المسلمون الأكثر مظلومية..

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
المسلمون الأكثر مظلومية..


بقلم : فهمي هويدي

المسلمون الأكثر مظلومية.. والأكثر وصما بالإرهاب.. فلماذا؟

تحفل الصحف العربية هذه الأيام بتعليقات على الأحداث الدموية الأخيرة التي سالت فيها دماء غزيرة، وأزهقت فيها أرواح بالمئات في العراق وأوسيتيا الشمالية، واتجهت بعض تلك الكتابات الى توجيه اللوم الى المسلمين في تهمة «الإرهاب»، وذهب آخرون بعيدا في جلد الذات وتحقيرها حتى وصموا تاريخ المسلمين كله بالتسلط والقمع والانحطاط.

لأول وهلة يدهش المرء لهذا المنطق المتسم بالتعجل والتسطيح، ذلك ان هؤلاء الزملاء اتخذوا من أحداث وقعت في عدد محدود من البلدان منطلقا لتعميم الحكم على المسلمين كافة في مشارق الأرض ومغاربها. كما انهم وقفوا أمام عناوين اللحظة التاريخية الراهنة لكي يعمموها على التاريخ الاسلامي كله، ولم يسأل أحد نفسه: هل الحاصل هذا بمثابة استثناء أم قاعدة؟ ولماذا تقع تلك الحوادث في بلاد دون غيرها؟ ولماذا وقعت في هذا الظرف التاريخي دون غيره؟ وهل لهذه الحوادث صلة بخصوصية وثقافة البلاد التي وقعت فيها أم لا؟ ولماذا تصادف أن أصبح كل الإرهابيين مسلمين كما ذكر أحد الزملاء؟

لست هنا بصدد الاجابة على كل تلك الأسئلة، وان كنت سأناقش بعضها، ولكنني أوردتها لألفت الانتباه الى أهمية التفكير فيها، بعدما أغفلها أغلب المعلقين، الذين اكتفوا بالحديث عن عناوين الأخبار، ولم يتحروا لا أحجامها الحقيقية ولا خلفياتها ومسبباتها.

قبل المناقشة، استأذن في ايراد بعض النقاط وثيقة الصلة بالموضوع، منعا للالتباس وتصحيحا للمسار، هذه النقاط هي:

ان الكلام منصب بالدرجة الأولى على الأساليب الوحشية التي يتبعها البعض مع الرهائن في العراق، قتل النيباليين مثلا، والعملية المجنونة التي قام بها بعض الشيشانيين في أوسيتيا الشمالية وأدت الى مقتل أكثر من 350 شخصا بينهم 150 طفلا.

ان مثل هذه الممارسات تعد جرائم لا يمكن تسويقها أو الدفاع عنها من أي باب، وبالتالي فإن استهجانها أمر مقطوع به، ولا يمكن بأي حال نسبتها الى المقاومة، ناهيك عن تبريرها في منطق الشرع أو العقل أو القانون.

ان ذلك ينبغي ألا ينفي أن هناك مقاومة على أرض الواقع، موجهة ضد الاحتلال وأعوانه ومصالحه في العراق، كما أن هناك مقاومة ضد الوجود الروسي في شيشينيا، ولا استبعد أن تكون بعض الممارسات الوحشية التي تمت، أريد بها تشويه صورة المقاومة والقضاء على رصيدها وسمعتها، وفي الحالة الشيشانية فإنني عبرت في أكثر من مكان عن رفض واستهجان أي استهداف للمواطنين الروس الأبرياء، سواء كانوا خارج شيشينيا، أو كانوا من الذين استوطنوا تلك الجمهورية البائسة منذ عقود، ولا علاقة لهم بالاحتلال.

ان العراق له خصوصية يتعين الاعتراف بها، فثمة «تراث» مشهود في القسوة تجاه الآخر، ربما له علاقة بطبيعة الشخصية العراقية المندفعة والفوَّارة، ولعل كثيرين يعرفون ان العراق هو البلد العربي الوحيد الذي مورس فيه «السحل» والتمثيل بجثث الخصوم السياسيين، وهو أمر لم يكن يذكر فيه مصطلح المقاومة الاسلامية، الأمر الذي يدعوني الى القول ان مثل هذه الممارسات تنسب الى الثقافة العراقية، بأكثر من نسبتها الى الثقافة الاسلامية. وفي كل الأحوال فإنها تعد أمرا يخص العراق وحده ويتعذر تعميمه على غيره.

