الكبار ماتوا.. لكن الصغار لم ينسوا
بقلم : معتصم حمادة
مع دخول النكبة عامها الستين، يكون عمر الذين ولدوا مع النكبة دخل الستين هو أيضاً.
وبموجب نظامها الداخلي، فإن وكالة الغوث الـ(أونروا) تحيل إلى التقاعد موظفيها الذين يبلغون الستين من عمرهم.
أي أن وكالة الغوث ستحيل إلى التقاعد كل الموظفين الفلسطينيين الذين ولدوا في فلسطين، وأن موظفيها الآخرين، الذين سيحلون محلهم، هم الذين ولدوا خارج فلسطين في أرض اللجوء والشتات.
غولدا مائير قالت يوماً إن قضية اللاجئين سوف تنتهي خلال سنوات فالكبار يموتون ـ تقول مائير ـ والصغار ينسون.
وجون فوستر دالاس وزير الخارجية الأميركية المعروف في الخمسينيات من القرن الماضي قال إن الجيل الثاني من اللاجئين الفلسطينيين سرعان ما سيندمج ويذوب في المجتمعات المحلية.
أي المجتمعات المضيفة للاجئين.
كذبت نبوءة مائير، وكذلك كذبت نبوءة دالاس. فالاثنان، كما يبدو، لا يعرفان جيداً الشعب الفلسطيني، وتمسكه بقضيته وحقوقه وأرضه.
ولا يعرفان آليات الحياة اليومية التي أبقت القضية حية تنبض بقوة في العقول والقلوب معاً.
ولا يعرفان آليات العلاقة بين الشعب الفلسطيني وبين باقي الشعوب العربية، بحيث تحولت القضية الفلسطينية إلى القضية التي توحد هذه الشعوب، كما توحدهم اللغة العربية نفسها.
ومما لا شك فيه أن الولايات المتحدة سوف تشعر بالندم العميق لأنها لعبت دوراً حاسماً في تأسيس وكالة الغوث.
لقد أرادوها وكالة لتوطين اللاجئين.
لكن اللاجئين أخذوا من الوكالة خدماتها، وكرسوا هذه الخدمات في خدمة إعادة بناء شخصيتهم الوطنية.
وشعور الولايات المتحدة بالندم هو تعبير عن مأزق السياسية الأميركية وإلى جانبها السياسية الإسرائيلية.
فالاثنان يعرفان جيداً أن العائق الأكبر في طريق الوصول إلى تسوية للصراع في المنطقة هو قضية اللاجئين.
هكذا هو الوضع منذ العام 1948.
وأصحاب العقول في واشنطن يدركون أنه غبي، وغبي جداً من يعتقد بإمكانية الوصول إلى حل يضمن الاستقرار والأمن في المنطقة، وهناك ما لا يقل عن خمسة ملايين لاجئ يشعرون بالظلم والخديعة.
وهم ملايين يجيدون تنظيم أنفسهم في مجموعات سياسية. ويتمتعون بوعي سياسي واجتماعي يمكنهم من الحفاظ على تكوينهم المجتمعي والجمعي.
وهم خبراء في حمل السلاح واستعمال المتفجرات.
وبالتالي سيكون مفتاح الاستقرار والأمن بأيديهم. وكذلك سيكون بأيدهم مفتاح الفوضى العارمة والجارفة، إن فكرت دوائر صنع القرار بتجاهل حقوقهم في العودة إلى ديارهم وممتلكاتهم التي هجروا منها منذ العام 1948.
الكبار يموتون.
نعم. هذا أمر لا حيلة لنا فيه. وهو من سنن الطبيعة وقوانينها.
أما الصغار فلا ينسون.
وهذا أمر نصنعه نحن الذين ورثنا القضية الفلسطينية وفي القلب منها قضية اللاجئين. ويوماً بعد يوم، يزداد تمسكنا بحق العودة، لأننا أوفياء لأجدادنا وآبائنا.
أوفياء لأرضنا ووطننا.
أوفياء لأنفسنا ولكرامتنا.
ـ ماتت غولدا مائير ومات دالاس. ومات كثيرون وقضية اللاجئين وحق العودة حية لا تموت.
المصدر
- مقال:الكبار ماتوا.. لكن الصغار لم ينسواالمركز الفلسطينى للتوثيق والمعلومات