العلاج الشيوعي للتطرف الديني.. مساوئ ومهالك

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
العلاج الشيوعي للتطرف الديني.. مساوئ ومهالك
سالم البهنساوي2.jpg

بقلم المستشار سالم البهنساوي

"خروتشوف" أمر أتباع الشيوعية بالتظاهر بالإيمان بالأديان

أقرَّ الشيوعيون- الذين ينكرون الألوهية، ويرددون قول إمامهم "كارل ماركس": "الدين أفيون الشعوب"- أن "خروتشوف" قد أمرهم بأن يتظاهروا بالإيمان بالأديان؛ حتى يصبح لهم مكان في المجتمعات التي تؤمن بالله ورسله.

ومن هنا رأينا سدنة الفكر الماركسي يكتبون عن التجديد في الفكر الديني، ومن خلال هذه الخطة وهذه الخديعة استتر هؤلاء في الأدب وفي التجديد والتنوير؛ وذلك لأهداف لا يعلنونها، هي:

1- معارضة ثبات القيم الروحية والأخلاقية.

2- تحريض المرأة على القيم والتقاليد الإسلامية.

3- إضعاف العقيدة الإسلامية في مواجهة العقيدة الشيوعية.

4- الإشادة بالعمل البدني وتمجيد أصحابه، والحطّ من العمل الذهني، والاستخفاف بأصحاب المصانع والمزارع ورءوس الأموال.

بعض الكتب التي تحمل هذه الرسالة الشيطانية ترى اصطناع جوٍّ شرقي إسلامي لها؛ من أجل الدعاية للشيوعية في البيئة الأوروبية، وقد كشف هؤلاء الدكتورُ "محمد البهي"- وزير الأوقاف المصري الأسبق- في كتابه (الفكر الإسلامي الحديث وصلته بالاستعمار الغربي 30-32م)، فذكر أن الدكتور "مصطفى محمود"- قبل عدوله عن الفكر الشيوعي- نشر كتابه (الله والإنسان)، ضمن سلسلة (كتب للجميع)، تحت رقم (113)، تحدث فيه عن الصراع بين العمال وأصحاب العمل، وزعم أن "الأديان سبب شقاء الإنسان؛ لأنها تحرم الزنا" (ص:54)، وأصبح الدكتور " مصطفى محمود " من أعلام الفكر الإسلامي، وكفَّر عن هذا الماضي السيئ بكشف سوء الفكر الشيوعي والمادي.

وحسبنا أن نذكر أن الزنا الذي حرَّمه الله تعالى في جميع العصور وفي جميع الشرائع أصبح مصدرًا لأحد الأمراض وهو مرض الإيدز، مما يكذب ادعاءات الشيوعيين والعلمانيين.

ومن الكتب التي تحمل هذا المنهج كتاب لـ"رشدي صالح"، تعرَّض فيه لـ"ابن خلدون"، وقد تم نشره ضمن سلسلة (كتب للجميع) برقم (115)، وفي هذا الكتاب افترى الكاتب على "ابن خلدون"، ونسب إليه ما لم يخطر في باله أو بال أي مسلم؛ فهو يتحدث عن التفسير المادي الاقتصادي للتاريخ، متقوِّلاً على "ابن خلدون" أنه ينكر ثبات القيم الإسلامية في الأخلاق والمثالية، وفي الله والروح، مفسرًا إياها بالطعام والاقتصاد... كما يقول المؤلف: "وأما الأئمة فرجال ضائعون يتربحون على الطرق، يقولون للتتار والأكراد إن أبواب الجنة مفتوحة للصديقين والشهداء، وهم يعلمون أن الجنة لم يوعد بها الفاسقون ولا القتلة"(!).

والأسلوب نفسه، الذي استخدمه "رشدي صالح"، كان قد استخدمه أستاذنا " خالد محمد خالد "؛ حيث كان قد قدم علماء الأزهر كأنهم كهنة الكنيسة في القرون الوسطى، فقال: "رأينا الكهانة المصرية (علماء الأزهر) تختط مذهبًا عجيبًا؛ إذ راحت تمطر الناس بخرافاتها، داعيةً الناس إلى القناعة المقدسة، بيد أن الكهنةَ- أنفسهم- ألد أعداء القناعة"(!).

