المرتكزات العقائدية الصهيونية في فلسطين والقدس
يؤمن الصهاينة النصارى واليهود بعقيدة توراتية مشتركة، مفادها: أنّ اليهود هم شعب الله المختار، وأنّ الله تعالى أعطاهم الأرض المقدسة (فلسطين) بموجب وعد إلهي مقدس قطعه الربّ على نفسه لإبراهيم وإسحاق ويعقوب –إسرائيل- ولنسلهم من بعدهم، ولذا فإنّه يجب أن يملك اليهود أرض فلسطين كلها وما حولها من البلاد التي أعطيت لهم من قبل الرب.
وحفلت التوراة بمجموعة من النصوص التي تحتوي على الوعد الإلهي المقدس. ومن ذلك:الوعد الذي أعطي لإبراهيم عليه السلام: 'وقال الربّ لإبرام –إبراهيم- بعد اعتزال لوط عنه، ارفع عينيك وانظر من الموضع الذي أنت فيه شمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً لأن جميع الأرض التي أنت ترى: لك أعطيها ولنسلك إلى الأبد'.
وأيضاً:'في ذلك اليوم قطع الرب مع إبرام ميثاقاً قائلاً: لنسلك أعطي هذه الأرض من نهر مصر إلى النهر الكبير نهر الفرات'.
وأيضاً: 'وأقيم عهدي بيني وبينك وبين نسلك من بعدك في أجيالهم عهداً أبدياً لأكون إلهاً لك ولنسلك من بعدك، وأعطي لك ولنسلك من بعدك أرض غربتك كل أرض كنعان ملكاً أبدياً وأكون إلههم'.
- ومن ذلك الوعد:الذي أعطي لإسحاق: 'وظهر له –لإسحاق- الرب وقال: لا تنزل إلى مصر واسكن في الأرض التي أقول لك تغرّب في هذه الأرض فأكون معك وأباركك لأني لك ولنسلك أعطي جميع هذه البلاد...'.
- ومن ذلك الوعد: الذي أعطي ليعقوب –إسرائيل-:'وظهر الله ليعقوب أيضاً حين جاء من فدّان أرام وباركه، وقال الله له: اسمك يعقوب، لا يدعى اسمك فيما بعد يعقوب بل يكون إسرائيل، فدعا اسمه إسرائيل... والأرض التي أعطيت إبراهيم وإسحاق أعطيها لك ولنسلك من بعدك أعطي الأرض'.
ويعتقد اليهود أنّ لهم حقاً تاريخياً في الأرض المقدسة –فلسطين- لأنّ أجدادهم وآباءهم-حسب زعمهم- مكثوا فيها فترة من زمنية في التاريخ القديم، وأقاموا ممالك يهودية منذ ثلاثة آلاف سنة.
ويؤمن اليهود بوجوب إعادة بناء هيكل الرب الذي بناه نبي الله سليمان-عليه السلام- فوق جبل موريا كما جاء في كتابهم المقدس، وجبل موريا عند جمهورهم هو جبل الحرم القدسي الشريف، أي حيث يوجد المسجدان: الأقصى وقبة الصخرة.
ولذا يؤمن هؤلاء بوجوب هدم المسجدين حتى يبنون الهيكل في مكانه الأصلي.
ولقد تسمّت الصهيونية بهذا الاسم نسبة إلى جبل صهيون الموجود بمدينة القدس، وكان هذا الجبل رمزاً لهذه المدينة المقدسة عند اليهود، وذكر هذا الجبل في ترانيم وصلوات اليهود التي وردت في أسفارهم المقدسة،ومن ذلك جاء في سفر المزامير المنسوب زوراً لنبي الله داود: 'على أنهار بابل هناك جلسنا، بكينا أيضاً عندما تذكرنا صهيون على الصفصاف في وسطها علّقنا أعوادنا، لأنه هناك سألنا الذي سبونا كلام ترنيمة،ومعذبونا سألونا فرحاً قائلين ورنّموا لنا من ترنيمات صهيون.كيف ترنّم في أرض غريبة...؟.
