العريان يتحدث عن نشأة التيار الإسلامي بالجامعات المصرية
محتويات
مقدمه

ظهور الجماعة الإسلامية في الجامعات لم يكن بتوجيه من أحد
كان الخيار إنشاء جماعة جديدة أو الانضمام للإخوان وهو ما اخترناه
الحكومة استعانت بالتيار الإسلامي لاحتواء الأوضاع في الصعيد والزاوية
يعتبر الدكتور عصام العريان واحدًا من رواد العمل الطلابي خلال فترة السبعينيات، تلك الفترة التي شهدت أخصب مراحل العمل السياسي والدعوي لطلاب الجامعات المصرية، كما شهدت صحوةً إسلاميةً كان لها أثر كبير في تحجيم تيارات العنف والإرهاب، واتجاه آلاف الشباب إلى أفكار الإسلام المعتدل، وفي السطور التالية نتعرَّف على شهادة الدكتور عصام العريان أحد قيادات الإخوان المسلمين حاليًا، وأول من أُطلق عليه لقب أمير الجماعة الإسلامية بجامعة القاهرة، والتي يستعرض فيها أثر نشأته الدينية على توجهه للفكرة الإسلامية، وكيف بدأت فكرة إنشاء الجماعة الإسلامية بالجامعات المصرية، ثم تعرف هذا الجيل النشيط من أبناء الحركة على جماعة الإخوان المسلمين التي شدت أفكارهم، ويؤكد العريان في شهادته أن الأداء المتميز فكريًّا وحركيًّا لطلاب ذلك الجيل مكن الإخوان من السيطرة على الأفكار المتطرفة والحدِّ من انتشارها، كما يحكي دورَه في السيطرة على العنف في جامعتي المنيا وأسيوط وأحداث الزاوية الحمراء.
نص الحوار
- كيف كانت ظروف النشأة والتكوين؟
- نشأت في قرية من ريف الجيزة (ناهيا) على بُعد 8 كيلو مترات من الأهرامات، ودرستُ فيها الابتدائي وتربيت في منزل متديِّن، وكنت أصغر إخوتي، وتوفي والدي وعمري لم يتجاوز 8 سنوات ثم تولَّت أمي تنشئتي؛ حيث كانت ترعى الأرض وقامت بتعليمنا جميعًا، والتحقتُ بمدرسة الأورمان الإعدادية ثم الثانوية العامة، وأصبح لي فريقان من الزملاء، أولهما زملاء القرية التي ما زلت أذهب إليها أسبوعيًّا حتى الآن، وزملاء الدراسة وهم من مستوى اجتماعي مختلف، ثم حصلت على مجموع كبير في الثانوية العامة، والتحقت بكلية الطب.
- وهل كان لنشأتك الدينية تأثيرٌ على تكوينك الثقافي والتزامك الديني بعد ذلك؟!
- بالطبع قد تنقَّلتُ بين عدة كتاتيب؛ حيث كنت مشاغبًا، ولم أستقر في كتَّاب واحد، فحفظت القرآن كاملاً وأنا في المرحلة الجامعية وثبَّتُّه في السجن بشدة، وخلال فترة الدراسة الثانوية كان لي أصدقاء نصلي سويًّا، وكانت في منزلنا مكتبة خاصة من المجلات الصادرة في فترة الأربعينيات والخمسينيات، وكوَّنت جانبًا كبيرًا من ثقافتي؛ حيث طالعت مقالات فكري أباظة وروايات إحسان عبد القدوس، وروايات عالمية، وغيرها.. وفي أحد الأيام أطاحت والدتي بهذه الثروة.. الأمر الذي أحزنني كثيرًا.
بداية الالتزام

- لكن متى بدأ توجهك نحو الالتزام الحقيقي؟!