ومن نعمة الله علينا وعلى شيخنا " خالد محمد خالد " أن تاب الله عليه، واعتزل هذا الفكر، وكرَّس جهده لمحاربته، وأصدر في ذلك عدة كتب، ذكر في أولها- وهو ( الإسلام والسلطة )- أن منهجه في الماضي قد وقع في خطأ جسيم بالربط بين الإسلام وصكوك الغفران في المسرحية، مع الفارق الجوهري والمعلوم للباحثين.

إنه من الخطأ البيِّن في علاج التطرف الديني أن تستخدم بعض الأجهزة هؤلاء الشيوعيين؛ حيث كانوا حربًا على الإسلام والمسلمين؛ وهو ما أشعل التطرف الديني حتى وصل إلى الإرهاب عند بعض الشباب.

إثارة المشاعر الإسلامية:

إن من وسائل العلاج الخاطئ للتطرف والإرهاب أن تم استئجار بعض رموز اليسار والشيوعيين، الذين تهافتوا في منح ولائهم للبرجوازية العربية، التي كانوا يناصبونها العَداء قبل انهيار الاتحاد السوفييتي، وانهال هؤلاء طعنًا في الإسلام ونُظُمه وشرائعه- بل وعقائده- تحت ستار الحريات.

وهذه الحرية لا وجود لها في كشف الفساد والتصدي له، ولو حدث شيء من ذلك بمعرفة غيرهم، تطوعوا بالدفاع عن الانحرافات بصورة تجعل المسئول فوق البشر، ولا يسأل عما يفعل، ومن تجرَّأ على سؤاله واستجوابه، انهالت أسلحتهم في جسده تمزيقًا؛ لأن النقد إن هو إلا تشكيك في المسئول... هذه الأقلام تنادي اليوم بنشر رواية (أولاد حارتنا)، ونشر كل ما هو ممنوع من قبل؛ بدعوى أن عصر (التنوير) قد بزغت شمسه؛ وذلك لمواجهة الإرهاب..

إن الدكتور "لويس عوض" مع انتمائه للماركسية- التي ضحى من أجلها بقيمه الدينية- يخرج عن منهج أصحابه الشيوعيين، ويؤيد المظاهرات التي اندلعت في أوروبا وأمريكا ضد عرض فيلم (غواية المسيح الأخيرة) لليوناني "كازاناكيس"، هذا الفيلم يشترك مع رواية (أولاد حارتنا) في جزئية صغيرة تتعلق بالسيد المسيح، فيما نسبوه إليه- زورًا- من زواجه بالمجدلية.

"لويس" يؤيد عشرات المظاهرات التي قامت في لندن ونيويورك، مطالبةً بوقف عرض الفيلم؛ لأنه يسيء إلى السيد المسيح، ويقول: "وجدت شغَبًا في أمريكا أثناء عرض الفيلم، فدخلت السينما لأعرف الحقيقة، فوجدته مؤذيًا للشعور والتفكير السليم، ويبعث على الاشمئزاز، فانصرفت بعد ساعتين من العرض وقبل النهاية".

ونجد أن "نجيب محفوظ" رمَز للسيد المسيح باسم "رفاعة"، باعتبار أن القرآن قد ذكر أن الله تعالى قد رفعه إلى السماء، وقدم "نجيب محفوظ" السيد المسيح في (أولاد حارتنا) على النحو المذكور، فرواية (أولاد حارتنا) أكثر افتراء على السيد المسيح من رواية اليوناني الكاذب، ومع هذا تتعالى الأصوات حاليًا لإعادة نشر (أولاد حارتنا)، على الرغم من قرار مجلس الوزراء المصري بضرورة احترام القرار السابق الصادر في عهد "جمال عبد الناصر" بمنعها.

نقد الخطاب الديني:

رفض فريقٌ من الشيوعيين العرب العرضَ الذي قُدم إليهم في مارس سنة 1964 م، وهم في سجن الواحات، ويتضمن أن تكون لهم حرية الكتابة عن الشيوعية وقيادة العمل الإعلامي بشروط:

1- أن يكون "جمال عبد الناصر" هو رمز الكفاح، وليس "لينين".

