الفخ

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
الفخ
صواريخ.jpg


بقلم : معتصم حمادة

ما يتم الكشف عنه يوماً بعد يوم عن اجتماع نيويورك الدولي، يؤكد أن الولايات المتحدة وإسرائيل تنصبان للجانب الفلسطيني فخاً يقوده إلى تقديم تنازلات، من بينها شطب مسبق للقضية اللاجئين، دون تحديد موعد واضح لدخول مفاوضات الحل الدائم.

كلما اقترب موعد الاجتماع الدولي في نيويورك، المتوقع انعقاده في تشرين الثاني ( نوفمبر ) القادم، كلما تكشف المزيد من الحقائق حول طبيعة الاجتماع وطبيعة الأوراق والاقتراحات المقدمة له.

ويعود الفضل في الكشف عن هذه الحقائق إلى الصحافتين الغربية والعبرية، اللتين تستمدان معلوماتهما من الدوائر السياسية المعنية في إسرائيل، وواشنطن، وباقي عواصم القرار في العالم.

أما صحافتنا العربية فمحاصرة ويمنع عليها التداول بالمعلومات، خاصة تلك التي تحمل في طياتها تأكيدات على التنازلات الفلسطينية والعربية إلى طاولة المفاوضات (أو المباحثات) مع الجانب الإسرائيلي.

وما تم الكشف عنه، في الأسبوع الماضي، عبر أكثر من صحيفة، يؤكد صحة الاستنتاج المسبق الذي توصلنا إليه عن اجتماع نيويورك، باعتباره مجرد فخ، تنصبه الولايات المتحدة وإسرائيل، للجانبين الفلسطيني والعربي، وليس باعتباره مؤتمراً دولياً يمهد لتسوية متوازنة تقود إلى الهدوء والأمن والاستقرار في المنطقة.

فالواضح أن الولايات المتحدة وإسرائيل، لا تملكان القدرة، والاستعداد في الوقت الراهن، لتحمل أعباء التسوية النهائية للصراع الفلسطيني، والعربي، مع إسرائيل.

بما هي تسوية تقود إلى انسحاب شامل من الأرض العربية المحتلة عام 67 كما تقود إلى قيام دولة فلسطينية مستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس الشرقية، مع ضمان حق اللاجئين في العودة إلى ديارهم.

فالانسحاب الشامل، وقيام الدولة المستقلة، ووضع قضية اللاجئين على سكة الحل المقبول من اللاجئين أنفسهم (أي العودة إلى الديار والممتلكات) من شأن هذا كله أن يحدث زلزالاً في الأوضاع والعلاقات الإقليمية، وهو زلزال لا ترى الولايات المتحدة أي مصلحة لها فيه، وكذلك الأمر بالنسبة لإسرائيل.

لذلك يعمل الطرفان على دفع العملية التفاوضية بشأن الحل الدائم إلى أجل غير مسمى، ويسعيان في الوقت نفسه إلى طرح الاجتماع الدولي في تشرين الثاني ( نوفمبر ) القادم، في خدمة هذا التسويف، ومن باب التمويه، والإشغال، والإلهاء، دون أن يلغي ذلك محاولتهما تحقيق أكثر من مكسب، يخفض سقف الموقف الفلسطيني.

من هنا يدور الحديث في تل أبيب عن ضرورة الوصول إلى «إطار» أو «إعلان مبادئ» لقضايا الحل الدائم، دون الدخول في هذه القضايا، ودون تحديد موعد زمني واضح لأجل البحث لاحقاً في هذه القضايا, أي أن الحديث يدور عن مماطلة وتهرب، عبر التغطي بإعلان المبادئ المزعوم والتلطي خلفه.

يلاحظ في السياق أن عناصر «إعلان المبادئ» كلها غامضة، ما عدا عنصر واحد هو عنصر اللاجئين، حيث يتحدث مشروع الإطار الإسرائيلي عن حل لهذه القضية يقوم على إسقاط حق العودة، ويشطبه، والبحث عن أماكن لتوطين اللاجئين، إما في مناطق على تخوم الدولة الفلسطينية (التي يفترض أن تقوم دون تحديد موعد محدد لقيامها؟) أو في الدول التي تستضيف هؤلاء اللاجئين..

