العسكر وانتهاك المساجد بين السينما والواقع

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
العسكر وانتهاك المساجد بين السينما والواقع


توطئة

تعتبر المساجد بيوت الله سبحانه وتعالى على الأرض، لذلك جاءت الشّريعة الإسلاميّة لتولي المساجد اهتماماً خاصًّا ، وهي تحظي في الإسلام بمكانة عظيمة، حيث كان أول عمل قام به رسول الله أثناء بلوغه المدينة هي بناء المسجد، ولعل في ذلك إشارة واضحة لأهمية وجود المسجد في المجتمع الإسلامي الناشئ، وحضارة الإسلام التي أقامها لا تقوم إلا علي المسجد، ولا تصلح إلا بالمسجد.

حيث يؤمَّر المسلم باحترام المساجد باعتبارها مكان عبادة فلا يرفث فيها ولا يفسق ولا يرفع صوته ولا ينشغل فيها باللهو، وإنّ أهميّة المساجد في الإسلام لا تقتصر على كونها أماكن عبادة وصلاة وإنّما تتعدّد وظائف المسجد في الإسلام، فالمسجد جامعة علمية، كما كان المسجد علي عهد النبي وخلفائه الراشدين من بعده مركزاً للرئاسة وإدارة شئون الدولة، وكان يستقبل الوفود من الأقطار ومن الملوك في المسجد.

ولهذا كان للمسجد قدسيته في نفوس المسلمين على مر العصور، ولم يحدث أن تم انتهاكه إلا من العصابات الرافضة أو المغالين في الدين أو الفرق والمذاهب الضالة التي ابلي به الإسلام، أو من الكفار.

لكن في العصر الحديث ابتليت المساجد باقتحامها وتدنيسها من قبل بعض المسلمين الذين لم يعظموا شعائر الله ولم يتربوا عليها، واعتبروا هذه المساجد أماكن مباحه يجوز اقتحامها تحت أي مسمى.

اقتحام المساجد في السينما

على الرغم من أن السينما المصرية قدمت آلاف الأفلام إلا أن عدد الأفلام التي ظهرت فيها لقطات أو مشاهد للمساجد قليلة جدا، وقد تركزت في عدة نوعيات فقط لا تفي بما هو مطلوب من سينما في دولة عربية وإسلامية يمثل المسجد قاسما كبيرا من حياتها ولا تتفق هذه المشاهد مع طبيعة دور المسجد ولا مكانته في حياتنا، إلا أن المشاهد التي جمعت العسكر بالمساجد وضحت فيها قدسية المسجد، فتعامل المشهد معه بحرص شديد خوفا من إثارة مشاعر المسلمين، أو لاستشعار المؤلفين أهمية المساجد في نفوس الناس ولذا حاولوا تناول الموضوع من زاوية قدسية هذا المكان، كما أنهم حاولوا إظهار العسكر والجند بموقف الحريصين على بيوت الله وعدم تدنيسها.

ففي فيلم جعلوني مجرما لفريد شوقي ويحيى شاهين وسراج منير والذي أنتج عام 1954م والذي يعد أكثر الأفلام التي ظهرت بها مشاهد مؤثرة للمسجد حين لجأ فريد شوقي للمسجد للهروب من البوليس - بعدما قتل عمه الذي سرق حقه وشرده واضطهده حتى أصبح مجرما - وتحاشا البوليس اقتحام المسجد وطلب يحيي شاهين من البوليس أن يتركه للدخول عليه ودار حوار قوي من أقوي الحوارات في السينما المصري حين هم فريد شوقي بضرب الشيخ حسن ( يحيي شاهين ) ورفع يده في الوقت الذي رفع فيه الآذان ولعل نموذج الشاب الشيخ حسن هو الأكثر قربا للواقع الذي ننشده، وشهد المشهد قمة الأداء لفريد شوقي وقمة الأداء ليحيي شاهين (1).

