الشيخ المجاهد عبدالعزيز البدري

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
الشيخ المجاهد عبدالعزيز البدري (1347 ـ 1389هـ = 1929 ـ 1969م)

المستشار عبد الله العقيل

مولده ونشأته:

هو الشيخ عبد العزيز بن عبد اللطيف البدري، من مواليد مدينة (سامراء) بالعراق سنة 1347هـ 1929م، نشأ في بيئة علمية، وتلقى دروسه الدينية على أيدي طائفة من علماء بغداد الأجلاء، أمثال: الشيخ أمجد الزهاوي، والشيخ محمد فؤاد الآلوسي، والشيخ عبد القادر الخطيب وغيرهم.

وقد تولى الوعظ والإرشاد والخطابة في مساجد بغداد وغيرها، وكان خطيباً مفوهاً، جريئاً في كلمة الحق، متحمساً لنصرة الإسلام، متصدياً للأفكار الوافدة، ودعاة المذاهب الهدّامة، يلاحقهم حيثما وجدوا، ويفنّد دعاواهم، ويبطل مقولاتهم، ويكشف زيف أفكارهم، ويفضح أساليبهم، فكانوا يهربون من مواجهته.

عرفته ببغداد أوائل الخمسينيات، شاباً متحمساً، يتردد على المشايخ، ويستفيد من علومهم، ويقرأ الكثير من الكتب الإسلامية الحديثة، ومنها كتب الشيخ تقي النبهاني، وكان يكره الاستبداد والطغيان، ويتعرّض للمفسدين باليد واللسان.

وفي فبراير 1388هـ 1968م، زارنا بالكويت، والتقيته عند معالي الأخ يوسف هاشم الرفاعي، وأهداني كتابين من مؤلفاته هما: «الإسلام بين العلماء والحكام»، و«حكم الإسلام في الاشتراكية»، من منشورات المكتبة العلمية لصاحبها محمد نمنكاني بالمدينة المنورة.

وقد كتب الشيخ أمجد الزهاوي في مقدمته لكتاب «حكم الإسلام في الاشتراكية» يقول:

«... ولما شاع القول بوجود نوع من الاشتراكية في الإسلام، وذلك تقوُّل على الإسلام، ومدخل إلى المروق منه، ألّف فضيلة الأخ الشيخ عبد العزيز البدري هذا الكتاب ـ حكم الإسلام في الاشتراكية ـ في إبطال هذا القول، مبيِّناً ألا اشتراكية في الإسلام، وأنها مخالفة لأحكام الشرع الشريف، وأن قواعده تأباها بكل صراحة، وقد جاء البيان بأسلوب واضح، معززاً بالحجج القطعية التي لا تدع مجالاً للشك، لانطباقها على النصوص الشرعية القاطعة، وذلك نصحاً للأمة الإسلامية...» انتهى.

وقد انبرى الشيخ عبد العزيز البدري لعبد الكريم قاسم، الذي أطلق على نفسه لقب «الزعيم الأوحد»، وهاجمه في الخطب والمحاضرات، وكان يطلق عليه «عتل بعد ذلك زنيم»، وقد بلغ التحدي مداه، حين أصدر عبد الكريم قاسم أحكام الإعدام، على بعض قادة الجيش المخلصين أمثال: ناظم الطبقجلي، ورفعت الحاج سري وغيرهما، فأثار الشيخ البدري الجماهير، وقاد المظاهرات الكبرى، التي يقدّر عدد جمهورها بحوالي أربعين ألف متظاهر، كلهم يهتفون بسقوط عبد الكريم قاسم، كما أصدر الشيخ البدري الفتاوى بكفر الشيوعيين أنصار قاسم ومؤيديه، وطالب بمحاربتهم وقطع دابرهم.

فما كان من عبد الكريم قاسم، إلا أن أصدر أمره بفرض الإقامة الجبرية على الشيخ البدري في منزله مدة عام كامل من 2/12/1959م إلى 2/12/1960م، ثم رفع الحظر عنه، فلم يهدأ ولم يتوقَّف عن الخطب، وتأليب الجماهير ضد قاسم وأعوانه، فأصدر أمره ثانية بتحديد إقامته في منزله 7/8/1961م إلى 4/12/1961م، وأوقفه عن العمل الوظيفي، حيث كان إماماً وخطيباً بوزارة الأوقاف، ثم تكررتْ مرات سجنه واعتقاله أيام عبد الكريم قاسم، وبعده أكثر من عشر سنوات.

