العلاقات الأمريكية - الإسرائيلية الراهنة في الإعلام الغربي
العلاقات الأمريكية - الإسرائيلية الراهنة في الإعلام الغربي
محتويات
مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية
أثارت التوترات التي تشهدها العلاقات الأمريكية - الإسرائيلية منذ تولي باراك أوباما الحكم، والتي أخذت شكل الخلاف العلني من وقت لآخر، على خلفية تباين الموقف بين البلدين تجاه قضايا الاستيطان وعملية التسوية السلمية، والبرنامج النووي الإيراني، التي هيمنت على أجندة السياسة الخارجية لواشنطن، جدلاً واسعاً وتساؤلات عديدة حول مغزاها والحدود التي يمكن أن تصل لها، وهل هي مقدمة لعملية تقويم شاملة وفرض شروط للعلاقات مع "إسرائيل" كأحد مظاهر التحول في الاستراتيجية الأمريكية الجديدة، أم مجرد خلافات عارضة جاءت لحفظ ماء وجه أوباما الذي أخفق في تطبيق رؤيته للسلام
تلك التساؤلات كانت محور اهتمام الصحافة الغربية التي ناقشت مستقبل العلاقات الأمريكية
الإسرائيلية، في ضوء التوترات الأخيرة التي تفجرت منذ إعلان "إسرائيل" بناء 1600 وحدة استيطانية جديدة بالضفة الغربية، خلال زيارة نائب الرئيس الأمريكي "جو بايدن" لتل أبيب في مارس 2008، وهي الخطوة التي وصفتها وزيرة الخارجية الأمريكية "هيلاري كلينتون"، بـ "المهينة"، وما تلاها من أحداث بدت مؤشراً على حدوث تحول في الموقف الأمريكي تجاه "إسرائيل"، بدءاً بامتناع أوباما عن زيارة "إسرائيل" حتى الآن، والجفاء الظاهر في استقباله لـ "بنيامين نتنياهو"، في مؤتمر "إيباك" الأخير، وتصريح الجنرال ديفيد بترايوس بأن دعم أمريكا ل"إسرائيل" المقترن باستمرار احتلال الأراضي الفلسطينية
، أدى إلى نتائج عكسية للمصالح الأمنية الأمريكية، فضلاً عن الرفض الأمريكي لاستمرار الحصار على غزة بالوضع الحالي على خلفية أزمة أسطول الحرية، وتأكيد السفير الإسرائيلي بواشنطن "مايكل أورين"، قبيل زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي لواشنطن، وفقاً لصحيفة "هاآرتس"، بأن علاقات بلاده مع واشنطن "أصيبت بشرخ زلزالي عميق يصعب تجاوزه، وأن أوباما أصدر أحكامه حول "إسرائيل" على النقيض من سلفيه "جورج بوش" و"بيل كلينتون"، اللذين كانا يقيمان تلك الأحكام على أسس تاريخية وعقدية".
وترتبط التوترات بين واشنطن وتل أبيب التي وصفها رئيس تحرير صحيفة "لوس أنجلوس تايمز"، بأنها "نوع جديد من العلاقات" بالتحول الذي يمثله توجه إدارة أوباما فيما يتعلق بأمن الولايات المتحدة، الذي ركز في التواصل مع الدول التي كانت العلاقات معها في أسوأ حالاتها مثل الصين وروسيا والعالم الإسلامي وإيران، والدخول في اتفاقيات للأمن الجماعي ودعم المنظمات القانونية والأمنية الدولية، وتنشيط الدور الأمريكي في عملية السلام بين "إسرائيل" والفلسطينيين، وبطبيعة الحال كان الشرق الأوسط، هو محور هذا التوجه، الذي عكسه خطاب أوباما فيالقاهرة، باعتباره، نظرياً، تحولاً عن عقود من محاباة "إسرائيل" على جيرانها، فقد تحدث عن "محنة الشعب الفلسطيني" وهو ما تسبب في استياء "إسرائيل"، خاصة مع دعوته إلى تجميد بناء المستوطنات كشرط مسبق للمفاوضات، وبدا أوباما بعد هذا الخطاب، وفقاً لصحيفة "التايمز" يوم 28 يونيه 2010، أكثر حرصاً من أي رئيس أمريكي سابق على فرض شروط للعلاقات الأمريكية مع "إسرائيل".
