المشروع النووي الإيراني.. بين العقوبات الدوليّة والضغوط الصهيونيّة

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
المشروع النووي الإيراني.. بين العقوبات الدوليّة والضغوط الصهيونيّة


بقلم: الأستاذ إبراهيم المصري

الأمين العام للجماعة الإسلامية في لبنان

الكيان الصهيوني لا يريد للمنطقة حوله أن تهدأ. ففي الشهر الماضي أثار زوبعة كبيرة حول سلاح حزب الله ودور سوريا في نقل صواريخ «سكود» الى المقاومة الإسلامية في لبنان، وأنه سوف يعيدها (سوريا) الى العصر الحجري اذا ثبتت مشاركتها في عدوان على «اسرائيل».

لكن العاصفة هدأت، ربما لإدراك العدوّ أنه بات لدى المقاومة أسلحة أمضى وأكثر فاعلية وأقل كلفة من صواريخ سكود، وربما كان لجولات رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة أثر فاعل في اقناع القوى الكبرى بأن العدوان على لبنان (أو سوريا) سوف يكون باهظ الكلفة، ولذلك انتقلت ساحة التوتر الأمني والعسكري الى المرمى الإيراني من جديد، تحت عنوان القدرات الإيرانية النووية.

فالكيان الصهيوني يمتلك قدرات نووية عالية، وما بين 250 - 300 رأس نووي، استطاع من خلالها نشر حالة من الرعب لدى العالم العربي، واشاعة مقولة باتت تشكل مسلّمة لدى المسؤولين العرب بأن هناك حاجزاً استراتيجياً بينهم وبين اسرائيل لا يمكن تجاوزه.

وعندما برزت إيران كقوة اقليمية معادية بعد انتصار ثورتها الإسلامية، ثم امتلاكها مفاعلات نووية تشكل مدخلاً الى قدرات نووية علمية أو عسكرية، واطلاق رئيس جمهوريتها أحمدي نجاد تحذيرات حادة ضد الكيان الصهيوني.. باتت «اسرائيل» في مأزق، ومارست ضغوطاً واسعة على الادارة الأمريكية والاتحاد الأوروبي، من أجل وقف (أو ضرب) المفاعلات النووية الإيرانية، قبل أن تبلغ مستوى التهديد العسكري للكيان الصهيوني، وهنا بدأت الأزمة.

كان من الواضح أنه لا الولايات المتحدة ولا الكيان الصهيوني في وارد توجيه ضربة عسكرية للمفاعلات الإيرانية، لمجموعة أسباب، أهمها أن الانتشار العسكري الأمريكي حول إيران، في العراق وأفغانستان وفي دول الخليج ومياهه، يشكل نقطة ضعف لدى الأمريكيين، كما أن شبكة صواريخ المقاومة الإسلامية على الحدود اللبنانية تشكل شبكة ردع ضد أي عدوان صهيوني، وبالتالي فلا بد من اللجوء الى خيار آخر، شرط أن يكون موجعاً للجمهورية الإسلامية الإيرانية، وكان الخيار الوحيد هو العقوبات الاقتصادية والسياسية والمالية ضد إيران.

وكانت الدوائر الأمريكية برئاسة وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون تعمل على صياغة مشروع للعقوبات تطرحه على مجلس الأمن الدولي، بعد أن ضمنت حصوله على موافقة أغلبية دول المجلس.

في هذا الوقت دخل الرئيس البرازيلي (لويس لولا داسيلفا) على خط الأزمة، فقام بزيارة الى طهران، التقى خلالها رئيس جمهوريتها أحمدي نجاد ومرشد الثورة السيد علي خامنئي.

ولا يستبعد المراقبون أن تكون زيارة داسيلفا منسّقة مع الرئيس الأميركي باراك أوباما، في محاولة لتلافي فتح جبهة عسكرية مع إيران، خاصة أن الادارة الأمريكية تعاني صعوبات اقتصادية كبيرة، وضغوطاً شعبية أكبر نتيجة خسائرها العسكرية والبشرية في الساحتين العراقية والأفغانية.

وبينما حدد الرئيس أوباما موعداً لسحب قواته من العراق في تموز عام 2011، ويسعى لحسم الوضع العسكري في أفغانستان بالتحضير لاجتياح قندهار وهزيمة حركة طالبان، نجد أن الحركة توغل في عمليات عسكرية وتفجيرات يومية. لذلك فلا مصلحة لأحد بفتح جبهة جديدة مع إيران.