- في إحدى الإجازات كدتُّ أُصعق بالكهرباء فحدثت لي صدمة كان لها تأثيرٌ كبيرٌ على حياتي فيما بعد؛ حيث جلست أفكر كيف سأقابل الله تعالى إذا متُّ في هذه اللحظة، ومنذ ذلك الحين قرَّرت أن أتعمَّق في الدين، وأخدم ديني بشكل جيد، وفي فترة الإعدادي والثانوي كنت أسكن بمنطقة الأزهر وأعود إلى بلدتي يومي الخميس والجمعة، وكان هناك أحد الباعة يقوم بعرض المجلات على سُور الأزهر الشريف، وقرأت عددًا كبيرًا من الكتب والمجلات عند ذلك الرجل، وبعد ذلك بدأتُ التعرُّف على الخطباء، وأشهرهم الشيخ كشك، وكان شقيقي الأكبر قد سافر في بعثةٍ للتدريس في إحدى الدول العربية، وأرسل لنا جهاز تسجيل، فكنت أحضر الخطبة وأسجلها حتى يسمعها أشقائي، وعندما ازداد شغفي بالقراءة بدأتُ الاطلاعَ على كتب الشقيقَين سيد ومحمد قطب.
- وهل كان اقتناعك بالدعوة الإسلامية مرتبطًا بالتحاقِك بالجامعة؟!
- جاء اقتناعي بالفكرة الإسلامية قبل التحاقي بالجامعة، وما حدث من تطور خلال دراستي الجامعية هو الانتقال إلى الدعوة على هذا الطريق، وزاد إحساسي بأن الموت قد يداهمني في أي وقت.
- تعتبر أحد مؤسسي العمل الإسلامي في الجامعة المصرية خلال فترة السبعينيَّات.. فكيف كان شكل الدعوة وقت التحاقكم بالجامعة؟!
- دخلت كلية الطب بالقصر العيني في عام 1971م، وبدأت مع عدد من زملائي ترتيب أماكن الصلاة، وكان هناك بالجامعة بعض الطلاب المتدينين الذين سبقونا في النشاط، وكان يرعاهم الدكتور/ محمد عبد المنعم أبو الفضل، وكان يطلق على تلك المجموعة الجماعة الدينية، وكان نشاطها يقتصر على إقامة الندوات، إلا أننا لم نكتفِ بذلك بل بدأنا تداول الكتب والمذكرات الدينية، وساهم وجودنا في القصر العيني في الاحتكاك بالمعتقَلين السياسيين، الذين كانوا يقيمون في معتقل المرضَى خلال هذه الفترة، وحينما تبلور تفكيرنا في عام 1972-1973م بدأت الحاجة لوجود نشاط أوسع، وكان الاسم هو المشكلة، وجلسنا نتباحث حيث وجدنا اسم الجماعة الإسلامية أكثر تقاربًا مع فكرنا.
- وكان الدكتور عبد الرحمن حسن هو أول رئيس لتلك الجماعة، وبدأنا التفكير نتيجة اتساع النشاط في استضافة طلاب من جامعات أخرى، وكان التوافق الأكبر مع جامعة الإسكندرية التي سارت في نفس اتجاهنا دون اتفاق مسبق، وبدأنا تنسيق نشاطنا، وكان هناك توجه في أن يتولى اللجنة الثقافية لاتحاد الطلاب أحد المتدينين؛ ولأن إدارة الجامعة كانت تتعنَّت مع الطلاب خاصةً فيما يتعلق بالميزانية فكرنا في الترشيح على مقاعد الاتحاد كله، وفي نفس التوقيت أرادت اللجنة الثقافية في عدد من الكليات إقامة معسكرات، وكان ذلك في صيف عام 1971م على مستوى الجامعة كلها، ومن هنا بدأ نوع من تبادل الخبرات واصطدمنا بالشغب الذي حدث في الجامعة وقتها، ولكننا لم نتدخل فيه.
العمل الطلابى الجامعى
- وماذا كانت نتيجة ترشيحكم على مقاعد الاتحاد كلها؟
- كانت تلك نقلة كبيرة في نشاطنا الطلابي؛ حيث تعتبر قفزةً نوعيةً؛ لأنها اقتضت قدرًا كبيرًا من التنسيق مع أعداد كبيرة من الطلاب للترشيح على قوائمنا؛ حيث كنا نتبادل الأفكار، وساهم حجم الفساد المالي في ميزانية اتحاد الطلاب إلى دفعنا إلى اتخاذ تلك الخطوة، وبعد سنتين استقرت سيطرتنا على اتحادات الجامعة، ولم يكن هناك توجيه من أي جهة أو صفقات، بل سار الأمر طبيعيًّا.