ولقد لقي من البلاء العظيم، والتعذيب الشديد داخل السجون، ما يشيب لهوله الولدان، ولكنَّه مع هذا ظلّ صامداً صابراً محتسباً، رافضاً لكل العروض المغرية، التي عُرضت عليه ليسير في ركاب الحكام، ولم تنفع معه كل الأساليب رغباً ورهباً، فاستمر زبانية الظالمين، وجلادو السجون، وجلاوزة السلطة البعثية في تعذيبهم له، حتى قطَّعوا جسمه إرباً إرباً، ولفظ أنفاسه الأخيرة، ولقي ربه 1389هـ 1969م، وهو لم يجاوز الأربعين من عمره، فضرب بذلك أروع المثل، لصبر العلماء الدعاة، أمام بطش الطغاة، وأخذ بالعزيمة، لأنه من أولي العزم، الذين لا يترخّصون حباً للسلامة والعافية، بل يقدِّمون أرواحهم رخيصة في سبيل الله، ولإعزاز دين الله، ومن أجل المستضعفين في الأرض من المسلمين، فكان نعم المثل والقدوة، جرأة وصلابة وصبراً وثباتاً.

رده على علماء السلطة:

اتبع نظام قاسم أساليب متعددة مع الشيخ البدري، فكان يُرسل له في مكان إقامته الجبرية بعض المرتزقة، من المشايخ وأدعياء العلم، ليراودوه عن موقفه من الحاكم «الزعيم الأوحد»، مظهرين للشيخ البدري محبتهم وحرصهم عليه، وأنهم يريدون مصلحته ومصلحة أولاده، منكرين عليه تصديه للحاكم، وتدخله في السياسة، وأن الدين لا علاقة له بالسياسة!! وقد استاء الشيخ البدري من مواقف الجبن لدى هؤلاء، وعكف وهو في إقامته الجبرية على تأليف كتابه «الإسلام بين العلماء والحكام»، مبيناً فيه سيرة السلف الصالح، من العلماء العاملين والفقهاء، والمجاهدين، الذين تصدوا لظلم الظالمين، وقدّموا التضحيات الجسام، لنصرة الإسلام والمسلمين، فكانت محنة سعيد بن المسيب وسعيد بن جبير، وجعفر الصادق، وأبي حنيفة ومالك بن أنس وابن حنبل، والشافعي، والبخاري، والعز بن عبد السلام، وابن تيمية، وذكر جهاد العلماء أمثال عبدالله بن المبارك، وابن تيمية، وأسد بن الفـرات وغيرهم، كما ذكر مـواقف العلماء المتأخرين أمثال: أحمد السرهندي، وأحمد بن عرفـان الهندي، وعز الدين القسّام، وعبد القادر الجزائري، ومحمد المهدي، وأحمد السنوسي، وعمر المختار، وغيرهم من العلماء العاملين والمجاهدين الصـادقين.

يقول الأستاذ عبدالله الحسيني في مقدمته لكتاب الشيخ البدري (الإسلام بين العلماء والحكام)، الذي أصدرت الطبعة الثانية منه دار القلم الكويتية 1406هـ 1986م:

«... في حرب 1967م، التي اجتاح اليهود فيها القدس الشريف، والضفة الغربية، ومرتفعات الجولان، وسيناء، خلال ستة أيام، بل ست ساعات، ثارت ثائرة الشيخ البدري، وأرسل برقيات إلى جميع رؤساء الدول في العالم الإسلامي، يحمِّلهم المسؤولية ويتهم من وافقوا على وقف إطلاق النار بالخيانة، ثم قرر تشكيل وفد إسلامي شعبي، للسفر إلى أقطار العالم الإسلامي، لحثِّ القوى والشعوب الإسلامية، على النهوض بمسؤوليتها تجاه تلك الكارثة، وللتأكيد على أن الإسلام لم يكن السبب في الهزيمة، لأنه لم يكن في المعركة أساساً، وقد زار الوفد الهند وباكستان وإندونيسيا، وماليزيا، وإيران، وأفغانستان، وبعد عودة الوفد إلى بغداد، عقد الشيخ البدري مؤتمراً صحفياً، أوضح فيه ما شاهده في العالم الإسلامي، من طاقات مهدورة، كان يجب أن تُوجَّه لخدمة القضية الفلسطينية، مستنكراً حصرها في النطاق العربي، بدل النطاق الإسلامي الواسع، ومتخوفاً من الاستمرار في التضييق عليها، لكي تكون في المستقبل قضية الفلسطينيين فقط.