كان مشهد تحفز البوليس والعسكر للمسجد شديد إلا أنه كان لديهم موانع وحجب تمنعهم من اقتحام المسجد وظلوا صابرين ومرابطين حول المجد حتى يجدوا سبيل للقبض على المتهم.

وأيضا في فيلم الإرهاب والكباب بطولة عادل إمام وكمال الشناوي والذي أنتج عام 1992م، حيث حاول المؤلف تصوير الحكومة ووزارة الداخلية في الثوب الملائكي والتي تعظم قدسية المسجد حيث وقف كمال الشناوي وهو وزير الداخلية فوق مئذنة المسجد يخاطب الإرهابيين الذين احتجزوا الناس في المجمع، لكن حينما رفع الآذان عظموا شعيرة المسجد ودخلوا للصلاة بالرغم أنهم لا يصلون وكأنهم غير معتادين عليها وأضيف للموقف طابع كوميدي واجتمعت الحكومة داخل المسجد لتقرير طبيعة الموقف الذي سيتم اتخاذه إزاء حجز المواطنين داخل مجمع التحرير وهي أيضا صورة ظهرت مع خالد زكي في فيلم (طباخ الرئيس) بطولة: طلعت زكريا، خالد زكي، حين مثل دور رئيس الجمهورية الذي نزل للشارع فلم يجد واحدا من الناس فتوجه للمسجد الذي كان خطيبه يهاجم الحكومة والدولة فلما جاء الرئيس أمامه غير كلامه مائة وثمانين درجة لكن لم يؤذيه الرئيس وكأن الوطن يرفل في نعيم الحرية.

ويضيف حمدي أبو بري: استخدام المسجد كمنبر سياسي ولإشعال حمية الوطنية وتأجيجها في نفوس الناس حيث ظهر ذلك في الواقعة الشهيرة للرئيس جمال عبد الناصر عند وقوع العدوان الثلاثي، حينما ألهب المشاعر بعد انسحاب القوات المصرية الرسمية وترك المجال للمقاومة الشعبية حين أدرك صعوبة مواجهة القوات المعتدية من ثلاث دول ويقول (أنهم إذا كانوا قد فرضوا علينا القتال فإننا لن نستسلم أبدا وسنبني بلدا ومستقبلا وتاريخا).

على الرغم أن الرئيس نفسه ومن جاءوا بعده زرعوا فكرة لا دين في السياسة ولا سياسة في الدين، فلم استخدمتم المسجد حال رغبتكم في ذلك، ولم تجبر الحكومات خطباء المساجد علي نقل رغبات الحكومة لجمهور المصلين عبر خطبهم ولم لا يظهر أي مسؤول في أي فيلم يؤدي الصلاة في المسجد (2).

الحقيقة في الواقع المر

كان أشهر حوادث اقتحام المساجد في العصر الحديث هو اقتحام جنود الحملة الفرنسية للجامع الأزهر أثناء ثورة القاهرة الأولى في 20 أكتوبر 1798م، حيث ألقت بالمصاحف وعاثت فيه إفسادا، وأغلقت القوات الجامع الأزهر لأول مرة في التاريخ أثناء الحملة الفرنسية (3).

ولم يذكر التاريخ أن العسكر المصريين اقتحموا المساجد، حتى أنه في ثورة عرابي أو ثورة 1919م هاب العسكر قدسية المسجد ولم يقتربوا منها.

إلا أن الحال تبدل بعدما احتل العسكر المناصب السياسية وأصبحوا حكام البلاد الفعليين بعد ثورة 23 يوليو 1952م.

لقد عمد عبد الناصر - بعدما أنهى على القوى التي كانت تناوشه على الكرسي من زملاءه في مجلس قيادة الثورة – إلى تحجيم دور المسجد، فسن القوانين المقيدة للأزهر، والتي قيدت المساجد من خلال وزارة الأوقاف ومراقبتها.

