المبادرة العربية في قراءة فلسطينية

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
المبادرة العربية في قراءة فلسطينية


تكبير


بقلم : معتصم حمادة

إن تأييد الشعب الفلسطيني للمبادرة العربية لا يعني التنازل عن حق م. ت. ف. في تمثيل الشعب الفلسطيني والتفاوض باسمه.

وإن حدود الموقف التفاوضي الفلسطيني تبقى تتجسد في وثيقتي القاهرة والوفاق الوطني اللتين رسمتا أهداف النضال الفلسطيني، وعلى المبادرة العربية أن تأخذ هذه الأمور باعتبارها.

انبرت أقلام كثيرة للترحيب بقمة الرياض العربية وبنتائجها، حتى أن البعض ذهب في ترحيبه إلى حد اعتبار أن كل ما جاء عن القمة هو خير في خير، لا يستحق إلا المديح.

بالمقابل انبرت أقلام فلسطينية لتذم القمة، من موقع اليقين أن ما من خير قد يأتي من قمة عربية رسمية، وأن الأنظمة القائمة باتت أعجز من أن تستنهض مرة أخرى هممها في مواجهة الاستحقاقات والتحديات على الصعيدين الإقليمي والدولي، فضلاً عن الصعيد المحلي.

ونعتقد أن الموقفين تعاملا مع القمة تعاملاً خاطئاً.

فليس كل ما جاءت به القمة كان خيراً، بل لقد شاب أعمالها نواقص، من الضروري أن تتم الإشارة إليها بشجاعة ووضوح، ووضع النقاط على الحروف.

وإلا فقدت مثل هذه الأقلام مبرر وجودها، وتحولت من أقلام ذات فعل وتأثير إلى مباخر في معابد الخضوع والتذلل.

وليس كل ما صدر عن القمة كان سلباً.

ففي القمة إيجابيات لابد من الإشارة إليها، وتسليط الضوء عليها. وإلا سقطت مثل هذه الأقلام في فخ التشاؤم والعبثية والعدمية واللامبالاة.

والطريقان لا يقودان سوى إلى الهلاك.

وإذا كانت القمة هدفت ـ من ضمن ما هدفت إليه ـ إلى إعادة إحياء المبادرة العربية للسلام، فمن الواجب التذكير، أن القضية الفلسطينية هي محور السلام في المنطقة، كما هي محور الحرب. وبالتالي لا يستطيع العرب الذهاب إلى السلام من دون الفلسطينيين، كما لا يستطيعون الذهاب إلى الحرب ـ إذا ما فكروا يوماً بالذهاب إلى الحرب ـ من دون الفلسطينيين أيضاً.

لذلك لا يمكن الحديث عن مبادرة السلام العربية، وتجاهل الفلسطينيين في الوقت نفسه. فنقطة الانطلاق هي القضية الفلسطينية. ونقطة الوصول هي القضية الفلسطينية.

وبالتالي إذا كان مطلوباً حقاً، تفعيل المبادرة العربية للسلام، فلابد، في السياق، وأولاً، وقبل كل شيء، أخذ القضايا التالية بعين الاعتبار:

‌‌ لا يصح الحديث عن خيار السلام العربي، في الوقت الذي مازالت فيه الحالة الفلسطينية، تعيش خلف أسوار الحصار المفروض عليها منذ أكثر من سنة.

وهي سنة طالت أكثر من اللازم، بفعل ما حملته إلى الفلسطينيين من جوع وفقر، ومرض، وعدوان إسرائيلي لم يتوقف، واقتتال بين حركتي فتح وحماس.

والحصار، للأسف، لم يكن إسرائيلياً فقط، ولا أميركياً فقط.

ولا أوروبياً بل كان، إلى جانب هذا كله، حصاراً عربياً التزمت به الأنظمة العربية، كما التزم به الآخرون الذين لا تربطهم بالقضية الفلسطينية واجبات قومية ودينية وأخلاقية وأخوية.

حتى أن القرارات التي اتخذت في بعض المجالس الوزارية العربية، بدعم من السلطة الفلسطينية وحكومتها، بقيت مجرد حبر على ورق.

كذلك بقيت حبراً على ورق، تلك الوعود بدعم السلطة بملايين الدولارات.

