الكويز وبيوتنا العربية في حوارٍ مع د. حسين شحاتة
أجرته: حفصة خيرت
"الكويز" و"التطبيع" كلمات لم تفهمها بعد كل الأسر المصرية، لكنها واقع سيواجهم لا مفرَّ منه بالرغم من كل الضغوط النفسية، فالشعب المصري لا يزال يُعاني من آثار اعتداءاتٍ وقعت عليه وعلى إخوانه المسلمين، فالحروب مستمرة في كل شبرٍ من أرض مسرى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لكنَّ الأسرة لم يعد لها الاختيار.
وقد يأتي اليوم وتجد الأم ابنها أو زوجها يصافح الخونة الفجار ليتدرب في العمل على أيديهم، وربما يسافر إلى بلادهم ويزاملهم، وربما يُعجَب بأحد نسائهم ويصير أخوال أحفادها مَن لم تكن تتوقع أبدًا، ومَن لا يصدق أنَّ ذلك ممكن، فالذي أجاز أن نعاهدهم في اقتصادنا يُجيز أن نزوجهم رجالنا!!
حول معنى هذه الاتفاقية وآثارها على بيوتنا المصرية، ودور الأم في مواجهتها، كان لنا هذا الحوار مع الدكتور حسين شحاتة أستاذ الاقتصاد الإسلامي والمحاسبة بجامعة الأزهر.
- الكويز مصطلح تردد أخيرًا، ولم تفهمه كل الأسر المصرية.. فما معنى هذا المصطلح؟
- كلمة كويز (QIZ) اختصار إنجليزي لعبارة "المناطق الصناعية المؤهلة" التي طرحها الكونجرس الأمريكي في عام 1996 م بهدف دعم السلام في منطقة الشرق الأوسط، وتدور هذه الاتفاقية حول تصدير بعض المنتجات المصرية التي تنتج في هذه المناطق للولايات المتحدة بشرط أن يستخدم في إنتاج هذه المنتجات خامات مستوردة من الصهاينة بمعدل لا يقل عن 8% ويصل إلى 17% ونسبة أخرى من المكونات الأمريكية قد تصل إلى 15%، وكل ذلك مقابل أن تدخل هذه الصادرات دون جمارك مما يخفض من ثمنها في السوق الأمريكي فيسهل شراؤها من قبل الأمريكيين.
- وهل يمثل ذلك فرصة عظيمة للاقتصاد المصري؟
- لقد حاولت مصر كثيرًا أن تتمتع بالإعفاء الجمركي، لكنَّ أمريكا دائمًا تبحث عن مصلحتها ولم توافق مطلقًا، وعندما حدث هذا الاتفاق كان الغرض الأساسي منه إرغام مصر والقطاع الخاص فيها على تطبيع العلاقات الاقتصادية مع الصهاينة، وظاهر هذه الاتفاقية مفيد للاقتصاد المصري، أما باطنها فلم يظهر بعد.
- وما فوائده الظاهرة؟
- إذا نظرنا إلى هذه الاتفاقية نظرة إيجابية سنجدها تُشجع على التصدير، وهذه إيجابية؛ لأنَّ مصر محتاجة إلى عملة أجنبية، كما تساعد في موازنة ميزان المدفوعات.
- كما أنها من المفترض أن تُنشط الصناعات التي سوف تصدر لأمريكا، وهذا بدوره فتح مجالاتٍ جديدة للعمل وتنشيط الصناعات، كما أن تسويق المنتج في منافسة المنتجات الأخرى، وكل هذه إيجابيات ظاهرة لا يوجد دليل رسمي على تحقيقها، وفي الغالب لن تتحقق.
- ولماذا؟
- لأنَّ الماضي يقول إنَّ حجم التجارة بيننا وبين أمريكا سيء، فكنا نستورد منها عشرة أضعاف ما نصدر لها، فقام بعض رجال الاقتصاد بتحليل السوق الأمريكي فوجد أنه يفضل منتجات الغرب مهما كانت حتى لو كان سعرها أعلى عن منتجات العرب؛ لأنهم يكرهون المسلمين، فحتى لو أرسلنا له بضاعتنا بسعر رمزي لن يقبل به الشعب الأمريكي.
