الشهيد سيد قطب..شبهات السلفيين

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
الشهيد سيد قطب..شبهات السلفيين


يتناول هذا الجزء شبهات ساقها البعض من المشتغلين بعلوم العقيدة الإسلامية، معتبرين أن الأستاذ سيد قطب رحمه الله قد خالف منهج السلف الصالح في فهمه لبعض مسائل العقيدة ، ولعل مشكلة الاجتزاء واقتطاع الكلمات والحكم عليها والتقييم من خلالها يمثل أيضا مشكلة هذا الجزء كما كان مشكلة الجزء الأول، ولعل شبهة هؤلاء استندت بالأساس على عبارات وردت في سياق تفسيره لسورتي الإخلاص والحديد، فهموا منها أنه يعتقد وحدة الوجود كما اعتقدها من قبل أصحاب البدع والضلالات. ومن قرأ الظلال وغيره من مؤلفات الأستاذ رحمه الله يدرك تهافت هذه الشبهة أمام الصريح من عباراته التي توضح صفاء عقيدته ونقاءها. ما المقصود بوحدة الوجود؟

هي فهم خاطئ، يزعم معتقدوه أن الوجود كله وحدة واحدة، وجود الخالق ووجود المخلوق، وأن الخلق هو الصورة المنظورة للخالق مما يعني أن البشر والحجر والكائنات الأخرى هي الله، تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا. حتى إن أحدهم ليقول( ما في الجبة إلا الله) ، ويقول (سبحاني ما أعظم شأني) ويقولsad.gifخرجت من الله إلى الله، حتى صاح مني في، يا من أنا أنت)

وتحدث أبو يزيد البسطامي عن ما قال أنه حوار بينه وبين الله تعالى فقالsad.gifورفعني فأقامني بين يديه، وقال لي : يا أبا يزيد، إن خلقي يحبون أن يروك، فقلت: ربني بوحدانيتك، وألبسني أنانيتك، وارفعني إلى أحديتك، حتى إذا رآني خلقك قالوا: رأيناك لتكون أنت ذاك ، ولا أكون أنا هناك) وقال الحسين بن منصور الحلاج:

مزجت روحك في روحي كما تمزج الخمرة في الماء الزلال

فإذا مسك شيء مسني فإذا أنت أنا في كل حال

ويقول

أنا من أهوى ومن أهوى أنا نحن روحان حللنا بدنا

فإذا أبصرتني أبصرته وإذا أبصرته أبصرتنا

ويقول ابن عربي:

(فوجودنا وجوده، ونحن مفتقرون إليه من حيث وجودنا، وهو مفتقر إلينا من حيث ظهوره لنفسه: من يحمدني وأحمده، ويعبدني وأعبده)

ويقول:

العبد رب والرب عبد يا ليت شعري من المكلف

ويقول:

لا تراقب فليس في الكون إلا واحد لعين فهو عين الوجود

ويسمى في حالة بإله ويسمى في حالة بالعبيد

ويقول جلال الدين الرومي:

( يامن تبحثون عن الله، إنما أنتم الله، ليس الله خارجا عنكم، هو أنتم أنتم، اعتكفوا في الدار،ولا تدوروا هنا وهناك، لأنكم أنتم الدار، وأنتم رب الدار، وأنتم الذات، وأنتم الصفات، فالذي لم يلد ولم يولد هو منكم)

هذه بعض مقولات القائلين بوحدة الوجود، وغيرها كثيرة لا يسعها المقام ،فهل كان سيد قطب يؤمن بهذه الضلالات؟ وهل ما أورده في تفسيره لصدر سورة الحديد كان قطعيا لدرجة تكفي لأن يدرجه البعض في قائمة القائلين بوحدة الوجود؟

يقول رحمه الله في تفسير قول الله عز وجل"هو الأول والآخر والظاهر والباطن" في أول سورة الحديد[/u]sad.gifهذا الوجود الإلهي هو الوجود الحقيقي، الذي يستمد منه كل شيء وجوده، وهذه هي الحقيقة الأولى التي يستمد منها كل شيء حقيقته، وليس وراءها حقيقة ذاتية ولا وجود ذاتي لشيء في هذا الوجود) لاحظ هنا قوله( وجود ذاتي) ومعلوم أن وجود المخلوقات جميعا ليس ذاتيا، فهي لم تخلق نفسها، بل إن الذي خلقها هو الله عز وجل وله رحمه الله أقوال صريحة في رفض فكرة وحدة الوجود.