2- أن ينهي الحزب الشيوعي المصري تشكيلاته كلها، ويندمح في الاتحاد الاشتراكي.

3- أن يتم تعويض جميع المعتقلين والمسجونين عن فترة حبسهم.

ورفضت قياداته- كهلة وشبابًا- هذا العرض؛ لأنه في نظرهم خيانة لمبادئ "لينين"، وكان من الرافضين "أحمد فرج" و"جمال الغيطاني" و"غالي شكري" و"سيد خميس" وغيرهم، حسبما أورده "غالي شكري" في كتابه (الأرشيف السري للثقافة المصرية، 87- 99).

لقد وعد "جمال عبد الناصر" الشيوعيين- عند الالتفاف حول قيادته، والعمل بهذه الشروط- أن توحَّد الجهود للإسراع في طريق التحول السلمي نحو الاشتراكية العلمية، ومع هذا رفضت هذه الشخصيات هذا العرض وهذه الوعود؛ لأنها خيانة لمبادئ "لينين"، وهؤلاء تناسَوا ذلك تمامًا، ويقودون حملةً لنقد القرآن الكريم وخيانةَ الله ورسوله تحت ستار من الحرية ونقد الخطاب الديني.

إن الذين رفضوا الأخذ بالشيوعية المحلية- لأنها خيانة لعالمية الشيوعية- هم الذين دافعوا عن "سلمان رشدي" في سبِّه للنبي- صلى الله عليه وسلم- وأزواجه، وعن "فرج فودة" في سخريته من القرآن الكريم، وعن "تسليمة نسرين" في نقد القرآن الكريم، وعن "نصر أبو زيد" في نقده للقرآن الكريم وسبه للصحابة وسخريته من الشريعة؛ حيث إن من كتاباته مؤلفات معروفة حول مفهوم النص القرآني وانتقاداته للفهم السلفي للنصوص.

والكاتب "خيري شلبي" يرى أن هذه القضية جزءٌ من مسلسل الإرهاب الذي نعيشه في العالم العربي، ويقول: "أَنْ يُمنع أستاذ جامعي من الترقية بسبب اختلافه في الرأي مع لجنة الترقية فهذه جريمة، وإذا ما كان هذا الأستاذ ظاهرة إيجابية وأكاديميًّا مفكرًا مثل "نصر حامد أبو زيد" فإن الجريمة تكون عظيمة؛ لأنه في رأيي من مفكري الإسلام العصريين، الذين يلتزمون بتغليب العقل على العاطفة، وبالنهج العلمي، وقد درس فكر التأويل عند المعتزلة، وقدم كتابًا من أخطر الكتب الحديثة، وهو (مفهوم النص)، محاوِلاً ترشيد الخطاب الديني المعاصر، وأعتقد أن هذه جريمته التي يعاقب عليها الآن، والتي عوقب عليها من قبل "طه حسين"- حسب قوله.

والكاتبة الصحفية "فريدة النقاش" اعتبرت ذلك ضربةً قاسيةً لحرية البحث والفكر والاعتقاد، قامت بها جامعة القاهرة التي تعود بذلك 70 عامًا إلى الوراء، وترى أن تقرير مجلس الجامعة عبارةٌ عن فتاوى للإرهاب؛ حيث إنه يشكك في عقيدة صاحب الإنتاج الفكري، ويحكم عليه في دينه بدلاً من الحكم على إنتاجه الذي هو موضع التقييم، وهذا- في رأيها- تحريض سافر للجهلاء ضد التفكير العلماني الحر الذي يعمل فيه "نصر أبو زيد" بعقلية النقدي، وتطالب "فريدة النقاش" المثقفين المصريين من كل الاتجاهات بالتصدي- دون هوادة- لهذا التدهور الذي يهدد الحياة الثقافية في الصميم(!).

