المسلمون بين قيصر اليوم وقيصر الأمس
بقلم : خميس النقيب
مقولة اتخذها المفسدون طريقا لإفسادهم ، وصنعها الماديون سبيلا لأغراضهم ،واتخذها المتأسلمون غطاءا لسرقاتهم وثراءهم وللأسف الشديد انطلت علي المسلمين الغافلين لضعف إيمانهم ، وقلة فقههم ، وجمود عقولهم ، وظلمة قلوبهم ...!! يظنون أن الإسلام مسجد فقط ، صلاة فقط ، حج فقط ، صوم فقط ....!! هذه أركانه ..أين جدرانه وسقفه ؟! أين شرفاته وفرشه ؟! .... ؟! هذه المقولة ...دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله...!
يظنون أن الدنيا ليست للمسلم ..!! السعي في الأرض ليس للشيخ ..!! الانتشار في الأرض ليس للمؤمن ...!!...الجهاد الذي هو ذروة سنام الأمر ليس من شان الموحد..! عليه فقط أن يجلس في المسجد ويقرا القران أو يحفظه مع تقديرنا العظيم للقران ، واحترامنا الشديد لأهله ...!! أما كلمة حق عند قيصر جائر فلا ...!! أما نصرة مظلوم عند أمير ظالم فلا ...!!أما الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فلا ..! أما الاختلاط بالناس والصبر علي آذاهم فلا ..!! أما مقارعة الباطل في عقر داره ، في ميادينه ودوائره فلا ...!! هل هذا دين ؟! هل هذا جهاد ؟! أين الطريق إلي الجنة ..؟! " إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ "(التوبة:111) قتل النفس هنا ليس خسارة إنما هو ثمن لجنة عرضها السموات والأرض ..!! أين الشهادة ..!!" إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ "( آل عمران:140) أين ثمن الجنة ( ..ألا إن سلعة الله غالية ألا إن سلعة الله الجنة) خريج السيوطي : (ت ك) عن أبي هريرة تحقيق الألباني : (صحيح) انظر حديث رقم: 6222 في صحيح الجامع
أين أسد الله حمزة ؟ أين أول شهيدة في الإسلام سمية ؟ أين جعفر الطيار ، أين صاحب الظلال؟ عن بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أعظم أجرا من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم قال الشيخ الألباني : صحيح
عن أبي إمامة قال : عرض لرسول الله صلى الله عليه وسلم رجل عند الجمرة الأولي فقال يا رسول الله أي الجهاد أفضل فسكت عنه فلما رأى الجمرة الثانية سأله فسكت عنه فلما رمى جمرة العقبة وضع رجله في الغرز ليركب قال أين السائل قال أنا يا رسول الله قال كلمة حق عند ذي سلطان جائر صححه الألباني .
وعن أبي سعيد ألخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر أو أمير جائر قال الشيخ الألباني : حسن صحيح
الذين يؤثرون السلامة ولا يخالطون الناس ولا يصبرون علي آذاهم ..!!
هل الحسابات في معركة الفرقان الأولي كانت مادية عند القائد الاعلي وصحابته الإجلاء ؟! كلا !! بون شاسع بين العدد والعدد ، بين العدة والعدة ، وفرق واسع بين الهدف والهدف ، بين الغاية والغاية لكن من انتصر ؟!
في معركة الفرقان الأخيرة في غزة العزة ، هل كانت الحسابات مادية عند أصحاب الأرض وأهل الحق ؟! كلا ..!! بون شاسع بين العدد والعدد ، بين العدة والعدة ، وفرق واسع بين الهدف والهدف ، بين الغاية و الغاية لكن- أيضا - من انتصر ؟! ومن انتشر ؟!
في الخندق !! في الهجرة ..!! في كل صولات وجولات المسلمين العاملين قديما وحديثا - في كل مواجهات الباطل ،مع كل صور الباطل - كان النصر حليفهم لأنهم لم يحسبوها ماديا ...!! فقط يوم حنين ركنوا إلي عددهم وتركوا جنب ربهم ، وتخلوا عن ركن ربهم ..!! قالوا ( لا نهزم اليوم من قلة ) فرد الله تعالي عليهم " َقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ "(التوبة:25)
فالعبادات ليست دروشة أو رهبانية أو كهنوتية ...!
ما لقيصر لله وما لله لله :
الله عز وجل خلق الخلق بقدرته "يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ "(البقرة21) .
