المفاوضات السرية والاتفاق القادم..
بقلم : هاني المصري ـ رام الله
اتصل بي صحافي إسرائيلي من صحيفة معاريف وأخبرني بأن لديه معلومات مؤكدة 100% حول أن هناك اتصالات سرية تجري بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وأن إحدى القنوات هي بين أبو علاء وشمعون بيريس. وسبب الاتصال يعود لاعتقاده بأنني حتماً سيكون لدي معلومات عن هذه الاتصالات كونه يلاحظ من خلال المقالات التي أكتبها أنها تستند إلى معلومات جيدة ومصادر موثوقة وليست بناء لتحليل فقط.
لا أعرف إذا كان الصحافي الإسرائيلي قد صدقني أم لا، ولكنني قلت له إنني لا أملك معلومات مؤكدة ومن مصادر مطلعة ولكن الحقيقة أن القيادة الفلسطينية لا تأخذ الصحافة وكتّاب الأعمدة والمحللين السياسيين على محمل الجد، بصورة كافية، رغم أنهم، أو على الأقل بعضهم، يمارسون دوراً ملموساً في التأثير على الرأي العام، وعكس ما يجري فيه، ربما لاحتفاظهم بالصلات الحية والمستمرة مع المواطنين على اختلاف آرائهم ومشاربهم وأعمالهم.
لو كانت القيادة الفلسطينية تأخذ الصحافة الفلسطينية على محمل الجد، لوضعت تحت تصرفها وتصرفهم المعلومات بصورة دائمة، وبذلك تمكنهم من اتخاذ مواقف أدق تحول دون زيادة حدة الانتقاد للسياسات والممارسات الفلسطينية أو تساعد بعضهم على مغادرة أدوار الهتاف والمديح والثناء واكتشاف العبقرية بكل ما تفعله القيادة أو قيادة الفصيل الذي ينتمي إليه أو يؤيده هذا الصحافي أو ذاك.
كما تمكنهم من منافسة الصحافة الإسرائيلية التي يصل التنافس فيما بينها إلى حد الجنون وفبركة المعلومات.
اكتفت القيادة الفلسطينية بعقد اجتماعات مع الصحافيين والكتاب كلما تيسر الأمر (مرة أو مرتين في العام على الأكثر)، ولكنها اجتماعات تحتوي على الكثير الكثير من الآراء والقليل القليل من المعلومات.
بعد ثورة المعلومات والاتصالات والفضائيات والانترنت أصبح الإعلام أولاً وأخيراً وقبل كل شيء، مصدراً للمعلومات. فلا تحليل جيداً ولا رأي حصيفاً دون معلومات جيدة.
مفاجآت من العيار الثقيل
وإذا عدنا للمفاوضات السرية، أعتقد أن هناك شيئاً ما على النار، وان التصريحات المنسوبة إلى الرئيس الفلسطيني ورئيس الحكومة الإسرائيلية، وما يتم تداوله في الكواليس حول إعلان المبادئ واتفاقية الإطار، الذي يجب أن يتم الانتهاء منه أو منهما قبل اجتماع الخريف القادم، وان الفترة الواقعة من شهر تشرين الثاني وحتى شباط يجب أن تشهد تحويل إعلان المبادئ إلى إجراءات وتفاصيل، حيث تؤكد بعض المصادر في الحكومة الفلسطينية أن هناك لجاناً تجتمع بشكل منتظم وقطعت شوطاً، وان أبو مازن وأولمرت قطعا شوطاً مهماً، وأن الفترة المقبلة يمكن أن تحمل مفاجأة من العيار الثقيل، أكثر من إعلان مبادئ وإنما اتفاق سلام كامل متكامل، بكل معنى الكلمة، ونقلت مصادر مطلعة عن أحد المسؤولين انه يراهن على أن الأراضي المحتلة لن يبقى فيها حاجزاً إسرائيلياً واحداً حتى شهر تشرين الثاني المقبل،
وحتى يعززون روايتهم تؤكد المصادر المتفائلة أن الإدارة الأميركية تتخذ موقفاً قريباً من الموقف الفلسطيني وضغطت وستضغط أكثر على حكومة أولمرت، وسعت وستسعى لإنقاذها من السقوط بإبعاد شبح التقرير النهائي لفينوغراد وعواقبه، والضغط على باراك زعيم حزب العمل وزير الحرب ونتنياهو زعيم الليكود، لمنعهما من تعطيل إمكانية نجاح المفاوضات الفلسطينية ـ الإسرائيلية.
التفاؤل المذكور أكبر مما ذكرت، ولكنني آثرت تخفيف المعلومات وإنزالها قليلاً من السماء إلى أرض الواقع، حتى لا أساهم في التضليل وإشاعة الوهم.
القيادة الفلسطينية من جهتها، تنفي وجود مفاوضات علنية أو سرية، كما تنكر وجود تقدم ولكنها تنسى أن هناك لقاءات منتظمة بين أبو مازن وأولمرت، وان مصادر فلسطينية أعلنت أن هذه اللقاءات جيدة وايجابية وأخذت تبحث في قضايا الوضع النهائي، كما تنسى القيادة الفلسطينية أن أبو مازن دعا علناً وأكثر من مرة إلى إنشاء قناة خلفية بعيداً عن وسائل الإعلام.