وعلى الرغم من ذلك إلا أن المساجد كانت لها قدسيتها، لكن مع مرور الوقت أصبحت المساجد أمام غارات العسكر ضعيفة، حيث تجرأ هؤلاء على دهس مشاعر المسلمين تحت بيادتهم وقاموا باقتحام المسجد.

ففي 28 أبريل 1986م، اقتحمت عساكر زكي بدر مسجد الرحمن بأسوان، وأطلقوا القنابل المسيلة للدموع داخل المسجد أثناء مؤتمر عقدته الجماعة الإسلامية هناك، ثم اقتحم مسجد الرحمن بالمنيا في نفس الشهر ثم اقتحم مسجد الجمعية الشرعية في أسيوط، ثم مسجد الرحمن فيها، وفي 20مارس 1987م اقتحم مسجد أنصار السنة في سوهاج أثناء صلاة الجمعة ثم مسجد الأنوار المحمدية بـعين شمس في صلاة التراويح، وفي نفس الشهر اقتحمت قوات الشرطة مساجد: التوبة والمنى والدعوة بمدنية إمبابة، ثم مسجدي آدم والنور بـعين شمس، ومسجد اليقين في شبرا، ومسجد الجمعية الشرعية في أسيوط، وثلاثة مساجد أخرى هي: الرحمة والسلام ومصعب بن عمير أثناء صلاة الفجر في سبتمبر 87.

وفي 22 أكتوبر من نفس العام اقتحمت قوات الأمن مسجد الرحمن بالمنيا، ثم مسجد الشادر في بني سويف، وفي عام 1988م اقتحمت قوات الشرطة مسجد الرحمن بأسوان في 29يناير، وفي 5 فبراير اقتحمت مسجد الإخلاص بإمبابة ،وفي 12أغسطس اقتحم مسجد آدم للمرة السادسة وأطلق الرصاص عشوائياً فقتل أربعة أشخاص من رواد المسجد أثناء الاقتحام (4).

العجيب أن النظام والدولة والمؤسسات لم تستنكر ذلك بل اعتبرته شئ مشروع، حيث استمر هذا النهج في فكر العسكر القائمين على الحكم.

ثورة يناير وعدم تغيير الواقع

فبعدما اندلعت ثورة 25 يناير وتنحى مبارك عن الحكم يوم 11 فبراير 2011م، تولى الحكم فريق من العسكر تمثل في المجلس العسكري، والذي اجتاح ميدان التحرير لإخلائه بعد التنحي بالقوة، في ظل سكرة ونشوة الناس بتنحية مبارك لم يبالي أحد بما جرى من العسكر، حتى تغلبت طبيعتهم في تناول موضوع المساجد، فما أن قام الشيخ حازم أبو إسماعيل يشاركه حركة 6 أبريل وأزهريون بلا حدود وثوار بلا تيار، بتحريك بعض المظاهرات تحت حكم العسكر في ميدان العباسية، إلا وقد تعاملت معهم القوات بالقوة المفرطة والتي دفعت البعض للاستعانة بمسجد النور للهروب من الضرب أو الاعتقال، إلا أن ذلك لم يمنع قادة الجيش من إصدار الأوامر للعسكر باقتحام المسجد وهم يرتدون البيادة يوم الجمعة 4 مايو 2012م واعتقال أكثر من ثلاثمائة مدني.كان من ضمنهم إعلاميين وصحفيين وطاقم قناة مصر25، بالإضافة لـ 13 فتاة كانت منهم هند عبد المتجلي المعيدة في كلية الإعلام.

وقد وصف الشيخ حافظ سلامة هذا الأمر بقوله: «ما رأيته لم أكن أصدق أنني سأراه طوال حياتي، فقد دخل الجنود المسجد بالأسلحة والأحذية، وهو ما لم يحدث في تاريخ الدولة المصرية والتاريخ الإسلامي بمصر».