«التنازل» الوحيد، الذي تبدي إسرائيل استعدادها لتقديمه، في هذا المجال، هو تنازل مثير للسخرية، حين تتحدث عن استعدادها للاعتراف بمعاناة اللاجئين وموقفها المعنوي لصالح هذه المعاناة (!).

واضح تماماً في هذا السياق، أن إسرائيل، وقبل الدخول في العملية التفاوضية، تمارس الضغوط على الجانب الفلسطيني للتخلي المسبق عن حق العودة، وأنها ليست على استعداد لبحث قضية اللاجئين وحقوقهم الوطنية (علينا ألا ننسى أن في إسرائيل وحدها ما لا يقل عن ربع مليون لاجئ فلسطيني محرومون من العودة إلى ديارهم وأملاكهم رغم أنهم يحملون الجنسية الإسرائيلية، ورغم أن بعض المحاكم الإسرائيلية اعترفت لهم بحق استعادة ديارهم وأملاكهم داخل إسرائيل).

الملاحظة الثانية، في قراءة الإطار، أن الجانب الإسرائيلي يراهن على تعميق الانقسام الفلسطيني ـ الفلسطيني، من خلال بعض الإغراءات المقدمة إلى المفاوض الفلسطيني، ومن خلال الاشتراط على الرئيس عباس بوقف المباحثات معه إن هو استعاد حواره، وتعاونه مع حركة حماس .

وهو ما يؤكد أن الانقسام الفلسطيني يصب في طاحونة المصالح الإسرائيلية وإن كان هذا التأكيد لم يأت بجديد، فالكل يدرك أن ما من مستفيد من الانقسام الفلسطيني سوى أعداء الشعب والقضية.

اللافت للنظر، عند التدقيق في الإطار المزمع تقديمه، أنه لا يكتفي بالعمل على تأجيل مفاوضات الحل الدائم إلى أجل غير مسمى، وأنه لا يكتفي بالدعوة إلى شطب قضية اللاجئين كشرط مسبق للتفاوض بل إنه يبتدع أساليب جديدة في ابتزاز الجانب الفلسطيني، لجره إلى المزيد من التنازلات، وإلى التراجع عن حقوق يعترف بها المجتمع الدولي لصالح الفلسطينيين، ودون تردد.

فالمشروع الإسرائيلي يحاول أن يشرع جدار الفصل والضم العنصري، وأن ينال اعتراف الفلسطينيين وتسليمهم به كأمر واقع لا يمكن الرجوع عنه.

فيقترح أن تتم المقايضة بين إبقاء الجدار (بكل ما ضمه من أراضٍ فلسطينية إلى دولة إسرائيل كأمر واقع وبالقوة والعنف) وبين «المعبر الآمن» أي الطريق الواصل بين قطاع غزة والضفة الفلسطينية.

علماً أن اتفاق أوسلو قد أقر للفلسطينيين بحقهم في طريق يصل ما بين الضفة الغربية وقطاع غزة.

وبالتالي إسقاط هذا الأمر من الاتفاق السابق وإعادة التفاوض عليه، مقابل تنازل فسلطينيي، لهو أمر يكشف إلى أي مدى يحول الإسرائيليون العملية التفاوضية إلى مسألة عبثية مفتوحة زمنياً، ويحولون دون وصولها إلى خواتيمها، كما يكشف كيف أن الإسرائيليين لا يتورعون عن استغلال وانتهاز أبسط الفرص للإخلال بالتزاماتهم إزاء الاتفاقات الموقعة كلما رأوا في ذلك خدمة لمصالحهم.

وعلماً أيضاً أن محكمة العدل الدولية، ومن خلفها الجمعية العامة للأمم المتحدة، أقرتا بلا شرعية جدار الفصل، ودعتا إلى إزالته، وإعادة الأراضي التي أقيم عليها، أو ضمها لإسرائيل، إلى أصحابها، والتعويض لهم عما لحق بهم من أضرار مادية ومعنوية.

