العرب وغزة.. إلى أين؟
بقلم:أ. علي الحمادي
لأول وهلة بدت مواقف الأنظمة العربية من العدوان الصهيوني على غزة مخزية، واشتُمَّت فيها علانية رائحة التواطؤ، والسكوت غير المبرر، بل وصلت إلى درجة من التنسيق الكامل بين البعض وتل أبيب.
المواقف العربية المعلنة

ويمكننا هنا أن نقسم الدول العربية إلى ثلاثة محاور :
المحور الأول: ضم دولاً سارعت بالدعوة إلى قمة عربية عاجلة، لبحث ما يتعرض له الشعب الفلسطيني في قطاعغزة من عدوان بربري ومجازر وحشية وحرب إبادة من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي، وهي دولة قطر واليمن، واستجابت لهما: سوريا و السودان و سلطنة عمان والجزائر و البحرين وجزر القمر.
المحور الثاني: ضم الدول الممانِعة لعقد القمة ومنها معظم دول مجلس التعاون الخليجي وليبيا، وكانت وجهة نظرهم تتلخص في أنه لا جدوى من حضور قمة بيانات عربية، لا يُقدَّم فيها إلا الاستنكار والاستهجان، ولا تتوفر لها شروط النجاح والتأثير، ويمكننا أن نضم إليه بقية دول مجلس التعاون الخليجي.
المحور الثالث: ضم الدول التي سعت مباشرة إلى تحميل حماس المسؤولية الكاملة عن المجزرة، مروجة بذلك للدعاية الصهيونية في الحرب ضد غزة، ومغلقة جميع الطرق أمام محاسبة الإسرائيليين على ما يرتكبونه من جرائم، أبرز دول هذا المحور مصر والسلطة الفلسطينية، إذْ حمَّل العديد من قيادات سلطة محمود عباس علنًا على شاشة التلفاز حماس المسؤولية عن المذبحة الإسرائيلية الجارية، داعمين بذلك ما يعلنه الإسرائيليون من ذرائع، كما تبنى وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط الموقف ذاته، وطالب حماس (أثناء القصف الوحشي الإسرائيلي المستمر) أن تعلن قبولها بتمديد التهدئة، وقال كذلك: إننا قلنا وحذرنا وعلى الذين لا يستمعون أن يتحملوا النتائج والعواقب.
كما أن صحيفة هآرتس العبرية -في عددها الصادر الثلاثاء (6/1) – صرحت على لسان الرئيس المصري مبارك بأنه يخشى من انتصار حركة المقاومة الإسلامية "حماس" في القتال الذي تخوضه مع الجيش الصهيوني في قطاع غزة.
وتقول الصحيفة إنه وبالرغم من أن حماس أرسلت ممثلين عنها لعقد مناقشات مع المسؤولين في القاهرة، تتناول الوضع الراهن فإن الرئيس المصري مبارك صرح لأعضاء وفد وزراء الخارجية الأوروبية خلال جلسة محادثات مغلقة جمعت بينهم بأنه "لا يجب السماح بأن تخرج حماس مسيطرة ومنتصرة من القتال"، على حد تعبيره، طبقاً للصحيفة.
ملاحظات على المواقف العربية
ونلاحظ في مواقف غالبية الدول العربية الأمور الآتية :
أولاً– البطء الشديد والتلكؤ في اتخاذ قرار عقد القمة العربية، فعلى الرغم من أن جريمة العدوان الإسرائيلي على غزة بدأت صباح السبت، آخر أيام عام 1429هـ الموافق 27/12/2008م، وبدأت الاتصالات بين الرؤساء والملوك والأمراء العرب، وهم يتداعون (حسب اقتراح بعضهم) إلى عقد قمة طارئة، للبحث فيما يمكن "قوله أو عمله" إزاء العدوان الوحشي الجديد، وقيل إن مجلس الجامعة سيجتمع السبت والأحد، وارتفع عدد شهداء الجريمة الجديدة ما بين أول اتصال وذلك الإعلان إلى زهاء (200) شهيد وعدد الجرحى إلى زهاء ( 700)، وتوالت الاتصالات، ثم أعلن أن القمة "قد" تنعقد يوم الجمعة، وسيسبقها لقاء لوزراء الخارجية يوم الأربعاء، وإلى أن أعلن عن ذلك كان قد ناهز عدد الشهداء (300) وعدد الجرحى (850) "إنسانًا". ووصل عدد الشهداء أكثر من (810) شهداء وعدد الجرحى أكثر من (3340) جريحا، ولم تنعقد القمة العربية بعد (آنذاك).
بل وأدهى من ذلك أن وزراء الخارجية العرب أحالوا الموضوع إلى مجلس الأمن وحمَّلوه المسؤولية بعد ذلك عن تباطئه في التدخل ووضع حد لهذا العدوان، فضلاً عن الإهانة التي وجهتها كوندوليزا رايس للعرب بعدم السماح للأمين العام لجامعة الدول العربية ووزير الدولة للشؤون الخارجية القطري من الاجتماع معها.
