السياسة والكورة
محتويات
مقدمة
حدث تنتظره كل دولة من الدول ليكون عامل نهضة لها، وانعاش للسياحة، وهي استضافة كؤوس دولية على أراضيها، إلا أن ذلك يساعد الدول المنتعشة اقتصاديا، لكن أن يكون اقتصاد إحدى الدول في انهيار ويسعى لاستضافة بطولة من البطولات فهذا درب من الجنون، حيث يزيد من اعباء الوطن.
وهذا ما يحدث من نظام السيسي ففي الوقت التي اعتذرت فيه دولتا الكاميرون والمغرب – الأفضل اقتصاديا من مصر - سعى نظام السيسي لاستضافة كأس الأمم الإفريقية على ارض مصر، في حين يصرب الفقر كل جنبات الوطن، لكن في محاولة منه لصرف الناس عن مشاكل الوطن ونظامه.
فالرياضة تعتبر طريقة من الطرق الهامة للحفاظ على الجسم و التي تعالج الكثير من الأمراض، وتساعد على زيادة الثقة بالنفس، والتخلص من الشعور بالملل وأوقات الفراغ السلبية ولقد تنوعت أشكال الرياضة وتعددت، غير أن لعبة كرة القدم نالت الحظ الأوفر من اهتمام الشعوب لما لها من جاذبية في الأداء
حتى بلغ بها الأمر أن أصبح الحكام المستبدين يستغلونها في إلهاء الشعوب عما يحدث من جرائم في الوطن، أو للتغطية على انهيار البلاد اقتصاديا، أو الفشل السياسي، أو لجذبهم بعيدا عن المطالبة بحقوقهم أو الثورة عليهم.
فأهمية كرة القدم وسحرها على الشعوب، أصبحت ورقة من أوراق رجال السياسة، والتي يلعبون بها للوصول إلى الحكم أو تعزيزه أو باعتبارها وسيلة من الوسائل التي تقرب خطوط الاتصال مع الشعوب التي هى الجماهير.
يقول الكاتب الأمريكي سيون كوبر:
- "كرة القدم ظاهرة، لها مدلولها السياسي وهي رمز للفوضى ولحكم الأقلية وهي تؤدي إلى إسقاط سياسيين وانتخاب رؤساء وتحدد الطريقة التي يفكر بها الناس تجاه بلادهم"
فالرياضة قد تنعش العلاقة بين الشعوب – حينما يريد الحكام – وقد تأتي بأثار سلبية وكراهية بين الشعوب – إذا عمل الحكام على ذلك وتغذية هذا الجانب، يقول الخبير الفرنسي باسكال بوني فيس في مقال عنوانه الجغرافية السياسية للرياضة فإن الرياضة قد تنعش مشاعر الأخوة في العلاقات بين الشعوب أو العكس.
كما أن الروائي الإنجليزي جورج أور ويل (مؤلف رواية مزرعة الحيوانات) فند أقوال بعض الناس بأن الرياضة تقرب وتقوي العلاقات بين الشعوب لأنها أصبحت في الواقع مصدرا لإثارة مشاعر الكراهية وتوتير العلاقات بين الشعوب في بعض الأحيان.
اللافت أن كل المؤسسات العالمية للرياضة تؤكد رفضها القاطع والتام للتداخل بين السياسة والرياضة، وذلك رغم قدم هذه العلاقة التبادلية بينهما. لكن الواقع يؤكد عدم وجود إمكانية للفصل الكامل بين الألعاب الرياضية والعلاقات الدولية، وفي الوقت ذاته، لا يمكن إبقاء الحال بينهما على ما هو عليه بصورة مطلقة.
الرياضة منذ القدم
الرياضة معروفة منذ زمن بعيد، ففي الآثار المصريّة الموجودة للفراعنة تدل الصور على الرياضة التي كانوا يمارسونها لتدريب المحاربين على القتال، فيظهر علي مقبرة (خير واف بغرب الأقصر) منظر يمثل رياضة الملاكمة ومنظر آخر يمثل أزواج من الملاكمين يمارسون رياضة الملاكمة أمام الفرعون.
لم يقتصر الأمر على رياضة الملاكمة لكن هناك آثار توضح ممارسة القدماء المصريين للعديد من الرياضة مثل السباحة والجمباز والمصارعة والفروسية وألعاب القوى وغيرها. إلا أن معظم هذه الألعاب كانت مرتبطة بالعمل العسكري والقوة.