وصنع الكون بحكمته "هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ "(البقرة29).
ودبر الأمر بقوته " للّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى يُدَبِّرُ الأَمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لَعَلَّكُم بِلِقَاء رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ "(الرعد2)
وسير الدنيا بعظمته " لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ "(يس40) ثم بعد ذلك تجد من يغير شرع الله ، من يعاند منهج الله ، من يعارض أوامر الله ،من يصد عن سبيل الله ، ..إنها مأساة ...! مأساة اليوم وكل يوم يغير فيه من شرع الله ويتحايل فيه علي شريعة السماء .
قال الله تعالي..." إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ "(الأعراف 54)..! فقال
الشيوعيون والماديون ليس له الخلق،أو الأمر ...! وقال المشركون و العلمانيون له الخلق و لنا الأمر(دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله)..!
..! أما المؤمنون فقالوا نعم له الخلق وله الأمر ...!! قالوا وفهموا أن ما لقيصر لله وما لله لله.." قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ "(آل عمران:26)
إتباع لا ابتداع:
محمد صلي الله عليه وسلم كان يحب قبلة أجداده السابقون من الأنبياء والمرسلين ، وأراد الله عز وجل أن يحول وجوههم صوب القدس بعد الهجرة ، لكن النبي المرسل ، والرسول المؤدب ، لم يشأ أن يقترح حتى مجرد اقتراح ..! أو أن يدعو حتى مجرد دعاء ..! لتحويل القبلة ..وإنما كان يقلب وجهه في السماء ، في أدب جم ، وسمو فريد ،وتواضع رفيع ، مع ربه وخالقه ورازقه ... !!هل يغير شرع الله ؟ كلا !! هل يتحايل علي أمر الله ؟ كلا !! هل يبتدع في دين الله ؟ كلا ثم كلا !!! حاش لله أن يفعل ذلك رسول الله ...فما بال الذين يغيرون شرع الله في كل صباح ..قوانين وضعية ..وقرارات أرضية... ،عادات اجتماعية ...وسلوكيات فردية وجماعية..إعراض تنتهك ، وحقوق تغتصب ، وحريات تمتهن ، بل دماء تسكب ، وأرواح تزهق باسم قوانين وقرارات وعادات وسلوكيات ما انزل الله بها من سلطان....!! إن ترك الجهاد – بكل أنواعه - ذلة وهلاك وابتداع ...!! أما رفع رايته ، والولوج في ميدانه ، والوقوف علي أوامره فهو عزة وحياة و إتباع...!! ( إذا ضن الناس بالدينار والدرهم وتبايعوا بالعينة وتبعوا أذناب البقر وتركوا الجهاد في سبيل الله أدخل الله تعالى عليهم ذلا لا يرفعه عنهم حتى يراجعوا دينهم تحقيق الألباني : (صحيح انظر حديث رقم: 675 في صحيح الجامع
القران يربط الدنيا بالدين ويربطهما بالآخرة :
ما أرسلت الرسل، وما أنزلت الكتب إلا لإصلاح الدنيا بالدين...!! َقسطا وعدلا ، رأفة ورحمة نفعا ونصرا ..!!"قَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ "(الحديد:25) والذين يؤمنون بالآخرة يؤمنون به ..!!" َهَـذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُّصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلاَتِهِمْ يُحَافِظُونَ "(الأنعام:92)
الصلاة تربط الدنيا بالدين :
المسجد بني لربط الدنيا بالآخرة ،والصلاة فرضت لتطويع الدنيا للآخرة ، والعبادة جعلت لجعل الدنيا مزرعة للآخرة ..كيف ؟!ِ "في بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ *رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَار"( النور : 36-37) الدنيا في أيديهم ( تجارات ، وبيوع ، محلات ومصانع ، شركات ومعارض ) لكنها لا تلهيهم عن الصلاة ، يؤدون صلاتهم ، ويخرجون من مساجدهم ، خائفين من عقاب ربهم ، فيصلحوا بهذه الدنيا البلاد والعباد ...!! فيراعونه فيما ملكهم إياها...!