وتساءل د. "غالي شكري" عما إذا كان هناك إرهابٌ آخر داخل جدران الجامعة، كامتداد للإرهاب الأصولي؛ حتى تتحول الجامعة إلى محاكم تفتيش، وتتخلى عن أبسط المبادئ الجامعية في البحث العلمي الحر والاستقلال والدفاع عن العقل، ويعتبر القضية بمنزلة ناقوس الخطر الذي ينبغي أن يدق- بكل قوة- في آذان الرأي العام.

كما يعتبر "غالي شكري" "نصر حامد أبو زيد" أحد الورثة اللامعين لأعظم تقاليد الجامعة ورموزها الكبيرة؛ لأنه يخرج بفكره إلى الشارع ليدرب العقول على التفكير بحرية، وأنه من القلة القليلة الذي يرتبط عملهم الفكري بالعمل الوطني العام، وإن أعماله قد شقَّت له طريقًا في طليعة هذا الجيل من المفكرين، الذي يتصدى بشجاعة لمواجهة الإرهاب، ويرى د. "غالي" أن القضية ليست مسألة ظلم ولا ترقية؛ وإنما هي حيثيات لجنة الترقية التي تشبه محاكم التفتيش، من حيث بُعدُها البعيد عن التقويم العلمي، وقربها من الحكم على الضمائر والتفكير. ويعتبر الناقد المعروف "فاروق عبد القادر" أن تكفير الأستاذ "نصر" في جامعة القاهرة فضيحةٌ أكاديميةٌ كاملةُ الشروط تهدد حرية البحث العلمي وحق الاجتهاد، وهي قنبلة لا تختلف كثيرًا عن قنابل الإرهاب التي تنفجر في وسط المدينة، والتي تبدأ بتكفير الآخر، ثم ممارسة الإرهاب ضده.

وإذا تركنا هذه المغالطات التي تدَّعي أن اللجنة العلمية- التي رفضت البحوث- إنما رفضت ذلك لنظرها إلى نية الكاتب وضميره، وتركت النظر فيما كتبه، وجدنا وصف د. "فؤاد زكريا" ما تعرض له الدكتور "نصر أبو زيد" أنه محنة أخلاقية، بزعم أن التقرير الذي وُضع يعتبر أقل التقارير التي كتبت في مستواه العلمي، وأكثرها هبوطًا، فهو عبارة عن مجموعة من الأحكام العامة والانطباعات الشخصية، ولم يحاول صاحب التقرير- ولو لمرة واحدة- أن يناقش قضيةً واحدةً من القضايا العلمية التي ناقشها الدكتور "نصر"، وأضاف الدكتور "فؤاد زكريا" قائلاً: إن صاحب التقرير السلبي هوجم في كتاب (نقد الخطاب الديني)، عندما هاجم الدكتور "نصر" شركات توظيف الأموال؛ لأن كاتب التقرير كان يشغل منصبًا مهمًا في إحدى هذه الشركات الشهيرة، وكان يجب عليه أن يتنحَّى، ولكنَّه استمر في كتابة التقرير.

وتعرض الدكتور "فؤاد زكريا" لكتاب الدكتور "نصر" فقال: "الخطاب الإسلامي مرَّ بمراحل متعددة منذ ظهور الإسلام وحتى الوقت الحاضر، وما يقصده الدكتور "نصر" هو الخطاب الديني الذي تقوله الجماعات الدينية المعاصرة، التي توصف بالتطرف، وتهدف من وراء أفكارها إلى الاستيلاء على الحكم، والدكتور "نصر" يدافع عن الإسلام إذا فهم بمعناه الصحيح، ويهاجم الخطاب الديني الذي يحصره في جانب معين...".

فالنص الديني- والكلام للدكتور "فؤاد زكريا"- يخاطب الإنسان، وهذا الخطاب لابد أن يمر بـ(فلتر) معين؛ وهو العقل البشري، وهذه الحقيقة يجب ألا تثير أحدًا أو تُغضبه، ولا تنطوي على أي كفر؛ بهذا يصبح إنكار "نصر أبو زيد" للتشريع الإسلامي وادعائه بأن الفيلسوف "ابن عربي" نبي، وطعنه في الصحابة والخلفاء.. يصبح كل هذا الضلال دفاعًا عن الإسلام، كما يزعم "فؤاد زكريا"، ويتحول "نصر أبو زيد" فجأةً إلى عدو لشركات توظيف الأموال؛ ولهذا رفضت الجامعة ترقيته، مع أن هذه الشركات قُضي عليها قبل أن يكتب "أبو زيد" بسنوات.

