المؤمنُ للمؤمنِ كالبُنْيان

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
المؤمنُ للمؤمنِ كالبُنْيان


بقلم: الشيخ نزيه مطرجي

المؤمنُ للمؤمنِ كالبُنْيان

المؤمنُ الصالح في الخُلق والطَّبْع كالنَّخلة في الخير والنفع، كما بيّن سيّد الخَلق صلى الله عليه وسلم في قوله: «إن من الشَّجر شجرةً لا يسقُط ورَقُها، وهي مثل المسلم... إنها النَّخلة» متفق عليه، فالنخلة تنفع ولا تَضرّ، وتُحسن ولا تُسيء، وتعطي ولا تأخذ, وهي وارفةُ الظلّ، طيّبة الثّمر، ممدودة الخير، موصولة النّفع، منذ أن تغرس إلى أن تَيْبس.

وكذلك المسلم الصالح خيرٌ كلُّه، لنفسه وأهله، ولمجتمعه وأمته، وللناس عامّة! كما أن نفعه وعطاءه يجاوز حياته، ويمتد إلى ما بعد مماته، بما يترك من بعدِه من علم نافع، أو عمل صالح، أو هَدْيٍ راشد، أو سُنّة حسنة، أو صَدقة جارية له أجرُها وأجر من عمل بها من بعده إلى يوم القيامة.

فإذا جُبل كل مؤمن على طبع حميد، وتخلَّق بخُلق سديد، بلغ المجتمعُ بذلك المَهْيَعَ الرَّشيد!

إن الله تعالى وصف المنافقين والمنافقات بقوله: {والمُنافقونَ والمُنافقاتُ بَعْضُهم مِنْ بعضٍ يَأْمُرون بِالمُنْكَر وَيَنْهَوْنَ عَنِ المَعْروف وَيَقْبضونَ أَيْديَهُمْ...} التوبة-67, فهم كأنهم نفس واحدة في اجتماعهم على الأمر بالمنكر، والنهي عن المعروف، وفي اتفاقهم على الشُحّ المُطاع، والهوى المتَّبَع، والإعراض عن الإنفاق في سبيل الخلاّق, فهم يَقْبضون أيديَهم خشيةَ الإمْلاق, إذا دُعوا إلى بذل المال لوجه ذي الجلال، وإعانة ذوي العيال غصَّت حُلوقهم، وشَرَقوا بريقهم، فلا يقومون للبذل لا كما يقوم الذي يتخبَّطُه الشَّيطان من المَسّ!..

وجاء في وصف المؤمنين قولُ الله تعالى: {والمُؤمنونَ والمؤمنات بعضُهم أَولياءُ بَعضٍ يَأْمرون بالمَعْروفِ وَيَنْهَوْن عَن المُنْكَر ويُطيعونَ اللهَ ورَسولَه.. أولئك سَيَرْحَمُهُم اللهُ إنّ اللهَ عزيزٌ حكيمٌ} التوبة-71.

إن المؤمنين هم أَوْلى الخلق بالتآلف والتعاطف، والتعاون والتراحم، والتواصل والتكافل. وهم مأمورون بنص كتاب الله بالتعاون، وليسوا مخيَّرين، ولا سلطةَ تُخوِّلهم التحرّر من هذه العِهدة الربّانيّة. إن النص القرآني الكريم لم يدلّ فقط على جواز التعاون واستحبابه، بل دلّ على الأمر به ووجوبه كما جاء في قول الله تعالى: {وَتَعاوَنوا على البِرِّ والتَّقوى ولا تَعاوَنوا على الإِثْمِ والعُدْوانِ} المائدة-2.

لقد عرض كتاب الله سبحانه وتعالى صوراً تعاونيّة هامّة توكّد في نفوس المؤمنين أن الحياة لا تنتظم ولا تستقرّ إلا بالتعاون: فذو القَرْنين الذي مكَّن اللهُ له في الأرض، وآتاه من كل شيءٍ سَبباً، قال لقومه الذين شَكَوْا إليه بَطش يَأْجوج ومَأجوج وإفسادَهم في الأرض: {قالَ مَا مَكَّنِّي فيه رَبِّي خَيْرٌ فَأَعينوني بقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُم وبَيْنَهُم رَدْماً} الكهف-95، وبهذا التعاون أقام لهم سَدّاً منيعاً لا يستطيع أعداؤهم أن يَعْتلوه، ولا أن يَنْقُبوه!

وموسى عليه السلام النبيّ المؤيّد سأل ربَّه أن يحقّق له القوة عن طريق التعاون حتى يستطيع أن يؤدِّي الرسالة بمزيد من القوة فقال: {واجْعَلْ لي وَزيراً من أهلي هارون أَخي. أُشْدُد بِهِ أَزْري، وأشْرِكْهُ في أَمْري} طه-29-30.

وفي السنّة النبويّة المطهَّرة صور ووقائع لا حصر لها من التعاون بين الصحابة الكرام، أَعدّها رسول الله صلى الله عليه وسلم وخطَّط لها مثل خُطة أحداث الهجرة النبويّة، وبناء مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة المنوّرة، وحفر الخندق في غزوة الأحزاب، والتناوب على الرُّكوب في غزوة بدر الكبرى، والتعاون على تحضير الطعام وجمع الحطب في السفر..

إن أقوى عامل على تحقيق قوّة جماعة من الناس، وبلوغها المجد والشرف، هو اجتماع القلوب واتحاد الكلمة، والتعاون على البرّ والتقوى، وفي ذلك يقول نبيّ الهدى والرحمة صلى الله عليه وسلم: «المؤمنُ للمؤمن كالبُنيان يشدُّ بعضُه بعضاً» متفق عليه.

إن كل فرد في جماعة تلتقي على الله لخير البلاد والعباد يجب أن يدرك أن سائقَ المنفعة العامة يدعوه إلى الإيمان بوحدة القلوب على الله، والتعاون على البرّ والتقوى.

قال عَلْقَمَة لصاحبه: وكيف يتحقق التعاون وهو ليس بالأمر المضمون، ولا يُفرَض بسلطة النظام ولا بنصوص القانون؟

قال مَيْسرة: إن أكمل مراتب التعاون أن يندفع المرء في هذا الأمر راضياً مختاراً، وهو غير آملٍ لنفسه فائدة، ولا راجٍ منه عائدة، بل ينطلق إليه لأنه فضيلة في ذاته، مَحْمدة في مِثاله، مرضاة لمولاه خالِقه.

المصدر