الغني الحيي :
كان عثمان بن عفان رضي الله عنه غنيا عفيفا حييا، تستحي منه الملائكة ، جهز جيش العسرة ، و اشتري بئر رومة للمسلمين ، ومع ذلك كان يبيت لله قانتا ، قائما وساجدا ،يحزز الآخرة ويرجوا رحمة ربه ، قيل نزلت فيه الآية " أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ "(الزمر:9) حدثنا محمد بن إسماعيل حدثنا الحسن بن واقع الرملي حدثنا ضمرة بن ربيعة عن عبد الله بن شوذب عن عبد الله بن القاسم عن كثير مولى عبد الرحمن بن سمرة قال : جاء عثمان إلى النبي صلى الله عليه وسلم بألف دينار قال الحسن بن واقع وكان في موضع آخر من كتابي في كمه حين جهز جيش العسرة فينثرها في حجره قال عبد الرحمن فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقلبها في حجره ويقول ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم مرتين قال الشيخ الألباني : حسن وقال عليه الصلاة والسلام (اللهم ارض عن عثمان فإني عنه راض) فقه السيرة
..!! أما إذا كانت الدنيا في بطون المفسدين هل يستطع احد أن ينتزعها ؟! والحال ابلغ من المقال ...!! يقول صاحب الظلال (يذكر فيها اسم الله ويذكر فيها اسمه وتتسق معها القلوب الوضيئة الطاهرة المسبحة الواجفة المصلية الواهبة قلوب الرجال الذين لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والتجارة والبيع لتحصيل الكسب والثراء ولكنهم مع شغلهم بهما لا يغفلون عن أداء حق الله في الصلاة وأداء حق العباد في الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب)
ويقول الله عز وجل "فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ "(الجمعة :10) الانتشار بعد الصلاة لماذا ؟! لإعمار الأرض ..!! لتعبيد الأرض لله ..! لتطويع الكون لله ..! لإغاثة الملهوف ، ومساعدة المنكوب ، ونصرة المظلوم ، لإعادة الحقوق وحفظ الحدود (هو التوازن الذي يتسم به المنهج الإسلامي التوازن بين مقتضيات الحياة في الأرض من عمل وكد ونشاط وكسب وبين عزلة الروح فترة عن هذا الجو وانقطاع القلب وتجرده للذكر وهي ضرورة لحياة القلب ) الظلال...
عراك بن مالك رضي الله عنه إذا صلى الجمعة انصرف فوقف على باب المسجد فقال اللهم إني أجبت دعوتك وصليت فريضتك وانتشرت كما أمرتني فارزقني من فضلك وأنت خير الرازقين رواه ابن أبي حاتم.
الحج يربط الدنيا بالآخرة :
والحج يجمع بين الدنيا والآخرة ..!! كيف ؟ ! الذي يريد الدنيا فحسب لا خلاق ( نصيب ) له في الآخرة " فَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ "(البقرة200) ... والذي يريدهما معا - يجعل دنياه مزرعة لأخرته – يحوزهما معا " وِمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * أُولَـئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّمَّا كَسَبُواْ وَاللّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ "(البقرة:201-202) ...جاء ذلك في معرض الحديث عن الحج في كتاب الله عز وجل .
فالحج قوة سياسية بالتشاور والتحالف،وقوة اقتصادية بالبيع والشراء ، وقوة اجتماعية بالتحاد والإخاء ،وقوة روحية بالذكر والدعاء ... ..!
الثري العفيف ... مليونير الصحابة...!!
إنه الصحابي الكريم عبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنه- ولد قبل عام الفيل بعشر سنين، وأسلم قبل أن يدخل الرسول ( دار الأرقم بن أبي الأرقم) وكان أحد الثمانية الذين سبقوا إلى الإسلام، وأحد الخمسة الذين أسلموا على يد أبي بكر الصديق، ، وأحد الستة الذين اختارهم عمر ليخلفوه في إمارة المؤمنين، وأحد العشرة المبشرين بالجنة ..كان أغنى أغنياء الصحابة.
أغمي عليه ذات يوم ثم أفاق، فقال لمن حوله: أَغُشي عليَّ؟ قالوا: نعم، قال: فإنه أتاني ملكان أو رجلان فيهما فظاظة وغلظة، فانطلقا بي، ثم أتاني رجلان أو ملكان هما أرق منهما، وأرحم فقالا: أين تريدان به؟ قالا: نحاكمه إلى العزيز الأمين. فقال: خليا عنه، فإنه ممن كتبت له السعادة وهو في بطن أمه. (الحاكم).