وفي تشجيع آخر لهذا الاتجاه الذي تسانده أجهزة الإعلام بدأ الدكتور "مصطفى مندور" كلامه قائلاً: أؤكد أن الابتزاز غير بعيد تمامًا عن هذه اللجان، وأنا أقدم تهنئتي لهذا الرجل الشجاع- دكتور "نصر"- في زمن يشعر فيه الكثيرون برهبة الاقتراب من هذه القضايا، وما فعله الدكتور "نصر" أنه رأى أن ما يقال عن أقوال السلف بأنه هو الحقيقة الخالصة كلام غير صحيح؛ لأنه اجتهاد يحتمل الخطأ ويحتمل الصواب، وقد وقف مع بعض أقوال السلف التي اجتهدوا فيها، ثم ناقَش هذه الآراء، وتوصَّل إلى أن هذه الآراء يجب ألا تكون حجْبًا لإعمال العقل بعد أن زلَّ فيها، وهذا من حقه؛ لأن المفروض أن يصدر كل قرار للإنسان عن العقل البشري بكل مقوماته الثقافية والاجتماعية وغيرها.

وقد قال الدكتور "نصر" إنه لا توجد قراءة بريئة، فهناك نوعان من القراءات، تلك التي أحاول أن أستخلص منها شيئًا، وهناك القراءة المغرضة التي تحاول تلوين النص، وهو يفرق بين النص الديني بطبيعته القدسية، والجانب البشري الذي يُعمل الاجتهادات والتفسير.

وقال الدكتور "مصطفى مندور": كانت الريادة لمصر في الفكر والثقافة، فإذا جاء عصر وتُركت الثقافة نهبًا لمجموعة من الناس تخرب في عقول الشباب، فإنه لو كانت هناك فرصة لمصر لكي تخرج مما هي فيه يجب أن نترك الفرصة لمن يحترمون عقولهم لأن يقولوا ما يروجون به، خاصة من يتحدثون منهم عن الخطاب الديني، وعلى أولي الأمر أن يدركوا أن هذه المحاولات تهدف إلى تكوين إنسان موضوعي سويٍّ، لا يعيش على حضارة الماضي ويقف عندها.

وتحدث الدكتور "جابر عصفور" فقال: "الخطاب الديني بشري بالضرورة، ولا وجود للخطاب الديني خارج دائرة البشر، ويجب أن نفرق بين الخطاب الديني والنص، فالخطاب الديني تاريخي بالضرورة؛ ولذلك يتصف بالتناقض والتصارع، والسائد هو الخطاب النقلي الذي ينفي العقل؛ ولأن الخطاب الديني نقلي سلفي فهو خطاب يعادي العقل وينفيه، وهذا الخطاب يتفق، ويناسب أي نظام سياسي مستبد؛ لأنه يمثل أجهزةً (أيدلويوجية) يحمي وجودها، ويروج لفكرة الخوف من الشيخ والالتزام به، وفي الوقت يروج لفكرة الخوف من الدولة أو الشخص المدني الممثل لها، وهو بهذا المعنى صورة أخرى من كل خطاب ينفي حرية الرأي وحق الاختلاف، حتى لو زعم أنه مع حرية الرأي.

إن مِن نكَد الدنيا على المسلمين في عصرنا أن يتخلى اليهودي والمسيحي عن شيوعيته إذا تعلق الأمر بإهانة رسوله ودينه، كما فعل "لويس عوض" في الاتهام الموجَّه للسيد المسيح، وبهذا اختار الموقف الصحيح.

وكما فعلت حكومات أوروبا وأمريكا عندما منعت عرض الفيلم الذي يسيء إلى السيد المسيح، وأن يتخلى بعض الشيوعيين عن المناصب إذا تعلق الأمر بتطويع مفهوم الشيوعية بقبول الشيوعية المحلية، واعتبروا ذلك خيانةً لمبادئ "لينين"، أما المسلمون فيطلب منهم أن يعتبروا الطعن في النبي- صلى الله عليه وسلم- وزوجاته نقدًا للخطاب الديني وليس نقدًا للدين، والطعن في قول الله تعالى: ﴿وَمَن لَّمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾ (المائدة: 44)، وادعاء أن هذه حاكمية للناس وليس لله؛ لأن القرآن يطبقة بشر، فالنقد موجه إليه وليس موجهًا ضد الدين.