- وكانت اللقاءات تمهيدية لأول اتحاد طلابي إسلامي كامل، ولم يخلُ الأمرُ من مفارقات مضحكة، فحين قررنا دخول الانتخابات كان المسيطر عليها بعض أصحاب المصالح، ولم تكن هناك وجوه معروفة، وكنا اتجاه جديد ليس لدينا خبرات كافية في عدد من المجالات، فمثلاً حصلنا على اللجنة الفنية، ولم يكن في ذهننا ماذا نفعل فيها كما حصلنا في تلك الفترة على اتحاد طلاب المدن الجامعية، وكان هناك اتحاد مع الإدارة، وكنا نستخدم عددًا من أوراق الضغط، أهمها الإضراب الذي كان يمكن تفعيله بسهوله بحكم المعايشة الكاملة.
- وكان التوجه الخدمي هو الأصل لدينا، فإن كان اليساريون وغيرهم يتبنون قضايا قومية فنحن ركزنا في اتحاد الطلاب على الجانب الخدمي؛ مما ساعد في عدم وجود منافسين لنا؛ حيث كنا نطبع الكتب الدراسية للطلاب بأسعار رخيصة، وأقمنا رحلات للأقصر وأسوان ورحلات أخرى للحجِّ والعمرة بأسعار زهيدة، وكنا ندخل في مفاوضات مع الأساتذة لتعديل جداول الامتحانات وغيرها، وشعرت الإدارة أن هناك مساندةً شعبية للاتحاد الطلابي، فانسحبت الاتجاهات اليسارية باستثناء كليتي الإعلام، والاقتصاد والعلوم السياسية، ولم تكن تلك السيطرة في مصلحتنا؛ حيث كانت المنافسة دائمًا مع الاتجاه الحكومي الضعيف.
- وماذا كان موقعك؟
- دخلت اتحاد الطلبة منذ التحاقي بالجامعة في العام الدراسي 1975-1976م، وكنت أول من أطلق عليه أمير الجماعة الإسلامية، وكان ذلك خلال لقائنا مع الدكتور/ صوفي أبو طالب- رئيس الجامعة حينئذ، الذي طالبنا بأن يكون هناك ممثل واحد للطلاب يتحدث باسمهم، كما قمنا بتكوينمجلس شورى للجامعة.
- وماذا عن المعسكرات الطلابية الحاشدة التي كانت تعقد؟
- بعد المد الإسلامي الكبير بدأنا نزور جامعات أخرى وندعوهم إلى المعسكر السنوي الذي كان يحضره حوالي 1500 طالب غير الطالبات اللاتي يحضرنَ نهارًا، وتولَّيت قيادةَ هذا المعسكر لمدة ثلاث مرات، وكان يتمُّ فيه تقويم الأوضاع الطلابية، وكانت الجامعة تدعمنا بالوجبات فقط، ومما أعطى لهذا المعسكر دفعةً قويةً استضافتُنا للشيخ الشعراوي في عام 1975م؛ حيث قام بإلقاء محاضرة في إستاد الجامعة حضرها الآلاف.
- كان من الملاحظ أن كلية الطب تستحوذ على قيادة العمل الطلابي في تلك الفترة..!!
- كانت القيادة بالفعل في طب القصر العيني، وأتاحت سيطرتنا على الاتحاد اتخاذ مقره كمعسكر مصغَّر؛ حيث كنا نبيت فيه ليلة الخميس ونصوم، ثم نقوم برحلة خلوية للمقطم، وامتزجنا امتزاجًا شديدًا نتيجة هذه اللقاءات، وهو الأمر الذي أكد لنا قدرة الإسلام على تشكيل أتباعه عن طريق تلك التكليفات، مثل قيام الليل، والصيام.. كما تجلَّت لنا روعة هذه الجماعة في توظيف تلك العبادات لصياغة إنسان مكتمل؛ حتى لا يكون المسلم مفكرًا كبيرًا لكن سلوكياته منتقدة، فالتركيبة الإسلامية تقتضي أن يتواكب الالتزام الفكري مع الالتزام السلوكي والروحي.. الأمر الذي يؤدي إلى صبر بعض الأشخاص نفسيًّا لمدة 20سنة في السجون مثلاً، وهذه قدرة روحية هائلة.
