اللواء عادل سليمان يكتب : الشعب يريد إزالة آثار العدوان

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
اللواء عادل سليمان يكتب : الشعب يريد إزالة آثار العدوان


(6/11/2015)

اللواء عادل سليمان

لن نستعيد وقائع ما جرى في تلك الأيام الحزينة من يونيو/حزيران 1967، على جبهات كل دول الطوق مع العدو الإسرائيلي، مصر وسورية وفلسطين والأردن ولبنان، لأن وقائع الحرب التي شنها العدو صباح الخامس من يونيو، والتي لم تتوقف إلا باحتلال كامل الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس، وشبه جزيرة سيناء حتى الضفة الشرقية لقناة السويس، وهضبة الجولان السورية، ومزارع شبعا في جنوب لبنان.

وتفاصيل العمليات العسكرية وما ترتب عليها موثقة ومحفوظة ومنشورة، بكل الوسائل المقروءة والمسموعة والمرئية، والنتائج المادية يجسدها واقع الحال على الأرض.

ولكن، ما علينا أن نسترجعه هو ما الذي جرى؟ وما الذي كان؟ بعد الهزيمة التي خلّفت شعوراً عميقا بالهوان، لم ينج منه إنسان! بعد أن تمت تسميتها النكسة و"مؤامرة" العدوان.

كان لا بد لنظم الحكم في الدول العربية أن تتحرك بسرعة لاحتواء صدمة الشعوب، قبل أن تستوعب حجم الكارثة، فيقع منها ما لا يُحمد عقباه، بالنسبة لتلك النظم وقادتها من أصحاب الجلالة والفخامة والسمو، فكانت الفكرة العبقرية هي مؤتمرات القمة وحروب الشعارات، بديلة عن حروب الدبابات.

وجاءت البداية سريعة، مؤتمر قمة الخرطوم من 28 أغسطس/آب إلى 1 سبتمبر/أيلول 1967، وكان أهم ما تمخض عنه ذلك المؤتمر على أرض الواقع المصالحة المصرية - السعودية بشأن الصراع في اليمن.

أما في مجال "الشعارات"، فقد هزت وجدان الشعوب العربية، حيث ركزت على ثلاثة محاور: الأول أن الهدف الرئيسي للأمة العربية هو إزالة آثار العدوان، باعتبار أن الأراضي التي تم احتلالها هي أراضٍ عربية، وعبء استردادها يقع على كل الدول العربية.

والثاني، أنه لا صلح ولا اعتراف ولا تفاوض مع العدو الإسرائيلي، ما اشتهر باللاءات الثلاث، والتي ترجمها جمال عبدالناصر بعد ذلك إلى ما أُخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة، أي أن الطريق الوحيد لإزالة آثار العدوان هي الحرب.

والثالث، لأن الأمة كلها غير مشتبكة مع العدو الإسرائيلي، فإنه على القادرين، والبعيدين عن خطوط المواجهة، أن يقدموا الدعم لمن سيقع عليهم عبء الحرب مباشرة، والتي سميت وقتها دول المواجهة: مصر وسورية والأردن، وتقرر أن يتم دعمها من الدول القادرة ماديا: المملكة العربية السعودية (50 مليون دولار)، دولة الكويت (55 مليون دولار)، المملكة الليبية (30 مليون دولار)، وذلك سنوياً، على أن تدفع على أقساط كل ثلاثة أشهر.

وقد صاحبت ذلك المؤتمر ضجة إعلامية هائلة، وعاد منه القادة إلى عواصمهم مزهوين بما أنجزوه، تُحيط بهم جماهيرهم في استقبالات شعبية حاشدة، وانتظرت الأمة إزالة آثار العدوان.

"بعد 48 عاما من "العدوان"، ومن مؤتمر قمة الخرطوم الذي التزم فيه أصحاب الجلالة والفخامة والسمو، قادة الأمة، بإزالة آثار ذلك العدوان، والذي يجب أن يكون حاضراً لدى كل مواطن عربي هو: هل تمت إزالة آثار العدوان؟"

ومرت شهور وسنوات، وجرت في الأنهار العربية مياه كثيرة، كما أريقت على الأرض العربية دماء غزيرة، حتى جاءت لحظة السادس من أكتوبر/تشرين الأول 1973، وانطلقت المدافع عند الظهر، على جبهة قناة السويس المصرية، وجبهة الجولان السورية، بينما صمتت على جبهة الأردن.

ودارت الحرب على مسارح العمليات، حيث واجه المقاتل العربي في مصر وسورية عدوه بشجاعة، أسقط طائراته، دمر دباباته، أسر أفراده، واسترد الشعور بالكرامة التي افتقدها عقب هزيمة الخامس من يونيو/حزيران 1967، وهكذا أزال المقاتل العربي جزءاً من الآثار المعنوية للعدوان.