يقول في كتابه خصائص التصور الإسلامي في باب التوحيد

يقوم التصور الإسلامي على أساس أن هناك ألوهية وعبودية، ألوهية يتفرد بها الله سبحانه، وعبودية يشترك فيها كل من عداه، وكي ينفرد الله سبحانه بالألوهية، كذلك ينفرد -تبعا لهذا- بكل خصائص الألوهية، فهناك إذن وجودان متميزان، وجود الله، ووجود ماعداه من عبيد الله، والعلاقة بين الوجودين هي علاقة الخالق بالمخلوق والإله بالعبيد) وفي تفسيره لقول الله عز وجل"وقالوا اتخذ الله ولدا سبحانه بل له ما في السماوات والأرض كل له قانتون" يقول رحمه الله:

(والنظرية الإسلامية أن الخلق غير الخالق، وأن الخالق ليس كمثله شيء، ومن هنا تنتفي من التصور الإسلامي فكرة وحدة الوجود، على ما يفهم غير المسلم من هذا الاصطلاح، أي بمعنى أن الوجود وخالقه وحدة واحدة، أو أن الوجود إشعاع ذاتي للخالق، أو أن الوجود هو الصورة المرئية لموجده، أو على أي نحو من أنحاء التصور على هذا الأساس) ( والوجود وحدة في نظر المسلم على معنى آخر، وحدة صدوره عن الإرادة الواحدة الخالقة، ووحدة ناموسه الذي يسير به) وفي تفسيره لسورة الإخلاص تلحظ أسلوبا أدبيا رفيعا، فيه خفاء في المعنى ، يتضمن تفريقا بين وجود الخالق ووجود المخلوق، يلحظه أولو النهى.(ومتى استقر هذا التصور الذي لا يرى في الوجود إلا حقيقة الله، تستصحبه رؤية هذه الحقيقة في كل وجود آخر انبثق عنها، وهذه درجة يرى فيها القلب يد الله في كل شيء يراه، وراءها الدرجة التي لا يرى فيها شيئا في الكون إلا الله،لأنه لا حقيقة هناك يراها إلا حقيقة الله) فهو هنا إذن يتحدث عن مجرد مشاعر ورؤية قلبية،ولا يجوز بحال الوقوف على ظاهر الألفاظ، إذ القلب لا يرى أصلا.

ولابن القيم رحمه الله تصنيف مهم يجدر ذكره هنا، فهو يرى أن الفناء اسم يطلق على ثلاث معان:

1-الفناء عن وجود السوى.(بمعنى أن لا شيء موجود سوى الله) وهو فناء الملاحدة القائلين بوحدة الوجود.

2-الفناء عن شهود السوى.(وليس المراد به فناء وجود ما سوى الله، إنما هو فناؤه عن شهودهم وحسهم، فحقيقته غيبة أحدهم عن سوى مشهوده وهو الله.

3-الفناء عن إرادة السوى. وهو فناء خواص الأولياء وأئمة المقربين،فأحدهم يستغني بمراد محبوبه منه عن مراده هو من محبوبه.

بل إن لابن القيم موقف ينبغي أن يتعلم منه العلماء في التعامل مع مثل هذه القضايا.

يقول الهروي -صاحب منازل السالكين- (الفناء: اضمحلال ما دون الحق علما،ثم جحدا، ثم حقا) فهو هنا ينفي الوجود عن ما سوى الله، وهذا ظاهر كلامه، لكن ابن القيم من أئمة السلف الذين يتذوقون أساليب البيان يقول وفرق بين إسقاط الشيء عن درجة الوجود العلمي الشهودي، وإسقاطه عن رتبة الوجود الخارجي العيني، فشيخ الإسلام الهروي ،بل مشايخ القوم المتكلمين بلسان الفناء هذا مرادهم ، وحاشا لشيخ الإسلام - يعني الهروي- من إلحاد أهل الإتحاد، وإن كانت عبارته موهمة بل مفهمة لذلك) فأين عبارات قطب من عبارات الهروي ومع ذلك قال فيه ابن القيم ما قال.

ثم انظر إلى ما قاله شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله: (استغاثة المخلوق بالمخلوق..استغاثة العدم بالعدم، فالمستغيث عدم ،والمستغاث به عدم). فإذا أخذنا الكلام على ظاهره فإننا نقول أن المخلوقات لا وجود لها، ولكن المقصود أن الله عز وجل هو صاحب الإرادة والمشيئة الفعالة التي لا وجود لأي مشيئة أو إرادة إزاءها.

وحين روى ابن تيمية عن أبي يزيد البسطامي وهو من القائلين بوحدة الوجود ترحم عليه قائلاsad.gif عن أبي يزيد رحمه الله) والترحم لا يجوز إلا على المسلم.