مهندس السياسة الخارجية التركية (أحمد داود أوغلو) كان في طهران، يعكف مع مستشار الرئيس البرازيلي (ماركو أوريليو غارسيا) على صياغة اتفاقية توقف تداعيات الأزمة النووية بين الولايات المتحدة وإيران، يقول وزير الخارجية التركي ان الوصول الى صيغة الاتفاق كلفتهم ثماني عشرة ساعة من العمل المضني مع المسؤولين الإيرانيين، وهو يقضي بوقف عمليات التخصيب، ونقل 1200 كلغ من اليورانيوم الى تركيا لتكون تحت اشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية، مقابل تسليم إيران مائة وعشرين كلغ من اليورانيوم المتوسط التخصيب بنسبة 20٪، بينما لا تتعدى نسبة تخصيب ما تسلمه إيران الى تركيا 3،5 الى 5٪، وقد انضم الرئيس التركي طيب رجب أردوغان الى الرئيسين البرازيلي والإيراني في طهران، حيث وقع الاتفاق كل من وزير خارجية إيران منوشهر متكي مع وزيري خارجية تركيا والبرازيل.

يتساءل البعض عن مصلحة إيران في توقيع الاتفاق، والجواب أنها لا تريد تحدي المجتمع الدولي، ممثلاً بمجلس الأمن، الذي يتجه لاتخاذ قرارات حادة ضدها، والمبرر الثاني أن إيران بدأت برنامجها النووي منذ عام 2003، وأثارت ضجة كبيرة حوله، ومع هذا فهي لم تستطع - كما يقول المراقبون - تجاوز نسبة 3،5٪ في عمليات التخصيب، وهو الحاجز الذي يقف عنده الطلاب الجامعيون والأكاديميون في سعيهم لاكتساب المعارف النووية الأولية.

أما المبرر الثالث فهو أن إيران تريد أن تحمي أرواح مئات الألوف من مواطنيها المصابين بأمراض سرطانية، وهؤلاء يعتمدون على النظائر المشعة التي ينتجها مفاعل طهران المهدد بالتوقف نهاية هذا الشهر ما لم يتلقّ كميات من اليورانيوم العالي التخصيب (20٪ على الأقل)، لذلك فقد جاء المشروع البرازيلي - التركي ملبياً لحاجات إيرانية ملحة، وهو يمنح إيران فرصة لتطوير قدراتها النووية، كما يوقف الحملات التي تشنها دول «الاستكبار العالمي» واسرائيل ضد إيران ومشروعها النووي.

والآن، الى أين يمكن أن يصل المشروع الأميركي الذي طرحته وزيرة الخارجية الأميركية على مجلس الأمن الدولي؟ يسلم الجميع بأن الاتفاق الذي جرى الاعلان عنه في طهران منذ أيام لم يعالج كل جوانب الأزمة، فما هو دور الهيئة الدولية للطاقة الذرية، ومن هي الدول التي سوف تتولى عمليات التخصيب، وكيف ستكون عمليات الرقابة على المفاعلات الإيرانية؟ تستمر أم تتوقف؟!

وماذا لو استمرت الولايات المتحدة في تسويق مشروع القرار القاضي بفرض عقوبات على إيران؟ وكيف سيكون الموقفان التركي والبرازيلي، وموقف لبنان الذي يتولى رئاسة مجلس الأمن هذا الشهر؟

حتى مواقف الدول الدائمة العضوية في المجلس، تبدو بريطانيا وفرنسا (مع المانيا) في الجانب الأميركي بالكامل، أما الموقفان الروسي والصيني فيبدوان مختلفين، وقد يعطل أي منهما اتخاذ القرار باستعمال حق النقض (الفيتو)، وكيف سيكون موقف لبنان (الرئيس الحالي لمجلس الأمن الدولي هذا الشهر)؟

خاصة خلال الجلسة التي سوف يترأسها الرئيس سعد الحريري يوم الثلاثاء القادم؟!

يكاد يجمع المراقبون على أن القرار لن يجري حسمه خلال أيام، بل سوف يستغرق أسابيع، وإيران تريد توظيف عامل الوقت من أجل دعم موقفها. وقد يسّر لها اتفاق طهران، ودعم تركيا والبرازيل، والتعاطف الدولي ذلك.

المصدر