- وكانت تلك الروح من أكثر الأشياء التي جذبتنا للإخوان؛ حيث تبينَّا صبرهم، رغم الممارسات البشعة التي تعرضوا لها، وكان باقي كليات الجامعة- عدا كلية الهندسة- تتبع قيادتنا في كلية الطب، فضلاً عن باقي الجامعات المصرية، وكان للكلية دورٌ كبيرٌ في الحياة العامة؛ حيث استضفنا صبغة الله المجدِّدي والدكتور محمد نجيب المطيعي، وبدأنا التفكير إلى أين يسير هذا المد الإسلامي المتزايد، وكان أمامنا طريقان إما تكوين جماعة مستقلة أو الانضمام إلى جماعة الإخوان، خاصةً أننا اقتنعنا بالعمل الجماعي، وظلت المجموعة التي كانت تقود العمل في تلك الفترة تفكر في الأمر لمدة عام كامل، وتكونت تلك المجموعة من الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح، والدكتور محمد عبد اللطيف، والدكتور محمود غزلان، والدكتور عصام حشيش، والدكتور سناء أبو زيد، وحسن توفيق، وأنا.
- وما النتيجة التي وصلتم إليها؟!
- حسمنا أمرنا وقابلت الأستاذ مصطفى مشهور، ثم قررنا بعدها أن نستفيد من تجارب الإخوان، الذين لديهم خبرة ومنهج سليم، رغم بعض تحفُّظاتنا على بعض سلوكيات الإخوان، ومنها أن عددًا منهم ليس ملتحيًا أو يعلِّقون صورًا في بيوتهم؛ حيث كانت الفكرة السلفية مغرية وذات بريق في ذلك الوقت، ثم بدأنا نفكر كيف نلتحق بالإخوان، فمن جانبي قمتُ بزيارة الشهيد كمال السنانيري وكان ذلك عام 1976م في منزله، وقابلني مقابلةً جيدةً، وقال: لا نستطيع أن نقبلكم مجموعةً واحدةً، بل كل شخص على حدة، وهذا ما أحبطنا.
وكان حظ زملائنا في الإسكندرية أفضل كثيرًا حيث سبقونا في التحاقهم بالإخوان، وكان ذلك أسهل بالنسبة لهم كثيرًا، كما سبقونا في إقامة صلاة العيد في الخلاء، وبعد ذلك كُلِّفنا من جانب الإخوان بالاهتمام بجامعات خط الصعيد، وبدأنا إصدار سلسة (صوت الحق) التي أصدرت أكثر من 22 جزءًا لكبار العلماء، كما أقمنا صلاة العيد في ميدان عابدين.
بداية الدعوه
- لم نعرف منك كيف وصلت إليكم فكرة الإخوان؟
- تعرفنا على الإخوان المسلمين عن طريق أكثر من مصدر، أهمها كتابات الإخوان التي تميزت بوضوح الفكرة والمنهج، والمصدر الثاني هم الدعاة، الذين كانت لهم صلة بالإخوان كالدكتور عيسى عبده، والأستاذ مصطفى مشهور، والمرشد التلمساني والأستاذ لاشين أبو شنب، والشيخ محمد الغزالي، فضلاً عن اللقاءات الفردية التي كانت تتم مع المعتقلين الذين كانوا يترددون على القصر العيني أو الذين خرجوا من المعتقلات، بالرغم من أن بعضهم كان ما يزال خائفًا؛ لأن فترة نهاية الخمسينيات والستينيات غرست رعبًا شديدًا في قلوب المصريين جميعًا، وكان بعضهم يخشَى علينا من تلك الحماسة، وهو ما تكرَّر في عام 1987م، حين كان الإخوان يخرجون في الشوارع بشعاراتهم المعروفة، فكان بعض الناس يبكي تأثُّرًا؛ لأنهم لم يرَوا ذلك المشهد منذ30 عامًا، وهذا يعكس أن التدين في مصر فطريٌّ منذ أن كان الفراعنة يضعون متعلقاتهم الشخصية في مقابرهم؛ انتظارًا للعودة، وهو الأمر الذي يعطي تلقائيةً للجماهير التي ترحب بالدين في كل وقت، وتتمثل فيه أيضًا خطورة كبت الفكر المعتدل؛ حيث لا يجد الناس تلبيةً لأشواقهم الدينية إلا من خلال الفكر المتطرف.