هاجر إلى الحبشة مرتين، وآخى رسول الله ( بينه وبين سعد بن الربيع، فقال له سعد: أخي، أنا أكثر أهل المدينة مالا، فانظر شطر (نصف) مالي فخذه، ولي امرأتان، فانظر أيتهما أعجب إليك حتى أطلقها لك، فقال عبد الرحمن بن عوف: بارك الله لك في أهلك ومالك، دلوني على السوق. فدلوه على السوق، فاشترى، وباع، فربح كثيرًا.
وكان -رضي الله عنه- فارسًا شجاعًا، ومجاهدًا قويًّا، شهد بدرًا وأحدًا والغزوات كلها مع رسول الله (، وقاتل يوم أحد حتى جرح واحدًا وعشرين جرحا، وأصيبت رجله فكان يعرج عليها.
بعثه رسول الله ( إلى دومة الجندل، وعممه بيده الشريفة وسدلها بين كتفيه، وقال له: "إذا فتح الله عليك فتزوج ابنة شريفهم". فقدم عبد الرحمن دومة الجندل فدعاهم إلى الإسلام فرفضوا ثلاثًا، ثم أسلم الأصبع بن ثعلبة الكلبي، وكان شريفهم فتزوج عبد الرحمن ابنته تماضر بنت الأصبع، فولدت له أبا سلمة ابن عبد الرحمن. (ابن هشام)
وكان رسول الله ( يدعو له، ويقول: "اللهم اسق عبد الرحمن بن عوف من سلسبيل الجنة" (أحمد).
وكان -رضي الله عنه- تاجرًا ناجحًا، كثير المال، وكان عامة ماله من التجارة، وعرف بكثرة الإنفاق في سبيل الله، أعتق في يوم واحد ثلاثين عبدًا، وتصدق بنصف ماله على عهد الرسول .
وأوصى بخمسين ألف دينار في سبيل الله، وأوصى لمن بقي من أهل بدر لكل رجل أربعمائة دينار، وكانوا مائة فأخذوها، وأوصى بألف فرس في سبيل الله.
وقال له صلي الله عليه وسلم :"يا بن عوف، إنك من الأغنياء، ولن تدخل الجنة إلا زحفًا، فأقرض الله يطلق لك قدميك"، فقال عبد الرحمن: فما أقرض يا رسول الله؟ فأرسل إليه رسول الله ( فقال: "أتاني جبريل، فقال لي: مره فليضف الضيف، وليعط في النائبة والمصيبة، وليطعم المسكين" (الحاكم)، فكان عبد الرحمن يفعل ذلك.
وبرغم ما كان فيه ابن عوف -رضي الله عنه- من الثراء والنعم، فقد كان شديد الإيمان، محبا للخير، غير مقبل على الدنيا إنما يطوعها للدين ..!!
وذات يوم أتى بطعام ليفطر، وكان صائمًا فقال: قتل مصعب بن عمير وهو خير مني، فكفن في بردته، إن غطى رأسه بدت (ظهرت) رجلاه، وإن غطى رجلاه بدا رأسه، ثم قال: وقتل حمزة، وهو خير مني، ثم بسط لنا من الدنيا ما بسط، وأعطينا منها ما أعطينا، وقد خشينا أن تكون حسناتنا عجلت لنا، ثم جعل يبكي حتى ترك الطعام.
وذات يوم، أحضر عبد الرحمن لبعض إخوانه طعامًا من خبز ولحم، ولما وضعت القصعة بكى عبد الرحمن، فقالوا له: ما يبكيك يا أبا محمد؟ فقال: مات رسول الله ( ولم يشبع هو وأهل بيته من خبز الشعير، ولا أرانا أخرنا لما هو خير لنا.
ولما تولى عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- الخلافة سنة (13 هـ)، بعث عبد الرحمن بن عوف على الحج، فحج بالناس، ولما طعن عمر -رضي الله عنه-، اختار ستة من الصحابة ليختاروا من بينهم الخليفة، وكان عبد الرحمن بن عوف أحد هؤلاء الستة وكان ذا رأي صائب، ومشورة عاقلة راشدة، فلما اجتمع الستة قال لهم: اجعلوا أمركم إلى ثلاثة نفر فتنازل كل من الزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله وسعد بن أبي وقاص فبقي أمر الخلافة بين عبد الرحمن بن عوف، وعثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب فقال عبد الرحمن: أيكم يتبرأ من الأمر ويجعل الأمر إلي، ولكن الله على أن لا آلو (أقصر) عن أفضلكم وأخيركم للمسلمين.