وهم يعلمون أن النقد موجه ضد نصوص القرآن والسنة النبوية في ثوب تفكري خدَّاع، يزعم أن النقد لمفاهيم الناس ليس للدين، ومن نكد الدنيا على الثقافة والمثقفين أن تصبح هذه الطعون دفاعًا عن الدين ضد (الهرطقة)، وأن يصبح قول أحدهم: يجب السماح للمسلمة بتزوج غير المسلم؛ لأن نقد الخطاب الديني ليس نقدًا للدين، لقد قال الله تعالى: ﴿لاَ أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ* وَأَنتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ* وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ* لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ* أَيَحْسَبُ أَن لَّن يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ﴾ (البلد: 1- 5)، فجاء "فرج فودة"، وقال: من يفتي معنا بحِلِّ هذا البلد؟ من يقول معنا أن الانسان خُلِق من كبد؟ من يقسم معنا لوالد ما ولد؟

هل يصبح ذلك نقدًا للخطاب الديني، بمعنى أنه نقد لفهم المسلمين الخاطئ للدين؟ أم أنه نقد صريح للقرآن الكريم؟ وعندما يصدر كتاب بعنوان: (مواجهة الفكر المتطرف في الإسلام)، ويباع الكتاب بنصف تكلفته، ويروَّج له في وسائل الإعلام، وتكون المواجهة ليست مع فكر التكفير، بل مع نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية، هل يصبح هذا نقدًا للفكر البشري والخطاب الديني؟ إنه نقد للدين نفسه، لقد طعن هذا الكتاب في الحديث النبوي الشريف: "ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه"، وقالوا: إن الملاحدة يريدون عدم التقيد بالقرآن الكريم والأخذ بالخرافات؛ بدعوى أنها أحاديث للرسول- صلى الله عليه وسلم.

لقد ورد في الكتاب أن الحديث النبوي: "إنا أمة أمية" مدسوس على البخاري، وهم يعلمون أن الله تعالى يقول: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ﴾ (الجمعة:2)، ولما كان فقهاء الإسلام قد دافعوا عن صحة هذه الأحاديث النبوية، فلا يجد الكاتب سوى الطعن في "ابن تيمية" و"النووي" وغيرهم من الفقهاء؛ وبهذا يعالج التكفير والتطرف والإرهاب بتحريم زواج المسلم بالمشركات، وتحريم زواج المسلمة من غير المسلم، وهؤلاء- ومن ساندهم- لا يجهلون أن الله هو الذي حرم هذا، فقد قال تعالى: ﴿وَلاَ تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ﴾، ﴿وَلاَ تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا﴾ (البقرة:221)، ثم استثنى الله زواج المسلم من اليهودية أو النصرانية، وذلك بقول الله تعالى: ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ﴾ (المائدة: 5).

فلا يملك مسلم بعد ذلك أن يقول إن تحريم زواج المسلمة من غير المسلم من بنات أفكار الأصوليين والمتطرفين وأصحاب التيار السياسي، وهؤلاء ليسوا معصومين من النقد؛ لأن الحكم هو حكم الله الذي لا خلاف في فهمه لدى المسلمين جميعًا، ونقد هذا الحكم هو نقد لله، وليس نقدًا لتفسير بشري خاطئ لكتاب الله أو سنة رسوله- صلى الله عليه وسلم- لهذا فقد أدى مثل هذا العلاج المتطرف إلى المزيد من التطرف والإرهاب، فاعتدى بعض الشباب على "فرج فودة" وهذا خطأ، ولكن العلاج الخاطئ قد أدى إلى هذا.

