المسألة القبطية.. والشريعة والصحوة الإسلامية
عرض/بدر محمد بدر
يناقش هذا الكتاب مشكلة الأقباط في مصر, في إطار حالة الجدل التي رافقت التعديلات الدستورية الأخيرة التي أجريت في عام 2006, وما صاحبها من "إقحام" أو "استخدام" الملف القبطي كوسيلة للهجوم على المادة الثانية من الدستور, التي تنص على أن "الإسلام دين الدولة, والشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع", واتهام هذه المادة بأنها ضد المواطنة والمساواة بين أبناء الشعب الواحد.
ومن هنا كان حرص المؤلف -وهو أحد أبناء التيار الإسلامي ووكيل مؤسسي حزب الوسط المصري الذي لم تمنحه السلطات الترخيص القانوني حتى الآن رغم مضي أكثر من 11 عاماً على طلب التأسيس- على الإدلاء بدلوه في المسألة القبطية, وحقوق الأقباط في الشريعة وفي الواقع الآن.
ينبه المستشار طارق البشري -في تقديمه للكتاب- على نقطة مهمة, وهي أن مسالة المساواة بين المسلمين والأقباط كانت تثور بوصفها حجة أو سلاحاً يستخدمه العلمانيون في مواجهة الإسلاميين, بادعاء أن الشريعة الإسلامية لا تضمن هذه المساواة بين مختلفي الأديان من المواطنين.
وكان الأقباط -مع ميلهم لأصحاب التوجه العلماني- لا يظهرون بوصفهم قبطاً في مسألة الشريعة الإسلامية ومرجعيتها بالنسبة للدولة, ولكن في الفترة الأخيرة ظهر موقف آخر, وهو أن رفض الشريعة الإسلامية وإسلامية الدولة المصرية أصبح مطلباً قبطياً.
وبدت رياح هذا الموقف في مطالب أقباط المهجر, وسايرهم في ذلك رجال من رؤوس الكنيسة القبطية, ويكاد يكون هذا الموقف هو ما تتبناه الكنيسة بين الأقباط.
ويؤكد البشري على أنه لا يجوز أن يكون سعي العلمانيين لترجيح وجهة نظرهم ضد المرجعية الإسلامية, مبرراً لإثارة التناقض بين المواطنة والإسلام, لأن المطلوب هو إقامة سبل التواصل والتداخل بين أبناء الأمة الواحدة, وهناك من عقلاء الأقباط من أدرك هذا الموضوع.
تعداد الأقباط
كم عدد الأقباط في مصر؟ في إجابته على هذا السؤال يشير المؤلف إلى أن أول تعداد جرى في مصر على أسس علمية كان في زمن الاحتلال الإنجليزي عام 1897, وتكرر كل عشر سنوات, آخرها في عام 2006, وهذه الاحصاءات طوال أكثر من قرن, تراوحت فيها نسبة الأقباط حول 6% من إجمالي عدد السكان, والـ94% الباقية من المسلمين السنة.
- "لو كانت نسبة الأقباط في مصر أقل من واحد في المئة ما تأثرت حقوقهم من الناحية الفقهية الإسلامية, فالعدد والنسبة لا يترتب عليهما أي أثر سلبي في اكتساب الحقوق والمساواة أو في الواجبات على أساس المواطنة الكاملة"
ولا نجد اختلافاً في هذه النسبة بين دوائر المعارف وأجهزة الإحصاء المحلية والعالمية, وهذا يعني أن عدد سكان مصر الآن, لو بلغ 75 مليون نسمة, فإن تعداد الأقباط المسيحيين يبلغ 4.5 ملايين نسمة, وتبلغ نسبة الأرثوذكس من الأقباط 80% والنسبة الباقية (20%) للبروتستانت والكاثوليك, وأي أرقام تتردد خلاف ذلك عن تعداد المسيحيين في مصر لا تستند إلى أي أساس علمي محايد.
ورغم ذلك فالمؤلف يؤكد أن العدد والنسبة لا يترتب عليهما أي أثر سلبي في اكتساب الحقوق والمساواة فيها أو في الواجبات على أساس المواطنة الكاملة, فلو كانت نسبة الأقباط أقل من واحد في المئة, ما تأثرت حقوقهم من الناحية الفقهية الإسلامية.
في الفصل الأول يستعرض المؤلف محاولات العبث وإثارة الفتنة عن طريق توظيف ملف الأقباط في غرس الخلافات داخل الوطن, ومن أبرزها محاولة قوات الحملة الفرنسية (1798 - 1801) استخدام الأقباط المصريين ضد إخوانهم المسلمين, على أساس انتمائهم لدين الأقلية.