وقد أنصف كثير من علماء العصر الثقات الأستاذ سيد قطب رحمه الله، وقالوا في حقه كلاما ينبغي الوقوف عنده.

يقول الشيخ عبد الله بن جبرين:

(إن سيد قطب وحسن البنا من علماء المسلمين، ومن أهل الدعوة ، وقد نفع الله بهما، وهدى بدعوتهما خلق كثير، ولهما جهود لا تنكر، لأجل ذلك شفع الشيخ عبد العزيز بن باز في سيد قطب عندما قرر عليه القتل، فلم يقبل شفاعته الرئيس جمال عبد الناصر، وإذا وقع منهما أخطاء يسيرة في التأويل ونحوه فلا يصل إلى حد التكفير، فإن العلماء الأولين لهم مثل ذلك كالنووي السيوطي وابن الجوزي وابن عطية والخطابي والقسطلاني وأمثالهم كثير ، وقد قرأت ما كتبه الشيخ ربيع المدخلي في الرد على سيد قطب ورأيته جعل العناوين لما ليس بحقيقة) إنتهى كلامه.

وقد سُئل الشيخ عبد الرحمن الدوسري بعد محاضرة ألقاها من أحد السائلين معترضا على الشيخ لاستشهاده بكلام لسيد قطب مع كونه حليق لا لحية له فقال:( إذا كان الشهيد سيد قطب بلا شعر في لحيته فهو صاحب إحساس وشعور، وإيمان عميق، وعزة وكرامة، وغيرة على الإسلام والمسلمين، قدم روحه فداء لدينه، واستشهد في سبيل الله طلبا لمرضاته، وطمعا في جنته، وقال قولته المشهورة حين ساوموه ليرجع عن موقفه "لماذا أسترحم؟ إن سجنت بحق فأنا أرضى حكم الحق، وإن سجنت بباطل فأنا أكبر من أن أسترحم الباطل، إن إصبع السبابة الذي يشهد لله بالوحدانية في الصلاة ليرفض أن يكتب حرفا يقر فيه حكم طاغية" هذا هو سيد قطب فأين أصحاب الشعر بلا شعور من مواقف الرجال) انتهى

ويقول الدكتور سلمان العودة:

(والذي أدين به أن الأستاذ سيد قطب من أئمة الهدى والدين، ومن دعاة الإصلاح، ومن رواد الفكر الإسلامي، سخر فكره وقلمه في الدفاع عن الإسلام وشرح معانيه، ورد شبهات أعدائه، وتقرير عقائده وأحكامه، على وجه قل من يباريه أو يجاريه في هذا الزمان، وكان حديثه حديث المعايش الذي لابس هم الإسلام قلبه، وملك عليه نفسه، قد شغله الحزنُ على الإسلام والغضب له حتى عن ذاته وهمومه الخاصة.

ومن ذلك أنه كتب فصولا موسعة في موضوع الدعوة ومنهجها، والموقف من المجتمعات المعاصرة، وكتب ذلك بعاطفة مشبوبة ولغة قوية، وغيرة على الدين وعلى المسلمين.. حمّلها بعضُ قارئيه مالا تحتمل من المعاني واللوازم، وتعاملوا معها على أنها نصوص تُقرأ بحروفها وألفاظها، وتحفظ وتتلى ويستشهد بها في مواطن النزاع ، ومضايق الجدل والمناظرة والخصام ، وبنى بعضُ هؤلاء على هذه القراءة الحرفية الضيقة تكفير الناس كافة، أو التوقف بشأنهم أو الهجرة من ديارهم، إلى أين؟؟ لا ادري.

وبنى آخرون عليها فكرة الانفصال عن المجتمعات وترك العمل فيها واعتزالها.وفهمت كلام سيد رحمه الله عن العزلة الشعورية بتكثيف قوى وترميز شديد،جعلها بؤرة العمل والانطلاق، والحق أن القراءة الحرفية الظاهرية لتراث كاتب ما ليست أمراً خاصا وقع مع سيد قطب رحمة الله وحده، لكنها مشكلة تراثية يعاد إنتاجها الآن مع عدد كبير من رموز العلم والفقه، والدعوة والاجتهاد علما بان الحري بالباحث إجمالا أن يفهم كلام الشيخ أو العالم بحسب ما تقتضيه نصوصه الأخرى، فيرد بعضها إلى بعض ويفسر بعضها ببعض، ولا يتمسك بكلمة يضع لها أقواسا ثم يعقد لها محكمة.

وليعلم الأخ الكريم الناصح لنفسه أن الوقيعة في آحاد الناس فضلا عن خاصتهم من أهل العلم والإصلاح والدعوة من شر ما يحتقب المرء لنفسه، ولا يغتر المرء بمن يفعل ذلك كائنا من كان لأن الحساب في القيامة بالمفرد لا بالقائمة) انتهى كلامه .