- وما هي مراحل ارتباط جيلكم بالإخوان؟!
- ارتباطنا بالإخوان مرَّ بمرحلتين: أولهما كان ارتباطًا فكريًّا ومنهجيًّا، بدأ معنا منذ بداية التزامنا.. أما الارتباط التنظيمي فكان في نهاية 1975م، وبدأنا بعدها نفاتح مجموعات أخرى في شأن انضمامهم للإخوان، وكنا نقوم بسلوك عجيب؛ حيث كنا نهاجم الإخوان حتى ندفع عن أنفسنا تهمة الانضمام إليهم؛ نتيجة صورة الخوف التي كانت منتشرةً لدى الناس، والحقيقة أننا استفدنا كثيرًا من قدرات الإخوان التنظيمية عقب خروج أفرادها من السجن، وقمنا على إثر ذلك بتوجيه الطلاب إلى ذلك الفكر المعتدل.
العلاقات بالتيارات الاخرى
- وكيف كانت علاقتكم بالتيارات الأخرى الموجودة بالجامعة آنذاك؟!
- كانت هناك بيننا وبين حمدين صباحي ورفاقه بعض الاحتكاكات، وكانت معظمها في كليتي الآداب والاقتصاد والعلوم السياسية، ورغم ذلك كان هناك تناغمٌ بيننا، وكنا نحضر مع حمدين وزملائه المحاكمات التي يقدموا لها خلال تلك الفترة، كما كانت علاقتنا جيدة بالسلفيين.
- وما حدود علاقتكم بالدولة؟ وكيف كانت تسمح لكم الحكومة بإقامة معسكرات تضم هذا العدد الضخم من الطلاب؟
- العلاقة للمراقب من بعيد كانت فيها ألغاز.. أما نحن كشباب فكانت تلقائية؛ حيث دخلنا اتحادات الطلاب، ونافسنا منافسات شريفة، وكانت تجري انتخابات حقيقة، وكنا نسيطر على ميزانيات اتحاد الطلاب، ونطلب وفي أيدينا أوراق ضغط، وكنا نتفاوض مع الجامعة من موقعنا في الاتحادات، ووظَّفنا تلك الميزانيات في أعمال مفيدة للطلبة، وفي نفس الوقت كانت تلقَى قبولاً لدى الحكومة لعدائها مع الشيوعيين.
- وبالرغم من ذلك أقمنا مؤتمرًا ضد حديث السادات حول فصل الدين عن السياسة، كما نظمنا عدداً من المظاهرات ضد الدولة، أما مظاهرات يناير 1977م فلم نخرج لها، وذلك باجتهاد شخصي منا، وليس بتوجيه من أحد، ولم يكن في تفكيرنا عقد صفقات، بل كنا نمارس حقوقنا لنحصل على إنجازات لصالح الطلاب، مثل المطالبة بتغيير اللائحة الطلابية، ومن جانبها قامت الحكومة بإلغاء المعسكر الطلابي في عام 1979م، وكون الدولة رأت أن وجود هذه الحركة في مصلحتها فهذا أمرٌ لا يعنينا، وهناك دليلٌ آخر على عدم تعاوننا مع الحكومة، وهو موقف الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح حين وقف معترضًا على السادات في أحد الاجتماعات وهو حادث مشهور، فلو كان هناك اتفاق فهل يعقل أن يتم اعتراض على رئيس الدولة بهذا الشكل؟!
- ولكن البعض يؤكد أن السادات استخدمكم لضرب الشيوعيين في الجامعات؟
- لم يحدث ذلك بالطبع، ولكن كان هناك اتجاه حكومي متمثل في مجموعة شباب الإسلام التي كونها محمد عثمان إسماعيل في كلية الهندسة، وكان دورهم الرئيسي هو التصدي الفكري للشيوعيين، ولكن تأثيرهم في الجامعة كان محدودًا.
