المرشد الرابع الأستاذ محمد حامد أبو النصر

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
المرشد الرابع الأستاذ محمد حامد أبو النصر

بقلم: د. رشاد محمد البيومي

محمد حامد ورشاد محمد.jpg

طوال سنين عشتها معه عرفته عن قرب؛ فبعد أن رحلت من سجن أسيوط إلى سجن المحاريق سكنت معه في زنزانة واحدة كانت تجمع إخوان الصعيد، وكان على رأسهم الأستاذ الكبير المرحوم أحمد شريت والأخ طه أبو الليل والأخ حلمي بخيت والدكتور يحيى عبد الغفور وآخرون.

كانت تظله مهابة أعيان الصعيد.. فقد أُوتي بسطةً في الجسم؛ قامة عالية معنًى ومبنًى.. ينم وجهه بنظراته الصارمة عن الاعتزاز بالنفس والترفع عن الدنايا.. ورغم ذلك فقد كان رقيق الإحساس لدرجة غير مسبوقة.. فإذا فتحت أبواب قلبه تحسُّ الأنس والمودة والأبوة الصادقة.. وفي كل لحظةٍ تستشعر منه الولاء الصادق العريق لدعوته وجماعته.. ولا غرو فهو أحد الأربعة من مكتب الإرشاد الذين وهبوا حياتهم لدين الله فلم تفتر همتهم ولم تهتز عزيمتهم، وكانوا قدوةً صادقةً صالحةً لإخوانهم في التجرد وإنكار الذات والثبات على الحق.

وعرفته جنديًّا شديد الالتزام عندما يستدعيه الأستاذ الكبير المرحوم عبد العزيز عطية فيلبي مسرعًا سامعًا مطيعًا تعبدًا لله في بساطةٍ ووضوح.

عرفته قائدًا ساس السفينة برغم الأنواء التي واجهته بكل ثباتٍ وصرامة وحزم.

وقد وُلد السيد محمد حامد أبو النصر بمنفلوط محافظة أسيوط بصعيد مصر من أب مصري وأم عربية (سعودية)، ومات والده وهو طفلٌ صغير، وتولَّت الأم تربية وحيدها تربيةً جادةً وهيَّأته ليكون ندًّا لعائلة الطرزي، وهي عائلة وفدية كانت تسيطر وتهيمن على بلده منفلوط وما حولها.. وتتولى الزعامة والريادة والتمثيل في المجالس النيابية، وحصل على البكالوريا، ونمَّى معارفه بالاطلاع وثقَّف نفسه بالقراءة وممارسة التعامل مع المجتمع المحيط فأفرزت هذه التجارب شخصية صقلتها التجربة والمعرفة وعلمتها الأحداث كيف تواجه الصعاب.

احتدم الصراع بينه وبين عائلة الطرزي.. عندما عزم الإمام الشهيد حسن البنا زيارة منفلوط (وكان من شأنه ودأبه إذا عزم على زيارة أي مكان أن يَلِجَهُ من خلال الشخصية المحترمة التي تتسم بالوقار والالتزام، فالتقى به السيد أبو النصر وبايعه على العمل في مظلة جماعة الإخوان، وظلَّ على عهده حتى لقي الله.

وقد ظلَّ على عهده مع الإمام الشهيد، وتدرَّج في سُلم الجماعة حتى أصبح عضوًا بمكتب الإرشاد قبل أحداث 1954 م.

وقد حاول جمال عبد الناصر (حينما احتدم الصراع بينه وبين الجماعة) أن يستميله إلى جانبه (كما فعل مع آخرين فُتنوا به) مذكرًا أنهما أبناء محافظة واحدة تعمهم وشيجة أبناء الصعيد، ولكن خاب أمل عبد الناصر عندما أبى الأستاذ أبو النصر أن يجاريه فتوعده.

ولما كانت محنة 54 وحُوكم أعضاء المكتب كان نصيب الأستاذ أبو النصر الأشغال الشاقة المؤبدة.. وبعد أن مضى فترةً بليمان طره تم ترحيله إلى سجن جناح بالواحات الخارجة ثم إلى سجن المحاريق، وأخيرًا إلى سجن قنا؛ حيث أُفرج عنه عام 74 من سجن المزرعة بعد أن قضى عشرين عامًا لم يتزحزح ولم يتراجع عن موقفه.