ويقول الشيخ حمود بن عقلاء الشعيبي :

( إن سيداً رحمه الله يعد في عصره علما من أعلام مقارعة الظالمين، ومن أفذاذ الدعاة إلى تعبيد الناس لربهم، والدعوة إلى توحيد التحاكم إلى الله، فلم يقضّ إلا مضاجع أعداء الله ورسوله، وما فرح احد بقتله كما فرح أولئك، ولقد ضاق أولئك الأذناب بهذا البطل ذرعا ،فلما ظنوا أنهم قد قتلوه، إذا بدمه يحيي منهجه، ويشعل كلماته حماسا، فزاد قبوله بين المسلمين، وزاد انتشار كتبه، لأنه دلل بصدقه وإقدامه على قوة منهجه، فسعوا إلى إعادة الطعن فيه رغبة منهم لقتل منهجه أيضا، وأنّى لهم ذلك) .

وختاما لا يسعني إلا أن اذكر أنني أحسب سيداً والله حسيبه يشمله قوله عليه الصلاة والسلام (سيد الشهداء حمزة ورجل من أمتي قام عند سلطان جائر فأمره ونهاه فقتله ) وأنقل كلمة له رحمه الله قبل إعدامه بقليل ،عندما أُعجب أحد الضباط بفرح سيد قطب وسعادته عند سماعه نبأ الحكم عليه، وتعجب لأنه لم يحزن ويكتئب وينهر ويحبط، فسأله : أنت تعتقد أنك ستكون شهيدا فما معنى شهيد عندك ؟ أجاب رحمه الله قائلا: الشهيد هو الذي يقدم شهادة من روحه ودمه أن دين الله أغلى عنده من حياته، ولذلك يبذل روحه وحياته فداء لدين الله . وله رحمه الله من المواقف والأقوال التي لا يشك عارف بالحق أنها صادرة عن قلب قد مُلئ بحب الله وحب رسوله صلى الله عليه وسلم ، وحب التضحية لدينه، نسأل الله أن يرحمنا ويعفو عنا وإياه) هذا وقد استدل الشيخ المحدث محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله بكلام الأستاذ سيد قطب في مقدمة كتابه (مختصر العلو) في أكثر من ثلاث صفحات متتاليات، بصيغة المدح والتأييد، وكان يصفه بالأستاذ الكبير ويترحم عليه.

هؤلاء العلماء الذين أنصفوا الأستاذ الكبير مع خلافهم معه في بعض المسائل، يدركون أن البشر يصيبون ويخطئون، ولقد كان لكثير من فحول الأمة وعلمائها مواقف في تأويل مسائل الصفات ، والاستدلال بأخبار الآحاد ، تخالف ما عليه أكثر أهل العلم، وذلك لم يمنع من إنصافهم والثناء عليهم فيما أصابوا فيه، والاستفادة من علومهم وكتبهم النافعة.

ولقد كان الأستاذ رحمه الله مجاهدا يصدع بالحق ،ولا يخشى في الله لومة لائم، ولا يخاف ظلم الطواغيت وجورهم، وتحمل في سبيل ذلك الكثير من الأذى والبلاء، ولا يزال البلاء بالعبد حتى يمشي على الأرض وما عليه خطيئة، والحسنات يذهبن السيئات، والمرء يبتلى على قدر دينه، فمن كان في دينه صلابة زيد له في البلاء، وإن صبره على هذا البلاء ليذكّر بالرعيل الأول من المسلمين، حتى لقي الله عز وجل وقد نال ما تمنى ، نحسبه شهيدا والله حسيبه.

أيا كل القعود اليوم بعدا أتبغون المفازة في السبات

لكم درب الخنوع وإن دربي برغم الموت يمنحني حياتي

فهل يليق بعد هذا كله أن يوصف الظلال بالضلال أو بالظلام؟؟ أم أن ذلك يصب في مصلحة أعداء الإسلام الذين لا يريدون لثقافة المناعة الإسلامية أن تستقر في نفوس المسلمين. ختاما أرجو أن يكون هذا الجهد القليل إحقاقا للحق ، وردّا لبعض الجميل الذي أسداه الرجل إلى هذه الأمة، ودفعا عن بريء تكاثر عليه المشوهون والمشوشون، ودعوة للشباب لينهلوا من معين هذا الرجل وهم على بصيرة من صحيح فكره ودقيق قصده، سائلا الله عز وجل أن يجمعنا به في مستقر رحمته.

ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب