الصعود السياسي للتيارات الإسلامية في البلدان العربية
محتويات
مقدمة
- الفكرة- الأدبيات- المنحني العام
- المؤشر الانتخابي (دلالته- مصداقيته- كفايته)، بعيدًا عن التهويل والتهوين
- العوامل الفاعلة في بيئة الصعود (الداخلية والخارجية)
- ردود الأفعال من انقلاب العسكر 1992م إلى حصار المعسكر2006م
- أسئلة لاستشراف المستقبل
الأمين العام للكتلة البرلمانية للإخوان المسلمين بمجلس الشعب المصري
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم..
﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (58)﴾ (يونس).. نجتمع اليوم (1) المحرم 1428هـ بحضور ممثلين ووفود 18 دولةً؛ لنبدأ تدشين مرحلة جديدة من العمل السياسي الإسلامي في البُعدين الإقليمي والعالمي (المنتدى العالمي للبرلمانيين الإسلاميين).
أكثر من 70 سنةً من العمل والنجاحات وانتشار وانتقال انطلق التيار الإسلامي من فهمٍ شاملٍ للإسلام استجابةً لنداء رب العالمين ﴿ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً﴾ (البقرة: من الآية 208)﴿إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ (الأنعام: من الآية 162) ﴿أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ﴾ (البقرة: من الآية 85)، فرأى أن الإسلامَ نظامٌ شاملٌ يتناول مظاهر الحياة جميعًا، فأسس لنظريةٍ إسلاميةٍ شاملةٍ للكون والحياة والإنسان.. وانطلق هذا الروح الجديد يسري في الأمة ليحييه بالقرآن يدعو للإسلام الذي جاء به محمد- صلى الله عليه وسلم- والحكومة الصالحة جزءٌ منه والحرية فريضة من فرائضه.
ومن تأسيسٍ للفكرة إلى الدعوة إليها إلى التربية والبناء عليها لإيجاد قاعدةٍ من المؤمنين بها الداعيين إليها إلى حراكٍ مجتمعي توجيهًا وإرشادًا ومخالطةً إيجابيةً لعموم المجتمع.. انتقل التيارُ الإسلامي إلى مشاركة مجتمعية في سائر المؤسسات المدنية.. انتقل من المسجد إلى المدارس والمعاهد.. فالجامعات فالنوادي والجمعيات.. فالاتحادات والنقابات ليشكل وجودًا حيًّا فاعلاً يتبنى قضايا الأمة ويدعو للإصلاح في كافةِ مناحي الحياة ويحيي النشاط المجتمعي، متخذًا من المرجعيةِ الإسلامية دافعًا ومنهجًا تشابكت فيه آليات الدعوة والنموذج الصالح مع تطورٍ مشهودٍ في الخدماتِ وحلِّ المشكلات.
"زخم" في محيط الحياة العربية الراكد.. انتقل من الصحوة التي مثلت التفافًا حول الهوية الدينية للأمة بديلاً عن المشروعات القومية والأيديولوجيات العلمانية التي فشلت في بلادها.. إلى ضرورةِ البناء والنهضة على أساسِ المشروع الإسلامي القائم على المقومات الخاصة للأمة ودعم استقلالها وصمودها في مواجهة المشروع الأمريكي الصهيوني باعتداءاته وجرائمه واستقطابه وهيمنته على الشرق وفرض التبعية عليه لصالح أجندته.
وبذا انتقلت الفكرة من التأسيس للتعريف ومن التكوين للتنفيذ، وأصبح التيارُ الإسلامي هو اللب في مشروع المقاومة العربية والإسلامية في مقابلةِ مشاريع الهيمنة والتذويب والتبعية والتغريب، وقوفًا للفساد والاستبداد في الداخل، ورفضًا للتبعية والهيمنة من الخارج، وبذا بدا الجزء السياسي جزءًا أصيلاً من منظومة المشروع الإسلامي والإصلاح السياسي والنضال الدستوري محورًا رئيسيًّا في جهاد التيار الإسلامي.