المستعمر البريطاني والمشاعر الإسلامية:

إن المستعمر البريطاني- الذي كان يحتل مصر ويحكمها حكمًا مباشرًا- رأى ألا يمس المسلمين في مشاعرهم بنفسه في أي تحريف أو تغيير لمفاهيم الدين الإسلام، فكان له أعوان ومستشارون من المصريين استطاعوا أن يسخِّروا القاضي الشرعي الشيخ "علي عبد الرازق"؛ ليصدر كتابًا باسم (الإسلام وأصول الحكم)، زعم فيه أن الإسلام دين روحي أي مثل المسيحية، ولا تتصل أحكامه بأمور الدنيا، وهو في ذلك يمهِّد لتقبل الجريمة الكبرى والخيانة العظمى المتمثلة في أسقاط الخلافة العثمانية، وتوزيع بلاد العرب كتركة للوارث اللقيط، وهو بريطانيا وفرنسا، ولما وجد هؤلاء أن العرب والمسلمين قد استكانوا ولم يقاوموا هذه الجريمة المقصودة، وكان الحليف الأكبر لهم وهو حزب (الاتحاد والترقي) قد استولى على الحكم في تركيا بقيادة الثعلب الماكر "كمال أتاتورك"، في حين احتلت دول الحلفاء في الحرب العالمية الأولى أراضي الخلافة العثمانية- ومنها العاصمة إستانبول)- اشترطوا على الحكومة الجديدة في تركيا في مفاوضات (لوزان) أن تُمهد بإجراءات بموجبها تَقبل هذه الدول الانسحاب من هذه الأراضي فاشترطوا:

1- إلغاء الخلافة الإسلامية وإبعاد الخليفة عن تركيا.

2- أن تقطع تركيا الصلات الدينية بالدول الإسلامية.

3- أن تضع دستورًا علمانيًّا (لا دينيًّا)، بدلاً من دستورها المستمد من الإسلام.

ولقد كانت بريطانيا وفرنسا في البداية أكثر حرصًا على مشاعر المسلمين، فلم تعلن هذه الخطة والشروط التي اتفقت عليها بريطانيا وفرنسا سرًّا في اتفاق أُبرم في سنة 1904 م، وسمِّي بالاتفاق الودي، وتحالفت مع المسلمين؛ ليقوموا بدورها، وهؤلاء كانوا على درجة الخداع والنفاق نفسها، فقد قدم "كمال أتاتورك" نفسه على أنه حامي الدين والخلافة، وقاد الجيوش التركية ضد بريطانيا التي اتفقت معه؛ لتنسحب أمامه ليكون بطلاً قوميًّا، ومن خلال هذه البطولة وفي نشوة النصر المفتعل يتم إلغاء الخلافة الإسلامية، وإبعاد الدين الإسلامي عن الحياة- وهو ما نفذه الثعلب الماكر- فعلى سبيل المثال فقط:

1- في سنة 1923 م في كلمته لافتتاح مجلس الشعب ألغى القرآن الكريم من التشريع بقوله: "نحن الآن في القرن العشرين، ولا نستطيع أن نسير وراء كتاب تشريع يبحث في التين والزيتون".

2- أعلن إلغاء الخلافة الإسلامية، زاعمًا أنها خرجت على جوهر الإسلام؛ ولكي يخفي الحقائق أصدر دستورًا في إبريل 1924 م تضمنت مادته الثانية أن الإسلام دين الدولة، ولكنه من حيث الواقع خالف هذا النص فألغى الأذان والحج، وأغلق أكثر المساجد، وجعل يوم الأحد العطلة الرسمية بدلاً من الجمعة، وألغى المحاكم الشرعية والقوانين المستمدة من الشريعة الإسلامية، وأصدر قانونًا في 25/11/ 1924 م بمنع خروج المرأة بزيٍّ إسلامي، وأصدر قانونًا في 2/9/ 1925 م بإلغاء الجمعيات الدينية الإسلامية.

3- وفي إبريل 1928 م أصدر دستورًا جديدًا عدَّل فيه المادة الثانية بالنص على أن تركيا دولة علمانية، وألغى النص على أن الإسلام دين الدولة الرسمي.


نقلاً عن جريدة الأنباء الكويتية - 25/12/ 1997 م

المصدر

قالب:روابط سالم البهنساوى