فقالوا: نعم. ثم اختار عبد الرحمن عثمان بن عفان للخلافة وبايعه فبايعه علي وسائر المسلمين.
ترك أربعة زوجات وورث لكل واحدة أربعة ألف ألف ( أربعة مليون ) نساءه ورثن 16 مليون فكم تكون ثروته ..!! إذا كان هذا هو الثمن ، قدرت ثروته ب 8 ضرب 16 =128مليون من الأموال والضيعات والإبل وغيره ....لكنه كان زاهدا ورعا تقيا كان يربط الدنيا بالدين...!!
وتوفي عبد الرحمن -رضي الله عنه- سنة (31هـ)، وقيل (32هـ) في خلافة عثمان بن عفان، ودفن بالبقيع
هكذا المسلم يصلح الدنيا بالدين ، ويعبد الطريق لله رب العالمين ، ويفقه أن ما لقيصر لله وما لله ، فالخلق لله والملك لله ،والحكم لله ، والأمر لله ...!!
الإصلاح و الإعمار في الإسلام حتى الرمق الأخير :
عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فإن استطاع أن لا تقوم حتى يغرسها فليغرسها . رواه الإمام أحمد 183/3 184 191 والبخاري في الأدب المفرد 479. ( وهذا سند صحيح على شرط مسلم ) ( الفسيلة هي النخلة الصغيرة وهي الودية ) . ثم روى عن الحارث بن لقيط قال كان الرجل منا تنتج فرسه فينحرها فيقول أنا أعيش حتى أركب هذه فجاءنا كتاب عمر أن أصلحوا ما رزقكم الله فإن في الأمر تنفسا . وسنده صحيح . وروى ابن جرير عن عمارة بن خزيمة بن ثابت قال سمعت عمر بن الخطاب يقول لأبي ما يمنعك أن تغرس أرضك فقال له أبي أنا شيخ كبير أموت غدا . فقال له عمر أعزم عليك لتغرسنها . فلقد رأيت عمر ابن الخطاب يغرسها بيده مع أبي كذا في الجامع الكبير للسيوطي 2/337/3 . لذلك عد بعض الصحابة الرجل يعمل في إصلاح أرضه عاملا من عمال الله عز وجل . و قال عبد الله بن عمر لابن أخ له خرج من الوهط أيعمل عمالك قال لا أدري . قال أما لو كنت ثقفيا لعلمت ما يعمل عمالك . ثم التفت إلينا فقال إن الرجل إذا عمل مع عماله في داره ( وقال الراوي مرة في ماله ) كان عاملا من عمال الله عز وجل حسن ( الوهط البستان وهي أرض عظيمة كانت لعمرو بن العاص بالطائف على ثلاثة أميال من ( وج ) يبدو أنه خلفها لأولاده . وقد روى ابن عساكر في تاريخه 2/264/13 بسند صحيح عن عمرو بن دينار قال دخل عمرو بن العاص في حائط له بالطائف يقال له ( الوهط ) ( فيه ) ألف ألف خشبة اشترى كل خشبة بدرهم . يعني يقيم بها...!!
هل الدين في المساجد فقط ؟ ! هل يقيد في العبادات فحسب ؟!!
هل بعد ذلك يعزل الدين عن الحياة السياسية والاقتصادية والتربوية ؟ هل يسوغ للمقولة ( دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله ) , فالدولة لقيصر والحكم لقيصر والسياسة والاقتصاد لقيصر , والصلاة والدعاء والدروشة لله، هل هذا معقول ؟! كل مظهر ديني في اللباس ، والاحتفالات، والمعاملات مخالف للقيصر يهدده ...!! فالحجاب يهدد النظام العَلماني في فرنسا، ويهدد النظام العَلماني في تركيا وانجلترا وبعض الدول العربية، هذه دولة تحبس الدين في العلاقات الشخصية بين العبد وربه فقط .
الإسلام ليس كهنوتي وراثي، ولرجال الدين والمفتين والفقهاء الكلمة الفاصلة في الأمور , وكل الأمور تخضع لفتوى وحكم رجال الدين والفقهاء , هذه تتنافى مع مبادئ الشورى والمساواة بين العباد ..كيف ؟
الدين في الإسلام لله والوطن في الإسلام لله والخلق كله لله والأمر كله لله ، فكل من ينادي بغير ذلك مخالف للإسلام ، كل من يتبع غير ذلك مناهض للقرآن وكل من يعمل غير ذلك رافض للسنة النبوية الصحيحة , " أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ" (البقرة :107). الملك لله، والحكم لله ، والأمر لله..!
" وَلِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" (المائدة:17) وكل شيء عي الوجود لله حتى الممات " قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ " (الأنعام:162).
حتى دين الملك ...!! "فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاء أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِن وِعَاء أَخِيهِ كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلاَّ أَن يَشَاءَ اللّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مِّن نَّشَاء وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ "(يوسف:76)
أما مقولة دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله مرفوضة تماما في الإسلام..! لأنها تلغي الشورى، وتدمر الحرية، وترفض الحوار، وتمنع حرية الفكر وتعطل البحث والدراسة...!!
الإسلام جاء ليحررنا من عبادة العباد ، إلى عبادة رب العباد ..! ، جاء ليحررنا من ظلم الأديان للإنسان إلى عدالة الإسلام وتحريره للإنسان..!! جاء يأخذنا من ضيق الدنيا إلي سعة الدنيا والآخرة فلا يجب أن تخلط المفاهيم ولا أن يلغي الإسلام أو...! يحصر في دهاليز ضيقة ، الإسلام جاء رحمة للعالمين ، وتحريرا للدنيا ، وإسعادا للبشر هذه مهمة الإسلام و هذا واجب مسلمي اليوم أمام قيصر اليوم كما كان واجب مسلمي الأمس أمام قيصر الأمس ..!! قال ربعي بن عامر للقيصر رستم عندما سأله ما جاء بكم؟ قال ربعي رضي الله عنه: (الله ابتعثنا والله جاء بنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها , ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام) ..
والرسول صلى الله عليه وسلم أخذ بمشورة الحباب بن المنذر وغير مكان الجيش وقال له أشرت بالرأي، وفي بيعة العقبة طلب المصطفى صلى الله عليه وسلم من الأوس والخزرج اختيار نقباء لهم قال المبارك فوري في الرحيق المختوم : (فتم انتخابهم في الحال وكانوا تسعة
من الخزرج وثلاثة من الأوس، وفي المدينة المنورة بني المصطفى صلى الله عليه وسلم السوق , وبني المسجد , ووضع وثيقة المدينة المنظمة للعلاقات بين المواطنين فيها....!!
ليس في الإسلام كهنوت أو صك غفران أو صك حرمان ..!! أو إهداء قراريط في الجنة إنما الإسلام استجلاب رحمة الله بالعمل والهجرة و الجهاد..! " إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أُوْلَـئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللّهِ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ "(البقرة:218) ليس في الإسلام عبادة الفرد للفرد حتى ولو كان رجل دين ....!! كيف ؟! قال صلى الله عليه وسلم لعدي بن حاتم، الله تعالى يقول: " اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَـهاً وَاحِداً لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ " (التوبة:31) قال عدي : ما عبدوهم , فبين المصطفى صلى الله عليه وسلم أنهم شرعوا لهم بغير ما أنزل الله واتبعوهم وهذه عبادتهم إياهم..
والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (انتم أعلم بأمور دنياكم)، ولم يحدد صلى الله عليه وسلم أو القرآن الكريم نمطا معينا ومحددا لنظام الحكم، وهذا ما تعلمه الصحابة رضوان الله عليهم من رسول الله وطبقوه، لذلك تم اختيار خلفاء الرسول صلى الله عليه وسلم بأساليب وآليات مختلفة،في العقيدة الإسلامية يجب أن يتحقق الأمن الغذائي والأمن الدوائي والأمن ألكسائي والأمن الداخلي والخارجي " فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ* الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ"(قريش:3-4)..فالعقيدة في الإسلام تلغي المقولة ( دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله ) والإطعام من الجوع والأمن من الخوف يؤكدان أهمية المدنية ويستبعدان الكهنوتية.
اللهم شرفنا بالعمل لدينك ، ووفقنا للجهاد في سبيلك ، امنحنا التقوى وأهدنا السبيل وارزقنا معيتك ،وأورثنا جنتك ، اللهم ارزقنا الإخلاص في القول والعمل ،ولا تجعل الدنيا اكبر همنا ولا مبلغ علمنا ،وصلي اللهم علي سيدنا محمد وعلي أهله وصحبه وسلم ،والحمد لله رب العالمين
المصدر
- مقال:المسلمون بين قيصر اليوم وقيصر الأمسموقع:الشبكة الدعوية