"نعم.. إنَّ في الإسلام السياسة تحمل في طياتها سعادة الدنيا والآخرة..".. "إن قيل لكم إلام تدعون؟ فقولوا ندعو إلى الإسلام الذي جاء به محمد- صلى الله عليه وسلم-، والحكومة الصالحة جزء منه، والحرية فريضة من فرائضه.. فإن قيل لكم هذه سياسة فقولوا هذا هو الإسلام الذي نعرفه ونحن لا نقر هذه التقسيمات".. "لا يمكن أن يقبل المصلحون بدورِ الوعظ والإرشاد ويتركوا أهل التنفيذ يحملون الأمة بقوةِ التنفيذ على مخالفةِ منهج الله.. وإلا صارت جهودهم صيحةً في وادٍ أو نفخةً في رماد".. "الحكم معدود عندنا في العقائد والأصول.. وليس في الفقهيات والفروع وقديمًا قال الخليفة الثالث إن الله ليزغ بالسلطان ما لا يزغ بالقران".. "نحن لا نريد الحكم لأنفسنا ولكن نريد أن نحكم بالإسلام.. فإذا وجدنا من غيرنا قيامًا بالعبء وأداءً للواجب فنحن أعوانه وأنصاره وإن لم نجد فالحكم من مطالبنا.."*
تقدَّم الإسلاميون في صراحةٍ ووضوحٍ ينافسون على مقاعد البرلمانات العربية والإسلامية يعرضون برامجهم ومناهجهم.. قبولاً بمرجعية الشعب مصدر السلطات وتفهمًا لقواعد الديمقراطية القائمة على التعددية الكاملة (عقائدية- ثقافية وفكرية- سياسية).. مواطنةً تؤمن بالآخر وبالخلاف والتساوي في الحقوق والواجبات العامة؛ سعيًا للإصلاح المتدرج والتغيير السلمي والتداول بناءً على اختيار الشعب واحترام إرادته.. يجيء بمَن يشاء ويعزل مَن يشاء شريطة (الشفافية/ النزاهة/ الحيدة) جادين (كل الجد) في عرضِ بضاعتهم، واثقين ومطمئنين لفطرة الأمة وتجاوبها مع دينها.
عوامل البروز السياسي للتيار الإسلامي في البلدان العربية في السنوات الأخيرة
1- فاعلية سياسية للتيار الإسلامي استثمرت الحالة التدينية.. فرفعت لغة الخطاب الإسلامي وشعاراته.
2- فاعلية اجتماعية للتيار الإسلامي تمثلت في حضورٍ اجتماعي وخيري ونظافة يد وتجارب مجتمعية ناجحة.
3- فشل الأنظمة المتعاقبة سياسيًّا واقتصاديًّا (فقر الإنجاز- الإفلاس)؛ مما جعل الشعب يبحث عن مخرجٍ للانسدادِ السياسي والاقتصادي.. أو يلجأ للتصويت العقابي.
4- تراجعات فكرية وحزبية من قوى وأحزاب سياسية لم تقدم جديدًا في حلِّ مشكلاتِ الأمة.
5- تزايد نداء الهوية للأمة وحاجة الأمة لمقاومة الهيمنة الاستعمارية:-
العدو الأخضر بعد الحرب الباردة/ جرائم التطهير العرقية في البوسنة وكوسوفا والشيشان- الحرب على العراق- جرائم اليهود في فلسطين وازدواج المعايير الدولية/ الشعور بالقهر والإهانة والظلم.. التعبير عن الرفض لهذه الهيمنة.. موقف مُشرِّف للتيار الإسلامي الرافض للهيمنة.. مقابل مواقف مخزية أو هزيلة للأنظمة والقوى الأخرى.. أدَّى إلى زيادةِ التفافِ الشعوب حول الفكرة الإسلامية.
6- الأوضاع الدولية التي شهدت:
أ- تبشير بالديمقراطية ومطالبة الجميع بالانخراط في العملية الديمقراطية وضغوط من أجل توسيع مساحات (الحريات العامة/ المشاركة السياسة لكافة القوى السياسية..)، ومن أجل شفافيةٍ في التعامل مع آلياتِ الديمقراطية وإمكانية تداول حقيقي للسلطة.
ب- مطالب وضغوط من أجل (دعم الحرب على الإرهاب) بتوفير قدرٍ من الحريات والمشاركة السياسية تتيح التنفيس عن الذات وتضمن تخفيف التوترات والاحتقانات ضد المصالح الأمريكية والأوربية (مشاركة داخل إطار محدود).
7- إتقان العمليات الانتخابية والبراعة فيها.. خاصةً أن ممارسات القوى الأخرى من الضعف بحيث يتضح معها أدنى فاعلية.
النتائج الانتخابية الأخيرة في البلدان العربية
أ- حركات دخلت البرلمان تحت شعار أحزاب أو جمعيات إسلامية
ب- حركات دخلت البرلمان تحت شعار أسماء لا تحمل في الوهلة الأولى على البعد الإسلامي
الجزائر 10%
المغرب 13%
اليمن 17%
فلسطين 58%
د- حركات حصلت على مقاعد لنوابها عن طريق الترشيح "مستقلين"
مصر 20%
واستبعدت هذه العينة:
الدول التي لا تعرف التجربة الانتخابية مثل السعودية/ قطر
الدول التي لا تعرف التعددية مثل سوريا، لبيا وتونس
العراق (انتخابات تحت الاحتلال)
متوسط نسبة الصعود في هذه العينة للتيارات الإسلامية 33%، وهي نسبة لا يمكن تجاهلها أو التغاضي عنها.