ومن يطلع على الوضع المالي للسلطة الفلسطينية يتأكد له أن معظم الوعود التي أطلقت من على الفضائيات وعلى لسان مسؤولين عرباً وإسلاميين وغيرهم بقيت مجرد تصريحات للاستهلاك السياسي والشعبي، لم ترَ النور حتى الآن.

وبالتالي فإن الخطوة الأولى نحو السلام، لا تكون في مخاطبة تل أبيب ـ مباشرة أو مواربة، ولا البيت الأبيض، ولا أياً من أطراف اللجنة الرباعية.

الخطوة الأولى هي قرار عربي جريء بكسر كل حلقات الحصار. بحيث تتدفق مرة أخرى، على مناطق السلطة التبرعات وأموال الأطراف المانحة، كما تأخذ قرارات القمم والمجالس الوزارية العربية، ذات الصلة بالدعم المالي، طريقها نحو التطبيق.

وإن أي حديث عن السلام، في ظل حالة فلسطينية أنهكها الحصار والجوع، ما هو إلا استعداد للتنازل.

إن من شروط الصمود العربي أن تتوفر شروط الصمود الفلسطيني.

ولضمان الصمود الفلسطيني لابد من كسر الحصار.

لذلك، نعتقد أن على الأطراف العربية المعنية قبل التوجه إلى هذه العاصمة العربية أو تلك، أن تعلن بشكل واضح عدم اعترافها بالحصار المفروض على الفلسطينيين.

وبناء عليه، تبدأ بمد يد العون المالي، دون استدراك أو تخوف من ردود فعل أميركية وإسرائيلية مضادة.

هذا أولاً.

ثانياً: لا يصح الحديث عن السلام، وعن مبادرة عربية للسلام، في الوقت الذي تلعب فيه اللجنة الرباعية (الدولية) دوراً رئيسياً في فرض الحصار على الجانب الفلسطيني. ويفترض، بعد أن بات بيد العرب <<مبادرة السلام>>، أعيد إحياؤها في القمة الأخيرة، عدم الاعتراف باشتراطات اللجنة الرباعية لفك الحصار عن الحالة الفلسطينية.

فالمسافة كبيرة، وكبيرة جداً، بين المبادرة العربية وبين اشتراطات اللجنة الرباعية.

المبادرة العربية تنطلق من قرارات الشرعية الدولية الداعية إلى الانسحاب الإسرائيلي الكامل من الأراضي العربية المحتلة، والداعية إلى قيام دولة فلسطينية كاملة السيادة، وعاصمتها القدس الشرقية، وقابلة للحياة، بحدود الرابع من حزيران (يونيو)، والداعية إلى تطبيق القرار 194 الذي كفل حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم وممتلكاتهم التي هجروا منها، منذ العام 1948.

مقابل هذا، تبدي الحالة العربية الاستعداد لتطبيع العلاقات مع إسرائيل.

أما اشتراطات اللجنة الرباعية، فتتجاوز قرارات الشرعية الدولية، لتفرض على الجانب الفلسطيني الشروط الإسرائيلية مسبقاً، وقبل أن تنطلق أية عملية تفاوضية.

ومن البديهي القول إن اشتراطات اللجنة العربية تنسف أسس المبادرة العربية وتلغي ضرورة وجودها.

فما قيمة المفاوضات بعد الاعتراف المسبق بإسرائيل (وتطبيع العلاقات معها) والرضوخ للاتفاقات المختلة لصالح الاحتلال، والتخلي عن كل عناصر القوة باليد الفلسطينية، إن من شروط توفير الظروف كي تقلع المبادرة العربية، هو أن تتخذ الأطراف العربية موقفاً موحداً، يدعو إلى تجاوز اشتراطات اللجنة الرباعية، وإسقاطها من الحساب، ومن أية عملية سياسية في المنطقة. لا تعايش بين المبادرة العربية وبين اشتراطات اللجنة الرباعية.

وإن أي صمت عربي عن اشتراطات الرباعية، بعد الآن، هو في حقيقته، إفراغ للمبادرة العربية من عناصرها، وتجويفها، وتحويلها إلى إطار بلا حدود، يتم استغلاله في خدمة الرؤيتين الإسرائيلية والأميركية.