العالم الداعية والمربّي الصَّابر الشيخ السيد محمد نوح

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
العالم الداعية والمربّي الصَّابر الشيخ السيد محمد نوح

المستشار عبد الله العقيل

ولد «السيد محمد نوح» في محافظة «كفر الشيخ» بمصر في 23 من جمادى الأولى سنة 1356هـ، الموافق 24 من أبريل سنة 1946م، لأسرة ريفية فقيرة، وله عشرة إخوة كان هو أكبرهم سناً، أتم حفظ القرآن الكريم وهو ابن ثمانية أعوام، تخرج في «كلية أصول الدين» بـ«جامعة الأزهر» بـ«القاهرة» عام 1971م، وعُيّن معيداً بالكلية نفسها، ثم حصل على درجة الماجستير عام 1973م في موضوع «زواج النبي صلى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش، ورد المطاعن التي أُثيرت حوله، في ضوء المنهج النقدي عند المحدثين»، من «جامعة الأزهر»، ثم نال شهادة العالمية «الدكتوراه» عام 1976م في موضوع «الحافظ أبوالحجاج يوسف المزي وجهوده في كتابه تهذيب الكمال» بمرتبة الشرف الأولى، وتزوج أخت الشيخ «زين العشري»، وأنجب عشرة من الأولاد، تسعة ذكور، وبنتاً واحدة.

الشيخ الدكتور «السيد محمد نوح» لم أعرفه من قبل إلا من خلال مؤلفاته وكتبه الدعوية، ولكنني عرفته فيما بعد بالكويت بعد أن قدم إليها ورأيت توفيق الله في جمع القلوب على دروسه ومحاضراته وخطبه، وقد حضرت بعضاً منها، وأدركت أن الرجل قد آتاه الله فقهاً عميقاً، وأسلوباً حكيماً، وأدباً جماً، وخلقاً فاضلاً، وتواضعاً، وبساطة ليس فيها أي تكلف.

وحين بدأت أقرأ كتاباته، أدركت مدى عمق الرجل في فهم الإسلام والتزامه بدعوة الحق، وأسلوبه الحكيم في بيانه منهاج الدعوة ومراحلها، والعقبات التي تقف في طريقها النفس البشرية، وطريقة الوصول إلى هدايتها من خلال منهج القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، وسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته والتابعين وأتباعهم، والسلف الصالح من الدعاة الصادقين والمؤمنين العاملين على مدار التاريخ الإسلامي حتى عصرنا الحاضر، الذي تمثل في هذه الحركة الإسلامية المباركة «حركة الإخوان المسلمين» العالمية، التي أسسها مجدد القرن الرابع عشر الهجري الإمام الشهيد «حسن البنا»، فكانت الحركة الرائدة، والجماعة الصابرة، التي حملت أمانة الدعوة إلى الله في هذا العصر، وتصدّت للطواغيت في الداخل والخارج على حد سواء، وانتصبت تنافح عن الإسلام، وتعمل على جمع كلمة المسلمين على منهج الخير، ودعوة الحق، والقوة، والحرية.

سيرته العملية.

عمل السيد نوح ـ يرحمه الله ـ أستاذاً للحديث وعلومه بـ«جامعة الأزهر»، ومن ثمَّ أستاذاً زائراً في كلية الشريعة بـ«جامعة قطر» (1981 ـ 1982م)، وأستاذاً مساعداً في مادة التفسير وعلومه بكلية الآداب والحديث وعلومه بـ«جامعة الإمارات المتحدة» في الفترة من (1982 ـ 1991م)، لينتقل بعدها للعمل أستاذاً للثقافة الإسلامية وأصول الدين بكلية «دبي» الطبية للبنات في الفترة من (1991 ـ 1993م)، وأستاذاً مشاركاً بكلية الدراسات العربية والإسلامية في «دبي»، لينتقل بعد ذلك إلى الكويت التي استقر فيها منذ عام (1993م) وحتى وفاته، فعمل فيها أستاذاً مساعداً في «كلية الشريعة والدراسات الإسلامية» في «جامعة الكويت» في الفترة من (1993 ـ 1999م)، قبل أن يترقّى إلى أستاذ للحديث وعلومه في الكلية نفسها، وشغل خلال هذه الفترة مناصب عدة؛ منها: عضوية مجلس كلية الشريعة، وعضوية لجنة الترقيات في الكلية.

