المؤتمر الدولي .. مؤشرات أولية
بقلم : طلال عوكل
فيما تشكو جميع الأطراف من صعوبة التوصل إلى وثيقة إطار بين الفلسطينيين والإسرائيليين، تطمئن الذاهبين إلى مؤتمر أنابوليس، بما في ذلك وأساساً الطرف الفلسطيني الذي ظل على مدار الوقت على اتصال تفاوضي مع الجانب الإسرائيلي ومع الولايات المتحدة، وبقية الأطراف الدولية ذات الاهتمام، كان الناطق باسم الخارجية الأميركية شون ماكورماك يصر على انعقاد المؤتمر ونجاحه، وأيضاً نجاح الطرفين في التوصل إلى وثيقة قبل انعقاده.
الإسرائيليون لم يكونوا خارج إطار التفاؤل الحذر، حتى حين كان يخرج رئيس دائرة المفاوضات في منظمة التحرير الدكتور صائب عريقات، أو رئيس الوفد المفاوض أحمد قريع إلى الصحافيين بعد لقاءات القمة الإسرائيلية والفلسطينية، ليقدم لهم حصيلة باهتة عن مفاوضات جد صعبة وعن مدى اتساع الهوة التي تفصل بين مواقف الطرفين.
قبل الأسبوع الأخير عن موعد انعقاد المؤتمر، لم تكن حكومة إسرائيل قد قدمت شيئاً يبعث على التفاؤل، حتى حين وافقت الأطراف الثلاثة بحضور وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس خلال جولتها الأخيرة قبل نحو ثلاثة أسابيع، على البدء بتنفيذ الالتزامات المترتبة على كل من الفلسطينيين والإسرائيليين والمنصوص عليها في المرحلة الأولى من خارطة الطريق،
إذ واصل الفلسطينيون تنفيذ ما عليهم دون أن تقدم إسرائيل أية خطوة، على العكس من ذلك صعدت إسرائيل من شروطها التعجيزية، حين اقترح إيهود أولمرت شرط اعتراف الفلسطينيين مسبقاً بالطابع اليهودي لدولة إسرائيل فضلاً عن مناقشة الكنيست الإسرائيلي مشروع قرار يمنع تقديم أي تنازلات في القدس ويسمح باستمرار الحفريات تحت المسجد الأقصى بحثاً عن الهيكل المزعوم وهي شروط لا يمكن للفلسطينيين قبولها بأي حال.
إزاء الشرط الإسرائيلي الجديد لم تنبس الإدارة الأميركية ببنت شفة، فلقد استند أولمرت في مطلبه إلى وثيقة الضمانات التي قدمها الرئيس بوش لشارون في الرابع عشر من ابريل 2004، مع العلم أن إدارة بوش تدرك أن تقديم هذا الشرط من شأنه أن يؤدي إلى إفشال المفاوضات،
ذلك أن قبوله ينطوي على كارثة بالنسبة للفلسطينيين الذين يتمسكون بحق عودة اللاجئين فكيف بهم يقبلون، تهجير نحو مليون وربع المليون فلسطيني ظلوا متمسكين بأرضهم التي احتلتها إسرائيل منذ عام 1948، وأقامت عليها دولتها؟
الصمت الأميركي إزاء الشرط الإسرائيلي لا يعني أن الإدارة الأميركية ترفضه، وهي تستخدمه مقابل الإصرار الفلسطيني على حق عودة اللاجئين بهدف المقايضة، أو تسليم الفلسطينيين والعرب، بضرورة التخلي عن شرط حق العودة، باعتباره أصعب وأخطر العقبات أمام تحقيق عملية السلام ذلك أن إسرائيل ترى في قبوله وتنفيذه، سبيلاً لتدمير إسرائيل.
الأسبوع الأخير قبل انعقاد المؤتمر، تجري تكثيف التحركات واللقاءات، إلى حد يكفي بإنجاز أكبر عملية سلام، أو اتخاذ أصعب القرارات بشن حروب، غير أن كل تلك التحركات واللقاءات لم تثمر عن الكثير في واقع الأمر.
وإذ كان على كوندوليزا رايس أن تزور المنطقة للمرة الأخيرة قبل المؤتمر حسب إعلان سابق، فقد فضلت البقاء في واشنطن، تتابع من هناك وعبر الاتصالات والوكلاء ما كان عليها أن تفعله بنفسها، فقد زار إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة، كل من وزير الخارجية البريطاني،
ميليباند، ووزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير، دون وقت يفصل بين الزيارتين، ليكملا العمل، وربما لكي يضعا الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي أمام ضغوط دولية أوسع من التحرك الأميركي.
على أثر هذه التحركات وخلال الأيام الأخيرة، أعلنت الحكومة الإسرائيلية عن التزامها بتجميد الاستيطان، وإزالة بؤر استيطانية عشوائية وعدد من الحواجز، وقررت الإفراج من طرف واحد عن نحو أربعمئة وأربعين أسيراً فلسطينياً، لكنها رفضت تشكيل لجنة ثلاثية للإشراف على مدى الالتزام فيما كرر أولمرت وعده بإنجاز عملية سلام خلال عام 2008.