كما عثر على لوحات في كهف (اسكو) في فرنسا عليه تصوير للركض والمصارعة في العصر الحجري الأعلى وغيرها من الآثار التي عثر عليها في ليبيا ومنغوليا والعراق (السومرية). كما مارس الإغريق للألعاب حتى أنهم وضعوا أسس الألعاب الأوليمبية، واستمر الشعوب تمارس هذه الألعاب حتى يومنا هذا.
السياسة والكورة
كان أول تعامل رسمي بين نظام سياسي وكرة القدم عام 1314، عندما أصدر ملك إنجلترا آنذاك إدوارد الثاني وثيقة رسمية يدين فيها "تلك الضوضاء التي عمَّت المدينة، الناتجة عن اشتباكات حول كرات كبيرة الحجم، مما يؤدي إلى شرور كثيرة لا يبيحها الرب، لذا فبأمر من الملك تُمنع ممارسة هذه اللعبة في المستقبل".
حدث ذلك في زمن كان الشعب يدين فيه بالولاء للملك بالضرورة، إلا أن الأمر تغير كثيرًا في عصور احتاج فيها السياسيون إلى دعم الشعب، فلم يجدوا طريقًا أكثر تمهيدًا ليتسللوا عبره من كرة القدم.
فبعد أن كانت الكورة تقرب الشعوب، أصبحت سببا في اندلاع الحروب وخراب البلاد، ففي عام 1969 كانت مباراة كرة القدم التي أقيمت بين الهندوراس والسلفادور مباراة فاصلة في تصفيات كأس العالم 1970، وبعد مباراتين تناوب فيها البلدان الفوز كل على ملعبه، وتناوب جمهور كل فريق الاعتداء على الجمهور المنافس بعد كل مباراة لأسباب لا علاقة لها بكرة القدم
حيث يعود سبب النزاع إلى هجرة السلفادوريين للهندوراس، التي تسببت في زيادة حجم البطالة هناك، فأصدرت الهندوراس قانونًا بعدم تمليك الأراضي الزراعية للقادمين من السلفادور، بل ونزع الأراضي من السلفادوريين وتمليكها للهندوراس، واحتفظ كل بلد بقدر مماثل من العداء للآخر واستغل الإعلام المباراة لشحن الجماهير، مما أدت إلى اندلاع حرب بين البلدين بعدما نشر الجيش الهندوراسي على الحدود بين البلدين، حيث راح ضحية الحرب آلاف من الشعبين.
وكذلك شهدت مباراة كرة القدم بين إيران وأمريكا في كأس العالم 1998 اهتمامًا دوليًّا غير مفهوم، لمباراة بين فريقين تذيلا المجموعة وخرجا من الدور الأول للمسابقة.
بل بلغ الأمر بانفصال كرواتيا عن صربيا بعد مباراة جمعتهما، فمن المعروف أن الرئيس تيتو وحد كل اقاليم يوغوسلافيا غير انه بعد موته عام 1980 نادت كروتيا باستقلالها وهو ما كان الصرب يرفضه، وفي 13 مايو 1990 كان مشجعو فريق دينامو زغرب الكرواتي على موعد مع مشجعي فريق رِد ستار بلغراد الصربي، وحدث أن جماهير الصرب نادوا بزغرب صربية
فحدث اشتباك وصل للملعب ايضا فنزلت الشرطة تضرب المشجعين فوجه اللاعب الكرواتي زفونيمير بوبان ركلة الى رجل شرطة يعتدي على الكرواتين كانت اشهر ركلة حيث استقلت البلاد بعدها بعام وربما كانت تلك الركلة حلقة شعبية مهمة في سلسلة استقلال كرواتيا، التي استقلت رسميا بعد عام من الحادثة، وصنفت المباراة في تقارير إخبارية واحدة من خمس مباريات غيرت العالم.
الحكم العربي المستبد والكورة
بعض الحكام ربما لا تشغلهم الكورة أو الرياضة إلا في الإطار المؤسسى لحكمه، لكن هناك البعض يجعل اهتمامه للرياضة ركنا من أركان نظامه لاستغلاله للرياضة في إلهاء وصرف الشعب عن المطالبة بحقوقها، وهذا لا يحدث إلا في الحكم الديكتاتوري والمستبد (خاصة الأنظمة العسكرية).
ففي زمن عدي صدام حسين كانت تكفي خسارة الفريق الوطني العراقي لكرة القدم، لكي يتعرض لاعبوه للضرب وحلاقة شعر الراس، أو الحبس في معسكرات تدريبية عسكرية لإعادة تربيتهم.
