الشق الغاطس في الأزمة الفلسطينيه

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
الشق الغاطس في الأزمة الفلسطينيه

(1) في الأفق الفلسطيني إشارات قوية تدل علي أن ما نشاهده علي السطح ليس سوي مجموعة من الحيل والألاعيب‏,‏ التي تحاول إخفاء أزمة أعقد وأعمق بكثير مما نتصور‏.‏

في حين تطالعنا صحف الصباح القاهرية بأخبار اجتماعات مع ممثلي الفصائل الفلسطينية محورها قضية المصالحة‏,‏ نفاجأ بأخبار أخري من رام الله تمضي في اتجاه معاكس تماما‏,‏ فقبل أسبوعين نقل آفي بسخروف محرر صحيفة هاآرتس علي لسان العقيد دياب العلي قائد الأمن الوطني في رام الله قوله‏,‏ إنه يتعين الاستعداد لاحتمال استرداد السلطة في غزة بالقوة‏,‏ وهي خطوة تتطلب موافقة وتنسيقا مع ثلاث دول‏,‏ هي إسرائيل ومصر والأردن‏.. ‏ وسوف يتطلب ذلك استخدام سلاح من نوع مختلف ومضاعفة أعداد قوات الأمن الوطني‏,‏ بحيث تصل إلي‏15‏ ألف جندي‏,‏ وذكر محرر الصحيفة أن الأمن الوطني يضم الآن‏7500‏ جندي‏,‏ وأن‏90%‏ من الضباط تم تغييرهم خلال الـ‏18‏ شهرا الماضية‏,‏ بعناصر أكثر شبابا وكفاءة‏,‏ وأن الجميع يتدربون في أريحا بالأردن‏,‏ بمساعدة وإشراف أمريكيين‏,‏ مما ذكره أيضا التنسيق الأمني مع إسرائيل نجح في منع عشرات العمليات الفدائية وأن الأمن الوقائي أعتقل خلايا عملت ضد إسرائيل من بين عناصر الجهاز ذاته‏,‏ وأنه تم إنشاء وحدة خاصة لمنع تسلل عملاء حماس إلي صفوفه‏.‏

يديعوت أحرونوت نشرت في 19 -9 ‏ تفصيلات أكثر وأخطر حول التنسيق الأمني مع إسرائيل ضد المقاومة‏,‏ فقد حضر اجتماعا خصص لهذا الغرض كبير معلقيها ناحوم برنبع‏,‏ أكثر الصحفيين الإسرائيليين صدقية‏,‏ الذي ذكر أن الاجتماع تم يوم الأحد‏ 7 - 9,‏ في مقر القيادة الإسرائيلية بالضفة‏,‏ وحضره من الجانب الفلسطيني المفتش العام للشرطة حازم عطاالله‏,‏ إضافة إلي‏8‏ من قادة الأجهزة في حكومة رام الله‏(‏ نشر اسماءهم‏,‏ لكني لم أتمكن من مراجعتها من المصادر الفلسطينية‏).‏

قال برنبع في تقريره المنشور‏,‏ إنه فوجئ بالاستعداد المفرط للعمل مع إسرائيل من قبل القيادة الفلسطينية‏,‏ وأنه سمع بأذنيه من الجالسين كما كبيرا من المعلومات المثيرة‏,‏ سجل منها في تقريره ما يلي‏:‏ ‏

  • ‏ قول رئيس المخابرات العسكرية في حكومة رام الله ماجد فراج‏,‏ إن حماس هي العدو‏,‏ ولن يكون هناك حوار أو مصالحة معها‏,‏ وقد قررنا خوض المعركة ضدها حتي النهاية‏,‏ صحيح انكم‏(‏ الإسرائيليون‏)‏ توصلتم الي هدنة معهم‏,‏ أما نحن فلا‏.‏