الخطوات الإسرائيلية المجزوءة، رغم أهميتها لم تكن كافية لإنجاح القمة الأخيرة التي جمعت الرئيس محمود عباس إلى إيهود أولمرت في القدس يوم الاثنين الماضي، غير أن الطرفين اتفقا على أن تكثف الفرق التفاوضية من عملها لإنجاز وثيقة اتفاق، تصر الإدارة الأميركية على ضرورة وإمكانية إنجازها.
وخلال الأسبوع الأخير قام إيهود أولمرت بزيارة غير مقررة مسبقاً إلى شرم الشيخ للقاء الرئيس المصري حسني مبارك، مراهناً على دور يلعبه مبارك في تخفيف مطالب الفلسطينيين وتخفيض المطالب العربية
فيما يراهن الفلسطينيون على أن يلعب دوراً في تخفيف التعنت الإسرائيلي وخلال الأسبوع الأخير قبل المؤتمر، جرى لقاء ثلاثي في إسرائيل إيهود براك، ومبعوث الرباعية الدولية توني بلير، جرى خلاله الاتفاق على إطلاق أربعة مشاريع اقتصادية كبيرة في عدد من المدن الفلسطينية بتمويل دولي.
في الإطار العربي يلاحظ البيان المشترك الأردني السوري الذي صدر نتيجة زيارة قصيرة قام بها فجأة إلى سوريا الملك عبد الله بن الحسين ، وكان إشارة واضحة نحو تذليل العقبات من الجانب العربي، يسبق اجتماع لجنة المتابعة العربية في القاهرة يوم أمس الجمعة،
والذي سيحدد إطار الموقف في ضوء إجمالي وحصيلة التحركات التي وقعت خلال الأشهر الماضية، خصوصاً وأن كل دول لجنة المتابعة العربية مدعوة لحضور المؤتمر، دون أن يبدي أي منها امتناعاً عن الحضور.
في الواقع يبدو الموقف الفلسطيني العربي مرتاحاً إلى حد كبير، فلقد نجحت إسرائيل في إقناع المجتمع الدولي، بأنها المسؤولة عن تعثر المفاوضات، وستكون المسؤولة في حال فشل المؤتمر، ذلك أن المطالب الفلسطينية والعربية لم تتجاوز ما هو مقبول مسبقاً على المستوى الدولي بما في ذلك المبادرة العربية، التي ترى فيها الإدارة الأميركية والاتحاد الأوروبي عنصراً إيجابياً.
ويبدو من خلال المؤشرات والوقائع التي تسبق المؤتمر أن ما سينتج عن كل هذا الجهد يصب في الاتجاه التالي:
أولاً: اعتماد خارطة الطريق كآلية مفصلة لحركة الأطراف، يجري الالتزام بها وتنفيذها مع إشراف ومساهمات من قبل الرباعية الدولية، عن كثب، فيما تكون خارطة الطريق المرجعية الأساسية للمفاوضات اللاحقة، لكونها تنتهي برؤية الدولتين للرئيس جورش بوش، ولكن بدون إهمال أو تجاهل المبادرة العربية كهدف بعيد لمظلة العملية السلمية.
ثانياً: تعتبر المراحل الأولى من خارطة الطريق، قبل الوصول إلى الدولة، مرحلة انتقالية لتعيد بناء الثقة بين الطرفين من ناحية، ويتم من خلالها إعادة تأهيل وبناء الأوضاع الاقتصادية، والمؤسسية والأمنية للسلطة، ومعالجة الانقسام الواقع بين الفلسطينيين، لتنتهي مع انتهاء المفاوضات الثنائية بالتوصل خلال عام أو أكثر لقيام دولة فلسطينية،
وهذا ما يفسر الوعود الدولية الكبيرة بتمويل الخطة التنموية الثلاثية التي وضعتها حكومة الدكتور فياض، وحيث ستدعو فرنسا إلى مؤتمر دولي للمانحين في باريس قبل نهاية هذا العام، فضلاً عن الدعم المادي والمعنوي لخطة الحكومة الفلسطينية في مجال الأمن، وإعادة بناء المقرات الأمنية وهيكلة الأجهزة الأمنية الفلسطينية التي بدأت بنجاح تطبيق خطة أمنية في نابلس أكثر المدن الفلسطينية معاناة من الفوضى والانفلات الأمني.
ثالثاً: إزاء التطلع الإسرائيلي، لتحريك عملية التطبيع العربي الإسرائيلي، فإن التحفظات العربية يمكن أن ترفع تدريجياً، مقابل تقدم إسرائيل باتجاه تنفيذ ما يتم الاتفاق عليه، وصولاً إلى تطبيع كامل، عند التوقيع على اتفاقية سلام شاملة.
رابعاً: من المرجح أن تتزامن عملية التفاوض والعمل على المسار الفلسطيني الإسرائيلي مع إطلاق مفاوضات إسرائيلية سورية، واستمرار الجهد الدولي لترتيب الأوضاع اللبنانية، وصولاً لمعالجة منطقة شبعا المحتلة.
إذا كان هذا ما يجري العمل لتحقيقه، فإن تباين التقييم لمدى نجاح المؤتمر أو فشله سيعتمد على معيار كل طرف، لكن على الجميع أن يقيم حساباته انطلاقاً من أن عملية إعلامية ضخمة في العالم ستعمل لتسويق وتبرير نتائج المؤتمر أياً كانت
المصدر
- مقال:المؤتمر الدولي .. مؤشرات أوليةالمركز الفلسطينى للتوثيق والمعلومات