ثانيًا– اكتفت الدول العربية بالقيام بدور المغيث والمنقذ بالغذاء والدواء والماء، وصرح بعضها عبر وسائل الإعلام بأن معاناة أهل قطاع غزة عبر عامين ليست سوى دعاية مغرضة من جانب حماس، وهذا ما أعلنه الرئيس الفلسطيني نفسه عندما قال إن المعونات تصل عن طريق الأردن ومصر باستمرار(!) فلا ينبغي اعتبار ما تصنعه "سفينة الكرامة" كسرًا للحصار. مختزلاً بذلك السياسة العربية في نطاق تعداد الشهداء وإغاثة الجرحى والمرضى والجوعى، وكأنهم هلال أحمر أو صليب أحمر.
ثالثًا– تمسك الموقف الرسمي العربي ( كما بدا ذلك واضحاً على لسان كثير من القادة السياسيين العرب) بخيار "السلام الإستراتيجي" والذي يعني ضمنًا إدانة القوى الفلسطينية التي تمارس المقاومة المسلحة، كما أنه يحجب كل خيار آخر لا يوفر الأمن والسلام لإسرائيل مما جعل إسرائيل تعربد في المنطقة وترتكب المجازر والمحارق وهي مطمئنة أن العرب لن يفعلوا شيئاً.
رابعًا– لم يتقدم الموقف الرسمي العربي أي خطوة إلى الأمام، وظل مراوحًا في موقفه القديم أثناء العدوان الإسرائيلي على لبنان صيف 2006 ، بل مع الأسف شهد بعض التراجع الملحوظ في مضمون المواقف العربية، بينما تقدم الدور الإيراني في منطقة البحر المتوسط مستغلا الفراغ الناجم عن غياب الدعم العربي للمقاومة اللبنانية، كما شهدت المنطقة عودة نشطة للدبلوماسية التركية التي دخلت بطلب عربي في محاولة لإيجاد مخرج من الأزمة في قطاع غزة.
وكان في الإمكان أفضل مما كان, فالمتابع للمواقف العربية وتطوراتها منذ حرب يوليو/تموز 2006 وحتى عملية "الرصاص المصبوب" أواخر ديسمبر/كانون الأول 2008 يستطيع أن يخرج بفائدة مؤداها أن الدول العربية ارتضت لنفسها أن تلبس ثوب التابع الذليل، فلا تستطيع أن تُبرم أمرًا ذا بال إلا بعد إذن من الولايات المتحدة الأميركية وربما إسرئيل.
ولكن بالرغم من ذلك فإن هناك بعض المواقف التي تحسب لصالح أصحابها مثل ما أعلنته الحكومة السورية من تعليق المفاوضات غير المباشرة التي تجري بين سوريا و إسرائيل برعاية تركية، والتي تم منها أربع جولات في السابق.
كما قامت الحكومة الموريتانية باستدعاء سفيرها من تل أبيب. وانضم أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني إلى المواقف الرسمية الغاضبة معلنًا أن "دماء الشهداء أمانة في أعناقنا جميعا"، ومعتبرًا أن قطاع غزة يخضع منذ ثلاثة أعوام لـ"حصار ظالم يشمل حتى الغذاء والدواء"، لأن "الشعب الفلسطيني تعامل مع الديمقراطية بجد وقرر خياراته".
إن الدول العربية قادرة –لو أرادت– أن تغير الخارطة السياسية في المنطقة، لأنها تملك كثيراً من الأوراق التي تساعدها على ذلك، فهي تملك سلاح البترول الذي يمكن أن يقلب المعركة رأسًا على عقب، كما حدث عام 1973 ، وقد كانت أحداث هذا العدوان فرصة للعرب كي يعلنوا وقف الإنتاج أو حتى على أقل تقدير خفضه بمعدل النصف، حتى تضع الحرب أوزارها، ويمتنع الكيان الصهيوني عن دكِّ منازل الفلسطينيين وبنيتهم الأساسية.
كما كان يمكن للدول العربية أن تعلن إنهاء التطبيع مع إسرائيل، أو طرد السفراء الصهيونيين من أراضيها، فهي ليست أقل في ذلك من فنزويلا التي قامت حكومتها يوم الثلاثاء 6/1 بطرد السفير الإسرائيلي من كراكاس تضامنًا مع الشعب الفلسطيني واحتجاجًا على الهجوم الإسرائيلي علىقطاع غزة الذي وصفه الرئيس هوغو شافيز بأنه "إبادة"، في الوقت الذي يتمتع فيه السفراء والمبعوثون والقناصل الإسرائيليون بأجواء العلاقات الدافئة مع العديد من الحكومات العربية.
ولم تكتف كراكاس بذلك بل اتهمت الدولة العبرية بالقيام بـ"انتهاكات فاضحة للقانون الدولي" وبـ"استخدام مخطط لإرهاب الدولة" ضد الشعب الفلسطيني، في الوقت الذي لم يجرؤ حكام العرب أن يتهموا إسرائيل بمثل هذه الاتهامات.