ان العراق بلد انفلت عيار الأمن فيه، وليس معروفا بالضبط من الذي يقاتل أو يقتل، فهناك الى جانب المقاومة الوطنية فوضويون وعملاء وعصابات اجرامية وميليشيات تابعة للجماعات السياسية المختلفة، وفي هذا الهرج بوسع أي جماعة من الناس أن ترفع الراية الاسلامية زورا وبهتانا، وقد لاحظت أن هيئة علماء المسلمين، التي هي جزء من المقاومة الوطنية السياسية، أعلنت انها عجزت عن الاتصال بالجهة التي خطفت الصحفيين الفرنسيين، الأمر الذي يثير أكثر من علامة استفهام حول هوية تلك الجهة، وفي كل الأحوال فانه يتعذر نسبتها الى المقاومة الاسلامية، لأنها ان كانت كذلك لكان من اليسير على الهيئة التواصل معها.

ان تجميع كل صور العنف ووضعها في سلة واحدة خطأ منهجي فادح، لان لكل بلد أوضاعه الخاصة، الأمر الذي يعني تعدد مصادر العنف وأسبابه، ويقتضي النظر الموضوعي أن ندرس هذه الظروف في كل حالة على حدة، لأن الحاصل في شيشينيا وأوسيتيا الشمالية مختلف بالكلية عن الحاصل في صعدة باليمن. من ثم فحين يوضع الحوثي مع المتمردين الشيشانيين في مربع واحد، فان ذلك لا بد أن يقودنا الى انطباعات واستنتاجات مغلوطة للغاية، فخروج الحوثي على حكومة بلده أو التفجيرات في الرياض التي تستهدف أمن المجتمع واستقراره، لابد أن يختلف عن الجنون الذي أصاب بعض الشيشانيين في محاولتهم تحدي وازعاج الاحتلال الروسي لبلادهم.

ان التعميم الظالم والمفتعل هو أكبر خطأ وقع فيه الذين علقوا على الموضوع، وقد بلغ الظلم ذروته حين سحبوا ذلك التعميم ليس على مسلمي هذا الزمان وحده، وإنما على تاريخ الاسلام كله، هذه واحدة.

الأمر الآخر ان أكثرهم، ان لم يكن كلهم، امتدحوا تعاليم الاسلام وبرأوا ساحته من تهمة الإرهاب، وهم من هذه الزاوية أفضل من بعض الغربيين الذين قالوا إن المشكلة في الاسلام ذاته، وإذ نشكر اخواننا هؤلاء على موقفهم إزاء هذه الجزئية، وهو صحيح لا ريب، إلا أنهم حين قالوا ان المشكلة في المسلمين وليست في الاسلام، لم يفسروا لنا السبب في ذلك. وهل هو ناشئ عن خلل في «جينات» المسلمين، بمعنى انه عيب خلقي فيهم، اختصهم الله به دون غيرهم من البشر، أو في ظروفهم الاجتماعية والسياسية. وإذ نستبعد احتمال اختصاص مسلمي هذا الزمان دون غيرهم بالغباء والتخلف العقلي، فانه لا يبقى أمامنا من تفسير سوى مسألة الظروف الاجتماعية والسياسية. واذا صح هذا الذي ادعيه، فربما كان النظر الموضوعي يقتضي أن يتوقف أولئك المعلقون أمام طبيعة تلك الظروف التي استنبتت الإرهاب في بلد وفي ظرف تاريخي معين، ولم تستنبته في بلد آخر وفي ظروف تاريخية مغايرة.

