المعارضة الحية.. عفواً فى باكستان
17 مارس 2009
بقلم: عماد الدين حسين
الأمم الحية لا تموت وتستطيع أن تفاجئك فى كل لحظة بكل ما هو مدهش.
قبل يومين تمكنت المعارضة فى باكستان من إجبار الحكومة على إعادة القضاة الذين فصلهم الرئيس السابق، برويز مشرف وعلى رأس هؤلاء كان كبير القضاة افتخار تشودرى الذى مثل صداعا دائما فى رأس مشرف وكان أحد أسباب ابتعاده عن الحكم.
المعارضة الباكستانية أيضا كسرت قرار الحكومة بفرض الإقامة الجبرية على نواز شريف زعيم أكبر حزب معارض، وتمكنت من البدء فى مسيرة حاشدة إلى إسلام آباد انتهت بقبول الحكومة لعودة القضاة المعزولين.
قد يكون الواقع فى باكستان مختلفا، وهناك فروق كثيرة بيننا وبينهم فى مجالات مختلفة ليس هذا مكان مناقشتها، لكن المؤكد أننا نحن وهم نشترك فى أننا بلدان متخلفان أو بتعبير مهذب «ناميان» عندما يتعلق الأمر بالاقتصاد أو بالفساد أو حتى بالاستبداد، والدور المتضخم لأجهزة الأمن.
ورغم هذا الاختلاف فالمؤكد أن كثيرا من المصريين يشعرون بالحسرة وهم يشاهدون كل يوم أمما وشعوبا كثيرة تتحرك لتعديل أوضاعها، أو تصحيح بعض الأخطاء فى مسيرتها أو حتى التغيير الشامل وتجربة كل ما هو جديد.
الشعور بالحسرة قد يكون فعلا إنسانيا نبيلا، لكنه يتحول إلى نوع من البلادة والاستسلام للأمر الواقع طالما لم يقترن بفهم الواقع المحيط.
ما يفرقنا عن باكستان وأمم كثيرة أخرى سبقتنا إلى تصحيح بعض أو كل أوضاعها المتردية أنهم يملكون قوى حية وفاعلة للتغيير مقابل موت الحركة السياسية الكامل فى مصر.
قد لا يعجب هذا الكلام الكثير من المعارضين الذين سيسارعون إلى إلقاء المسئولية على الحكومة.. ويغيب عن هؤلاء أنه لا توجد حكومة تساعد المعارضة على أن تحل محلها.
عندما أرادت المعارضة فى باكستان التحرك استطاعت حشد أكثر من نصف المجتمع وأقنعته بالخروج إلى الشارع، الأمر الذى هز حكومة جيلانى وزردارى وجعلهما يقبلان بكل مطالب المعارضة.
تصوروا فى حالتنا المصرية.. كم شخصا يستطيع أى حزب فى مصر أن يحشده إذا قرر الخروج ضد الحكومة؟، يقينى الشخصى أنه لن يزيد على 5 آلاف شخص، وهو عدد لا يكفى حتى لتغيير موظف فى مجلس محلى فى قرية نائية.
الحكومة تدرك هذا الكلام أفضل منى كثيرا، ولذلك فهى لا تهتم كثيرا بمعظم ما تقوله المعارضة وصحفها وقادتها، لكنها تتحرك فقط وتستجيب عندما يكون الأمر جادا.. حدث ذلك فى احتجاجات غزل المحلة والضرائب العقارية والصيادلة والمقطورات وغزل شبين ونماذج أخرى كثيرة.
المشكلة أن كل التحركات السابقة كانت فئوية وصغيرة، ما نفتقده فى مصر هو قوى حقيقية وحية تستطيع حشد قطاعات كبيرة من أجل قضايا تهم كل المجتمع.
قبل أسابيع انتهت إحدى التظاهرات أمام سلم نقابة الصحفيين بالمناضلين الكبيرين كمال خليل ومجدى أحمد حسين.
وقبل أسابيع كانت هناك مظاهرة أمام سلم نقابة الصحفيين، وبعد أن هتف البعض وعاد إلى منزله معتقدا أنه أدى واجبه الكفاحى، لم يكن هناك فى المظاهرة سوى كمال خليل ومحمد عبدالقدوس يمسكان كل بميكروفون ويهتفان حينا ويحادثان بعضهما حينا آخر، لكن لم يكن هناك أحد من الجمهور.. وتلك هى المعضلة.
المصدر
- مقال :المعارضة الحية.. عفواً فى باكستان ، الشروق