كما أشرف على العديد من رسائل الماجستير والدكتوراه في مجال الدراسات العليا في كلية الشريعة والدراسات الإسلامية، وشارك في مناقشة العديد من رسائل الماجستير والدكتوراه كرئيس لبرنامج الحديث وعلومه في الدراسات العليا في جامعة الكويت.

نشاطاته.

لم تتوقف نشاطات الدكتور «السيد نوح» عند هذا الحد، بل كان عضواً لمجلة الشريعة بـ«كلية الشريعة» جامعة الكويت لمدة سنتين حتى وفاته، كما عمل خطيباً متطوعاً في وزارة الأوقاف، وكان له نحو 16 بحثاً منشوراً، وهو عضو المجلس العلمي الاستشاري لمدة سنة، بالإضافة إلى قيامه بالتحكيم في أكثر من 15 بحثاً علمياً في مجالات علمية معتمدة في الكويت وبقية دول الخليج وبلدان أخرى، من العالم الإسلامي، وله سلسلة إذاعية بعنوان: «جهود علماء المسلمين في خدمة الحديث النبوي».

وكان ــ يرحمه الله ــ كاتباً بمجلة «المجتمع» الكويتية التابعة لجمعية الإصلاح الاجتماعي، وكاتباً بمجلة «الوعي الإسلامي» الصادرة عن وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في دولة الكويت، وشارك في العديد من الندوات والمؤتمرات والمحاضرات، كما كان له دروسه في مسجد «الوزان» في منطقة «حولي»، وفي غيره من المساجد المتنوعة في الكويت لكافة المناسبات الدينية وحول مختلف القضايا التي تهم الأمة الإسلامية.

آثاره العلمية.

1 - الدعوة الفردية في ضوء المنهج الإسلامي.

2 - شخصية المسلم بين الفردية والجماعية.

3 - منهج الرسول صلى الله عليه وسلم في غرس روح الجهاد في نفوس أصحابه.

4 - شفاء الصدور في تاريخ السنة ومناهج المحدثين.

5 - تحقيق كتاب «المنهل الروي في الحديث النبوي»، لابن جماعة.

6 - الحافظ أبو الحجاج يوسف المزي، وجهوده في كتابه «تهذيب الكمال».

7 - زواج النبي صلى الله عليه وسلم بـ«زينب بنت جحش» ورد المطاعن التي أُثيرت حوله في ضوء المنهج النقدي عند المحدثين.

8 - درء تعارض أحاديث كراء الأرض.

9 - منهج أهل السنة والجماعة في قضية التغيير.

10 - حاجة البشرية إلى الحكم بما أنزل الله كتاباً وسنة.

11 - آفات على الطريق، صدر منها أربعة أجزاء.

12 - توجيهات نبوية على الطريق.

13 - من أخلاق النصر في جيل الصحابة.

14- تكوين البيت المسلم.

15 - بناء الأسرة المسلمة.

16 - «علم الطبقات».. حقيقته، وقيمته العلمية والحضارية.

17 - الصحابة وجهودهم في خدمة الحديث النبوي.

18 - التابعون وجهودهم في خدمة الحديث النبوي.

قالوا عنه.

يقول رفيق دربه وأخوه العالم المربي أستاذ الشريعة د.«توفيق الواعي»: سلام عليك يا حافظ القرآن الكريم، وعالم الشريعة الفقيه، وداعية الرسالة الفذ، وعالم الأمة الهُمام، ولسان الهداية الفصيح، ومربّي الأجيال القدوة، وموجّه الشباب الكريم.

أما رفيق الدراسة والمسيرة العلمية د.«يحيى إسماعيل»، فيقول: إن «الإمام شمس الدين الذهبي» قال: عند ذكر الصالحين تتنزل الرحمات.. لقد صحبتك يا «سيد نوح»، في الدنيا صحبة أطال الله عمرها بحساب السنين والأيام، كانت بدايتها بكلمة، وختمها الله لي منك بدمعة.

ويقول تلميذه وجليس دروسه «يوسف نورالدين»: كل من عرفه تأثر به وبأخلاقه... إن جالسته تشعر بهيبة العالم، ووقار الحكيم، وحنوّ الوالد، وتواضع ابن البلد، لم يغيّر لهجته والتزم الزي الأزهري... كانت بسمته وضّاءة مشرقة.