العلمانيون يهربون من مواجهته:

وعندما اهتز التيار العلماني في البلاد العربية، وأصبح المتهم الأول في هزيمة 1967م، بدأ التيار الإسلامي في العراق ينشط ويضغط، مطالباً بالعودة إلى الإسلام، ووضعه موضع التنفيذ منهج حياة، لكن التيار «المتغرب» المعادي للإسلام، اختار شخصاً عربياً يحمل الجنسية الأمريكية يدعى «نديم البيطار» لمواجهة الإسلاميين، وقد تم استدعاؤه من كندا، لإلقاء محاضرات تؤكد أن الأفكار الإسلامية التي يسميها بالغيبية، هي السبب في الهزيمة، وأنه لا نصر على الصهيونية إلا بالتخلي التام عن هذه الغيبيات!!

ومن الغريب أن هذا المحاضر يقول في كتابه (الأيديولوجية العربية) كلاماً صريحاً في الكفر والتعدي على الذات الإلهية، فطلب الشيخ البدري من رئيس الجمهورية آنذاك «عبد الرحمن عارف» إما أن يُسمح له بإلقاء محاضرة في القاعة نفسها، وإما أن يسمح له بمناظرة المحاضر في القاعة نفسها، أو يمنع المحاضر من إلقاء محاضرته، ولما لم يُستجب لمطالب الشيخ البدري، قرر الخروج بمظاهرة يوم المحاضرة، وبعد صلاة العصر هتف الشيخ «الله أكبر»، وتوجّه راجلاً من مسجده إلى قاعة المحاضرات وتبعه الشباب المؤمن، وجماهير الناس، هاتفين «الله أكبر لا إله إلا الله»، ولما سمع أنصار المحاضر هدير الجماهير بالهتافات الإسلامية، انطلقوا هاربين مع محاضرهم إلى المطار، حيث غادر بغداد في أول طائرة.

في كربلاء والنجف:

رأس الشيخ البدري وفداً من أهل السُّنَّة، وذهب إلى كربلاء والنجف، وطلب من علمائهما التدخل لإيقاف تنفيذ حكم الإعدام في سيد قطب، وعندما اتصل بالسيد محسن الحكيم المرجع الأعلى للشيعة، أبلغه السيد الحكيم، بأنه أبرق إلى جمال عبد الناصر، ألا يُقدم على إعدام العلماء، وسيّد قطب من أكبر علماء ومفكري العصر.

وفي سنة 1968م، اختُطف الشيخ البدري ليلاً، وهو في طريقه إلى داره، وأخذوه إلى معتقل (قصر النهاية)، ومارسوا معه أشدَّ أنواع التعذيب، وقيل إنهم قطعوا لسانه وبعد مرور سبعة عشر يوماً، حمل الجلادون جثته، وتركوها أمام بيته، وأخبروا أهله، أنه مات بالسكتة القلبية، وأمروهم بدفنه دون الكشف عليه..

وانتشر الخبر، وحُمل نعش الشهيد إلى جامع الإمام أبي حنيفة في الأعظمية للصلاة عليه، وهناك قام شقيقه بالكشف عن جثته أمام جموع المشيعين بالمقبرة، ليشاهدوا آثار التعذيب على سائر بدنه، فضلاً عن نتف لحيته، وكان ذلك في شهر ربيع الأول 1389هـ 1969م، بعد حياة مليئة بالمعاناة، والجهاد المتواصل، والتضحية والفداء، لقد ترسّم الشيخ البدري خُطا الذين سبقوه بالسير في هذا الطريق المبارك، من المؤمنين الأفذاذ، أمثال الحسين بن علي، وعبدالله بن الزبير، وسعيد بن جبير، وفي العصر الحديث عز الدين القسَّام، وحسن البنا، وسيّد قطب، فاختاره الله شهيداً، كما اختارهم، ثم لحق به على درب الشهادة إخوانه محمد فرج، وعبد الغني شندالة، وعبد الرزاق العبودي، وغيرهم، ولله الأمر من قبل ومن بعد» انتهى.

هذا هو الشيخ البدري، وهذا هو جهاده في سبيل الله، يخوضه في أكثر من ميدان، ويصاول فيه أكثر من عدو، فلا يضعف ولا يلين ولا يتردد، بل يتقدّم الصفوف بكل شجاعة وثبات، يثير الهمم، ويستنهض العزائم، ويتصدى للبغي بكل أشكاله، وفي مواقعه، ويدفع الضريبة غير هيّاب من الموت، ولا مدبر من المعركة، شأنه في ذلك شأن الرجال أولي العزم في القديم والحديث.

أصدر الشيخ البدري، الكثير من الكتب، نذكر منها: الإسلام بين العلماء والحكام، حكم الإسلام في الاشتراكية، الإسلام حرب على الاشتراكية والرأسمالية، الإسلام ضامن للحاجات الأساسية لكل فرد، كتاب الله الخالد القرآن الكريم... إلخ.

