الفلسطينيون لن يتخلوا عن مخيم نهر البارد
بقلم : راضي رحيم
يؤكد المراقبون أن قضية مستقبل مخيم نهر البارد ومصيره، باتت تشغل بال القيادات السياسية والأوساط الشعبية الفلسطينية في لبنان، باعتبارها واحدة من القضايا المركزية في اهتمامات الحالة الفلسطينية على اختلاف اتجاهاتها.
ومستقبل المخيم ومصيره، لا يقصد بهما فقط مسألة الترميم وإعادة الإعمار وعودة السكان إليه.
وهي قضية مهمة، بل هي قضية فائقة الأهمية، بل يقصد بها كذلك صيغة إدارة هذا المخيم، التي سوف تتبلور في المرحلة القادمة، وما سوف تعكسه من تداعيات على العلاقة اللبنانية ـ الفلسطينية.
وفي هذا السياق يرى المراقبون أن الحالة الفلسطينية تنطلق في رؤيتها لمستقبل مخيم نهر البارد مصيره ومن عدد من النقاط، من أهمها: الفضاء الجغرافي
@ أن المخيم، يشكل بالنسبة للاجئين الفلسطينيين، خاصة من هم في لبنان، الفضاء الجغرافي الذي من خلاله يحافظون على تجمعاتهم السكانية على أسس جهوية وعائلية، بما يولد حالة من التماسك الاجتماعي، كما يولد بيئة تنشأ فيها الأجيال الصاعدة، فتحافظ على أواصر ارتباطها بجذورها الفلسطينية من حيث صون اللهجة والعادات والتقاليد والثقافة الشعبية وكل ما هو ضروري لصون الشخصية الفلسطينية التي تميزها عن شخصية البلد المضيف ليس من موقع التنافر مع هذه الشخصية بل من موقع الحرص على الشخصية الفلسطينية، وهو أمر طبيعي، بل هو أمر ضروري.
فصون الشخصية الفلسطينية،
وصون ارتباطها بجذورها التاريخية والجغرافية، عامل رئيسي في تغذية التمسك بحق العودة، ورفض كل مشاريع التوطين والتهجير، مهما تكاثفت اغراءاتها وعوامل الترغيب بها، وهي كثيرة في الأساس، فالمخيم، كرقعة جغرافية، يحافظ على تماسك أبناء البلدة أو القرية الواحدة، والعشيرة الواحدة، والعائلة الواحدة. وهو يشكل في مجموعه ما يمكن وصفه بالمجتمع الفلسطيني، والذي أريد من وراء التهجير فكفكته وتذويبه في المجتمعات العربية المضيفة، وبما يخدم مشاريع القضاء على الحقوق الفلسطينية، في مقدمها حق العودة.
... والسياسي
@ والمخيم هو الفضاء السياسي الذي من خلاله يعبر اللاجئ الفلسطيني عن طموحاته السياسية، في انتمائه إلى قضيته الوطنية باعتبارها قضية سياسية، وفي انتمائه إلى واحدة من القوى السياسية، كتجسيد لانتمائه إلى قضيته الوطنية، وفي نضاله لأجل صون شخصيته بجوانبها الثقافية والسياسية وبما يعيد تقديمه إلى المجتمع المضيف، باعتباره حالة مقيمة بشكل مؤقت، هدفها النهائي العودة إلى الديار والممتلكات وبما يعيد تقديمه إلى الرأي العام الدولي باعتباره حالة سياسية تشكل محور قضية الشرق الأوسط، والصراع العربي ـ الإسرائيلي.
ففي المخيم، يمارس اللاجئ الفلسطيني حياته السياسية، ويعبر عن مواقفه بالأشكال الديمقراطية المختلفة وزيارة إلى المخيم، تتيح للمراقب التعرف على القضية الفلسطينية من جوانبها المختلفة بما هي قضية سياسية وإنسانية وقانونية واجتماعية...
وبما هي حقوق وطنية ومدنية واجتماعية وغيرها. صحيح أن التجمعات الفلسطينية خارج المخيمات لا تقل عن مثيلاتها في المخيم، تمسكاً بحقوقها الوطنية وحرصاً على صون شخصيتها السياسية والثقافية لكن واقع الحال يؤكد أن المخيم، بشخصيته المستقلة، يبقى هون الإطار الأكثر تجسيداً، والرمز الأكثر وضوحاً لواقع حال القضية الفلسطينية.
@ والمخيم، هو في الوقت نفسه، الفضاء السياسي الذي تمارس فيه القوى السياسية الفلسطينية حياتها اليومية بين أبناء الشعب الفلسطيني، بطريقة أكثر استقلالية، ويتيح لها أن تعبر عن نفسها وعن برامجها في صفوف اللاجئين، من موقع مسؤوليتها الوطنية في حمل القضية وإعادة صياغتها في مجالاتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والحياتية اليومية.
لذلك تربط القوى السياسية بين بقاء المخيم، والدور السياسي لهذه القوى، والدور السياسي والخدمي لمنظمة التحرير الفلسطينية إلى جانب دور وكالة الغوث، كشاهد دولي على عدالة قضية اللاجئين، وكمصدر رئيسي لتقديم الخدمات الصحية والإغاثية والتعليمية وسواها.