ويقول أستاذ الأزهر ورفيق الدعوة الشيخ «عبدالخالق الشريف»: وكان ـ يرحمه الله ـ شديد التوكل على الله، فأذكر أن شقته تمّت سرقتها في وضح النهار، ولما عاد إليها وجدها خاوية على عروشها، فصبر واحتسب، ولم نسمع شيئاً عن جزع أو عدم رضا، وقال: هذا ما رزقنا الله وابتلانا به، وصبر واحتسب.

وكان الشيخ رجلاً شديد التواضع حتى في العلم، فقد كان يستمع لمن هو أصغر منه إذا كان يتكلم، وكأنه يستمع لعالم أو أستاذ، فينصت لكل كلمة وكل حرف وكل جملة، وإذا وجد خطأ في كلام التلميذ أشار له به بعدها بفترة؛ حتى لا يجرحه أو يصده عن طلب العلم؛ لأن هذه الأشياء تؤثر في التلاميذ، وكان كريماً ـ إلى حد كبير ـ وبشوشاً وجهه، باسماً دائماً حتى في أشد اللحظات سوءاً.

أما رفيق عمره وطفولته الدكتور «محمد بديع» فيقول: «ومن المواقف التي لا تُنسى له ـ يرحمه الله ـ موقفه من التكفير، الذي كان قد بدأ ينتشر في «كفر الشيخ» مسقط رأسه، فوقف في وجهه وقفة العالم المجاهد الذي استشعر خطورة الفتنة فشغلته حتى درأها في مهدها، رغم ما عاناه من مشقة في التضييق عليه من أجهزة الأمن، إلا أن وقفته تلك نجى الله بها «المحلة» من فتنة كانت بدأت تستشري في هذه البلدة.

أما الحاج «مسعود السبحي»، فيقول: لقد كان رجلاً يقول ما يفعل، فكان ربانياً يقوم الليل حتى الفجر، ثم يصليه ويجلس ما يقارب الساعتين بعد الصلاة ليقرأ القرآن، ويراجع الأحاديث، فكان يخصص الساعتين في المراجعة قبل ذهابه إلى مقر الجامعة، وأذكر أنه في مرضه الأخير كان «كبده» متفجراً، ومع ذلك أصرَّ على زيارة الشيخ «عبدالله الخطيب» في بيته، وزيارة الدكتور «فتحي لاشين» وغيرهما، وكان في أشد حالات المرض، ومع ذلك لم يتأخر في الذهاب إليهما بنفسه.

أما الدكتور «عصام العريان»، فيقول: عرفت الشيخ «السيد نوح» في منتصف السبعينيات، وكان لا يزال خريجاً حديثاً، وعرفت فيه التواضع الشديد، وحُسن الخُلق والمعشر، وكان دائماً يؤثر العمل على الكلام، فكانت كتاباته مرققة جداً، وكانت تهتم بالجوانب السلوكية والعملية أكثر من الجوانب النظرية، وأخلاقه كانت عالية جداً.

ويقول عنه أحد تلامذته: «شيخي وأستاذي العالم والداعية والمحقق والمجاهد «السيد محمد نوح» عرفته عن قرب في سنوات المرحلة الجامعية، ومرحلة التمهيدي في الماجستير، كان محبوباً مقبولاً من قبل موافقيه ومخالفيه، فقد استطاع أن يخطف الاحترام من كل من عرفه، حتى من المخالفين له في الفكر والرأي والمنهج، فلم يعرف للخصومة مسلكاً ولا للعداوة طريقاً، لذلك فإنك تجد ذكره الحسن على كل لسان.

درست على يديه التفسير التحليلي، ومناهج المحدثين، ومناهج البحث، فلمست فيه الإخلاص، والتفاني في الشرح والتدريس، مع أن المرض كان قد أنهكه، وكان يتردد على المستشفى بشكل شبه منتظم، إلا أن ذلك لم يكن يمنعه من أن يحضر إلى محاضراته الجامعية ويلقيها بكل حماس وإخلاص، واضعاً «الكمام» الصحي على أنفه وفمه، حاملاً معه زجاجة الماء الكبيرة مع مجموعة من الأدوية والعلاجات التي كانت لا تفارقه حتى في أثناء المحاضرة، ورغم تلك الحالة الصعبة التي كان يمر بها إلا أنه كان يسبق جميع طلبته في الموعد المحدد للمحاضرة، وربما قبل ذلك بقليل.