..وجوز فارغ
لا أجازف عندما أقول إن بعض الأوساط الفلسطينية النافذة تطعم نفسها وتريد أن تطعمنا جوزاً فارغاً، وتروج للإنجازات والاتفاقات القادمة، متجاهلة أن ما يجري على الأرض هو الأبلغ تأثيراً، وهو الذي سينعكس ويفرض نفسه على طاولة المفاوضات.
فالمفاوضات ليست عصا سحرية، تستطيع أن تجترح المعجزات، وإنما هي محاولة لعكس موازين القوى بمعناها الواسع على الطاولة وفي الاتفاقيات التي يمكن التوصل إليها.
هذا في حالة أن المفاوض الفلسطيني يكون في أحسن الحالات والظروف والخصائص، وقادراً على انتزاع أقصى ما يمكن.
السؤال بل الأسئلة التي تطرح نفسها، كيف سيفاوض المفاوض الفلسطيني في ظل استمرار الاحتلال بسياسة خلق الحقائق على الأرض، والتي جعلت أية تسوية ممكنة الآن، حتى لو تضمنت أقل من الحد الأدنى من الحقوق الفلسطينية، أكبر من قدرة حكومة مثل حكومة أولمرت، حتى لو أرادت التطبيق؟
كيف سيقنعنا المتفائلون بأسباب تفاؤلهم، ونحن نرى أن خارطة الطريق الدولية التي ولدت ميتة، وضعت على الرف، رغم كل نواقصها واختلالها، وان ما يجري تطبيقه على أرض الواقع خارطة الطريق الإسرائيلية. فالجانب الفلسطيني بكل فرقائه أوقف المقاومة أولاً بدون تأييد مقاومة مثمرة، وهناك سعي لسحب سلاحها وحل الميليشيات المسلحة، رغم أن إسرائيل تواصل العدوان بكل أشكاله العسكرية وغير العسكرية، وتجتاح المدن وتغتال من تشاء، وتعتقل من تشاء حتى لو كان ضمن القوائم التي أعلنت العفو عنهم.
<< ثمار >> الانقسام
كما أن المفاوض الفلسطيني أنزل من سقفه التفاوضي عندما أخذ يفاوض على كل مطارد، وكل معبر، وكل أسير، وكل... وكل.. على حدة؟
بدون مرجعية واضحة ما يجعل ما تقدمه إسرائيل عطايا وليس التزاماً بحقوق ولا تطبيقاً لاتفاقيات.
المكتوب يقرأ من عنوانه، والعنوان لا يبشر بالخير وإنما ينذر بالشرور وعظائم الأمور.
وما يجري، هو على الأرجح، محاولة أميركية ـ إسرائيلية لقطف ثمار الانقسام والضعف الفلسطيني الحالي، من خلال فرض حل انتقالي طويل الأمد عنوانه دولة ذات حدود مؤقتة، مغلف بإعلان مبادئ، أو اتفاقية إطار قابلة للتفسيرات المتعددة وتترافق مع جدول زمني طويل ومؤجل التنفيذ.
وإذا لم تنجح هذه المحاولة تكون قد أوحت بإحياء عملية سلام دون سلام، وقطعت الوقت وجرت أطرافاً عربية أخرى للتطبيع مع إسرائيل قبل السلام.
السؤال الأساسي والأصعب هو: هل تقبل القيادة الفلسطينية بهذا العرض الإسرائيلي الأميركي رغم إدراكها بسوئه وخطره، تحت حجة ليس «بالإمكان أبدع مما كان» أم ترفض هذا العرض لأنه لا يمثل حلاً ولا تسوية، وإنما محاولة لتصفية القضية الفلسطينية؟
وإذا كانت إسرائيل قادرة على فرض هذه التصفية ستفرضها بموافقة أو بدون موافقة الفلسطينيين مثلما فعلت عندما طبقت خطة فك الارتباط عن قطاع غزة؟.
الخيار صعب، ولكن نتائجه واضحة منذ الآن، ورفض الحل التصفوي أفضل مليون مرة، لأنه يفتح الطريق أمام الحل الوطني الذي يقوم على تمكين الشعب الفلسطيني من تقرير مصيره بعد دحر الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة وعاصمتها القدس على الأراضي المحتلة العام 1967، وحل مشكلة اللاجئين حلاً عادلاً وفقاً لقرار 194.
ملاحظة: أرجو من المسؤولين الفلسطينيين أن لا يستخدموا عبارات «دولة فلسطينية قابلة للحياة»، أو «متواصلة ومترابطة جغرافياً»، أو «إنهاء الاحتلال الذي بدأ العام 1967»، لأنها عبارات تخفي في طياتها أن هذه الدولة محل تفاوض وستقام ضمن حدود 1967 أو في حدود .
1967 وهناك فرق حاسم بين دولة في أو ضمن حدود 1967 أو دولة على حدود 1967؟.
المصدر
- مقال:المفاوضات السرية والاتفاق القادم..المركز الفلسطينى للتوثيق والمعلومات