المترفون في المدينة
كفر الشيخ اون لاين | خاص
ربما يتحرك المشهد المصري في المرحلة المقبلة على أنغام الصراع الأزلي بين الطبقة البرجوازية وطبقة البروليتاريا، فاشتداد حالات الفقر ستكون بمثابة الوقود الجاف الذي ما أن تطاله شرارة الثورة المتقدة حتى تشتعل منطقة الشرق الأوسط بكاملها ومع كل دولة ستجد أنواعا وأنواعا من الوقود الذي ينتظر منذ فترة طويلة امتداد اللهب إليه ، وتحاول الدول الغنية تبريد التفاعل الحراري الذي سينتج تلك الشرارة بأموال النفط الذي أثرت على أسعاره الأزمة السياسية بين روسيا وأوكرانيا فلم يعد في الإمكان أكثر مما كان خاصة بالنسبة المملكة العربية السعودية التي شهدت ميزانيتها عجزا للمرة الأولي منذ فترة طويلة .
المترفون لفظ ورد في القرآن الكريم واشير إليهم على أنهم أول من يكذب الرسل ويقاومون التغيير الإقتصادي ويعادون قيم العدل والمساواة ، واشير إليهم على أن فسوقهم في الأرض مقدمة لإهلاك القري ، بينما كانت كناية بني اسرائيل في ميراثهم الأرض أنهم كانوا يستضعفون مشارقها ومغاربها ، وكانت منة الله عليهم وجعلهم أئمة وجعلهم الوارثين كونهم هم الذين استضعفوا في الارض ، وهنا نجد ضالتنا نحن المسلمون فلا نبتأس لكثرة تداول أحاديث الإبادة والإضطهاد فالله سبحانه مع المؤمنين المستضعفين يؤازرهم بالنصر وباهلاك عدوهم حال استمساكهم بعقيدتهم وصبرهم بالضوابط الشرعية .
بحسابات الأرقام لا تثير المسائل السياسية اهتمام أكثر من خمسة بالمائة من اغلب الشعوب ومنها الشعب الأمريكي ، ولا يتفاعل سياسيا مع الأحداث إلا ربما واحد فقط من تلك الخمسة فيكون لديه الإستعداد للمعارضة والمواجهة والثورة إن لزم الأمر ، أما المسائل الإقتصادية فإنها تثير من لا ثورة فيه وتستنفر الخاملين كلما اعوزتهم الحاجات الإنسانية ( المتعددة والمتجددة والمتزايدة ) كما تقول نظريات ندرة الموارد الإقتصادية وكلما زاد الضغط الإقتصادي كلما نطق الصامتون وقام المتكئون على جنوبهم مطالبة واعتراضا .
المعركة الآن في مصر في جزئها الظاهر معركة المترفين والفقراء بينما هى في جزئها الغاطس هجوم صليبي على بلاد الإسلام ، وإذا كان الجزء الثاني هو الرأس المدبر فإن الجزء الأول هو سلاح المعركة ووقودها ، يشعر كل المترفين في مصر الآن أن ما حصلوا عليه من مزايا مالية وأدبية لم يكن مستحقا وأن هناك من يلاحقهم لينزع عنهم لباسهم المسروق ، تجد ذلك جليا في مرافق القضاء والشرطة كونهما يتعاملان الآن تحت الاضواء ولكن الحقيقة أن كل مرافق الدولة وقطاعيها العام والخاص تحوي تلك النماذج ويراجع هؤلاء أوراقهم وكلما تبين لهم نقص استشعروا الخطورة القادمة من العدالة الثورية .
ان جذوة الحرمان التي أشعلت ثورة يناير قد خفت قليلا بعد زيادات رواتب الموظفين التي أعقبت الثورة وكذا تعيين ما يقرب على مليون عاطل ، وخلال الأربع سنوات التي تلت الثورة ضمرت تلك المزايا وابتذلت مع الوقت وأصبحت المطالب الجديدة أكثر الحاحا والإلتزامات المستحدثة تجعل كل من استفاد من تلك الزيادات في نفس الموقف الذي كان قبل حصولها ، ومع انخفاض اسعار النفط تتوقف معونات الخليج ومن قبلها توقفت كل مظاهر الحياة الإقتصادية في مصر واغلقت المصانع والشركات وعاد الفلاحون للمربع صفر من ضيق الأراضي وضعف الإنتاج وبدائية وسائل التسويق ، ومع كل ذلك فإن المترفين لا يتنازلون أبدا عن حصة من النهب والإستغلال يفترضون أنها قابلة للزيادة كونها استثمار اقتصادي طبيعي وثمن عادل لوقتهم الثمين الذي اقتطعوه من سهرات المجون وتعاطي المخدرات والخمور ، ورغم أن الطبقة الكادحة قد استجابت للخداع البصري والسمعى الذي أوهمها أن ثمة رخاء قريب وأن الطبعة الجديدة لنظام مبارك ستكون مزيدة ومنقحة ، واستئناسا بالإستقرار وخوفا من البطش والأذي استجاب كثير من الكادحين لخطة وأد ثورة يناير ظانين أنهم يحسنون صنعا ، وقد كان للوقت فضل انهاء حالة زواج المتعة بين السلطة الإنقلابية وبين جل الكادحين بدءا بالباعة الجائلين وانتهاء بركاب المترو والواقفين على منافذ بيع الخبز.
إن أجواء ثورة يناير الأولي قد استجمعت مفرداتها من جديد ولا أغالي إن قلت أن الوقت والكوادر الآن أقوى كثيرا ، فليس بيننا اليوم " برادعى " يحدثنا عن اسطبل عنتر ولا حمدين " يزعط " على صوته وليس معنا الشيخ حسان مغمى عليه أو " مركب محلول " ، إن خروج الكادحين لمطالبة المترفين بحقوقهم اليوم هو أفضل خطاب ثوري يمكن تبنيه والوقت كاف ولتكن ككل الثورات الناجحة ثورة على الفقر والمرض و نهب الإنسان لأخيه الإنسان .
المصدر
- مقال:المترفون في المدينةموقع:كفر الشيخ أون لاين