‏إننا نتولي أمر كل مؤسسة حمساوية تبلغوننا بها‏,‏ أعطيتمونا أخيرا أسماء‏64‏ مؤسسة‏,‏ وقد انتهينا من معالجة‏50‏ منها ووضعنا أيدينا علي أموالها‏,‏ وإسرائيل حولت لنا‏150‏ حسابا بنكيا يشتبه في علاقتها بالتنظيمات الإرهابية فتم إغلاق‏300‏ حساب‏,‏ وفي السابق كنا نفكر ألف مرة قبل اقتحام المساجد‏,‏ لكننا الآن أصبحنا نقوم بذلك عند الحاجة‏,‏ لكنه نصح الإسرائيليين بألا يفعلوها‏.‏ ‏

  • ‏ مفتش الشرطة حازم عطاالله قال‏:‏ حتي آخر السنة الحالية سندخل في مواجهة شاملة مع حماس‏,‏ واذا لم يتم الاستعداد الجيد لها فإننا سنتقاسم المسئولية عن الهزيمة نحن وأنتم والأمريكان‏,‏ وحينئذ طمأنه العميد يؤاف موردخاي رئيس الإدارة المدنية في الضفة قائلا‏:

‏ سنشكل طاقما مشتركا معكم‏,‏ وسنساعدكم في التدريب والعتاد‏.‏ ‏

  • ‏ أبوالفتح قائد جهاز الأمن العام قال للإسرائيليين ليس هناك خصام بيننا‏,‏ وينبغي أن نعمل من أجل هزيمة عدونا المشترك‏(‏ يقصد حماس‏),‏ لذلك عليكم أن تبذلوا جهدا لمساندة أبومازن‏,‏ بإطلاق السجناء الأحداث ورفع بعض الحواجز والمستوطنات‏.‏

خرج ناحوم برنبع من الاجتماع بانطباع خلاصته أن مواجهة عنيفة بين فتح وحماس حول السيطرة علي الضفة ستحدث في يناير المقبل‏,‏ مع انتهاء مدة ولاية السيد أبومازن‏,‏ لأن الرجل عازم علي البقاء حتي يناير عام‏2010,‏ ولأنه لا يستبعد أن يعلن أبومازن غزة منطقة متمردة ويتعين إنهاء تمردها بالقوة‏,‏ فإن قادة الأمن الفلسطيني طلبوا من أجهزة الأمن في إسرائيل أن تعكف معهم علي إعداد الخطة الميدانية التي تحقق هذا الهدف‏,‏ وأن تسهم في توفير السلاح وتدريب القوات اللازمين لإنجاز تلك المهمة‏.‏ ‏ (2)‏ هذا الاحتشاد الأمني الذي يجري التجهيز له بالتوازي مع اجتماعات المصالحة المستمرة في القاهرة‏,‏ يتجاهل حقيقة التصدع الحاصل في بنيان السلطة وحركة فتح ذاتها‏,‏ وهو ما عبرت عنه كتابات نشرت أخيرا لمثقفين فلسطينيين بارزين لا علاقة لهم بحركة حماس‏,‏ ومنهم من هو محسوب علي حركة فتح ذاتها‏,‏ وعناوين تلك المقالات دالة في هذا السياق‏,‏ فقد نشرت الشرق الأوسط مقالين لبلال الحسن أحدهما تحت عنوان‏:

‏خلافات تنذر بالخطر داخل مؤسسات السلطة الفلسطينية‏( 7 - 9)‏ وعنوان الثاني خلافات تكبر وتتسع وتهدد مستقبل السلطة الفلسطينية‏(21 - 9),‏ ونشرت الحياة اللندنية مقالا لماجد كيالي عنوانه المشروع الفلسطيني بين مفاعيل الأزمة والانهيار‏.‏

المقالات الثلاث محورها أزمة الواقع الفلسطيني الناتجة عن عوامل ثلاثة‏,‏ هي‏:

‏الفشل السياسي الذي حققته السلطة التي لم تستطع أن تحقق شيئا يذكر من المطالب الفلسطينية ـ استعداد بعض أركان السلطة للتفريط في الثوابت الفلسطينية‏,‏ وفي المقدمة منها حق العودة‏,‏ وكذلك التفريط في الأرض باسم تبادل أجزاء منها مع الإسرائيليين ـ ما سماه بعضهم بخطف القرار الفلسطيني عن طريق تجاوز المؤسسات الشرعية مثل منظمة التحرير واللجنة التنفيذية‏,‏ لكي ينتهي الأمر بتركيز القرار الفلسطيني في يد فئة محدودة في السلطة والحكومة‏(‏ د‏.‏ أسعد عبدالرحمن‏).‏

