الشهيد القسامي الفذ "طارق أبو الحصين"
2003-18-10
مقدمة
يا بيت المقدس والشهداء.. جاءك الشيخ "طارق" طارقًا الأبواب الموصدة.. قارعًا أبواب الجنة بجماجم بني صهيون.. حاملاً بندقيته ليخوض ملحمة بطولية مع الأعداء.. ويعيد إلى الأذهان بطولات الصحابة وصلاح الدين.. ازداد الشيخ "طارق" (أبو محمد) غضبًا في وجه الأعداء بني قريظة والغرباء.. الذين ينفذون حملة إبادة عرقية للأطفال والنساء في رفح.. فخرج الفارس مع الفرسان في ليل المسرى.. تتألق أعينهم شُهبًا وتتحدى وجه الظلمة في البيداء.. النصر يناشده مع فرسان القسام.. فانتفض من بين الأشلاءْ.. معلنًا لا.. لن أبقى قاعدًا والأقصى يغرق في طوفان دماءْ.. كان شهيدنا دائمًا يردد: عذراً يا أقصانا.. فالعرب في أسرهم.. في متاع حياتهم.. يتمتْرسُون خلف جدار الصمتْ..
الفارس "أبو محمد طارق" هامَ في بيت المقدس والشهداءْ.. فهو جذر العزّة في وجه الأعداء.. فالمجد يليقُ بك.. يا من امتطيت جوادك وانطلقت لا تنتظر أحدًا.. ومشيت في وادي الجرحْ غربًا.. شرقًا وشمالاً.. وهزأت ببندقيتك من كل الطغاة.. نادِ (أبا محمد) من فوق ضفاف الجرحْ.. فأنت ملحٌ للأرض وللوطن .. أنت صوتٌ لحناجرنا، يا صاحب أقوى حنجرة.. كانت خنجرًا تذبح صمت ضمائر القلوب الميتة.. كنت نهرًا يسقي أحلام البؤساءْ.. فالآن نشتاق لماءِ مآقيك.. ونحنّ لك.. فأنت باقٍ لنا أملاً وقناديل تتحدى.. أستار الليل.. "أبا محمد" بت عنوان كرامتنا.. من بين سواعدك تتحدّاهمْ أعناق سنابِلنا.. من ثغر بندقيتك .. كنت تقول فينا ونحن نودع الشهداء: ما أعذب ميلاد الحلم في أرضٍ تزرع أكباد الشهداءْ!
ميلاد ونشأة
كباقي أبناء فلسطين الأحرار، ولد الشهيد القائد "طارق صبح أبو الحصين" لعائلة مجاهدة تعود جذورها إلى بلدة بئر السبع في فلسطين المحتلة عام 1948م، وسماه والده الحاج "صبح أبو الحصين" "طارقًا" نسبة للقائد المسلم "طارق بن زياد".
كبر الشهيد "طارق"، وكبرت معه الملحمة، وكان أحد أبناء رفح المتفوقين في رفح، والذي درس بين جدرانها وأزقتها ومدارسها ووديانها وهضابها وروابيها. عشق حب الوطن وخرج إلى رام الله؛ ليلتحق بمعهد المعلمين، ويحصل على دبلوم علوم هناك، ولم يقف طموحه، بل عاد ليكمل دراسته، وكان أحد أبناء الجامعة الإسلامية المخلصين، وحصل على درجة الإجازة العالية (البكالوريوس) في الشريعة منذ ثلاث سنوات.
تزوج "أبو محمد" من إحدى قريباته، فأنجبت له 7 أبناء، هم: إسلام، ومحمد، ومعاذ، وإسراء، وأنفال، ويحيى.
التحق "أبو محمد" في سلك التعليم، وكان مثالاً لإخوانه المدرسين، عرف طريقه إلى الدعوة، وكان مخلصًا في عمله، وكان أحد مدرسي مدرسة ذكور بني سهيلا الإعدادية.
