المحتكر ملعون
بقلم : المنشاوى الورداني
ينكر الإسلام أشد الإنكار أن تدفع بعض التجار أنانيتهم الفردية وطمعهم الشخصي إلى الثراء العريض ولو على حساب الفقير المعدم في قوته الضروري.. من هنا نهى الإسلام عن الاحتكار بمعنى حبس السلعة بقصد ارتفاع ثمنها حتى تقل في السوق فيرتفع سعرها ، فيبيعها التاجر بثمنها أضعافا مضاعفة.
موقف الشريعة الإسلامية من الاحتكار أو( الحكرة ) والمحتكرين واضح جلى في أحاديث عديدة للنبي الأكرم – صلي الله عليه وسلم.. فقال صلي الله عليه وسلم في رواية مسلم ( من احتكر طعاما فهو خاطئ ) وكلمة خاطئ ليست هينة لأن الله وصف بها المجرمين لقوله تعالى: ( إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين ) ( القصص /8 ). وقال صلي الله عليه وسلم ( الجالب مرزوق والمحتكر ملعون ) رواه ابن ماجه. وقال صلي الله عليه وسلم: ( من دخل في شئ من أسعار المسلمين ليعليه عليهم كان حقا على الله تبارك وتعالى أن يقعده بعظم من النار يوم القيامة ) رواه أحمد.
فانظر عقوبة المحتكر الذي يفرح بارتفاع الأسعار التي تؤذي جمهور المسلمين مراعاة لمصالحة الشخصية؟
والعقوبة في الدنيا.. أيضا
بل إن عقوبة المحتكر ليست في الآخرة فحسب حتى لا يركن إلى ذلك من ضعفت إيمانياتهم بالدار الآخرة.. فالعقوبة تلحقه في الدنيا كذلك فعن عمر – رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( من احتكر على المسلمين طعامهم ضربه الله بالجذام والإفلاس ) رواه ابن ماجه ( وانظر السراج الوهاب 6/22 )
وهذه الأحاديث تنتهى بمجموعها للاستدلال على عدم جواز الاحتكار.. وأما ما ورد في رواية أن معمرا وسعيد بن المسيب كانا يحتكران حينما قيل لسعيد: إنك تحتكر. قال سعيد – إن معمرا – الذي كان يحدث هذا الحديث – ( كان يحتكر ) ( وهو حديث: من احتكر فهو خاطئ ).. ( صحيح مسلم 11/43 ) فقد أجاب ابن عبدالبر وآخرون بأنهما كانا يحتكران الزيت ( كاستعمال شخصي وليس عن العامة ).. ولذلك حمل العلماء جواز الاحتكار عند الحاجة الى القوت. ( انظر صحيح مسلم بشرح النووى 11/43 وانظر كتاب المال في الإسلام د. رأفت سعيد أستاذ الشريعة بجامعة الأزهر ص 62 دار الوفاء )
الاحتكار المحرم
ومن هنا فإن الاحتكار المحرم يجب أن تتوفر فيه شروط ثلاثة ذكرها الفقهاء..
1- أن يكون الشئ المحتكر فاضلا عن حاجته وحاجة من يعولهم سنة كاملة لأنه يجوز أن يدخر الإنسان نفقته ونفقة أهله هذه المدة كما كان يفعل الرسول – صلى الله عليه وسلم.
2- أن يكون قد انتظر الوقت الذي تغلو فيه السلع ليبيع بالثمن الفاحش لشدة الحاجة إليه.
3- أن يكون الاحتكار في الوقت الذي يحتاج الناس فيه إلى المواد المحتكرة من الطعام والثياب ونحوها. فلو كانت هذه المواد لدى عدد من التجار ولكن لا يحتاج الناس إليها – فإن ذلك لا يعد احتكارا ،حيث لا ضرر يقع بالناس.
( انظر فقه السنة للسيد سابق ج3/163 والحلال والحرام في الإسلام للدكتور يوسف القرضاوى ص 209، 210 مكتبة وهبة ).
ومن عجب أن النبي الأكرم الذي لا ينطق عن الهوى.. قد عرفنا هذا المحتكر الملعون الذي يعتبر احتكاره حراما حراما بالكشف عن شخصيته ودواخل نفسيته الشريرة فقل – صلى الله عليه وسلم: ( بئس العبد المحتكر ، إن سمع برخص ساءة ، وإن سمع بغلاء فرح ) ( ذكره وزين في جامعه ).
كيف نقضي على الاحتكار؟؟
قص علينا القاضي أبو بكر العربي أن الخليفة ببغداد كان إذا رفع التجار أسعار الطعام ، فتح المخازن ، وأذن في بيع ما فيها بأقل مما يبيع التجار ، ولا يزال على هذا الحال حتى تعود الأسعار إلى أصلها أو إلى القدر المناسب ، قال: وبهذه الطريقة يغلب المحتكرين والجالبين ويدفع عن الناس ضررا عظيما.
وكان العلماء بحق يدركون خطر العبث بالأسعار ، والغش في المبايعات ، فلا يدخرون وسعا في وعظ التجار ، وتذكيرهم بتقوى علام الغيوب ، وتربيتهم على القناعة بما تيسر من الارباح ، كان ابن عمر – رضي الله عنه – يمر على البائع فيقول : ( اتق الله وأوف الكيل ) وكان على بن ابي طالب – كرم الله وجهه – يطوف سوق الكوفه ، ويعظ التجار ، ومما يقول في وعظه: " معاشر التجار لا تردوا قليل الربح فتحرموا كثيره "
إن المسألة بجلها في تجفيف منابع الاحتكار والجشع هى تأصيل قانون العدل والأمانة السماوية في البيع والشراء والتاجر من هؤلاء إن ارتكب طريقة الجشع والغش فقد انتبذ النذالة مكانا بعيدا ، وأقام بينه وبين الإنسانية حجابا غليظا.
فالشره والغش قذارة في النفوس يجب على دعاة الإصلاح أن يغسلوها بالحكمة والموعظة والعوج في المجتمع يجب على ولاة الأمر أن يقوموه بالعقوبات العادلة النافذة.
( انظر الشريعة الإسلامية صالحة لكل زمان ومكان / للإمام الأكبر المرحوم / محمد الخضر حسين ج3 / 39 )
وفي ظل ما تشهده السوق المصرية وكذلك العربية والعالمية من ضعف الرقابة الحكومية على أسعار السلع فقد تعالت الأصوات مؤخرا بتدخل الرقابة الشعبية على الأسواق وهذه مطالب شبه خيالية لعدم تمتع الرقابة الشعبية بالضبطية القضائية والقوانين الملزمة لمنع الاحتكار والجشع.. ونعود لنؤكد مسئولية أجهزة حكومية مثل جهاز منع الاحتكار ووزارة التجارة والصناعة خاصة في حالة مغالاة المنتجين والتجار في هامش الربح , أو على الأقل القيام بمهمة تحديد تكلفة إنتاج السلع إذا لم يبادر المنتجون هذه الخطوة ثم اعلانها للمستهلكين من خلال وسائل الإعلام أو إلزام التجار بوضع أسعار التكلفة في مكان ظاهر للناس.
ومن الغريب أن القانون لا يمنع الاحتكار وإنما يمنع فقط الممارسات الاحتكارية الضارة بالمنافسة ! وهل بعد تفشي الغلاء والبلاء بالبلاد ضرر.. المسألة برمتها تحتاج إلى تدخل قومي من ولاة الأمر للإنقاذ.
المصدر
- مقال:المحتكر ملعونموقع:الشبكة الدعوية