- عرفنا إيجابياته الظاهرية ماذا عن سلبياته؟
- مخالفة شرعية، كما أنه إذلال وإذعان رجل الأعمال المصري للتعامل مع الأعداء، وإرغامه على التطبيع مع الصهاينة من أجل التصدير لأمريكا، كما أن من أقوى السلبيات أنه إذا لم تبع المنتجات المصرية في أمريكا، وهذا هو المتوقع سنكون اشترينا بالفعل من الصهاينة، فبذلك تكون الخسارة خسارتين.
- التطبيع الذي سيحدث للمشاركين، ولقد أكدت التقارير الصادرة من غرفة صناعة النسيج أن هذه بداية السيطرة الصهيونية على صناعة الغزل والنسيج المصرية العريقة، وأهم سلبية هي الألم النفسي الذي سيلحق بأسرة العامل في هذه المصانع التي دخلت هذه الاتفاقية.
- ذكرت أنَّ هناك مخالفةً شرعيةً من هذه الاتفاقية.. ما الدليل الشرعي على ذلك؟
- الدليل هو سورة التوبة آية (28) حينما قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾، وأيضًا الآية (24) ﴿قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾.
- كيف للأسرة المصرية أن تمتنع عن الدخول في هذه المنظومة رغم ظروف البطالة الشديدة من أجل عدم الوقوع في خلل شرعي؟
- من المنظور التحليلي لا نأمل نجاح هذه الاتفاقية، وبالتالي مردودها على مشكلة البطالة ضعيف هذا أول شيء، أما الأمر الآخر فهو أنَّ الألم النفسي وعدم البركة المصاحبة لمعصية الله أمر أكثر هدمًا لاستقرار الأسرة من البطالة.
- وما حل البطالة إذن؟
- حل البطالة ليس في عدة مصانع خسارتها أكبر من نفعها، وإنما حل البطالة العمل الجاد للعامل والإخلاص فيه وتوفير إمكانيات له من قبل الدولة، ﴿وَمَن يَتَقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا﴾ (الطلاق: من الآية 2).
- ولكن ليس هناك دليل أكيد على فشل هذه الاتفاقية في حل مشكلة البطالة؟
- نأخذ تجربة الأردن مع الكويز، فعلماء الاقتصاد ورجال الأعمال يقولون إنها لم تنجح إلا بنسبة 20%، ولم تحقق الآمال التي كانوا يصفقون لها، ولم يستفد منها إلا أنها زادتها فقرًا وتخلفًا، وكان المستفيد هم الصهاينة ولم تتمكن الأردن من بيع منتجاتها إلا القليل.
- كيف تتغلب الأسرة على التطبيع الناتج عن هذه الاتفاقية؟
- لقد أكدت الإحصائيات الإعلامية والعربية والإسلامية أنَّ مسألة التطبيع مسألة إيمانية أخلاقية في مشاعر كل عربي مهما أُغري بالماديات، فلقد فشلت جهود التطبيع ولم تنجح بالرغم من كل المحاولات؛ لأن الشعب المصري يفضل أن ينام جائعًا ولا يشتري سلعةً من الصهاينة، وأكبر دليل على ذلك نجاح المقاطعة بشكلٍ كبيرٍ في مصر.
- لكن بذلك سنقاطع حتى المنتج الوطني؟
- نحن سنقاطع مَن لا يُقاطع، وسؤدي هذا الأمر إلى فشل هؤلاء المشتركين في هذه الاتفاقية من بيع منتجاتهم داخل مصر.