البعد المهم الذي ازعم ان اخواننا هؤلاء أغفلوه وهم يعممون عبارة «كل الإرهابيين مسلمون»، ويعتبرون أن هذه الحقيقة «مؤلمة»، و«قاسية ومخجلة ومهينة»، هو انهم لم يتحدثوا عن مظلومية المسلمين في العالم المعاصر. إذ ازعم في هذا الصدد ان المسلمين هم الأكثر مظلومية من دون كل شعوب الأرض في زماننا. واذهب الى أنه منذ اجتمعت الدول الغربية على ضرب مشروع محمد علي باشا النهضوي في مصر في بداية القرن التاسع عشر، ومنذ تمت تصفية الدولة العثمانية في الربع الأول من القرن العشرين، وقامت الدول الغربية بتوزيع تركتها في «سايكس بيكو»، فإن المشروع الغربي توافق على بسط هيمنته على العالم العربي والاسلامي، بعد هزيمته عسكريا وسياسيا وحضاريا. وظل هدف الدول الغربية هو التحكم في ثروات ذلك العالم والحيلولة دون قيامته مرة أخرى. وكان ظهور النفط سببا قويا للاصرار على التحكم في الثروات، ثم كان انشاء اسرائيل مرتكزا لضرب قيامته المرجوة.

صحيح ان أنظمة مستبدة قامت في المنطقة، وكانت عنصرا مهما في تعطيل نهضتها وتعويق تقدمها، لكن الصحيح أيضا ان هذه الأنظمة ظلت مرحبا بها طول الوقت. ولعلي لا أبالغ اذا قلت ان إذلال المواطن العربي المسلم طيلة القرن المنصرم تم بالتواطؤ عن قصد أو غير قصد بين جهتين: قوى الهيمنة في الخارج، وقوى الاستبداد في الداخل.

من هذه الزاوية ينبغي أن نفهم أزمة المواطن المسلم عربيا كان أم غيرعربي، والذي وجد نفسه محاصرا ومطحونا بين ضغوط الخارج والداخل، وكيف أن يأسه من رؤية أفق التقدم والاصلاح يجعله أحيانا ينزلق في مزالق الحماقة والجنون، خصوصا في ظل الانسداد السياسي المعروف. فالشيشانيون مثلا حين يجدون ان الغرب كله وقف ضد حلمهم في الاستقلال، في حين انهم يلاحظون ان سكان الدول الغربية قد ساروا على ذات الدرب وتطلعوا الى استقلال بلادهم، ونالوه بمباركة وتشجيع غربيين، حين يقفون علي تلك الحقيقة، فلا بد أن يفسروا المشهد بأنه تحيز من الغرب ضدهم، وأنهم لم يحققوا مرادهم لأنهم مسلمون، ولو كانوا غير ذلك لاختلف مصيرهم.

وحين يخلصون الى تلك النتيجة، ويجدون أنفسهم مكرهين على احتمال الهيمنة والمذلة من جانب الروس، الذين لم يكفوا عن سحقهم وانتهاك حرماتهم، فلا غرابة في أن يلجأ نفر منهم الى مثل تلك العملية المجنونة التي تمت في اوسيتيا، أو الى ارتكاب جريمة احتجاز مشاهدي أحد مسارح موسكو والتسبب في موت المئات منهم، وهي العمليات التي لجأوا إليها، حين فقدوا الأمل في أي حل سياسي يحفظ لهم كرامتهم، ويلبي حدا أدنى من أشواقهم.

صحيح ان هذه الخلفية لا تبرر الجريمة التي أكرر أنها غير مبررة، لكنها على الأقل تساعدنا على فهم أسبابها ومصادرها، حتى لا نستسلم بسهولة لذلك المنطق الكسول والخطر الذي يدعي بأن الإرهاب عند المسلمين هو هواية أو حرفة!.

ان «بعض» المسلمين يتورطون في الإرهاب حقا، ولكن لا سبيل الى علاج المشكلة إلا اذا توافقنا على ضرورة استئصال جذور الإرهاب وأسبابه، وذلك لا يتم بمجرد سب وتجريم مسلمي هذا الزمان أو تشويه تاريخهم وتلطيخه، في الوقت ذاته فإن ادراك الأسباب يتطلب جرأة وشجاعة في نقد الذات، والكشف عن مواضع الخلل في الأوضاع السياسية والاجتماعية، علما بأنه إذا عرف السبب بطل العجب!.

المصدر