يقول الدكتور عبد الكريم زيدان في كتابه القيم (أصول الدعوة):

«... من الوسائل المهمة جداً في تبليغ الدعوة إلى الله، وجذب الناس إلى الإسلام، السيرة الطيِّبة للداعي، وأفعاله الحميدة، وصفاته العالية، وأخلاقه الزاكية، مما يجعله قدوة طيبة، وأسوة حسنة لغيره، ويكون بها كالكتاب المفتوح، يقرأ فيه الناس معاني الإسلام، فيقبلون عليها وينجذبون إليها، لأن التأثر بالأفعال والسلوك، أبلغ وأكثر من التأثر بالكلام فقط، والإسلام انتشر في كثير من بلاد الدنيا، بالسيرة الطيبة للمسلمين، التي كانت تجلب أنظار غير المسلمين، وتحملهم على اعتناق الإسلام، فالقدوة الحسنة، التي يحققها الداعي بسيرته الطيبة، هي في الحقيقة دعوة عملية للإسلام، يستدل بها غير المسلم على أحقية الإسلام، وأنه من عند الله، ولاسيما إذا كان سليم الفطرة، سليم العقل» انتهى.

قصته مع الجلادين في السجون:

ويروي بعض المعتقلين مع الشيخ البدري، الذين أطلق سراحهم: «أن الشيخ البدري، قد عُذِّبَ عذاباً شديداً، وأنّه واجه ذلك التعذيب بصمود وثبات، تجاوز كل المقاييس والتوقعات، وأن الرجل كان شامخاً بإيمانه وثباته على الحق، متحدياً جلاديه، حتى آخر رمق من حياته، وأن هؤلاء المعتقلين كانوا يرجونه ويتوسلون إليه أن يلين بعض الشيء، وأن يسكت أو يجامل على سبيل المناورة، إلا أنه كان يزداد صلابة وشموخاً ـ بإيمانه ـ كلما اشتد الجلادون في تعذيبه.. فلم يطأطئ لهم رأسه، ولم يعترف لهم بشرعية، ولم يمنحهم تأييداً، بل كان يصر في التحقيق على أنهم عملاء وأذناب المستعمر وجواسيسه، بل الأكثر من ذلك، أنه في أحد الأيام الأولى للتحقيق معه، رفع الشيخ البدري يده، وضرب رئيس التحقيق «ناظم كزار»، بعد أن شتمه، فانهالوا عليه بالضرب من كل مكان، وبمختلف الوسائل، إلى أن أغمي عليه، وعندها رموه في زنزانة لا تزيد مساحتها على متر واحد وبدون نوافذ....» انتهى.

يقول الشيخ البدري في كتابه القيِّم «الإسلام بين العلماء والحكام»:

«... لقد جرت سُنَّة الله سبحانه وتعالى في خلقه، أن يفتنهم ويختبرهم، ليميز الخبيث من الطيب، {الم* أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُون * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ الله الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِين} [العنكبوت: 1 ـ 3]، وقد اعتاد الظالمون من الحكام، أن يضطهدوا الذين يخالفونهم في سلوكهم المنحرف، ويناهضونهم في أفكارهم الباطلة، ولم يسايروهم في أهوائهم، وينزلوا بهم أنواع المحن، بعد أن أعرضوا عن أشكال المنح التي قدّمها الحكام إليهم في ذلة وصغار، ولكن أنّى للنفوس الكريمة، ذات المعدن الطّيب، أن تُغرى بمال، أو يسيل لعابها على فتات الدنيا، أو تُستمال بعرض زائل من الحياة.

أما المحن، فقد استعدوا لها، وتحمَّلوا نارها بصبر وجلد، وصابروا شدة بأسها، بعزم واحتساب، لأنهم فقهوا قول الله تعالى: {قل نار جهنم أشد حراً لو كانوا يفقهون} [التوبة: 81] وآمنوا بقول الخالق العظيم: {ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله والله رؤوف بالعباد} [البقرة: 207]، وكان أئمة المسلمين من السادة العلماء، الذين اشرأبت الأعناق إليهم، إجلالاً وتقديراً وولاء، في مقدمة الذين أصابتهم المحن ونزلت بهم الشدائد الصعاب، فخرجوا منها ظافرين ظاهرين» انتهى.

رحم الله أخانا الشهيد عبد العزيز عبد اللطيف البدري، وغفر الله لنا وله، وأسكنه فسيح جناته، مع النبيين، والصديقين، والشهداء، والصالحين، وحسن أولئك رفيقاً.

المصدر