- بعد أن أنهيت دراستك.. هل انقطعت صلتك بالعمل الطلابي؟
- تخرجت في ديسمبر 1977م، وكنا قد تشكلنا في إطار الإخوان على هيئة لجنة الطلبة، وكان يُشرف عليها الأستاذ مشهور، وخلال هذه الفترة كانت لي زيارات كثيرة لأسيوط والمنيا؛ بهدف الدعوة للإخوان؛ حيث قمت بضمِّ حلمي الجزار وأبو العلا ماضي ومحيي الدين عيسى، وغيرهم.. وانضم للإخوان كل من حدثته؛ لأن البذرة كانت موجودةً لديهم، ولم أفشل سوى مع المجموعة المسيطرة على العمل الطلابي في المنيا وأسيوط، الذين كنا نناقشهم وبعد الاقتناع النظري كانوا يرتكبون مآسيَ، لدرجة أن وزير الداخلية كان يتصل بنا لإنهاء تلك المشاكل، وانقطع الأمل في أن ترتبط هذه المجموعة بالإخوان.
- وإذا كان جيلنا يفخر بشيء فإنه يفخر بأنه أنقذ آلاف الشباب من الانجراف في تيارات التكفير والفنية العسكرية، كما فشلت أيضًا مع الدكتور عبد الله سعد في جامعة الأزهر، وباستثناء هذين النموذجين رحَّب كلُّ من فاتحتهم في الالتحاق بالإخوان.
- وهل توقف نشاطك الطلابي بعد التخرج على الدعوة إلى فكرة الإخوان فقط؟
- لا بالطبع، فقد قمنا بتنظيم لقاء شهري للخريجين استمر فترةً طويلة، وظلت رعايتنا كقياديين موجودةً للعمل الطلابي، وكانت تتم دعوتنا إلى معسكرات سنوية، ولقاءات، وانتقلت صلتي إلى تنظيم الإخوان، وبدأت التردُّد على مجلة الدعوة، ثم طرأت فكرة إنشاء الاتحاد العام للجمعيات والجماعات الإسلامية وترأَّسه الأستاذ عمر التلمساني، وكان يضم عددًا من العلماء وكنت أحضره ممثلاً للطلاب الجامعيين، وأذكر أننا أقمنا مؤتمرًا احتجاجيًّا في مسجد النور بالعباسية رفضًا لاتفاقية السلام، وألقيت كلمةً ساخنةً في هذا المؤتمر، وفي أحداث الزاوية الحمراء استضافنا النبوي إسماعيل- وزير الداخلية- لتهدئة الأوضاع، وذهبنا إلى مسجد الهداية، واستطعنا السيطرة على الموقف، كما دعيت في تلك الفترة إلى سفريات متعددة بالخارج؛ حيث ذهبت إلى ماليزيا؛ للمشاركة في مؤتمر المنظمات الإسلامية العالمية، وكانت تجربة ممتازة أن أرى هؤلاء المسلمين من كل مكان، وقبيل أحداث 1981م سافرت إلى فرنسا وبريطانيا، ثم اعتُقلت بعد عودتي بأسبوعين تقريبًا.
- بعد أن استعرضنا تلك الرحلة.. كيف كنتم تحصلون دروسكم وتتفوَّقون رغم هذه الأعباء؟
- كانت هناك بركة في الوقت، فضلاً عن أننا كنا نساعد بعضنا على المذاكرة، وكان بعض الأساتذة المتدينين يلخِّصون لنا المناهج، بالإضافة إلى أن جوَّ المدينة الجامعية كان مشجِّعًا على المذاكرة والتنافس، وكنا نخصص بعضنا للتفرُّغ للمذاكرة، وهذا أمرٌ مهمٌّ يحرِص عليه الإخوان دائمًا؛ لأنَّ تفوُّق المتديِّن يعتبر واجبًا عليه، وأهم ما علمنا الإخوان أن نكون متفوقين، وأن نصبح أطباء ناجحين، ومهندسين متميِّزين، ومحامين بارعين، وهذه هي توجيهات الإسلام.
المصدر
- حوار: العريان يتحدث عن نشأة التيار الإسلامي بالجامعات المصرية موقع اخوان اون لاين