ويرتبط ما سبق بـ "المنهجية الأمريكية التي تجعل من إحلال السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين الوجه الآخر للمواجهة مع إيران"، وهذا هو الخلاف "الجوهري" بين البلدين، حيث تنطلق الرؤية الأمريكية من أن قادة إيران يستفيدون من عدم قدرة واشنطن على حل للقضية الفلسطينية، كذلك فإن تلك الأوضاع تكسب طهران التعاطف الشعبي في المنطقة.
وفي المقابل اشترطت "إسرائيل" حل الأزمة الإيرانية أولاً، وساقت مجموعة من المبررات لذلك منها: أن حل القضية الفلسطينية يعد مؤشراً عاماً على ضعفها، ويدعم حركة "حماس" و"حزب الله"، كما أن العرب في جميع الأحوال سيظلون معادين لها، سواء تم حل القضية أم لا، وأن النظام الإيراني غير عقلاني ولا يمكن التفاوض معه، وهو ما يشير، طبقاً لـ "ماثيو برودسكي" مدير القسم السياسي بمركز السياسة اليهودية بالعاصمة واشنطن في صحيفة "جيروزاليم بوست"، إلى أن نتنياهو لا يصدق أن إيران قد تدير وجهها للغرب مهما حاول الرئيس الأمريكي أن يقنع الإيرانيين بأنه صديق للمسلمين، ومهما دفع بالعلاقات الأمريكية - الإسرائيلية باتجاه الفتور، وهو ما دفع الكثيرين إلى القول إن معاملة أوباما الفاترة ل"إسرائيل"، قد تكون حيلة لاسترضاء إيران.
ومع ذلك أسهم هذا التباين، كما يرى الكاتب الأمريكي جورج سيب في مقال له بصحيفة "وول ستريت جورنال"، في تقوية العلاقات بين البلدين، حيث قدمت واشنطن ل"إسرائيل" أجهزة رادار متقدمة يتم وضعها في صحراء النقب لمساعدة شبكة الدفاع الصاروخي الإسرائيلية المتصلة بأجهزة الدفاع الأمريكية، وقامت بتمويل مشروع تطوير نظام إسرائيلي بعيد المدى لإعاقة الصواريخ الباليستية التي يتم إطلاقها من إيران أو أي مكان آخر، كما تبحث "إسرائيل" شراء طائرات حربية أمريكية مقاتلة طراز 35-إي، الأمر الذي يؤكد صعوبة تأثر العلاقات بين البلدين، في ضوء ملاحظتين
الأولى
أن إقرار مجلس النواب الأمريكي وبأغلبية ساحقة "410 مقابل 4" تمويل هذا المشروع الذي يعرف بـ "القبة الحديدية" جاء بعد يوم واحد من توقيع موسكو صفقة أسلحة دفاعية مع دمشق، رغم أنها أسلحة لا يقارن مستواها ونوعيتها وحجمها بالأسلحة التي تحصل عليها من الولايات المتحدة، والتي بلغت قيمتها وفقاً لصحيفة "واشنطن بوست"، 21 مليار دولار خلال إدارة الرئيس السابق "جورج بوش" فقط، أي بمعدل 2,8 مليار دولار كل عام.
الملاحظة الثانية
أن هذا القرار جاء قي خضم ما قيل إنه تعهدات أمريكية ل"إسرائيل" بعدم الضغط عليها في موضوع ملفها النووي، رغم أنها تمتلك أكثر من 200 رأس نووية غير خاضعة لتفتيش الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ولم توقع اتفاقية حظر انتشار الأسلحة النووية، وهو ما يشير، وفقاً لـ "باتريك سيل" في مقال نشرته "ميدل إيست أون لاين"، إلى أن التعاون الاستراتيجي بين البلدين، ناهز الذروة، وبدأت لهجة الإدارة الأمريكية بالفعل تتبنى لغة الموالاة ل"إسرائيل"، ومعاداة العرب التي انتهجتها الإدارة السابقة.
