المجاملات في الدين والعقيدة لا تبني حواراً

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
المجاملات في الدين والعقيدة لا تبني حواراً


بقلم: الأستاذ عزام الأيوبي

رئيس المكتب السياسي للجماعة الإسلامية في لبنان

خلال العقود القليلة الماضية، تعالت شعارات الحوار بين الأديان، وتحديداً الحوار الإسلامي المسيحي، وأنشئت لأجل ذلك مؤسسات ولجان، وأقيمت مؤتمرات وندوات وحلقات دراسية، وغيرها الكثير من الفعاليات التي يمكن أن تخدم هذا العنوان.

وقد توزعت اهتمامات المساهمين في هذا الحوار على ترسيخ ثقافة العيش المشترك بين أتباع الرسالات السماوية على اختلافها، وإبراز القيم التي تعطي للإنسان مجموعة أساسية من الحقوق بصفته الإنسانية بعيداً عن الجنس واللون والعقيدة التي يعتنقها، وتوسيع مساحات العمل المشترك الذي يصب في خدمة المجتمع ويسهم في عمارة الأرض وتحسين ظروف معيشة الناس فيها.

قد يظن البعض أن ثقافة الحوار هذه مستحدثة في تراث مجتمعنا أو في تاريخ أمتنا، وكأن المئات من سني العيش المشترك وخاصة في المشرق العربي، التي يشهد عليها إرث وتاريخ الطوائف التي عاشت في هذه المنطقة مئات السنين، ولا تزال إلى الآن حاضرة بكل مقوّمات حياتها الدينية والاجتماعية، كأنها قد حذفت من ذاكرة التاريخ.

صحيح أن التاريخ الذي نتحدث عنه شهد انتكاسات متعددة لثقافة العيش المشترك، وأن الحقبة الأخيرة من تاريخ المنطقة شهدت ولا تزال إحدى أكبر هذه الانتكاسات، إلا أننا لا نستطيع بحال من الأحوال أن نرجع السبب في ما يحصل إلى الاختلاف في الدين، بل الحق الذي يشهد له نفس التاريخ أنه كلما ضعف الالتزام الديني أو ساء فهم المؤمنين لحقيقة إيمانهم وتعاليم شرعهم وقعت الانتكاسات، وليس أدل على هذه الحقيقة من كون تلك الصفحات السوداء لم تسطر سوء التعايش والمعاملة بين أتباع ديانتين مختلفتين فقط، بل بين أتباع الدين الواحد في كثير من الأحيان.

ما يدفعنا إلى هذا الحديث اليوم إصرار بعض العاملين في ميدان الحوار على إيجاد أو ابتداع شعائر وطقوس دينية مشتركة بين المسلمين والمسيحيين، كمثل ما حدث في لبنان في كنيسة سيدة الجمهور يوم الخميس 25/3/[[2010]م، لمناسبة عيد بشارة السيدة مريم الذي أقرّته الحكومة مؤخراً، متجاهلين - بقصد أو بغير قصد – أن الدخول في مثل هذا المسار سيحرف الحوار الإسلامي المسيحي عن طريقه الصحيح، وسيودي به إلى فشل محقق، فضلاً عن أنه سيفتح المجال واسعاً أمام المتشدّدين الذين لا يؤمنون بجدوى الحوار من كلا الطرفين، للطعن فيه وفي مصداقيّته وأهدافه، وسيجعل من هؤلاء أقوى حجة وأعلى صوتاً في مواجهة المؤمنين بجدوى الحوار وضرورة استمراره وتقدمه.

إننا إذ ننتقد ما حدث فمن باب الحفاظ على ديننا الذي هو أغلى ما نملك والذي نعتبره أساس عبورنا إلى أي حوار جدي، كذلك من باب الحفاظ على الحوار الحقيقي الذي لا يمكن أن يثمر ويستمر إلا إذا قام بين الملتزمين حقاً بدينهم وعقيدتهم، وبذلك يكون الحوار إسلامياً مسيحياً بحق، وليس حواراً علمانياً علمانياً.

إننا ننادي اليوم بصدق كل غيور على العيش المشترك وعلى الحوار البناء لمراجعة ما حدث، وخاصة المرجعيات الدينية وعلى رأسها دار الفتوى لبيان الموقف الشرعي بدون لبس أو مجاملة، لأن المجاملات في الدين والعقيدة لا يمكن أن تبني حواراً، وهي لا تعدو إن تكون كذباً ونفاقاً على الطرف الآخر، وديننا يمنعنا أن نكذب على أحد.

المصدر