المستشار سالم البهنساوي أنموذجاً.. في الذكرى الثالثة لرحيله
في فجر الجمعة وبعيد أدائه صلاة الفجر جماعة برفقة وكيل وزارة الأوقاف بدولة الكويت د.عادل الفلاح في الثالث من صفر عام 1427هـ الموافق 3 مارس 2006 م وفي غرفة من غرف أحد فنادق العاصمة الأذرية باكو ارتقت روح الرجل الملائكي والعالم الرباني المستشار سالم البهنساوي الى الملأ الأعلى وهو يبلغ دعوة الله الى الناس في جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابقة أثناء مشاركته في مؤتمر عن الوسطية بأذربيجان.
ويعتبر المستشار البهنساوي واحداً من أبرز المفكرين الإسلاميين في القرنين العشرين والحادي والعشرين، فلم يكن رجلاًعادياً بل كان إنساناً ذا طابع ملائكي اذا خالطته فقد خالطت الصفاء والفطرة والنقاء والإسلام في أعذب صوره، وإذا ناقشته وجدت أنك أمام عالم كبير ذي علم غزير وأدب جم، وأفق واسع ونظرة ثاقبة، محيط بزمانه ملم بفقه واقعه مالك لزمام نفسه، يدعو الى الله على بصيرة وبحنكة.
وقد كان البهنساوي، بحق كما قال عنه رفيق دربه د.توفيق الواعي «شهاباً ساطعاً في سماء ملبدة بالغيوم، وصخرة عاتية تتكسر على حوافها موجات الضلال العاتية.. فقد تصدى - رحمه الله لأربع طبقات. الطبقة الاولى: طبقة الموجهين من الاستعمار ومن العلمانية اللادينية، وقد تولى الرد عليها وبيان زيف ادعاءاتها. الطبقة الثانية: طبقة المخدوعين الذين لا يملكون إلا الاذعان، وهي طبقة المتدينين من الجماهير، وهؤلاء تولى تنويرهم وبسط الحقائق أمامهم حتى يستيقظوا وينهضوا.
الطبقة الثالثة: طبقة تنتسب الى الدعوة الإسلامية وتقتات منها ولا مانع عندها من أن تداهن على حساب دينها حتى ان بعضهم أفتى بأن الشيوعية لا تتعارض مع الإسلام عام 1965 م، وقد وقف أمامهم وأبان زيفهم وإفكهم للقاصي والداني.
الطبقة الرابعة: طبقة المغالين والمنحرفين عن النهج القويم والصراط المستقيم، الذين كفّروا المجتمع وأوغلوا في دماء المسلمين، وتولى كشف زيفهم وانحراف عقيدتهم وسوء صنيعهم بما لم يسبق إليه.
وقبيل أن نتناول فكر الرجل، رحمه الله، وبيان معالم تراثه الفكري في الوسطية والاعتدال والذود عن حياض الإسلام لا بد لنا أولاً أن نبحر في نهر حياته العذب، وأن نستكشف الملامح الثقافية والبيئية والتربوية والاجتماعية التي أثرت في تكوينه حتى امتزج بالإسلام وامتزج الإسلام به، فكان إسلاماً يمشي على الأرض.
ولد المستشار البهنساوي رحمه الله في 1932 /5/30 بقرية السعديين، إحدى قرى محافظة الشرقية بجمهورية مصر العربية، والتحق بكلية الحقوق جامعة الملك فؤاد ( القاهرة حالياً) عام 1948 م، وعمل مديرا لادارة التأمينات بمدينة المنصورة من 1956 حتى 1959 م، ومديراً للتأمينات الاجتماعية بمدينة شبين الكوم من 1959 - 1964 م.
قدم الى الكويت عام 1973 ليعمل بالهيئة العامة لشؤون القصر بوزارة العدل ب الكويت ، ووضع جميع القوانين الخاصة بشؤون القصر بدولة الكويت وفق الشريعة الإسلامية، ولما بلغ سن المعاش تم اختياره ليعمل مستشاراً لوكيل وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة الكويت حتى وفاته في 2006 /3/3م.
وقد قام رحمه الله خلال فترة عمله ب الكويت بصياغة الكثير من القوانين المدنية ذات الصبغة الإسلامية للهيئة الاستشارية العليا للعمل على استكمال تطبيق الشريعة الإسلامية، وفي الحلقات المقبلة عنه سنكشف عن صياغته لأول دستور مدني لدولة مدنية تنبثق مواده من الشريعة الإسلامية ، حيث قام -رحمه الله- بالانتهاء منه قبيل وفاته مباشرة، وقد شارك - رحمه الله - في صياغة دساتير بعض الدول الإسلامية، وفي العديد من المؤتمرات الدولية في كثير من دول العالم.