كما أن القذافي - والذي تساءل في الفصل الثالث من الكتاب الأخضر، لماذا يلعب 22 لاعبا كرة القدم بينما يتفرج عليهم الآلاف من "المغفلين"، ودعا المتفرجين إلى النزول إلى الملعب ومزاحمة اللاعبين، مما جعل الجمهور فعلا ينزل إلى الملاعب – أنفق على ابنه الساعدي المليارات ليلعب في نادي بيروجيا إيطالي.
مصر والكورة وحكم العسكر
لم تنشغل أسرة محمد علي بالكورة إلا أن فاروق أنشأ نادي سمى باسمه وهو نادي فاروق (الزمالك فيما بعد) حيث كان يشجعه، لكن ما أن تولى العسكر حكم مصر حتى أصبحت الرياضة والكورة أداة قوية في يدي العسكر من أجل إلهاء الشعب عن تصرفاتهم وعن الحرب الدائرة بينهم على الحكم والصراعات على المال والهزائم المتلاحقة على كل الجبهات سواء في اليمن أو سيناء، أو الانهيار الاقتصادي التي عاشت فيه البلاد طوال حكم العسكر حتى الآن.
فقد كلف عبد الناصر عادل طاهر - أحد الضباط الأحرار - بتأسيس المجلس الأعلى للشباب والرياضة، وتنظيم البطولات والدورات الرياضية، وإنشاء مراكز الشباب لتخريج الأبطال والاحتفال بعيد الشباب والرياضة، والذى لم ينقطع إلاّ فى السنوات الأولى لحكم السادات.
كما كان الرئيس عبد الناصر مغرماً بافتتاح معسكر القوات المسلحة لجميع الألعاب، وتنظيم البطولات الدولية، ورعاية الدورة الأوليمبية والتي كانت تقام كل 4 سنوات. لم يقتصر الأمر على عبد الناصر بل نافسه المشير عبد الحكيم عامر حيث كان يختار "اللعيبة" من الضباط والمساعدين كل حسب مؤهله وأشهرهم بالطبع النقيب صالح سليم، وميمى الشربينى، وعادل هيكل ويكن حسين ورفعت الفناجيلى.
وكان المشير عامر - كما يقول الكابتن أبورجيلة - يستغل الرياضة فى تحسين العلاقات مع الدول العربية ففي عيد استقلال الجزائر أمر المشير بتنظيم وفد رسمي لمشاركة ابناء الجزائر فرحتهم، وإقامة مباراة معهم. كما كان المشير عامر يتدخل بقوة فى توجيه انتقال اللاعبين من أندية الإسكندرية والمنصورة إلى الزمالك.
ويؤكد الكاتب الصحفي والناقد الرياضي عبدالنبى عبدالستار رئيس تحرير زملكاوى ورئيس تحرير جريدة الغد أن مجلس قيادة الثورة استخدم كرة القدم كرتاً سياسياً لشغل الرأى العام فى الداخل وتوطيد علاقات مصر فى الخارج كما أن مجلس القيادة كان منقسماً على نفسه فى الهوية الكروية
ففى الوقت الذى كان يميل فيه عبد الناصر وكمال الدين حسين وأنور السادات وجمال حماد للنادى الأهلى كان المشير عامر ينتمى لفريق المختلط أو الزمالك فيما بعد ومعه خالد محيى الدين وشقيقه زكريا والأخوان جمال وصلاح سالم ولأن المشير عامر كان يتفاخر بزملكاويته.
لم يكن السادات بنفس درجة من سبقه في انشغاله بالكورة لوضع البلاد، إلا أن سلفه مبارك عمد إلى استغلال الكورة لتجميل نظامه، وإظهار أولاده وسط الناس. فقد كان مبارك يحضر مباريات المنتخب الحاسمة، ونهائيات مباراة الأهلي والزمالك، وكما يعلم عشاق الكرة من النقاد والقراء أن علاء مبارك كان "إسماعيلاوى" حتى الثمالة، وقيل إنه ضغط بقوة لعودة نجم الدراويش حسنى عبدربه إلى الإسماعيلي.
ومن المثير أن علاء وجمال مبارك كانا يصران على قيادة فريق الصقور خلال الدورة الرمضانية، ويفوزان بالبطولة كل عام، على أن يفوز أحدهما بلقب أحسن لاعب، فى حين يفوز الآخر بلقب هداف البطولة.