لقد شاع اسم جبل صهيون في الفكر الديني اليهودي والمسيحي، فلقد ذكر في العهد القديم –وحده- مائة واثنين وخمسين (152) مرة كعنوان لمدينة القدس ذات المكانة المقدسة.
وجاء ذكر صهيون مع مدينة القدس معاً في كثير من الأسفار المقدسة، ومن ذلك:-
- 'ترنمي وافرحي يا بنت صهيون لأني هاأنذا آتي واسكن في وسطك يقول الرب..والرب يرث يهوذا نصيبه في الأرض المقدسة ويختار أورشليم بعد'.
-هكذا قال الرب: غِرتُ على أورشليم، وعلى صهيون غيرة عظيمة...إن مُدني تفيض بعد خيراً، والرب يُعزّي صهيون بعد أورشليم'.
- وأيضاً: 'ابتهجي جداً يا ابنة صهيون،اهتفي يا بنت أورشليم، هو ذا ملكك يأتي إليك هو عادل ومنصور وديع...'.
-استيقظي، استيقظي، البسي عزك يا صهيون، البسي ثياب جمالك يا أورشليم، المدينة المقدسة،،انحلي من ربط عنقك أيتها المسبية ابنة صهيون'. وكل يهودي يدعو على نفسه بالهلاك إن فرّط في مدينة القدس جاء في سفر المزامير:'إن نسيتك يا أورشليم تُنسى يميني، ليلتصق لساني بحنكي إن لم أذكرك، إن لم أفضل أورشليم على أعظم فري'.
لقد تغنى اليهود بالعودة إلى القدس –أرض صهيون- في صلواتهم وأناشيدهم ولقد ذكرت القدس في التوراة –بألفاظ مختلفة تطلق عليها- أكثر من ستمائة وثمانين (680) مرة، ومن هذه المسميات: أورشليم، مدينة الله مدينة القدس، مدينة الحق، مدينة اليبوسيين، شاليم، وكانت أكبر أمنية لليهود المشردين في أنحاء العالم العودة إلى أرض الميعاد ، أرض الأباء والأجداد وكانت تحيتهم المتبادلة بينهم: إلى اللقاء في أورشليم العام القادم.
وأوجب التلمود –وهو كتاب مقدس عند اليهود- على كل يهودي أن يوصي بوضع حفنة من التراب المجلوب من القدس في كفنه معه في القبر.
ولمّا كانت مدينة القدس من أعظم الأماكن المقدسة لدى اليهود أوجبت شعائرهم على كل يهودي ذكر بالغ أن يحجّ إلى القدس مرتين في العام، وأن يبقى فيها كل مرة أسبوع كامل، يمارس خلالها الطقوس والشعائر التعبدية بقيادة الكهنة واللاّوين، ومن ذلك قراءة التوراة والصلاة أمام حائط المبكى الذي يعتبرونه من حيطان هيكلهم المقدس.
ومن عقائد اليهود في القدس اعتقادهم في الصخرة المشرفة: حيث يزعمون أنّ إبراهيم عليه السلام قدّم ولده إسحاق الذبيح قرباناً لله تعالى ويزعمون أنّ الصخرة كانت ملكاً لليبوسي أرونا ثم اشتراها داود عليه السلام، وجعل على هذه الصخرة معبداً لله تعالى.
وأضفى التلمود على الصخرة هالة من القداسة والتعظيم، فمن ذلك: أنّ الله ابتدأ خلق الأرض من تلك الصخرة، فهي إذاً حجر الأساس للأرض.
يعتقد اليهود بأنّ المعبد المقدس (الهيكل) بناه نبي الله سليمان عليه السلام بعد أن هيأ له من الذهب والفضة والحجارة الكريمة ما مكنّه من تشييده، وجاءت قصة بنائه مطولة في سفر أخبار الأيام: الإصحاح التاسع والعشرين ، وفي سفر الملوك الأول: الإصحاح السادس.