حتى أن هدى عبد المنعم أمينة المرأة في « حزب الحرية والعدالة» (الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين) وصفت في بيان أن ذلك التصعيد غير مبرر من قبل الشرطة العسكرية و«غير معهود ولم نره من قبل، ما يدل على الشدة والتحدي لإرادة الشعب بشكل صارخ. ولم تكن تعلم ما سيقوم به العسكر من اعتقال مئات الفتيات والناس والحكم عليهن بالإعدام بعد ذلك (5).

رابعة وما بعدها

وقف الشعب صامتا أمام هذا العمل المشين، فكانت البداية لاقتحام المساجد بعد ذلك وقتل من فيها، وما حدث في مسجد رابعة العدوية يوم 14 أغسطس 2013م يعد وصمة عار في جبين كل ضابط وعسكري قام بالمشاركة في هذا العمل أو سكت عنه.

فمسجد رابعة نشأ عام 1993م وأصبح أشهر المساجد لخروج جنازات المشاهير منه وزادت شهرته بعدما تم اقتحامه من قبل العسكر وحرقه بمن فيه في مجزرة فض رابعة والتي راح ضحيتها الآلاف في صورة لم تحدث في بلاد كثيرة غير إسلامية، والتي جعلت التساؤلات تتوالى عن أسباب اقتحام العسكر للمساجد وانتهاك قدسيتها، متذرعين بالإشاعات التي أطلقوها أو أطلقها صبيانهم في الإعلام من أن هذه المساجد بها عناصر خطرة أو أسلحة – وهي الحجة التي اقتحم بها حمدي بدين مسجد النور عام 2012م ولم يجد شيء من ذلك.

كانت صورة اقتحام مسجد رابعة وحرقة تدل أن من قام به لا يعرف قدر لحرمة بيوت الله، خاصة أن المسجد لم يكن يتحصن به إلا الجثث، لكن كان القرار باقتحام المسجد بل وحرقه أغرب قرار سيظل يلاحق كل من شارك فيه.

الغريب أن اقتحام المساجد لم يتوقف بعد ذلك، فم يكد يوم اليومان حتى قامت قوات الجيش والشرطة باقتحام مسد الفتح يوم 16 أغسطس 2013م واعتقال من فيه، والتعدي على حرمات المسجد، وانتهاك حرمة الجثث التي كانت موجودة فيه.

وكأن اقتحام المساجد أصبح لعنة يطار العسكر أينما تواجدوا سواء بسبب أو بدون سبب.

بل بلغ بهؤلاء أن قاموا بقصف المساجد وتدميرها في صورة تنذر بشر في تناول هؤلاء العسكر مع المساجد.

ففي 15 سبتمبر من عام 2013م قامت قوات الجيش بقصف مسجد التوحيد بقرية المقاطعة في سيناء، وذلك بعد الأحداث التي شهدتها مصر عقب فض ميداني رابعة العدوية والنهضة.

الصورة التي كان عليها العسكر من قبل ثورة 3 يوليو أو التي حاولت السينما إظهارها أوضحت احترامهم لقدسية بيوت الله واحترامها.

لكن الواقع يشهد بارتكابهم الفظائع والانتهاكات في حق هذه المساجد والتي أصبحت في أحيانا كثيرة ساحة حرب لرصاص هؤلاء العسكر.

المراجع

  1. حمدي أبو بري: المساجد علي شاشة السينما بين الضرورة .. ورفض الصورة، الراية، السبت 21/9/1429 هـ - الموافق 20/9/2008م
  2. المرجع السابق.
  3. عبد الرحمن الجبرتي: عجائب الآثار في التراجم والأخبار، تحقيق عبد الرحيم عبد الرحمن عبد الرحيم، طـ1، دار الكتب المصرية، 1998م.
  4. مجلة السنة: العدد الخامس والعشرين، ربيع الثاني 1413هـ، الرابط
  5. أحمد رحيم: اقتحام الشرطة العسكرية «مسجد النور» يُثير جدلاً، جريدة الحياة اللندنية، 5 مايو 2012م، الرابط