ويشير الموقف الأمريكي تجاه أسطول الحرية إلى طبيعة التوجهات الأمريكية الجديدة تجاه "إسرائيل" والقائمة على تحقيق التوازن بين المصالح الأمريكية ودعم "إسرائيل"، فبينما لم تقم الولايات المتحدة بانتقاد "إسرائيل" ودافعت عنها في الأمم المتحدة، استغلت فرصة الهجوم على أسطول الحرية للمطالبة بـ "إطار جديد" يحل محل حصار "إسرائيل" لقطاع غزة، وهو ما يعكس، وفقاً لصحيفة "لوس انجلوس تايمز"، قلق "إسرائيل" من أن ثقل الإدانة الدولية لها قد يجبر الولايات المتحدة على تطبيق شروط إضافية على دعمها لها.
كما يخشى كثير من الإسرائيليين، كما يقول الكاتب إيزي ليبلر في مقال بصحيفة "جيروزالم بوست"، من أن يؤدي اتجاه الرئيس الأمريكي إلى تدعيم التعاون مع المنظمات الدولية إلى أن تقبل واشنطن ما تعتبره تل أبيب خطاباً معادياً لها، الذي يعم أجهزة دولية مثل مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، الذي استحوذت "إسرائيل" على أكثر من 80% من قرارات الإدانة التي أصدرها.
ومع ذلك، كانت الولايات المتحدة هي الدولة الوحيدة الكبرى التي لم تقم بإدانة عمليات القتل في أسطول الحرية، مما يوحي بأن علاقاتها الأساسية مع "إسرائيل" لا تزال ثابتة، إلا أنها انضمت إلى صفوف الضغوط الدولية لإنهاء الحصار المفروض على غزة واصفة إياه بأنه "لا يمكن تحمله"، وتقول صحيفة "فورين بوليسي" إن استجابة "إسرائيل" لهذا الضغط وإعلان تخفيف الحصار عنقطاع غزةيؤكدان أنها لم تعد قادرة على الاعتماد على الدعم الأمريكي في مواجهة الضغوط الدولية.
وما يثير الدهشة أن الإدانات التي وجهها اليمين الأمريكي بشأن تلك القافلة، لم توجه ل"إسرائيل" بل إلى أوباما، وزعم توني بلانكلي، وهو زميل في مؤسسة "هيرتدج" وهي مؤسسة بحثية محافظة في واشنطن، في مقال له بصحيفة "واشنطن تايمز" أن الأضرار التي لحقت بسمعة "إسرائيل" واستقلالها السياسي نتيجة لمسألة أسطول الحرية تعد نتيجة للتراجع في وقوف الولايات المتحدة إلى جانب "إسرائيل"، وأن لعب أمريكا دور "الوسيط النزيه" بدلاً من "الحليف لإسرائيل" يلحق الضرر ب"إسرائيل" ويطلق العنان للقوى المعادية التي تتسم بها المنطقة.
ويرى الكاتب ستيفن وولت، في مقال له بمجلة "فورين بوليسي" أنه عندما كانت هناك روابط عسكرية واستراتيجية قوية بين تركيا و"إسرائيل"، كان المحافظون الجدد يدافعون عن الحكومة التركية، حيث وجه العديد من أعضاء الكونجرس انتقادات لتركيا، إلا أن الإدارة الأمريكية، كما يذهب "توني جوت" مدير معهد ريمارك في جامعة نيويورك في مقال بـ "نيويورك تايمز"، تعي أهمية تركيا كحليف رئيسي في المنطقة، وأنه من دونها لن تحقق الولايات المتحدة سوى القليل من أهدافها الإقليمية، سواء فيما يتعلق بإيران أو أفغانستان أو العالم العربي.
