الشيخ خليل الصيفي.. ونورانية رجل عرف الله

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
الشيخ خليل الصيفي.. ونورانية رجل عرف الله


بقلم: الأستاذ سامي الخطيب

رئيس المكتب التربوي للجماعة الإسلامية في لبنان

لم يكن موت الداعية النوارني الشيخ خليل الصيفي موت رجل من الكبار العظماء، لكنه كان غياب نور قلَّ أن يوجد في غيره من الرجال، وسمت صحابي لم يعد موجوداً في هذا الزمان..

فلقد كان رحمه الله تعالى واحداً من أولئك الدعاة الربانيِّين الذين جسَّدوا الإسلام سلوكاً، وهدي النبي صلى الله عليه وسلم ممارسة وتسامحاً وتسامياً، فلامسوا بصفائهم طهر الملائكة، وبتفانيهم في خدمة الفكرة كمال النموذج، فكان ذلك الرجل الملائكي يشرق في حياتنا لينشر النور في أحيائنا، فيملأ قلوبنا بالحبّ والخير والحكمة، حتى استحق من الله ذلك النور الذي كان يشعُّ في جبينه فيغمر ملامح وجهه ومكان وجوده..

منذ ثلاثة أسابيع فارقنا نور الشيخ الربَّاني، هكذا دون إشارات أو مقدِّمات، فجأة.. أظلم الليل وادلهمَّ الواقع وأفَلت الشمس وغاب نور الصباح وجاء نعي الداعية الربَّاني وعرفنا أن الله يختار إليه من شاء ومتى شاء، سبحانه "لا يسأل عما يفعل وهم يسألون".

لا أعرف من أين أبدأ في رثاء الشيخ ولا عن أي شيء أتحدث، فلقد كان رحمه الله مدرسة لا تحيط بها الكلمات ولا تحصيها العبارات، كان قدوة في تواضعه وتسامحه، وعَلَماً في فكره وعمق إيمانه بمنهج دعوته، ونموذجاً في علوِّ همَّه وقوة إيمانه بفكرته، ومثالاً في تفانيه مع إخوانه وخدمته لقاصديه والمحتاجين لمساعدته.

نعم، كان الشيخ كلَّ ذلك وأكثر، كان يحدثنا حديث الفكر بصفاء الروح، ومواعظ الإيمان مشبعة بقوة الالتزام، وكان يرى الدعوة في كلِّ فعل يقوم به أو سلوك ينتهجه أو كلمة ينطقها، فالدعوة هي العنوان، وعبادة الله هي المقصد، ولا قيمة لعمل لا يستبطن نية الدعوة ويستهدف مرضاة الله تعالى، إذ العمل السياسي كما الاجتماعي، وخطبة الجمعة كما مرافعة المحامي، وحركة النائب أو الوزير كما جهد المهني وعرق الفلاح، كلُّ ذلك يجب أن يكون في سبيل الله وعلى منهج الله ومن أجل رفعة دين الله، ولهذا كان إيمانه بالتربية يطغى على كل اهتمام، فبالتربية كما كان يقول: "نبني الحياة ونصنع الأجيال ونصلح خراب الدنيا وسوء ما يهدم الأعداء"، و"بالتربية نصنع الإنسان النموذج الذي يحمل همَّ الدعوة ومنهج التمكين لدين الله".

نعم.. هذا هو الشيخ الذي فقدنا، والعَلَم الكبير الذي غاب نوره عنا، فبماذا أرثيه؟ وكيف لي أن أحيط بكلماتي جوانب عظمته أو مناقب حقيقته.. لكني سأضرب صفحاً عن كلِّ ذلك وأستذكر وجه الشيخ رحمه الله لأقرأ فيه بعض الدروس التي يفيدنا بها بعد مماته كما كان يحرص على توجيهنا في حياته، فلقد كان وجهه يفيض حباً ونوراً وإشراقة حياء وحياة، ولعمري لم يكن هذا النور إلا منحة الله لهذا الشيخ الذي لطالما سمعته يردِّد:

دع الحياة وكل ما في الحياة

إذا نادى المنادي: حيَّ على الصلاة

وكم من مرة يصرُّ على أن نقطع اجتماعنا، أو نوقف سيارتنا لأنه قد أذَّن المؤذن للصلاة، فإذا استمهلناه قال: وهل نجتمع إلا من أجل الصلاة؟!

هل ننغمس في الوسيلة وننسى الهدف؟!" هكذا كان في حرصه ووضوح الهدف عنده، ولهذا استحقَّ نور الصلاة التي يقول فيها الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم في حديث أنس رضي الله عنه: " الصلاة نور المؤمن".

ولقد كان رحمه الله من أحرص الناس على الصلاة على وقتها، يهتمُّ بوضوئها، ويتقن أداءها، ويحسن خشوعها، ويتمُّ ركوعها وسجودها، فحقَّ له كرامة الله التي أخبر عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث عبادة بن الصامت مرفوعاً: "إذا حافظ العبد على صلاته، فأقام وضوءها وركوعها وسجودها والقراءة فيها قالت له: حفظك الله كما حفظتني، وصُعِد بها إلى السماء ولها نور حتى تنتهي إلى الله عز وجل فتشفع لصاحبها".

وهو لعمري ذلك النور الذي كان يشعُّ في وجهه وحياته مصداق ما روي عن ابن عباس رضي الله عنه من حديث الديلمي عن النَّبي صلى الله عليه وسلم فيما يريه عن ربه عز وجل أنَّه قال: "إنما أتقبل الصلاة ممن تواضع بها لعظمتي، ولم يستطل على خلقي، و لم يبت مصرَّاً على معصيتى، وقطع نهاره فى ذكري ورحم المسكين وابن السبيل والأرملة ورحم المصاب، ذلك نوره كنور الشمس، أكلؤه بعزتي، وأستحفظه بملائكتى، وأجعل له فى الظلمة نوراً وفى الجهالة حلماً، ومثله في خلقي كمثل الفردوس فى الجنة".

ولعله نور صلاة الليل التي طالما حثَّ عليها ودعا إليها وشاركنا كتائبنا وإحياءات شبابنا فيها، فلقد شهدته في مسجد الرفيد كما في مخيمات الأسر في الضنية والأبرار يتهجَّد لربه ساهراً حتى الفجر يقرأ القرآن "السراج المنير" الذي كان يحمله ويردِّده، ويحفظه ويسعى للتمكين له وتحكيمه، فهو قيامه بالقرآن قد انعكس نوراً في وجهه كما قال أحد السلف: "لما خلا العبد بربه في ظلمة الليل أكسبه الله سبحانه وتعالى من نوره".

وما عزَّة النَّفس ونبل السمات والإيثار ونكران الذات إلا أثر من آثار حديث سهل بن سعد الذي رواه الحاكم والبيهقي: "واعلم أن شرف المؤمن قيام الليل وعزه استغنائه عن الناس"، وفي ذلك ما يمكن أن نراه بوضوح نوراً وإشراقاً، أولم يقل ابن عباس رضي الله عنه: "إن للحسنة ضياء في الوجه ونوراً في القلب".

لقد شاء الله أن يظهر بنور وجه الرجل الكبير آثار فكره وعلمه وسلوكه ومنهجه، فكان النور أبرز ما يميزه في الدنيا، وأسأل الله تعالى أن يكون النور أبرز ما يكرمه به ربه سبحانه في الأخرى، ليكون من أولئك الذين "يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم"، يقولون: "ربنا أتمم لنا نورنا"، فيناديهم ربهم: "بشراكم اليوم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك هو الفوز العظيم".

المصدر