العلامة فيصل مولوي قائد عالم حكيم شجاع...

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
العلامة فيصل مولوي قائد عالم حكيم شجاع


العلامة فيصل مولوي قائد عالم حكيم شجاع
بسم الله الرحمن الرحيم

العلامة الشيخ فيصل مولوي أخٌ حبيبٌ أنيسٌ... لا عجب في ذلك.

فقد عرفته عن كثب، وكنا مترافقين منذ نعومة الأظفار.

نشأنا في ظلّ دعوة واحدة هي دعوة الإسلام العظيم، وها هو الموت يعلن الفراق المؤقت، لنلتقي مجدداً إنْ شاء الله في عالميْ البرزخ والآخرة.

كانت من أصعب اللحظات تلك التي أنْبِئتُ فيها بمرضه، الذي لازمه أكثر من عامين، وعندما التقيته في منزله في بيروت، كابدّتُ مشاعري ورحتُ أداعبه، علَّني أخفف عنه ما ألمّ به، وبادلني رحمه الله، رغم آلامه، بابتسامات معبّرة.

ووجدت نفسي أنني أمام رجل أعدّ عدته للرحيل إلى رب كريم رحيم. وخرجت من عنده ولسان حالي لسان ذلك الشاعر الذي يقول:

يا مقيماً قد حان منه رحيلُ

بعد ذلك الرحيل يومٌ عصيبُ

إنَّ للموت سكرةً فارتقبْها

لا يُداويك، إن أتتك، طبيبُ

وأدركت أن الله يريد أن يرفع درجاته في الآخرة، فقد هيأ له مكاناً عليّاً برحمته، فكان الابتلاء موصلاً إلى تلك الدرجات، فدخل تلك التجربة الصعبة بهناء نفسٍ ورضا وتسليم، بينما وجهه متلألئ يفيض بِشْراً وإيماناً وتسليماً لله وقبولاً بقضائه وكأنه يعيش مع الملائكة. . كنا ندعو له أن يَقْبله ربه ويعينه في كربات مرضه الشديد.

وبعد حين، عدتُه في مستشفى "الشفاء" في مدينته طرابلس، وكان في حالة انقطاع عن الكلام، مع وعي محدود لا يطيق حراكاً، فقرأت له آيات من القرآن ودعوتُ له، ثم خاطبته وأنا في شدة من أمري، هل عرفتني؟

إنْ كنتَ كذلك فأغمض عينيك فأغمَضَهُما... ويا لها من ساعةٍ امتزج فيها الفرح بالحزن والأمل بالواقع... فلكل نفس أجلها، فإذا جاء الأجل انبرم الموقف، والتفّت الساق بالساق، فكانت سكرة الموت، فخروج روحه الطاهرة إلى ربه العلي الأعلى كان في الساعة الرابعة قبيل عصر الأحد في 5/5/1432 هـ = 8/5/2011

كنتُ في السيارة أصغي إلى تلاوة مباركة من القرآن الكريم تُبثُّ من إذاعة الفجر، ولم أستغرب، فإذاعة الفجر تبثُّ القرآن عادة، ثم فجأةً سمعت أخي الأستاذ إبراهيم المصري، الأمين العام للجماعة الإسلامية ينعي الأخ الأكرم الشيخ فيصل مولوي. لفَّني الصمت طويلاً، وراحت الذكريات تتتالى عليّ لا أستطيع عنها فكاكاً.

وبسرعة، كسرعة الحياة، وخلال دقائق كنت عائداً من بحر الذكريات الجميلة على امتداد العمر منذ تلاقينا ولمّا نبلغ الرابعة عشرة، لأرى نفسي وقد انفصل عنا (الفيصل) ملتحقاً بالمؤمنين المتقين السابقين، في عالم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.

والشيخ فيصل، على ما نعرفه ويعرفه الكثيرون، ذو قلب سليم إن شاء الله، وهو مؤمن، تقيّ،عالِم، قاضٍ نزيه، وأمين مؤتمن على الحركة الإسلامية التي شرفنا الله سبحانه بتأسيسها وحمل لوائها منذ الخمسينات من القرن الماضي، ولا نزكي على الله أحداً، ومع كل ذلك فهو صديق قريب ووفيّ، إن اختلفْتَ معه في أمر احترمَ رأيك وأشْعَرك أنّ الخلاف محتَمَل بين الدعاة او بين عباد الله، لكنّ الخلافَ لا يفسد للود قضية، وفي الحياة متسع.

امتاز الشيخ فيصل رحمه الله، بأنه كان يحاول أن يجمع بين المتناقضات في آراء إخوانه، وكان أيضاً يحاول أن يوجد العذر لمن يختلف معه، كما يحاول أيضاً ألا يسير في تشعبات الخلاف إلى آخر الشوط، إلا أنه في المقابل حاسم وحازم فيما استقر عليه الرأي واتضح فيه الموقف.

حمل الشيخ فيصل رحمه الله هموم الأمة، لا في لبنان فحسب بل في العالم كله، لم يبخل في العطاء الفكري والسياسي والاجتماعي والتربوي والدعوي والوقفي والقضائي... ولا تستطيع أن تذكرَ العمل الإسلامي في العالم إلا وتذكر ذلك الرجل الشجاع العالم والناضج.

ونقول له: لقد قمتَ بالرسالة وأديتَ الأمانة وبذلتَ الجهد المبرور، وتحملتَ أكثر مما في وسعك، وها قد اختارك الله إلى جواره مع العلماء العاملين المخلصين..

لقد كان رحمه الله أمة لوَحْده، وكان عند الله مرضيّاً، وإلى اللقاء، بإذن الله، في برزخ الأرواح، وبعد الحساب في اليوم الآخر، في غرف الجنان العالية وفردوسها الفردوس.

عوَّضَ الله العمل الإسلامي قائداً خيراً منه، يتابع مسارَهُ ويأخذ من معطياته التي عاش لها وعَمِلَ من أجلها، وما ذلك على الله بعزيز، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

06‏ جمادى الثانية‏، 1432= ‏09‏/05‏/11

للدكتور محمد علي ضناوي

المصدر