فمما جاء في الأول: 'وقال داود الملك لكل المجمع: إن سليمان ابني الذي وحده اختاره الله إنما هو صغير وغض. والعمل عظيم لأن الهيكل ليس لإنسان بل للرب الإله، وأنا بكل قوتي هيأت لبيت إلهي الذهب لما هو من ذهب، والفضة لما هو من فضة، والنحاس لما هو من نحاس، والحديد لما هو من حديد والخشب لما هو من خشب، وحجارة الجزع، وحجارة للترصيع، وحجارة كحلاء ورقماء وكل حجارة كريمة، وحجارة الرخام بكثرة، وأيضاً لأني قد سُررْت ببيت إلهي، لي خاصة من ذهب وفضة قد دفعتها لبيت إلهي فوق جميع ما هيأت لبيت القدس...'.
ولإضفاء قدسية خاصة على الهيكل زعمت الأسفار اليهودية أن الله اتخذ من الهيكل مسكناً له بعد أن كان مسكنه الضباب:'حينئذ تكلم سليمان. قال الرب:إنّه يسكن في الضباب إني قد بنيت لك بيت سكني مكاناً لسكناك إلى الأبد'.
لقد أصبح الهيكل المكان المقدس الوحيد الذي تقدم فيه القرابين للرب، وفي الهيكل بهو مقدس أُعِد لاجتماع الناس من أجل أداء الطقوس والشعائر التعبدية. جاء في دائرة المعارف اليهودية 'جويش انسيكلوبيديا':أن اليهود يبغون أن يجمعوا أمرهم وأن يقدموا إلى القدس، ويتغلبوا على قوة الأعداء، وأن يعيدوا العبادة إلى الهيكل ويقيموا ملكهم هناك'.
ويعمل اليهود اليوم على توسيع دائرة مدينة القدس وتهويدها، وتشييد المستوطنات والقلاع السكنية فيها كي يتمكنوا من توطين مئات الألوف من اليهود، وذلك لاعتقادهم أن الملك المخلص اليهودي سيظهر في مدينة القدس وخاصة في جبل صهيون،وبهذا المخلص سيحكم اليهود العالم، وستصبح المدينة المقدسة في زمنه مدينة عظيمة، لا مثيل لها بين المدن، يعم فيها الرخاء والأمن والسلام، ويعود إليها المتشردون من اليهود.
ومن هنا يمكن لنا أن نفهم كيف تعمدّت دولة العدو وبتأييد ودعم أمريكي وأوروبي واضح أن تجعل القدس خارج إطار اتفاقية 'كامب ديفيد' التي عقدتها مع الرئيس الراحل أنور السادات، وخارج اتفاقية أوسلو التي عقدتها مع منظمة التحرير الفلسطينية، وأصّرت أن تدرج في مفاوضات الحل النهائي والهدف من ذلك: كسب عامل الزمن، فتقوم إسرائيل بتنفيذ مخططاتها الموضوعة التي تتلخص في إنشاء تحولات جغرافية وسكانية في المدينة وما حولها، لتصبح مدينة يهودية صرفة، وكأمر واقع لا تستطيع الحلول النهائية أن تغفله، وقد اتفقت الأحزاب اليهودية كلها –السياسية والدينية- على خطة مدينة القدس الكبرى العاصمة الأبدية لدولة إسرائيل وكل ذلك بدعم وبتأييد نصراني أوروبي وأمريكي.
ومن الخطأ الشنيع أن يتوهم البعض أن سياسة إسرائيل بالنسبة للقدس، ستتغير تحت أي ظرف كان.
المصدر
- مقال: المرتكزات العقائدية الصهيونية في فلسطين والقدس موقع الدكتورصالح الرقب