الشيخ حسن عبد الظاهر.. نجوم الدعوة لا تغيب
الدوحة- إخوان أون لاين:
بعد سنوات أفناها في الدعوة والعلم الشرعي، ودَّعنا الشيخ حسن عيسى عبد الظاهر لينتقل إلى جوار ربه عن عمر يناهز 82 عامًا، وقد وافته المنية صباح الأربعاء الماضي بالعاصمة القطرية الدوحة، التي شهدت له بعلمه ودعوته؛ حيث كان الرئيس السابق لقسم الدعوة والثقافة الإسلامية بكلية الشريعة بجامعة قطر.
وُلد الداعية الشيخ- رحمه الله- تعالى يوم 16 أغسطس عام 1928، في أسرة عريقة بصعيد مصر ترجع أصولها إلى النسب النبوي الشريف، قبل أن ينتقل مع أسرته من الصعيد إلى شبين القناطر.
وأتم حفظ القرآن بكتَّاب البلدة في العاشرة من عمره، وكان شيخه يأمره إذا انصرف عنه وعاد إلى منزله بمراجعة القرآن، وأن يبقى بجوار النافذة رافعًا صوته حتى إذا مرَّ شيخه بجوار بيته سمعه وهو يراجع، وذلك من شدة حرصه عليه؛ ولذلك ارتبط الشيخ بالقرآن قلبًا وقالبًا، وعاش معه حياته كلها.
واجتاز عبد الظاهر اختبار الابتدائية الأزهرية وهو في الثانية عشرة من عمره بتفوق ملحوظ، ليمضي أربع سنوات في الابتدائية الأزهرية، وخمس سنوات في الثانوية الأزهرية.
وتعرَّف على رموز الحركة الإسلامية في هذه السن المبكرة من عمره، فارتبط بها وانتمى إليها، وكان أحد شباب الجوالة التي كان يشرف عليها الدكتور الراحل عبد العزيز كامل، ومن هنا جاءت العلاقة بينهما وتأكدت المودة، ما كان له أثره في حبه لطلب العلم والحرص عليه، والتواضع، وهضم النفس، وعدم الجرأة والتعظيم لنصوص الشريعة، وامتدت العلاقة بينهما واستمرت، وشاء الله عزَّ وجلَّ أن يجتمعا في محنة سنة 1954م في زنزانة واحدة.
ودخل الشيخ كلية أصول الدين وتتلمذ على كبار علماء عصره، وتأثر جدًّا بالعلامة الموسوعي محمد عبد الله دراز الذي كان يدرسه التفسير وعلوم القرآن، وأُعجب بشخصيته، وصار من حواريه، فازداد تعلقه بكتاب الله تعالى بعد أن تلقى منهجية التعامل مع الكتاب من شيخه دراز.
وحينما اعترض العلامة الشيخ أحمد محمد شاكر على تغيير القوانين الشرعية في مصر، وإلغاء المحاكم الشرعية وقدَّم استقالته من المحاكم، انتهز الأزهر الفرصة ففسح للشيخ المجال لتدريس مادة الحديث الشريف؛ فتتلمذ الشيخ حسن علي يديه، وكتب من فمه تعليقات نادرة غاية في التحقيق العلمي على نسخته من الباعث الحثيث التي كان يحتفظ بها، وربما يضمها إلى صدره في لحظات التذكر لشيخه؛ حيث تأثر به في الاستقلالية العلمية والمنهجية الخالصة للكتاب والسنة.
عاش الشيخ محنة 54 مع رفيقيه الشيخ محمد عبد الرحمن الراوي، والشيخ عبد التواب هيكل، وبعد خروجهم تمَّ منع الثلاثة من الخطابة؛ فذهب الشيخ أحمد حسن الباقوري إلى الرئيس عبد الناصر وتوسط لهم بإخراجهم من مصر في بعثات أزهرية، فذهب شيخنا إلى نيجيريا، وفتح له الناس قلوبهم لما رأوا فيه من دماثة الخلق, وعظيم الأدب، وحسن التواضع للعلم وأهله.
وخاب تقدير الفرقة "القاديانية" الضالة حين ظنت أن بوسعها الوصول إليه؛ فأهدت إليه مجموعةً كبيرةً من كتبها ومصادرها، ليقف الشيخ داعيًا إلى الله تعالى، مبينًا افتراءات هذه النحلة الباطلة، وكتب في ذلك كتابه القاديانية الذي حصل به على درجة الماجستير من الأزهر الشريف، ولم يتنازل عن مبادئه، فأثمرت دعوته خيرًا.