ليس مرتعاً للبؤس
@ إن التمسك بالمخيم، كفضاء جغرافي وسياسي خاص باللاجئين الفلسطينيين لا يعني أنهم يقدسون الفقر وحياة البؤس والشقاء.
فالبؤس والشقاء هما نتاج الهجرة القسرية التي فرضت على اللاجئين على يد العصابات الإسرائيلية فضلاً عن كونها، من جانب آخر، نتاج لسياسات واعية مارستها ضدهم الحكومات اللبنانية المتعاقبة، حين حرمتهم من حقوقهم المدنية والاجتماعية والإنسانية، بذريعة أنهم لاجئون، وأن وكالة الغوث هي الجهة الدولية المخولة برعاية شؤونهم.
ثم لاحقاً بذريعة ضعف الحالة الاقتصادية اللبنانية، وإغلاق الطريق أمام مشاريع التوطين مع العلم أن بروتوكول الدار البيضاء في جامعة الدول العربية وقرارات أخرى ذات صلة، منح هؤلاء اللاجئين الحقوق الإنسانية وأعفاهم من العديد من الضرائب، دون أن يمس ذلك حقهم في العودة
إلى ديارهم وممتلكاتهم. لكن البروتوكول، والقرارات المذكورة، كلها بقيت حبراً على ورق وبقيت الحكومات اللبنانية المتعاقبة ترسم لنفسها سياسات خاصة بها، بدعوى أنها الأفضل ل لبنان وخصوصية تركيبته السكانية والسياسية.
الذاكرة المتخمة بالجراح
@ إن الذاكرة الفلسطينية في لبنان ما زالت تعيش تحت وطأة ما تعرضت له بعض المخيمات من شطب، على يد العدو الإسرائيلي كمخيم النبطية في جنوب لبنان، أو في سياق تدهور الأوضاع الأمنية في لبنان ، كمخيمات تل الزعتر وجسر الباشا وضبية، كذلك ما زالت الذاكرة الفلسطينية تعيش تحت وطأة مجزرة صبرا وشاتيلا على يد العدو الإسرائيلي وبعض عملائه من هنا صار للمخيم مكانة مركزية في الوجدان الفلسطيني وأصبح تعريض مستقبل المخيم للخطر يستحضر كل المشاهد المؤلمة التي مرت على بعض المخيمات خلال السنوات الماضية.
الإدارة الذاتية
@ لا يخفي الفلسطينيون تمسكهم في الإدارة الذاتية للمخيمات، بالتعاون مع وكالة الأونروا، ومع الدولة اللبنانية، ومن موقع خصوصية كل من هاتين الجهتين واختصاصها.
والإدارة الذاتية، هنا، لا تعني المس بالسيادة اللبنانية، أو تجاوز القوانين المرعية فالتجربة أكدت، بالملموس أن بإمكان الدولة اللبنانية أن تمارس سيادتها كاملة وان تطبق القوانين على المخيمات، في الوقت الذي تعيش فيه هذه المخيمات تحت الإدارة الذاتية.
الأمثلة التي تؤكد صحة هذا القول كثيرة وهي في جعبة السلطات اللبنانية، كما هي في جعبة الأطراف الفلسطينية المعنية ويفترض المراقبون في السياق أن هذه الصيغة في الإدارة المشتركة للمخيم،
بين الدولة اللبنانية، وبين الجهات المعنية داخل المخيم، هي الصيغة التي تخدم مصالح الطرفين، على الصعيد الوطني والقومي، وبما خص بشكل رئيسي حق اللاجئين في العودة إلى ديارهم وممتلكاتهم، ورفضهم كل المشاريع البديلة من ، توطين وتهجير، فبقاء المخيمات تحت الإدارة الذاتية الفلسطينية، وتحت السيادة اللبنانية، في الوقت نفسه، من شأنه أن يبرز، على الدوام، خصوصية قضية اللاجئين الفلسطينيين، ووطأة عدم حلها على أوضاع اللاجئين أنفسهم، كما على الأوضاع اللبنانية.
كذلك من شأن ذلك أن يشد، على الدوام، انتباه الهيئات الدولية، وانتباه عواصم القرار إلى خطورة قضية اللاجئين إن لم يجد أصحابها طريق العودة إلى ديارهم وممتلكاتهم.
ويخلص المراقبون، بعد هذا، إلى التأكيد أن اللاجئين الفلسطينيون، وقواهم السياسية، على اختلاف اتجاهاتها، يلتقون على ضرورة العمل على إعادة الوضع في مخيم نهر البارد، إلى ما كان عليه قبل تسلل مجموعات العبسي إليه.
وبحيث يستعيد بناء مساكنه ومؤسساته وبنيته التحتية، وتستعيد القوى السياسية فيه دورها في الجانبين السياسي والحياتي، بما في ذلك إدارة الشأن العام في المخيم، عبر المؤسسات الفلسطينية المعتمدة.#
المصدر
- مقال:الفلسطينيون لن يتخلوا عن مخيم نهر الباردالمركز الفلسطينى للتوثيق والمعلومات