الشعب المصري هو المضطهد الحقيقي
03 يوليو، 2008
بقلم : الأستاذ / فهمي هويدي
أزعم أن الكلام عن اضطهاد فئات بذاتها في مصر يفتقد إلي الدقة والبراءة، ولدي اقتناع بأن المضطهد الحقيقي في البلد هو الشعب المصري ذاته. إذا سألتني كيف ولماذا؟!، فردي أن مصر تم اختطافها منذ أكثر من نصف قرن بواسطة قبيلة واحدة، ما إن تمكنت من أمرها حتي حولت المحروسة إلي وقف حررته باسم القبيلة ولصالحها، ولا يحتاج ذلك الوقف إلي حجة للاستدلال علي وجوده، لأن شواهد الحال أبلغ من أي حجة، باعتبار أن أمر البلد ظل متداولاً بين أبناء القبيلة طوال الوقت، كما أنه لا توجد أي دلائل علي أنها مستعدة لأن تشرك غيرها فيه، بل تشير الدلائل إلي العكس، لأن التعديلات التي أدخلت علي الدستور تضيق من نطاق المشاركة في داخل القبيلة ولا توسعه، وتكاد تحدها داخل فرع واحد في القبيلة دون غيره.
صحيح أن من بين رجال القبيلة المذكورة صالحين وطالحين، كما أن الأمر لم يخل من إنجازات وإخفاقات، إلا أننا إذا اتفقنا علي أن العبرة بالمآلات، فسوف نكتشف أن كفة الإخفاقات أصبحت أرجح، وأن الخسائر في جرد نصف القرن تفوق المكاسب.
لقد كان ذلك الاختطاف الذي أدي إلي احتكار السلطة وحرمان الشعب المصري من إدارة شئونه بنفسه هو أول مظاهر الاضطهاد الذي تعرض له ، ومما فاقم من المشكلة أن احتكار السلطة اقترن باحتكار الثروة التي توزعت علي أفراد القبيلة ومن لف لفهم، حتي توزعت ثروة البلد بين فريقين، أحدهما: نال حصته وظل ينميها ويراكمها، والثاني:خطف حصته وهرب بها إلي الخارج، وما تبقي بعد ذلك ترك لكي يتسابق عليه الآخرون، الذين لم يكن عموم الشعب المصري من بينهم.
مظاهر الاضطهاد الأخري تتمثل فيما يلي:
> إخضاع البلد للطوارئ طوال 27 عاماً متصلة، الأمر الذي أدي إلي توحش أجهزة الأمن وإطلاق يدها في العدوان علي أمن الناس وحرياتهم، الأمر الذي أدي إلي مضاعفة أعداد المعتقلين وانتشار التعذيب في أقسام الشرطة، فضلاً عن السجون والمعتقلات.
> تراجع سلطة القانون والقضاء المدني، لصالح أجهزة الأمن والقضاء العسكري. إذ بمقتضي التعديلات الدستورية الأخيرة فقد صارت الأجهزة مخولة في القاء القبض علي خلق الله وتفتيش بيوتهم والتنصت علي اتصالاتهم، ثم بعد ذلك يحصلون علي إذن النيابة بما فعلوه. وكانت النصوص السابقة تشترط الأإن قبل الفعل، وليس بعده،كما أن التعديلات أعطت لرئيس الجمهورية حق تحويل أي مدني للقضاء العسكري، الذي جري تعزيز موقعه بإنشاء محاكم استئنافية لأحكامه، بما يعني أنه بصدد التحول إلي قضاء عادي وليس استثنائياً.
> قامت الحكومة ببيع أراضي البلد للأجانب، وبيع القطاع العام للمستثمرين، ومن ثم فرطت في أصول يملكها المجتمع، دون أن يخولها أحد في ذلك، كان ذلك سحباً من رصيد التنمية للأجيال القادمة.
> أطلقت الحكومة غول الغلاء الذي اكتوي الناس بناره، مما أسهم في إفقارهم وتعاستهم،وضاعفت من وطأة معاناتهم برفع الأسعار وفرض الضرائب وزيادة الرسوم، وظلت طوال الوقت تتفنن في الأخذ من الناس والتفتيش في جيوبهم.
> حين انشغلت الحكومة بالجباية وبيع الأصول والاقتراض، فإنها لم تكترث بالإنتاج والتنمي، الأمر الذي ضيق من فرص العمل وزاد من معدلات البطالة، وأشاع اليأس بين الناس، حتي إن أبناءهم أصبحوا يفضلون المغامرة بالسفر إلي الخارج والتعرض للغرق في البحر، سعياً وراء أمل في العيش لم يجدوا له بارقة أو أثراً في بلادهم.
> تخلت الحكومة عن مسئولياتها في توفير خدمات التعليم والعلاج والإسكان للناس، الذين أصبحوا يقومون من جانبهم بهذه المهام بعد الانهيار الذي شهدته تلك المرافق، الأمر الذي حملهم بأعباء جديدة قصمت ظهورهم. تطول القائمة بما قد يتجاوز الحيز المتاح، لكني لا أستطيع أن أغفل تعذيباً آخر نتعرض له، حين نتابع برامج التليفزيون، وحين نقرأ صحف الموالاة في البلد .
المصدر
- مقال :الشعب المصري هو المضطهد الحقيقي ، الدستور