أبو محمد" القائد
عرف "أبو محمد" الدعوة مبكرًا، وكان أحد الإخوة القلائل في محافظة رفح، ممن أخذوا على عاتقهم هَمَّ نشر الدعوة في فلسطين، ملتحقًا بركب الإخوان المسلمين، فكان أحد فرسانهم المغاوير على مدى السنوات الماضية، وكان أحد أبرز الشباب المسلم في كافة الميادين في انتفاضة عام 1987م . عمل "أبو محمد" بصمت تحت الأرض؛ لكى يحافظ على دعوته، وكان من أبناء حركة حماس) المخلصين.
مَن مِنْ سكان وأهالي رفح لا يعرف "أبو محمد"؟! كان يشارك في المسيرات، وكانت خطبه الرنانة تكسبه تألقًا وشعبية. كان أحد رواد كافة مساجد رفح؛ يشارك في أسابيعها الدعوية. كان يهتم بكل الأمور؛ يمشى في جنازات الشهداء، يحث الناس على الجهاد، وكانت حياته كلها دعوة في سبيل الله، وكان ملتزمًا في مسجد (الذكر) القريب من بيته، وكان لا يخشى في الله لومة لائم.
كان أحد الخطباء المفوهين ممن لهم حضور قوي في رفح وخان يونس؛ حيث كانت كلماته لظى تحرق المحتلين، وكانت أفعاله نارًا وبارودًا على المحتل .
كان شهيدنا لا يحب الظلم والضيم، وكان دائم الاحتساب عند الله، ولقد اعتقل في سجون السلطة الفلسطينية لمدة عامين متواصلين، قضاها صائمًا متعبدًا محتسبًا من العام 96-89م.
موعد مع الشهادة
توضأ "أبو محمد"، وصلى ركعتين في مسجد السنة، شاهده أهل الحي يتسلل إلى المسجد، لا يريد أحدًا أن يراه وهو يصلي قيام الليل، وخرج متخفيًا إلى جهة لا يعلمها أحد إلا الله، وهو يُكِنُّ شيئًا في نفسه، وفي لحظات كانت قدماه تسوقه حيث يتوق..
استل بندقيته وتقدم نحو المخيم مع أحد القساميين المجاهدين، وما إن وصلا حتى قام المجاهدَيْن بزراعة عبوة كانت بحوزتهما في طريق دبابة صهيونية، وبعد قليل تقدمت الدبابة نحوهما، وعندها خاضا ملحمة بطولية قسامية استمرت زهاء نصف الساعة، حدد الصهاينة الأوغاد- المتمركزين في العمارات الشاهقة، والذين حولوها إلى ثكنات عسكرية مغلقة ومنصات للقناصة- مكان إطلاق النار من المجاهدين، فزودوا الدبابة الصهيونية التى تقدمت نحوهم وحاصرتهم في المكان قبل أن تقذف حمم بركانه وقذائفها الملتهبة صوبهم، وترتكب جريمة بشعة جديدة.
وعندما وصل "أبو محمد" إلى المستشفى كان على موعد مع الشهادة.. وقد أكد الدكتور "علي موسى"- مدير مستشفى "أبو يوسف النجار" برفح- أن الشهيد "طارق" كان يسخر من الجراح ومن الإصابة، ونطق الشهادتين بسهولة، ورددهما مرارًا، وابتسم قبل أن تخرج روحه إلى بارئها، واستشهد وهو يبتسم.
وكانت حصيلة الجريمة البشعة استشهاد الشيخ "طارق أبو الحصين" مع الشهيد القسامي "حسام المغير"، والسيدة "وداد العجرمي"، التي ضربت مثلاً للـ"خنساء" و"سمية أم عمار"، وخرجت لإسعاف المجاهدين قبل أن يمطر الاحتلال المنطقة بوابل من القذائف ويحيل المكان إلى كتلة من اللهب.
رحم الله "أبا محمد"، لقد كان قائدًا مجاهدًا ربانيًّا بحق؛ زرع أقواله في الأرض بذورًا، وغرس في نفوس مَنْ حوله حب الوطن قبل أن يكون الفارس الشهيد المودع، الذي كان يردد دائمًا في بداية خطبه: "الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على سيدنا محمد الرحمة المهداة رحمة للعالمين، القائد والمعلم والممثل الشرعي والوحيد للمسلمين يوم العرض والحساب".
- خاص- رفح من عادل زعرب
المصدر
- الشهيد القسامي الفذ "طارق أبو الحصين"إخوان أون لاين