ونجحت بالفعل في تجنيد رجل مسيحي يدعى المعلم يعقوب حنا, ومنحه رتبة "جنرال" في الجيش الفرنسي, واستطاع تجنيد نحو ألفي قبطي ليحاربوا مع جيش الاحتلال, لكن قيادات الكنيسة وقتها وأدت الفتنة في مهدها, واضطر المعلم يعقوب إلى الرحيل ومعه نفر من أعوانه إلى خارج الوطن.
كما حاول الاحتلال الإنجليزي أيضاً إثارة الفتنة الطائفية, فحرض مجموعة من الأقباط على عقد مؤتمر في مارس/آذار عام 1911 في مدينة أسيوط, سمي بالمؤتمر القبطي الأول, تبنى مطالب طائفية, لكن المؤتمر فشل في تحقيق أهدافه.
وفي عام 1919 عين الاحتلال القبطي يوسف وهبة باشا رئيساً لوزراء مصر, في ظل مقاطعة الشعب الثائر لسلطات الاحتلال, فتطوع شاب قبطي يدعى يوسف سعد عريان لاغتياله, حتى لا تكون فتنة إذا اغتاله أحد من المسلمين.
عزل الأنبا شنودة
وفي عهد الأنبا شنودة الثالث, الذي تولى رئاسة كرسي البابوية في عام 1971 وحتى الآن, حدثت تداعيات وتوترات وتهديدات, أعادت ملف الأقباط إلى الواجهة السياسية, وانتهت إلى صدور قرار من الرئيس السادات في عام 1981 بعزل الأنبا شنودة.
- "جماعات العنف كانت من أهم مصادر تغذية الشعور بالطائفية وتغذية الاحتقان خصوصاً في صعيد مصر, أما الإخوان المسلمون فكانت -ولا تزال- علاقتهم بالأقباط طبيعية, ولا توجد أي سلبيات تذكر "
وأيد القضاء الإداري المصري في عام 83 قرار رئيس الدولة, وأثبت كل التهم الموجهة من الدولة إلى رأس الكنيسة الأرثوذكسية, لكن الرئيس حسني مبارك أصدر قراراً جمهورياً في يناير/كانون الثاني 1984 بعودة الأنبا شنودة إلى رئاسة الطائفة مجدداً.
وفي السنوات الأخيرة ظهرت منظمات مسيحية في الغرب تحرض ضد النظام السياسي بدعوى اضطهاده للأقباط, وتستخدم بعض الأحداث لإثارة اللغط حول وضع الأقباط وحرياتهم وحقوقهم, وازداد تأثير هذه المنظمات في الفترة الأخيرة.
ويشير المؤلف إلى دور الدولة في العهد الحالي في تذليل الكثير من الصعوبات وإعطاء بعض الامتيازات الخاصة للأقباط منها نقل اختصاص التفويض في بناء الكنائس من رئيس الدولة إلى المحافظين, وجعل يوم عيد الميلاد عيداً رسمياً للبلاد, بل مجاملة الأقباط إلى حد الاستجابة لبعض أساليب الابتزاز السياسي والديني, مما يعمق حالة الاستفزاز عند كثير من المسؤولين وجماهير المسلمين.
ويستعرض المؤلف موقف القوى والحركات الإسلامية من المسألة القبطية, إبتداءً من الجماعات التي تبنت العنف, مروراً بالإخوان المسلمين والجمعيات الإسلامية ثم الأحزاب المدنية ذات المرجعيات الإسلامية.
وكانت جماعات العنف من أهم مصادر تغذية الشعور بالطائفية وتغذية الاحتقان سواء من خلال الفكر أو من خلال السلوك العدواني خصوصاً في صعيد مصر (الجنوب), وانتشار الاعتداءات على محلات الذهب (المسيحيون يسيطرون على هذا القطاع بشكل كبير) أو الاعتداءات على بعض ممتلكات الأقباط وكنائسهم, أما الإخوان المسلمون فكانت -ولا تزال- علاقتهم بالأقباط طبيعية, ولا توجد أي سلبيات تذكر.
ليس هناك اضطهاد
وينتهي المؤلف إلى أن الصورة الحقيقية تؤكد أنه لا يوجد في مصر أي نوع من الاضطهاد لا العرقي ولا الديني, إنما هناك احتقان طائفي قائم على مشكلات وأسباب سياسية, تتعلق أغلبها بالعضوية في المجالس التشريعية, وحق الأقباط في نسبة تمثيل مناسبة, أو في تولي بعض المواقع التنفيذية في الدولة.
