فمن كان ليجرؤ أن يتخيل وقبل سنوات فقط أن أمريكا التي تأمر فتطاع وتنهي، تبحث وبإلحاح عن وسيلة للخروج من العراق تحفظ ما وجهها المراق في بغداد والانبار وغيرهم. وزير الدفاع الأمريكي الجديد غيتس الذي خلف الوزير المتعجرف والمغرور رامسفيلد يعلن أن العراق يشكّل أولويته الرئيسية؛ ويقول إنه سيتوجه إلى هذا البلد بأسرع ما يمكن –وهذا ما حصل بالفعل- ليطلع على آراء القادة العسكريين هناك دون "تزيين "، لبحث الطرق التي يمكن من خلالها تحسين الأوضاع هناك. مضيفا: "كل منّا يريد إيجاد سبيل لعودة أبنائنا وبناتنا إلى بلادهم، غير أنه وكما أوضح الرئيس لا يمُكننا تحمّل خسارة في الشرق الأوسط" معتبرا " الإخفاق في العراق في هذه المرحلة قد يكون كارثة تلاحق وطننا وتقضي على مصداقيتنا وتضع الأمريكيين في خطر لعقود قادمة".

لقد أرادت أمريكا من خلال احتلال العراق إعادة رسم خارطة الشرق الأوسط كما صرح أكثر من مسئول أمريكي في إدارة بوش الصغير غير أن صلابة المقاومة العراقية وبسالتها غيرت الكثير من المفاهيم والموازيين. إننا الآن أمام منعطف كبير فإما ترسم خريطة المنطقة من جديد وعلى حساب مصالحنا وحاضرنا ومستقبلنا وعلى حساب أجيالنا ذلا وقهر واستغلالا وإما أن تعاد رسم خريطة النفوذ العالمي مع التراجع الأمريكي الكبير والذي يحمل في طياته الكثير من بوادر الانهيار ومظاهر التضعضع. من هنا وبمقدار كبر الدور الذي تقوم فيه المقاومة العراقية وعظمته يبدو أيضا حجم التآمر عليها وعلى إنجازاتها ولو كان السبيل لذلك سفك دماء عشرات الآلاف من العراقيين الأبرياء وتفجير حرب أهلية مدمرة، المصلحة الأمريكية الإيرانية المشتركة فيها تكاد تكون واضحة. المطلوب من الدول العربية خصوصا المجاورة للعراق التخلص من سلبيتها القاتلة ومن الانتظار حتى يصل الحريق العراقي إلى أحشائها، والانتقال إلى لعب دور فاعل اقله محاولة محاصرة التمدد الإيراني والذي تتوسع شهيته يوما إثر أخر وسحب الاعتراف بحكومة المنطقة الخضراء ورفع الغطاء العربي عن المهازل السياسية الأمريكية التي جرت في العراق.

المصدر