بل وصل الأمر إلى أن الرئيس شافيز -الذي يتزعم التيار اليساري المتشدد في أميركا اللاتينية- وصف إسرائيل بأنها دولة "قاتلة" وضالعة في عملية "إبادة"، مشيرًا إلى "الموت المروع لأطفال ونساء أبرياء"، مناديًا بضرورة "إحالة رئيس إسرائيل مع رئيس الولايات المتحدة إلى المحكمة الجنائية الدولية لو كانت هناك معايير أخلاقية في هذا العالم".
وكان أقل ما يمكن أن تؤديه الدول العربية أن تقف موقفًا عادلاً من الأزمة، فلا تقوم بتقوية طرف فلسطيني على طرف، كما قامت بمساندة الرئيس عباس (الذي لم يعد له ولسلطته تقدير في الشارع الفلسطيني والعربي والإسلامي) على حساب حكومة هنية المنتخبة والشرعية، وهي الرسائل التي أرسلها رئيس الوزراء التركي لمن يمتلك القدرة على الفهم.
فالرجل كان واضحاً وحاسماً وهو يشن هجوماً عنيفاً ومؤثراً ضد إسرائيل، وقال ما لم يجرؤ زعماء الأمة العربية على النطق به، قال "إسرائيل هى المسؤولة عن وصول الوضع إلى ما هو عليه الآن، لأنها الطرف الذى لم يلتزم بالتهدئة، ولم تفك الحصار عن شعب أعزل، ورفضت عرضاً تركيا للوساطة مع حماس فى الأيام الأخيرة قبل المجزرة التى ترتكبها حالياً فى غزة ".
وأفاض أردوغان فى هجومه "إسرائيل لم تحترم كلمتها معنا". ثم وجه حديثه للحكام العرب ليكتمل الدرس القاسى: أرفض الاتهامات الرسمية العربية التى تحمّل حركة المقاومة الإسلامية حماس مسؤولية التصعيد الراهن بقطاع غزة، فاتهام حماس غير مقبول ولا يجوز، لأن حماس التزمت بالتهدئة من أجل رفع الحصار ووقف الاعتداءات، ولكن إسرائيل استمرت فى فرض الحصار، فكيف نطالب حماس بالصمت تجاه هذا الحصار، رغم أن إسرائيل استفزتها بسياسة التجويع، ودفعتها لإعلان إنهاء التهدئة، خاصة أن حكومة حماس كانت تحت ضغوط كبيرة، لأنها مطالبة بتلبية مطالب الشعب الفلسطينى الذى انتخبها".
لماذا فشل العرب في إدارة الصراع؟
بعد كل ما سبق يمكننا التساؤل: لماذا فشل العرب في إدارة الصراع مع الصهاينة اليهود ومن يقف وراءهم؟ وباختصار شديد نقول إن العرب فشلوا لأسباب عديدة منها:
1- افتقادهم للقيادة القوية الواعية، التي تستطيع أن تجمع الشعوب العربية حولها، والتي تعرف كيف تقود الأمة العربية في وقت الأزمات، والتي يمكنها أن تقول لا في وجه العدوان ومن يدعمه ويتواطأ معه.
2- عدم وجود رؤية واضحة وخطة إستراتيجية لإدارة الصراع مع العدو الصهيوني ومن يقف وراءه، فالأمر ليس نزهة ترفيهية، ولا هو لعب أطفال، وإنما هو صراع من النوع الثقيل الذي يحتاج إلى استعداد إستراتيجي وعمل جاد.
3- عدم دراسة ومعالجة عوامل الضعف وجوانب النقص التي تجذرت في الأمة العربية مثل: التشرذم، والتبعية الاقتصادية، وهجرة العقول العربية، والدكتاتورية، والإعلام التافه، والتعليم الرديء، والفقر، والأمية، والتبعية السياسية... إلخ.
4- فقدان مصر لدورها وقوتها وبريقها وتأثيرها، حتى ذهبت تبحث لها عن منسِّق (تركيا) بعد أن كان الجميع يقصدونها في أوقات سابقة، ولم تعد مقولة إن تحركت مصر سيتحرك العرب صحيحة، إذ إن مصر والعرب جميعاً مغلوبون على أمرهم.
5- انعدام الإرادة العربية، والارتماء في أحضان الأعداء، بل والانبطاح لهم ولأوامرهم، إلا من رحم الله وقليل من هم.
6- الاستسلام لفكرة السلام بوصفه خيارًا إستراتيجيًا، وهي المقولة التي خدع بها الزعماء العرب أنفسهم حتى صدقوها، وحاولوا إقناع شعوبهم بها ولكنهم لم يستطيعوا.
7-عدم استثمار جوانب القوة عندهم مثل: الموقع الإستراتيجي وتحكمهم في مداخل ومخارج طرق التجارة العالمية، والثروات الطبيعية وخاصة البترول والغاز وغيرهما، والكفاءات البشرية والعقول الفذة التي استفاد منها الغرب أكثر مما استفدنا منها، وغيرها.
المصدر : الجزيرة.نت