وتعرف الشيخ حسن على أعلام الدعوة بإفريقيا وكتب رسالته للدكتوراه عن دولة الفولاني التي أشرف عليها الأستاذ الدكتور عوض الله حجازي، وناقشها الشيخان عبد العزيز عبيد، والشيخ محمد الغزالي.
وحين عاد لمصر عاش الشيخ مضيّقًا عليه من أجهزة أمن الدولة، وعمل في الإشراف على قطاع من قطاعات الدعوة؛ ليتعرف على الشيخ عبد الحميد كشك رحمه الله تعالى، وخرجا للدعوة في القرى والنجوع، وتواصلا مع العامة والخاصة؛ فتعرف الشيخ حسن على الشيخ حافظ سلامة، وتمكنت بينهما المودة؛ مما جعل الشيخ يقربه منه ويصطفيه في جولاته الدعوية بين وحدات الجيش المصري على خطوط المواجهة في قناة السويس.
رحلة قطر
وسافر الشيخ إلى قطر عام 1978م بناءً على رغبة صديقه الوفي الشيخ يوسف القرضاوي؛ فدرّس في كلية الشريعة واحتضن أبناءه فيها؛ فعرفوا فيه الأبوة الحانية، ومارس الدعوة والخطابة في مجالات متعددة بداية من مسجد إسحاق ثم إلى مسجد الدفنة، وعرفه الإعلام فارسًا يقدِّر عظم الشريعة فكانت له الحلقات المرئية والمسموعة التي تُورث من تابعها السكينة.
واختص الشيخ بمحبة خاصة للسيرة النبوية حتى كاد أن يستظهرها، وكان من آخر ما سجَّل في ذلك حلقات برنامجه: عام الوفود.
واشتهر عنه أنه لا يتكلم في مسألة إلا بعد أن يُشبعها بحثًا، ويحتفظ بأصول بحثه كمرجع لديه، ويُلخص ما توصل إليه في ورقات معدودة، ربما يصحبها معه، وما من كتاب في مكتبته على ضخامتها ووفرة مراجعها إلا وللشيخ تعليقات على هوامشه تُثبت دقة ملاحظته، وكان يُوصي بذلك بعض خاصته من تلاميذه، ويُطلعهم على ما توصل إليه، ويحثهم على البحث والمثابرة والتعظيم لسياج الشريعة المباركة.
وكان الشيخ ذا عبادة وحرص شديد على إقامة السنة وذكر الله تعالى في كل حال من أحواله؛ فتجده دائمًا مرددًا الأذكار النبوية، حريصًا عليها مع خشوع يُلاحظه من اقترب منه، بعيدًا عن طلب الظهور أو السمعة، متذكرًا دائمًا أنه ما خرج من بلده إلا مهاجرًا إلى ربه جل وعلا، وكان دائمًا إذا خلا مع بعض خاصته يُردد قول الله تعالى: ﴿وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيْرًا وسَعَة وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (100)﴾ (النساء)، ثم ينظر إلى ما توفر لديه من النعمة، فتخنقه العبرة.
التفسير الوسيط
وقد أثمرت هذه الصحبة المباركة من بداية حياته إلى المشاركة في التفسير الوسيط؛ حيث فسر سورة النور كاملة، والمشاركة مع ثلة من العلماء في التقديم لتفسير القرآن كله إذاعيًّا مما احتفظت به الإذاعة.
وكان الشيخ يحمل القرآن معه دائمًا، وفي سيارته نسخ كثيرة منه؛ فإذا جاء لتسجيل حلقاته توقف عند البوابة وأخرجه هدايا، وأوصى به، وهكذا كانت عادته أن يُهدي كتاب الله تعالى، وأن يُوصي به، ولذا عرفته مكتبة الثقافة بين الحين والآخر محمَّلاً بهدايا من كتاب الله تعالى، بل كان يُفتش عن الكتب النادرة، ويُقدِّمها هدايا لتلاميذه، مع حبه الشديد للكتاب وحرصه عليه؛ حيث تضم مكتبته كنوز عظيمة من الطبعات الأولى لكتب التراث المحققة.
المصدر
- خبر:الشيخ حسن عبد الظاهر.. نجوم الدعوة لا تغيبإخوان أون لاين