أما عن شرحه للمنهج، فقد كنّا ننسى أننا نحضر تلك المحاضرة لأنها مقرر دراسي، وإنما كنا نشعر أننا في درس علمي حضرناه عن رغبة صادقة لا إلزام فيها، وذلك لما كان في محاضراته من مادة علمية وفوائد نافعة، واستطرادات ممتعة تنسي الطالب إلزامية المقرر الدراسي.

لقد عرفت الشيخ «السيد نوح» قبل الدراسة عنده من خلال كتاباته الدعوية المتميزة، فكنت أظن أن هذا هو المجال الذي برع فيه شيخنا، ولكن بعد الدراسة عنده وجدت أن براعته لا تقتصر على ذلك المجال فقط، وإنما كان متضلعاً في علوم الحديث الشريف، وكذلك فهو العالم العارف في طرق التحقيق ومناهج البحث، بالإضافة إلى علم التفسير والسير والتاريخ.. فكان ما رأيته من علم الشيخ يفوق ما كنت أسمع عنه وأقرأ منه.

لقد كان واقع الأمة حاضراً في شعور شيخنا ووجدانه، فقد كانت له نظرة فاحصة نافذة لواقع الإسلام والمسلمين، وكان صريحاً في نقد هذا الواقع القائم والأنظمة الحاكمة، ولم يكن شديداً على إخوانه الدعاة والمصلحين، وإنما وفّر شدته وصلابته في نقد الطغاة والمجرمين، الذين ساموا الشعوب سوء العذاب، كيف لا وهو المجاهد الذي اصطلى بنار الطغيان في السجون والمعتقلات!!

إنه مما كان يلفت انتباهي في شيخنا طريقة أدائه للصلاة، فقد كنت دائماً أقول لزملائي: إن رؤية الشيخ «السيد نوح» وهو يصلي تكفي لأن تزيد إيمان الشخص، لأنك ترى في صلاته معاني الخضوع والتذلل لله تعالى، تتجلى في صورة بهية تجعل المشاهد له يشعر معه بارتقاء إيماني يسمو بروحه... لذلك فقد كنت حريصاً على مراقبته أثناء صلاته من طرف خفي.

وفاته.

كان الشيخ ـ يرحمه الله ـ قد سافر إلى الصين؛ لإجراء جراحة عاجلة لزرع الكبد، بعد أن تهرّأ كبده، بسبب ما أصاب أكثر من ثلث الشعب المصري من «داء الكبد» الذي تكالبت عليه «البلهارسيا» والفيروسات «الكبدية» بكل أنواعها، والمياه الملوّثة، والأغذية المسرطنة التي تتسرَّب إلى الأسواق من الكيان الصهيوني، إلا أن عملية أجريت له هناك تكللت ولله الحمد بالنجاح، فعاد إلى الكويت، وأكد الأطباء ضرورة بقائه لفترة من الزمان؛ ليرتاح في البيت، بعيداً عن المتاعب لنقص المناعة لديه، إلا أنه تحامل على نفسه، واستمر في لبس غطاء واق على وجهه، واستمر في المشاركة في المؤتمرات والندوات رغم مرضه، ليعود بعد ذلك مباشرة إلى مكمن عشقه الذي نذر له عمره المتمثِّـل في التعليم، وتزويد الناس بما لديه من علوم وخبرات، ليستفيدوا منها، ويفيدوا بها الإسلام والمسلمين حتى وافته المنية بعد أيام قلائل من نهاية العام الدراسي، وكان ذلك في فجر يوم الإثنين 30 من يوليو سنة 2007م، وكأنه بذلك يُسلّم الأمانة لمن يأتي من بعده؛ ليكمل المشوار مع طلبته الذين أخلص في تعليمهم التعاليم الإسلامية المؤصلة بالتأصيل الشرعي المنهجي.

أرجو من الله أن يتقبَّل شيخنا في الصالحين من عباده، ويجزيه عن الإسلام والمسلمين خيراً، وألاّ يحرمنا أجره، ولا يفتنّا بعده، وأن يدخله فسيح جناته.

المصدر