وفي سجن قنا كان الأستاذ أبو النصر مسئولاً عن الإخوان بصفته (عضو مكتب الإرشاد) وكطبيعته فقد تعامل مع قضية التكفير التي فتنت بعض الإخوان بالحزم الشديد الذي تسبب في بعض المشاكل.. بلغ هذا الأمر الأستاذ المرشد حسن الهضيبي، وقد كان في سجن المزرعة؛ وذلك بعد ترحيل من قضوا 15 عامًا (الشيخ أحمد شريت- الدكتور علي شهوان- الأستاذ عبد المنعم مكاوي)، وأصدر الأستاذ المرشد قرارًا بتشكيل لجنة لقيادة الإخوان في قنا بدلاً من الأستاذ أبو النصر.

ووصلت الرسالة للأستاذ أبو النصر.. وكان ذلك قبيل إغلاق الزنازين.. ولكنه حرصًا على أن يجمع الإخوان، وأن يقرأ الرسالة بنفسه ويلتزم جنديًّا بالصف تحت القيادة الجديدة.

وبعد أن رحل الإخوان إلى سجن المزرعة تمهيدًا للإفراج عنهم حاول المدعو فؤاد علام أن يستغل الفرصة، ويبدو أن للأمن دورًا في الإفراج عن الإخوان (وكان السادات قد أصدر أوامره بالإفراج عن الإخوان) فجمع الإخوان وطالبهم بالتعاون مع الحكومة.. وإذا بالأستاذ أبو النصر يتصدى له قائلاً: (الإخوان سيقلون للحسن قد أحسنت وللمسيء أسأت).

وكان يدير أعماله الواسعة، وهو في داخل السجن.. إذ كان سكرتيره الخاص (مرسي) يحضر إليه في فترات منتظمة عارضًا عليه حساباته وأعماله.. ولا ننسى موسم الرمان (الذي تشتهر به منفلوط) فقد كانت الزيارة محملة بكميات كبيرة منه تكفي الجميع في السجن.

وقد رزقه الله بثلاثة أبناء؛ ولدان وبنت (حسن أبو المعالي)، وكان مختلفًا مع والده يطالبه دائمًا بالتنازل والتأييد، وكان في آخر أيامه رئيسًا لنيابة سوهاج.. وقد حاول أن يدفن والده في منفلوط، ولكن كانت وصية الأستاذ أبو النصر أن يُدفن مع إخوانه المرشدين، وقد تمَّ له ذلك.

أما حسين فقد تخرَّج في معهد الإرشاد الزراعي ومات شابًّا.. والابنة ثناء متزوجة وتعيش في الجيزة.

لا زلتُ أذكر له حدثًا خاصًا.. فقد كنتُ أصحبُ زوجتي إلى الصعيد لأول مرة.. وفي الطريق حدث حادث مروع انقلب فيه القطار مع 5 عربات إلى منخفض عميق، وكان ضحيته مئات القتلى والجرحى.

وبعد أن فرغتُ أنا وزوجتي (بعد نجاتنا) من مساعدة الجرحى ونقل جثث الموتى سألتُ رجال الإسعاف.. أين نحن فقالوا نحن قبالة قرية بني حسين التابعة لمركز منفلوط.. فسألتُ هل منكم مَن يعرف الأستاذ أبو النصر فأجاب الجميعُ في نفس الوقت: "ومَن منا لا يعرف ذلك الرجل العظيم؟!".. وتم تكريمنا ونقلنا بصفة خاصة إلى دواره (وكنا في رمضان).. عرف بوجودنا وحاول إبقاءنا حتى موعد الإفطار، وكانت الظروف لا تسمح فطلبتُ منه ما يوصلني إلى بلدي سوهاج، والتي تبعد حوالي 100 كيلو، وقد كان فقد أحضر لي سيارة أوصلتني حتى مبتغاي.. وهنا أذكر إخوتي أن الإخوة التي جمعت بيننا تعرفك وتشعرك أنه في أي مكان وزمان ستجد مَن يعينك ويقف بجانبك.. حقًّا إنها تجارة مع الله.