والملفت هنا في التجربة المصرية: حصول قوى محجوبة عن الشرعية القانونية على 20% في حين أن الأحزاب الشرعية حصلت على أقل من 2% في مجموعها ما عدا الحزب الحاكم.
ردود الأفعال على النتائج الانتخابية في البلدان العربية
1- ردود أفعال دعائية وإعلامية سلبية بقصد التشويه والتشكيك والتهوين من حجم هذه النجاحات.
2- ردود أفعال دعائية وبحثية بقصد: التهويل والتضخيم واستخدام النتائج فزاعة للتخويف من قرب وصول التيار الإسلامي للحكم.
3- التضخيم في قدرات الذات والنجاحات بعيدًا عن قراءةٍ موضوعيةٍ للصعود والعوامل الفاعلة فيه.
4- الانكشاف وتفجير الديمقراطية: نموذج عدم قبول النظم السياسية والعسكرية والواقع الغربي والعالمي بنتيجة انتخابية لا تقف عند حد الصعود للمشاركة البرلمانية المؤثرة، ولكن إلى صعودٍ قد يصل إلى سدةِ الحكم والسلطة وتشكيل الحكومة:
• الانقلاب العسكري على نتائج الانتخابات المحلية والبرلمانية (الجزائر 1992م) وديمقراطية الشرط الفاسخ (ديمقراطية القسمة الضيزي/ ديمقراطية العسكر).
• الحصار الدولي والإقليمي والمحلي لحكومة حماس؛ لأنها اعتلت السلطة بأغلبية انتخابية (فبراير 2006م).
5- تغييرات في الأولويات الإستراتيجية الأمريكية وتراجع مشروعات (دعم الديمقراطية- توسعة مساحات الحريات والحقوق- الضغوط من أجل مشاركة فاعلة لكافة القوى السياسية وضرورة الشفافية في التعامل مع الآليات الديمقراطية) لحساب أولويات:
1- أمن إسرائيل
2- ضمان التدفق الدائم الآمن الرخيص للمواد الخام والبترول
3- ضمان التبعية وعدم ظهور كيانات قد تتعارض مع المصالح الأمريكية
4- الحرب على الإرهاب "بالمفهوم الأمريكي".
5- الاستقرار في المنطقة العربية على نحو يحقق الأهداف السابقة.
وتبقى الأسئلة الهامة والإجابة الموضوعية في استشراف المستقبل:
1- التيار الإسلامي بين الدعوي والسياسي:
"تجارب المزج والفصل": والحاجة إلى تقييم موضوعي لكافة النماذج:
وعلى كل حال فإنه إذا كان من الأهمية تديين السياسة من خلال المرجعية العقائدية والأخلاقية والتشريعية فإنه من المهم أيضًا أن تكون الممارسة السياسية ذات خبرة وتخصص في مقابل تسييس الدين الذي تقوم به الأنظمة.
2- صعود التيار الإسلامي بين الفعالية الذاتية والمؤثرات الخارجية: ما تحقق من إنجاز لا يمكن تجاهله- هل الفعالية الذاتية هي العامل الرئيسي في الصعود (استحقاقات النجاح)، أم أنَّ الأمرَ يرتبط أكثر بمساحاتٍ ذات أسقف تركتها الأنظمة وفرضتها ظروف وضغوط خارجية وداخلية.. هل الحركة الذاتية قابلة للتمدد أم هي حركة داخل إطار مصنوع...؟؟
3- منحنى النجاح في المشروع الكلي للتيار الإسلامي.. (إحياء الأمة وعزتها/ الريادة الصالحة للبشرية...) مدى توظيف النجاح السياسي في المشروع الكلي...؟
4- البرلمانيون الإسلاميون: هل مجرَّد أداء برلماني متميز بمرجعية إسلامية أم جزء من مشروع حضاري إسلامي والبرلمان آلية من آلياته؟؟؟
5- كيف نحول (ديمقراطية الشرط الفاسخ- اللعب داخل ساحات محدودة سلفًا) إلى مشروعٍ تغييري طبقًا لقواعد ديمقراطية حقيقية باستخدام النضال الدستوري والتغيير السلمي الديمقراطي؟؟
6- التراجع النسبي في المؤشرات الانتخابية في بعض الدول: (اليمن- الأردن- لبنان...): الأسباب والدروس المستفادة؟؟
- مجموعة الرسائل للإمام الشهيد حسن البنا
- نقلاً عن بحث للأستاذ الدكتور سيف الدين عبد الفتاح "ورقة مقدمة إلى مؤسسة عالم واحد للتنمية ورعاية المجتمع المدني"
المصدر
- الصعود السياسي للتيارات الإسلامية في البلدان العربيةإخوان أون لاين