الحديث عن التوظيف السياسي للرياضة – ولمسألة كأس العالم خصوصًا – في مصر، يستدعي مباشرة جهود مصر في تنظيم مونديال 2010، وهي الجهود التي كان يُنظر إليها باعتبارها محاولة من نجل الرئيس السابق "جمال مبارك" لترسيخ وجوده السياسي من بوابة الرياضة، وقد كان الفشل الذريع الذي تكللت به الجهود المصرية لاستضافة البطولة فيما عُرف وقتها بـ"صفر المونديال".
وكانت الهزيمة التي مني بها المنتخب المصري في كأس العالم 1990 بإيطاليا دافعًا للنظام السياسي بتوجيه المنتخب نحو تحقيق فوز في بطولات أقل أهمية من كأس العالم؛ ككأس الأمم الإفريقية، وقدّمت الحكومة مبارك على أنه الداعم الذي لا مثيل له للمنتخب الوطني. وبحلول عام 2000 التقط فريق التصوير صورًا لا تحصى لمبارك وهو يظهر دعمه للمنتخب في أي مناسبة.
واستطاع مبارك خلق عدوّ للمصريين في مباراتهم مع الجزائر في السودان، في وقت كانت هناك فيه تدابير اقتصادية شاملة عانى منها المصريون وتركت كثيرًا منهم عاطلين عن العمل، إضافة إلى الضرائب الحديثة التي فُرضت حينها، وساهمت الأزمة التي اندلعت مع الجزائر حينها في صرف نظر الجمهور عن الأوضاع السيئة.
وقد عمد نظام السيسي لهذه السياسة والتي لخصها مجدي عبد الغني بقوله في تصفيات المنتخب لكأس العالم 2014: لاعبو المنتخب عندما ينظرون إلى السيسي سيكتسحون غانا بمباراة العودة. فمثلا استقبل بعثة المنتخب الوطني فور وصولهم إلى مطار القاهرة، عقب حصولهم على المركز الثاني في بطولة كأس الأمم الإفريقية التي أقيمت بالجابون 2017.
كما استقبل السيسي في يناير 2017 لاعب المنتخب المصري "محمد صلاح" عقب تبرع الأخير بمبلغ 5 ملايين جنيه لصندوق تحيا مصر، بعدما قام النظام بتهدد صلاح بإجباره على الخدمة العسكرية بعد أن تم إلغاء إعفائه منها بعد انتقاله للعب في نادي تشيلسي الإنجليزي.
وأُخبر صلاح أيضًا، أن عائلته التي ما زالت تقطن في موطنه مصر، قد تُمنع من مغادرة البلاد في حال رفض الانصياع لهذه الأوامر وذلك عام 2014م. كما استغل النظام المصري بعض الوجوه الرياضية للترويج لمشروعاته ومبادراته، مثل مبادرة تحيا مصر التي شارك حارس المنتخب المصري "عصام الحضري" في حملاتها الإعلانية.
وعقب فوز المنتخب المصري على نظيره الغاني في بطولة الأمم الأفريقية، يناير 2017 ظهر مقطع فيديو للسيسي مع مجموعة من الشباب في أحد فنادق أسوان، تظهر فيه سعادته بهدف المنتخب المصري في شباك خصمه.
وأثناء استقباله للبعثة الرسمية لـ "كأس العالم للأندية" (فيفا)، في الندوة التثقيفية الخاصة بالقوات المسلحة قام السيسي بحملة، مما دفع كتائبه الإلكترونية استغلت الصورة لدعمه في مسرحية الانتخابات، وروجت الأذرع لفكرة إمكانية حصول مصر على الكأس في نهائيات كأس العالم 2018 في روسيا، من دون أي مبررات مقنعة لذلك.
وهكذا يسعى المستبد بكل أذرعه في استغلال الرياضة لتجميل صورته أمام شعبه والمجتمع الدولي وهو ما جعل السيسي يحرص على استضافة كأس الأمم الإفريقية في يونيو 2019 بمصر في وقت يعاني منه الشعب والوطن.
للمزيد
- شكرية خليل ملوخية: مدخل وتاريخ التربية الرياضية، مؤسسة المعارف للطباعة والنشر 1978م.
- فراس البيطار: الموسوعة السياسية والعسكرية: الجزء الثاني، دار أسامة للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، صـ716.
- إبراهيم عبد الغني: قصة زواج السياسة والرياضة، مصرس نقلا عن مجلة أكتوبر
- السيسي حاول اتباع نهج مبارك في استخدام الرياضة رصد نقلا عن العربي الجديد.