تحدث بلال الحسن عن لقاءين تشاوريين عقدا في عمان يومي‏22 -8‏ و‏1- 9,‏ بين بعض الأعضاء البارزين في المجلس الوطني‏,‏ وبعض أركان السلطة‏,‏ وجهت فيه انتقادات حادة لقيادات السلطة‏,‏ ومن هؤلاء عزام الأحمد رئيس كتلة فتح في المجلس التشريعي الذي قال إنه لم يعد مطلوبا شطب منظمة التحرير‏,‏ وانما صياغة سلطة فلسطينية علي المقاس الأمريكي‏,‏ في أحد اللقاءين قال تيسير قبعة نائب رئيس المجلس الوطني إن ثمة جهات فلسطينية تتآمر من أجل تصفية القضية الفلسطينية الي جانب إسرائيل وأمريكا‏,‏ وتساءل‏:‏ كيف أقاتل عدوي وأنا أعطيه أسماء المناضلين؟

وكيف أقاوم العدو وأنا أنسق معه أكثر مما أنسق مع شعبي؟

في تعليقه علي التصدعات الحاصلة في السلطة الفلسطينية‏,‏ والتي تتجاوز كثيرا حدود الصراع بين حركة فتح وحماس‏,‏ قال بلال الحسن إنه لا مبالغة في القول بأن الحالة الفلسطينية تنذر بالخطر‏,‏ وأنها مؤهلة لأن تعود الي الفوضي‏,‏ وربما الي الانهيار‏.‏ ‏ (3)‏ اذا تتبعنا المشكلة في عمقها فسنجد أنها تكمن فيما يسمي باختطاف القرار الفلسطيني من جانب فئة بذاتها‏,‏ مشكوك في صدقية تمثيلها للشعب الفلسطيني‏,‏ وهو ما دعا باحثا مستقلا وجادا‏,‏ هو الدكتور سلمان أبوستة المنسق العام لمؤتمر حق العودة‏,‏ الي المطالبة بإحياء مرجعية جامعة للشعب الفلسطيني‏,‏ واستعادة تجربة عام ‏1964,‏ التي تكللت بإنشاء منظمة التحرير ومجلسها الوطني بقيادة أحمد الشقيري‏,‏ وتحققت عالميا في عام ‏1974‏ بقيادة ياسر عرفات باعتراف الأمم المتحدة بالمنظمة وبحقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف‏,‏ وباعتماد مجلسها الوطني بين برلمانات العالم واعتماد سفارتها في الخارج‏.‏

نبه الدكتور أبوستة في مقال له بجريدة الحياة‏(‏ نشر في12- 7)‏ الي أن الانتخابات التي أجريت في عام‏ 2006‏ ورفضت حركة فتح الاعتراف بنتائجها‏,‏ اشترك فيها‏30%‏ فقط من الشعب الفلسطيني‏,‏ الذي يعيش في الأراضي المحتلة عام‏1967,‏ أما صوت‏70%‏ من الفلسطينيين الموزعين في البلاد العربية والأجنبية‏,‏ فلم يسمع ولم يرصد له أي حضور منذ آخر اجتماع للمجلس الوطني الفلسطيني بالجزائر عام ‏1988,‏ كما ذكر أن نصف الشعب الفلسطيني ولد بعد اجتماع الجزائر وهو أيضا لا يسمع لهم صوت اليوم‏,‏ وأطفال الحجارة الذين أشعلوا انتفاضة عام ‏1987,‏ هم الآن رجال ونساء لهم شأن في المجتمع الفلسطيني‏,‏ ولكنهم محذوفون من الخريطة السياسية ـ من ناحية أخري فإن متغيرات عدة طرأت علي المجلس الوطني خلال العشرين عاما التي أعقبت آخر اجتماع له في الجزائر‏,‏ فأعضاؤه البالغ عددهم‏445‏ توفي منهم‏30‏ واستقال بسبب المرض وكبر السن‏20‏ علي الأقل‏,‏ وتم تعيين نحو‏25‏ عضوا لأسباب لم تعد قائمة‏,‏ واعتزل آخرون العمل السياسي لأسباب متعددة ـ كما لم تكن متغيرات الخريطة السياسية أقل أهمية من الخريطة السكانية وخريطة عضوية المجلس الوطني‏,