وحسب الكاتب الأمريكي جوش روجين، في مقال له بمجلة "فورين بوليسي"، فقد أشعل التوتر الأمريكي الإسرائيلي الخلاف داخل الإدارة الأمريكية، حول السبل الكفيلة بتحقيق السلام في الشرق الأوسط، وأن إخفاق أوباما في فرض شروط ومحددات للعلاقات الأمريكية مع "إسرائيل"، يؤكد أن الولايات المتحدة تضع مسألة استمرار علاقاتها القوية مع "إسرائيل" فوق أمنها القومي.
والحقيقة إن إخفاق "أوباما"، رغم رغبته، في الضغط على "إسرائيل" يرتبط بدرجة كبيرة بإخفاق خطته في إحداث اختراق كبير للوبي الصهيوني داخل بلاده، ذلك أنه رغم انقسام هذا اللوبي على نفسه بظهور مجموعة "جي ستريت"، وهي مؤسسة بحثية يهودية تقدم تحليلات موضوعية عن العلاقات الأمريكية - الإسرائيلية، وتنادي بالسلام بينالفلسطينيين و"إسرائيل" بناء على فكرة الدولتين وحدود 1967، ولجوء "أوباما" إلى تعيين مؤيدين معروفين ل"إسرائيل" كرؤوس حربة في مواجهة اللوبي اليميني كـ "رام إيمانويل" - رئيس موظفي البيت الأبيض - وهو نجل "بنيامين إيمانويل" الذي كان عضواً في منظمة "أرجون" المسؤولة عن تفجير فندق الملك "داود" ومجزرة "دير ياسين".. وغيرهما، و"دافيد اكسلرود" كبير مستشاري البيت الأبيض و"هيلاري كلينتون" وزيرة الخارجية، إضافة إلى وجود تطورات تشير إلى تقلص هيمنة التحيز الموالي ل"إسرائيل" في المؤسسات الصحفية، وتوجيه رؤى ناقدة للتأثيرات المبالغ فيها للوبي الإسرائيلي..
رغم ذلك.. استطاع اللوبي الموالي ل"إسرائيل"، وخصوصاً اللجنة الأمريكية - الإسرائيلية للشؤون العامة "إيباك"، التي باتت توصف بأنها "دولة داخل دولة" بعد أن اختطفت النظام السياسي الأمريكي، رغم كل ما يثار من شكوك واتهامات حول علاقاتها المشبوهة ب"إسرائيل"، استطاع أن يجهض كل تلك الخطة، وظهرت مقالات تصف أوباما بأنه "أكبر عدو لإسرائيل"، كما بدأ بعض وسائل الإعلام الموالية لليهود، بنعت "رام إيمانويل" بـ "اليهودي الذي يكره نفسه"، ولهذا السبب وغيره كتغيير النظام الصحي وحرب أفغانستان انهارت شعبية "أوباما"، وانهارت معها خططه للضغط على "إسرائيل".
الخلاصة أن التوتر الأمريكي الإسرائيلي، يشير إلى مقاربة أساسية، هي: انتهاء حقبة الموافقة الأمريكية المطلقة على الإجراءات الإسرائيلية كافة التي كانت سائدة في عهد الرئيس السابق جورج بوش الابن، فتكتيكات السياسة الخارجية في عهد أوباما، والتشديد على أهمية التوصل إلى حل الدولتين في أسرع وقت ممكن، ومعركتها مع انحياز الداخل الأمريكي لصالح "إسرائيل"، جعل من وضع العلاقات الأمريكية - الإسرائيلية في الوقت الراهن أكثر تعقيداً وصعوبة، لكنه أعاد بعض التوازن، ولو ظاهرياً، للعلاقات الإسرائيلية - الفلسطينية، ومع ذلك، يبدو أن حماية أمن "إسرائيل" هو أحد الثوابت الأمريكية التي لا يمكن المساومة عليها، كما أن إصرار الولايات المتحدة على منع "إسرائيل" من ضرب إيران قد يؤدي في نهاية المطاف إلى دعم موقف نتنياهو أمام أوباما، ومن ثم ضياع ما حققه من تحولات ضئيلة في مجال احتواء نفوذ اللوبي اليهودي الموالي ل"إسرائيل". صحيفة أخبار الخليج البحرينية