ولكن، وللأسف الشديد، رصيده نفد قبل أن يزيل الآثار المادية للعدوان، بتحرير الأرض المحتلة.

فعلى الجبهة المصرية، حرّر الشاطئ الشرقي لقناة السويس بعمق 10-15 كم داخل سيناء، وتمسك بها، بينما تمكن العدو من إحداث ثغرة في الدفاعات المصرية غرب القناة. وعلى الجبهة السورية، تراجعت القوات السورية إلى خلف خطوط يونيو 67، بينما بقيت الضفة الغربية والقدس وغزة وشبعا على حالها.

مرة أخرى، كان لا بد من العودة إلى دائرة مؤتمرات القمة، في ظل حالة البلبلة التي بدأت تسود الشارع العربي بعد وقف الحرب.

فهل ما جرى كان انتصاراً، كما تروج كل وسائل إعلام النظم العربية ليل نهار؟

وإذا كان كذلك، فلماذا لم تتم إزالة آثار العدوان، وهو الهدف الأسمى؟ واجه المقاتل العربي عدوه بشجاعة وصرعه في الميدان، لكن حجم الإنجاز المادي على الأرض لم يكن في مستوى ما قدمه ذلك المقاتل في المعركة؟

وجاء مؤتمر قمة الجزائر في نوفمبر/تشرين الثاني 1973، في أعقاب وقف إطلاق النار على جبهات القتال، وقد بدأ الحديث، وإن على استحياء، عن عملية سلام مرتقبة، وكانت أهم قرارات ذلك المؤتمر أنه يجب التمسك بشرطين، للسلام مع العدو الإسرائيلي: الانسحاب التام من كل الأراضي العربية المحتلة بعد 4 يونيو، حزيران 1967، واستعادة كامل الحق الفلسطيني، بالإضافة إلى ضرورة تعمير ما تم تخريبه نتيجة للحرب.

وكانت رسالة مؤتمر الجزائر من الملوك والرؤساء والأمراء العرب، أننا سائرون على طريق إزالة آثار العدوان، ثم جاء مؤتمر قمة الرباط في أكتوبر/تشرين الأول 1974، وشاركت فيه كل الدول العربية، وانتهى بقرارين مهمين، أن هدف الأمة العربية هو التحرير الكامل للأراضي العربية المحتلة بعد 4 يونيو 1967 والقدس، ومنظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني. أي أن الهدف القومي لا يزال هو إزالة آثار العدوان.

دارت الأيام، ومرت الأيام، وانعقدت مؤتمرات قمة، وانفضت مؤتمرات، وتبدل ملوك ورؤساء وأمراء، على مقاعد السلطة، وتوارى مصطلح إزالة آثار العدوان، ولم يعد أحد يستخدمه، وارتفعت شعارات بديلة، مثل السلام خيار استراتيجي، والذي تطور إلى طرح مبادرة سلام عربية، رفضها العدو الإسرائيلي بصلف.

وعلى الجانب الآخر، تم طرح شعار الصمود والتصدي، والذي تطور إلى المقاومة والممانعة.

وانتهى الأمر بانشغال الجميع بقضايا وأمور أخرى، بدءاً من الحرب على الإرهاب، وحتى نزاع اتحاد الكرة الفلسطيني مع اتحاد الكرة الإسرائيلي! ولا زالت الأرض العربية محتلة، وآثار العدوان مستمرة.

وفى آخر اجتماع لمؤتمر هيرتيسليا الصهيوني الشهير، الأحد الماضي، وقف وزير التعليم الإسرائيلي، نيفتالى بينيت، يطالب المجتمع الدولي بالاعتراف بضم الجولان إلى إسرائيل، ويدعو إلى تكثيف الاستيطان فيها، أي أنها لم تعد أرضاً محتلة.

والسؤال اليوم: بعد 48 عاما من "العدوان"، ومن مؤتمر قمة الخرطوم الذي التزم فيه أصحاب الجلالة والفخامة والسمو، قادة الأمة، بإزالة آثار ذلك العدوان، والذي يجب أن يكون حاضراً لدى كل مواطن عربي هو: هل تمت إزالة آثار العدوان؟ أم علينا اعتباره أمراً واقعاً نتعايش معه، ونكف عن التفكير في إزالته؟

وإذا كان الأمر كذلك، هل يمكننا تجاوز مصطلح العدو الإسرائيلي الذي لا يزال موجوداً في بعض أدبياتنا، ونكتفي باستخدام إسرائيل، أو الجار الإسرائيلي، كما يحلو لبعضهم؟ أم علينا أن نصرخ: الشعب يريد إزالة آثار العدوان؟

المصدر