- "لا يوجد في مصر أي نوع من الاضطهاد العرقي ولا الديني, إنما هناك احتقان طائفي قائم على مشكلات وأسباب سياسية تتعلق أغلبها بالعضوية في المجالس التشريعية, أو في تولي بعض المواقع التنفيذية في الدولة"
وبالتالي فالمشكلة تتعلق بالسلطة وبعدم وجود ديمقراطية حقيقية, يستطيع في ظلالها الجميع أن يشاركوا ويتحاوروا ويتحملوا المسؤولية, وإذا نجحنا في انتزاع التغيير الديمقراطي السلمي للجميع, ستحل أغلب المشاكل السياسية للمصريين جميعاً, وليس للأقباط فقط, وسوف يساهم هذا الحل في تعميق العلاقات الاجتماعية والثقافية ومحاصرة التحريض المتبادل بين البعض من الجانبين.
في الفصل الثاني يناقش المؤلف مفهوم الدولة الدينية والدولة العلمانية, ويقول إن تعبير الدولة الدينية لم تألفه ثقافتنا العربية الإسلامية طوال 14 قرناً, لأن الدولة الإسلامية لم تكن دولة دينية بالمفهوم الغربي, والدولة العلمانية هي النموذج المقابل للدولة الدينية في المفهوم الغربي.
وليس هناك اتفاق على مفهوم الدولة العلمانية والأرجح أنها الدولة التي تفصل الدين عن السياسة, والمفهوم الأنسب بالنسبة لنا في العالم العربي هو مفهوم "الدولة المدنية", وهي الدولة التي يحكم فيها أهل الاختصاص في الحكم والإدارة والسياسة والاقتصاد.. إلخ وليس علماء الدين بالتعبير الإسلامي.
ويشير إلى أهمية التأكيد على أن دين الدولة هو الإسلام وأن لغتها هي العربية وأن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع, باعتبار أن ذلك جزء من شخصية الدولة تم ترسيخه والاتفاق عليه عبر قرون طويلة, وفي الدول الغربية تنص معظم الدساتير على شخصية الدولة ولغتها ودينها ولا حرج في ذلك.
القواعد الفقهية
ويذكر المؤلف بعض القواعد التي حددها الفقهاء والمفكرون المسلمون لنظام الدولة ومنها:
1 ـ الحرية كقيمة إسلامية ملزمة كفلها الإسلام للإنسان منذ كان, وهي فطرة الله التي فطر الناس عليها.
2 ـ المساواة بين الناس في تطبيق القانون, وفي ممارسة الحقوق والحريات العامة, أصل أصيل لا يجوز العدوان عليه ولا استثناء فيه.
3 ـ اختيار الحاكم يجب أن يتم بإرادة الأمة الحرة, لأن الشورى أساس الاختيار, والأسلوب الأفضل في زماننا هو تقرير حق الشعب في اختيار رئيس الدولة ونوابه بالاختيار الحر المباشر.
- "من بين القواعد الفقهية لنظام الدولة في الإسلام المساواة بين الناس في تطبيق القانون, واختيار الحاكم يجب أن يتم بإرادة الأمة, والأمة مصدر السلطات, وحق المواطنة مكفول لجميع أبناء الوطن "
4 ـ الأمة مصدر السلطات, وهي صاحبة الحق الأصيل في تحديد المشروعية.
5 ـ حق المواطنة مكفول لجميع أبناء الوطن أيا كانت ديانتهم, وهم متساوون جميعاً في الحقوق والواجبات.
6 ـ الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر واجبان شرعيان, تقوم بهما نظم الإسلام كافة.
وفي الفصلين الأخيرين وهما صغيران يتحدث المؤلف عن معنى الصحوة الإسلامية, وهل هي صحوة إسلامية فقط أم عالمية, مؤكداً أنها صحوة دينية عالمية في كل الأديان والمذاهب.
ويشير إلى اختلاف مفهوم الأصولية عند المسلمين عنه في الغرب, فهي عندنا إيجابية ومطلوبة تهدف إلى العودة إلى الأصول الإسلامية, وفي الغرب هي تطرف وانغلاق وغلو وتعصب, وبالتالي لا بد من الحذر في استعمال لفظ الأصولية وتطبيقه على المجتمع الإسلامي.
المصدر : الجزيرة
المصدر
- مقال: المسألة القبطية.. والشريعة والصحوة الإسلامية موقع الجزيرة نت