العَقيدةُ والسُّلوك

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
العَقيدةُ والسُّلوك


بقلم: الشيخ نزيه مطرجي

إن الإيمان نُطْق باللسان، وتصديقٌ بالجَنان، وعملٌ بالأركان، وهو عبادة وشريعة، وأدب وسُلوك.

وإن سلوك المؤمن في تصرّفاته ومعاملاته، مَظهرٌ من مظاهر عقيدته! فإذا صَلحت العقيدة صَلح السّلوك واستقام، وإذا فسدت فسد السلوك وأصابه السَّقام.

يقول الإمام البخاري: «لقيتُ أكثرَ من ألف رجلٍ من العلماء بالأمصار، فما رأيتُ أحداً منهم يختلف على أن الإيمان قول وعمل ويزيد وينقص».

وبما أن تعريف الشيء فَرعٌ عن تصوّره، فلا بدّ من الرجوع في هذا التعريف إلى التوقيف، من غير اجتهاد أو تحريف، فقد ورَد في السنّة الصحيحة قول الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم: «الإيمانُ بِضْعٌ وسبعون شُعبةً، أعلاها شهادة أن لا إله إلا الله، وأدناها إِماطةُ الأَذى عن الطريق، والحياءُ شُعبة من الإيمان» أخرجه مسلم.

وهذه الشُّعَب الإيمانيّة منها ما يتعلّق بالجَنان، ومنها ما يتعلّق باللسان، ومنها ما يتعلّق بالأبدان.

فأما ما يتعلق بالجَنان، فهي المعتقدات والنيّات، وتشتمل على أربع وعشرين خَصلة كما ورد في فتح الباري في شرح صحيح البخاري، منها الإيمان بالله وتوحيده وبقية الأركان، ومحبة الله، والحبّ في الله والبُغضُ في الله، والإخلاص لله، وترك الرّياء والنّفاق، والتوبة، والرضا بالقضاء..

وأما ما يتعلّق باللسان، فيشتمل على سَبْع خصال كالذّكر والدعاء وتلاوة القرآن.

وأمّا ما يتعلّق بالأَبدان فيشتمل على ثمانٍ وثلاثين خَصلة كالصلاة والزكاة والصيام، والحج، والقيام، وصلة الأرحام، وإطعام الطعام، وردّ السّلام، وإقامة الأحكام، وكفّ الأذى عن الأنام.

إن هذا هو الإيمان الحقّ الكامل، الذي ينتظم العقائد والعبادات، والأخلاق والآداب، وسائر المعاملات، وهو شمول قد اتفق عليه «السَّلف»، وتبعهم في ذلك العلماء العُدول من رجال الخَلَف.

إن سلوك المؤمن مرآة لإيمانه، وإنه ليتعذّر عليه أن يتمثّل بالصورة المُشرقة حتى يعرُج في مدارج السّالكين إلى منازل المتّقين، وإن قُطب رَحى هذا المِعراج أن يكون على الدَّرب الأعظم، دَرْبِ النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم، فيتخلّق بأخلاقه، ويتأدّب بآدابه، ويهتدي بسنّته، استجابةً لأمر الله تعالى: {لَقَدْ كانَ لَكُم في رَسولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنةٌ لمن كان يرجو اللهَ واليومَ الآخرِ وَذَكَر اللهَ كَثيراً} الأحزاب 21.

ثم يتأسّى بعد النبيّ المختار صلى الله عليه وسلم بصحابته الأبرار الذين قال فيهم عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: «من كان متأسِّياً فليتأسَّ بأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، فإنهم كانوا أَبَرَّ هذه الأُمة قلوباً، وأعمقَها عِلماً وأقلَّها تكلّفاً، وأقْوَمَها هَدْياً، وأحسنها حالاً، اختارهم الله لصحبة نبيّه وإقامة دينه، فاعْرِفوا لهم فَضْلهم، واتبِّعوهم في آثارِهم، فإنهم كانوا على الهَدْي المستقيم».

إن الرجال تُقاس بالأعمال، وتوزَن بالأخلاق، وقد حذَّر الإسلام من قول بلا عمل، ومن دعوى بلا فعل، فإنّ القول بلا عمل كشجرٍ بلا ثَمر، وسحابٍ بلا مَطر، والله تعالى يقول: {كَبُرَ مَقْتاً عِنْد اللهِ أَن تَقولوا ما لا تَفْعَلونَ} الصف 3.

وقد ورد في مواعظ الشعر:

لا تَرْضَ من رجلٍ حلاوةَ قَوْلهِ

حتى يُصَدّق ما يقولُ فِعالُ

لا يكونُ المقالُ إلا بفِعلٍ

كلُّ قولٍ بلا فِعالٍ هَباءُ

أورد ابن القيّم عن بعض السَّلف قولَهم عن دين الله العظيم: «يا له من دين لو أنّ له رجالاً!».

وفي العصر القريب زار مفكّر إسلاميّ غربي بعض بلاد المسلمين، فساءَهُ ما رأى من ظواهرَ نافرة في الأخلاق والمعاملات، ومن مظاهرَ شاذَّة في الآداب والعادات، فقال متحسِّراً: «يا له من دين لو كان له رجال!», وقال: الحمد لله أنني تعرَّفت على الإسلام قبل أن أتعرَّف على المسلمين، ولو أنني تعرّفت على المسلمين قبل أن أتعرّف على الإسلام لما أسلمت! وقد عَنى بذلك أن عيوبَ المسلمين تحجُب حقائقَ الإسلام، وأن قبائحَهم تسترُ محاسنَه، وإنه لمما يُؤلم القلب ويعصِر الفؤاد أن نرى الإسلام محجوباً بالمسلمين.

إن الذي لا يستقيم أدبه وسلوكه، ولا يجاهدُ نفسه ليتوارى قُبحه وعيوبُه، لا يستحقّ أن تُسند إليه مقاليدُ البلاد، ولا أن يُرفعَ إلى منصّات الرشاد، فلا يكون أهلاً لأن يُوَلَّى قيادةً ولا ولاية، ولا قضاء ولا إفتاءً، ولا إمامةً ولا إرشاداً، ولا وعظاً ولا إمارةً عامّة.. فإن تولَّى هؤلاء الناقصون هذه الولايات الخطيرة، وقعت فتنة في حياة الناس وفساد كبير.

فيا أصحاب نفوسٍ قد طال زمانُ إهمالها، وكثُرت صحائف أوزارها، وحانَ أوانُ فِطامها! أما آن لكم بعد طول الكَرَى أن تفزَعوا إلى ربِّ الوَرى، قبل أن تذهبَ أيامُكم وتبقى آثامُكم؟

المصدر