‏ حيث ظهرت في الساحة قوي جديدة غيرت من معادلة الساحة السياسية مثل حماس والجهاد‏,‏ وجاءت انتخابات ‏2006‏ لتعلن بجلاء عن هذه الحقيقة التي ينبغي أن تؤخذ في الاعتبار‏.‏

في رأي الدكتور أبوستة أنه لا يعقل أن يسلم مصير الشعب الفلسطيني الي السلطة المشغولة بالحرب بين رام الله وغزة‏,‏ خصوصا أن تلك السلطة لا شرعية دولية لها‏,‏ لأنها نتاج اتفاق بين الدولة المحتلة والشعب الواقع تحت الاحتلال‏,‏ وهو اتفاق يستند الي مرجعيات متعددة ليس بينها حقوق الشعب الفلسطيني‏,‏ واتفاقية جنيف الرابعة تقضي صراحة ببطلان أي اتفاق بين الدولة المحتلة والشعب الواقع تحت الاحتلال اذا أضر الاتفاق بحقوق الشعب المحتل‏.‏

النتيجة التي خلص إليها أنه لابديل لمنع انهيار الوضع الفلسطيني عن انتخاب مجلس وطني جديد‏,‏ يعبر بصورة ديمقراطية وصادقة عن الواقع الفلسطيني‏,‏ وهو ما تم الاتفاق عليه في القاهرة عام ‏2005,‏ كما تم الاتفاق علي تشكيل لجنة تحضيرية لإجراء تلك الانتخابات‏,‏ ولكن اللجنة لم تدع للاجتماع من ذلك الحين‏,‏ وهناك تسويف مستمر في العملية من جانب السلطة القائمة‏,‏ لا يفسر الا بحسبانه تعبيرا عن رغبة الذين اختطفوا القرار الفلسطيني في استمرار الاستئثار به لأطول أجل ممكن‏.‏ ‏ (4)‏ ذلك كله مسكوت عليه في الوقت الراهن‏,‏ بحيث لا يكاد له صدي أو أثر في المشاورات الجارية التي لم تمس الجذور من قريب أو بعيد‏,‏ ومن الواضح أن الريح تجري في مسار آخر يصطنع اجماعا فلسطينيا بين فصائل لم تحصل علي أكثر من‏2%‏ من الأصوات في الانتخابات التشريعية الأخيرة‏,‏ وهذا الاجماع يراد له أن يوظف في ترتيب يفرض حلا بالقوة علي السلطة القائمة في غزة‏(‏ عن طريق إرسال قوات عربية مثلا‏),‏ وقد تسربت رائحة ذلك الترتيب في التصريحات الساخنة التي أعقبت اجتماع مجلس جامعة الدول العربية الأخيرة‏,‏وتحدثت عن فرض حل لمصالحة ملزمة للاطراف الفلسطينية‏,‏ وهو كلام مغطي ردده أبومازن‏,‏ ونشر علي لسانه في صحيفة الحياة في‏25 -9,‏ لكن رجاله أفصحوا عن مقصود الإشارة بما لا يدع مجالا للبس في اجتماع التنسيق مع الإسرائيليين‏,‏ الأمر الذي يطرح أكثر من سؤال حول دور الجامعة العربية في الملف‏,‏ وهل ستسهم في حل المشكلة أم أنها ستصبح طرفا فيها‏,‏ بحيث تكرر سيناريو تدخلها للوساطة في الأزمة اللبنانية‏,‏ وتحيزها لطرف دون آخر في الصراع بين فريقي‏14‏ و‏8‏ آذار‏.‏