التحق المستشار البهنساوي في بواكير حياته بالتيار الإسلامي الوسطي المعتدل .
وقد دفع - رحمه الله - ثمن التزامه بالإسلام كمنهج حياة فاعتقل وهو طالب في الفترة الملكية، واعتقل ظلماً عام 1954 م اثر الاضرابات التي سادت الجامعات المصرية للاعتراض على تنحية الرئيس محمد نجيب ، واعتقل في سبتمبر عام 1965 مع كل من سبق اعتقاله من التيار الوسطي المعتدل ومورست عليه صنوف من التعذيب عندما كان يحقق معه عن محاضرات ألقاها في الأعوام 1963و1964و1965 عن الإسلام والشيوعية بالمعهد العالي التجاري بالمنصورة ومؤسسة الثقافة العمالية ب الدقهلية وظل في السجن 6 سنوات ليخرج بعدها في مايو 1971 م في عهد الرئيس الراحل محمد أنور السادات ، ورغم مرارة السجن فإنه شارك في مواجهة الفكر التكفيري الذي انتشر في السجن آنذاك، وحاربه بالحجة والبرهان حتى تراجع قرابة ثلثمائة ممن كانوا قد اعتنقوا هذا الفكر، وشارك في صياغة كتاب «دعاة لا قضاة» للمستشار حسن الهضيبي رحمه الله، في السجن.
وقد ترك البهنساوي تراثا ضخماً من المؤلفات، فألف ما يربو على 26 كتاباً، وفي الحلقات المقبلة بإذن الله سنتناول الجوانب الفكرية في جميع المجالات التي تركها المستشار البهنساوي بين ثنايا كتبه، والتي عالجت الكثير من القضايا الفكرية الشائكة التي تعزز قيم الوسطية.
مؤلفاته
1- الوجيز في العبادات (1377هـ-1957 م).
2- الإسلام والتأمينات الاجتماعية (1383هـ - 1963 م).
3- القوانين وعمال التراحيل (1384 هـ - 1964 م).
4- الحكم وقضية تكفير المسلم (1397هـ - 1977 م).
5- السنة المفترى عليها (1399هـ-1979 م).
6- قوانين الأسرة بين عجز النساء وضعف العلماء (1400هـ - 1980 م).
7- مكانة المرأة بين الإسلام والقوانين العالمية (1401هـ- 1981 م).
8- الغزو الفكري للتاريخ والسيرة (1404هـ - 1985 م).
9- أضواء على معالم في الطريق (1405هـ- 1985 م).
10- سيد قطب بين العاطفة والموضوعية (1406هـ - 1986 م).
11- تهافت العلمانية في الصحافة العربية (1408هـ- 1988 م).
12- شبهات حول الفكر الإسلامي المعاصر (1409هـ -1989 م).
13- الحقائق الغائبة بين الشيعة وأهل السنة (1409هـ - 1989 م).
14- الخلافة والخلفاء الراشدون بين الشورى والديموقراطية (1411هـ- 1991 م).
15- الإسلام لا العلمانية (1412هـ- 1992 م).
16- الشريعة المفترى عليها (1415هـ - 1994 م).
17- فكر سيد قطب في ميزان الشرع (1420 هـ- 1999 م).
18- السنة بين الوحي والعقل (1424هـ - 2003 م).
19- حرية الرأي (1424هـ- 2003 م).
20- كمال الشريعة وعجز القانون الوضعي (1424 هـ - 2004 م).
21- قواعد التعامل مع غير المسلمين (1424 هـ- 2003 م).
22- التطرف والإرهاب في المنظور الإسلامي والدولي (1424هـ - 2004 م).
23- السلام الصهيوني والعجز العربي (1425هـ - 2004 م).
24- أدب الحوار والخلاف (1426هـ - 2005 م).
25- أركسة العلمانيين (1427هـ - 2006 م).
26- الإصلاح الإسلامي الحائر بين أهله (1427هـ - 2006 م).
المصدر
- مقال:المستشار سالم البهنساوي أنموذجاً.. في الذكرى الثالثة لرحيلهمجلة الوعى الإسلامى