والملاحظ في «الإطار» الإسرائيلي أنه يدفع الفلسطينيين نحو الإقرار بمبدأ تبادل الأراضي، في التسوية النهائية، لكنه يحجم عن الدخول في التفاصيل، أي أنه يعمل على الضغط على الفلسطينيين للإقرار «بالحق الإسرائيلي» (!) في ضم ما تشاء من أرض الضفة، وأن يكون لها وحدها أن تقرر المساحات والمناطق التي ترغب في ضمها.

وهو ما يسقط مبدأ الالتزام بالانسحاب من الأرض المحتلة بموجب القرار 242، كما يسقط مبدأ عدم جواز الاستيلاء على أراضي الغير بالقوة.

إلى جانب ذلك يطرح الإطار حلاً مثيراً للاستغراب لقضية القدس المحتلة,.

فهو يقر بأن «يعيد» للسلطة الفلسطينية (ومن خلفها للدولة) القرى والبلدات والمخيمات الفلسطينية المتاخمة للقرى والمجاورة لها. وذلك لتخفيض عدد السكان الفلسطينيين العرب داخل دولة إسرائيل.

لكنه بالمقابل، يضع القدس المحتلة خارج العملية التفاوضية باعتبار أنها عاصمة الدولة العبرية، ويجب أن تبقى، والحال هكذا، مدينة موحدة وهو ما يعيدنا إلى الاقتراح القائل بأن يطلق على القدس المحتلة الاسم العبري «أورشليم» أما «القدس» فيعاد «تشكيلها» ويطلق اسمها على بعض البلدات العربية القريبة من القدس (أي العيساوية والعيزرية وغيرها) وهو اقتراح قد لا يقنع المجانين أنفسهم.

أما الأماكن الدينية فتعطى إدارتها للدوائر الدينية.

أي تعطى إدارة الأماكن الدينية المقدسة عند المسلمين إما لمنظمة المؤتمر الإسلامي، أو للمملكة العربية السعودية على أن تبقى هذه الأماكن تحت السيادة الإسرائيلية وتعطى الأماكن المسيحية للكنيسة، واليهودية لإسرائيل.

ماذا تكسب إسرائيل من وراء ذلك؟

إنها تكسب القدس

أولاً.

وسمعة إيجابية على الصعيد العالمي

ثانياً

لأنها تكفل لأصحاب الدبانات أن يزوروا مقدساتهم تحت سيادتها ورعايتها الأمنية.

وتكسب ثالثاً تطبيعاً للعلاقات الإسلامية ـ الإسرائيلية، خاصة إذا ما تولت منظمة المؤتمر الإسلامي إدارة مقدسات المسلمين.

كل هذا، بكل ما في الإطار من بنود، مقابل أن يعلن الفلسطينيون الدولة الفلسطينية ذات الحدود المؤقتة وهي مرحلة لاختبار جدية السلطة الفلسطينية في مطاردة «الإرهاب» (أي وقف المقاومة والتحريض ضد إسرائيل) وضمان أمن الدولة العبرية. هي مرحلة اختبار، بلا سقف زمني، باب المماطلة فيها مفتوح على مصراعيه، بحيث لن يحل أبداً موعد استحقاق الحل الدائم، بكل تحدياته وتداعياته الإقليمية والدولية.

إنه فخ تنصبه إسرائيل والولايات المتحدة. لإسرائيل مصلحة في نصبه لأنه يبعد عنها كأس الحل الدائم، أما مصلحة الولايات المتحدة فتكمن في «تهدئة» الوضع الأمني في المناطق الفلسطينية بما يمكنها من الاستدارة نحو العراق و إيران ، بعد ما تحول هذا الملف إلى القضية الضاغطة على رأس البيت الأبيض والكونغرس، وكل مؤسسات الإدارة الأميركية.

المصدر

  • مقال:الفخالمركز الفلسطينى للتوثيق والمعلومات