- وماذا عن دور الأم في هذه المقاطعة المحلية؟
- يجب أولاً على الأم والزوجة والأخت أن تفهم فقه المقاطعة، فهو ضرورة شرعية، واختبار لقوة الإيمان، وكبح هوى النفس والوقوف بجانب إخواننا الفلسطينيين، وهي تدريب للنفس على الجهاد، وتربية لأولادنا على كراهية الصهاينة ومَن يدعمون الصهاينة.
- وهل ستنجح الأم والأسرة في ذلك؟
- لقد أثبتت الدراسة نجاح المقاطعة نجاحًا فعالاً، وكانت تطبق على مستوى الطفل والشاب والأسرة، وأوقعت أضرارًا نفسية ومادية على الصهاينة والأمريكان.
- ولقد وقفت ربة البيت موقفًا عظيمًا في مواجهة التطبيع فلا تُعطي أي اعتبار لجودة السلعة أو سعرها، وتسأل أولاً ما مصدر هذه السلعة فإن كانت من الصهاينة أو مَن يدعمهم لا تشتريها.
- وهل ستؤثر هذه المقاطعة على الاقتصاد المصري؟
- الذين يقولون لك إنما يريدون تثبيط المقاطعة، فلقد عاشت مصر أكثر من 50 عامًا، وما تأثر الاقتصاد في شيء، بالعكس تحمَّست لتطوير إنتاجنا، وامتص أضعاف العمال الذين كان يُعتقد تشريدهم، ومن يتق الله فسيغنِه من فضله.
- هل ستستطيع الأسرة بعد كل ذلك النجاة تمامًا من مخاطر الكويز؟
- إذا استمرت الأسرة في المقاطعة سواء للمنتجات الصهيونية أو المشترك فيها صهاينة أو مَن يدعونهم مهما تكن المغريات فسيحقق ذلك خسارةً كبيرةً لهذه الاتفاقية، وبالتالي ننجو جميعًا منها، فلا بد من مقاطعة مَن لا يقاطع، مقاطعته ماديًا ومعنويًا، أما إذا لم تحدث المقاطعة فسوف ينتشر الأمر وتكثر المشاريع المشاركة فيزداد بذلك التطبيع والآلام النفسية وغضب الله وعدم المباركة في الرزق.
- كلمة ونصيحة للأسرة المصرية.
- حقيقةً الأسرة المصرية فيها رجل الأعمال وصاحب المال وفيها العامل وفيها الأم.
- فلرجل الأعمال وصاحب الأموال أقول: فلتستثمر أموالك في منتجات لمصر حتى يكون خير المصريين للمصريين، وليس للصهاينة، وليكن تصديرك إلى الدول العربية وتخلص النية وتخشى محاسبة الله ولا تنخدع بما سيعود عليكم بمنحٍ وهباتٍ؛ فأمريكا لا تفكر إلا في نفسها.
- وإلى العمال في هذه المصانع أقول: أيها المصري المسلم ما أعز شيء عندك؟ ستقول: دمي وعرضي؛ لذلك أقول أضعف الإيمان أن الذي يدخل في اتفاقية الكويز والذي تعامل معها ويروج لها قد وقع في الشبهات ووقع في الحرام، ولن أقول إلا نص الآية القرآنية: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾ (التوبة: من الآية 28).
- وإلى الأم وربة الأسرة وصانعة الأجيال أقول: إذا أردت أن يبارك الله لكِ في دينك وعرضك وأولادك فلتقاطعي كل مَن لا يقاطع، ولتكبحي هوى النفس حتى لو تسلقت الجبال لتجمعي الأحجار وتضعيها على بطنك وبطن أولادك حتى لا تُطعموا من حرام، وأنت قادرة على ذلك، وتذكري أن الرازق دائمًا هو الله.
- وفي الختام..
- يقول مؤيدو هذه الاتفاقية الكويز إنها بداية لعلاقة مع الكيان الصهيوني كعلاقة السمن بالعسل، لكن فيما يبدو أنَّ الواقع سيحذف حرف النون فتصير سُمًّا في عسل.
المصدر
- مقال:الكويز وبيوتنا العربية في حوارٍ مع د. حسين شحاتةإخوان أون لاين