السياسة والثقافة .. إلى من يتحاكمون؟

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
السياسة والثقافة .. إلى من يتحاكمون ؟

قال تعالى: (ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون) (الجاثية: 18).


إليها التحاكم

الحرية3.jpg

إن من أهم سمات شريعة الله الإسلامية سمة الاكتمال والاستكمال لكل صفات الكمال الرباني، ولكل حاجات الإنسان من قواعد ومبادئ التشريع السامي، الذي يرنو إليه الإنسان، بعين اللحاق بسموه وتحقيق الثبات على ثوابته، ومتابعة الاجتهاد فيما جاءت به الشريعة من دلالات، تتطور وتتجدد بتجدد الزمان والمكان، بما يجعلها صالحة مع تغير تلك الأزمان والأمكنة .. وبهذا كان لشريعة الإسلام وثوابته الفضل والسمو على الشرائع والقوانين في هذا العالم، فلا تبلغ شريعة أرضية مهما تقدمت وتطورت مبلغ اللحاق بسمو وعلو وكمال شرائع الإسلام وعقائده ونظمه ومبادئه ونظرياته.

وفي كتابه (علم أصول الفقه)، يتكلم الأستاذ عبد الوهاب خلاّف عن شمول شريعة الإسلام و كمالها، فيقول: (إن كل ما يصدر عن الإنسان من أقوال وأفعال سواء أكان من العبادات أم المعاملات أم الجرائم أم الأحوال الشخصية أم من أي نوع من أنواع العقود أو التصرفات له في الشريعة الإسلامية حكم).

ويقول الأستاذ الدكتور عز الدين بليق في كتابه القيّم (منهاج الصالحين): (تمتاز الشريعة الإسلامية على القوانين الوضعية بالكمال؛ أي بأنها استكملت كل ما تحتاجه الشريعة الكاملة من قواعد ومبادئ ونظريات، وأنها غنية بالمبادئ والنظريات التي تكفل سدّ حاجات الجماعة في الحاضر القريب والمستقبل البعيد).

وإذن فشريعة الإسلام هي مرجعية المسلمين حصرياً في عقائدهم وفقههم وحياتهم ونظامهم، فمهما ابتغوا عند غيرها النجاة أو بحثوا عن سواها بقصد الاتباع، فسوف يبوؤون بالبوار والخسران؛ لأن هذه الأمة وجدت وادخرت لحمل هذا الدين، فإذا استنكفت عن سر وجودها وما ادخرت لأجله، فإن العاقبة وخيمة، والخذلان مصير بائر ينتظرها، وهو الحاصل معها هذه الأيام؛ إذ يممت شطرها إلى توجه مستورد خاسر في أرضه، عاجز عن إنقاذ أهله، غير قادر على إيجاد لواذٍ آمن لمن يحاولون الالتجاء إلى قيظه أو صرصره. إنه إلى شريعة الإسلام يعود التحاكم، وكل ما عدا ذلك إن هو إلا أهواء غالبة، أو تخبط بلا بوصلة، وذلك مصداق قوله تعالى: (ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون).


الغافلون المعرضون إلى أي شيء يتحاكمون ؟

إنك إذا بحثت ودققت وفي جعب الغافلين المعرضين فتشت؛ ساسة كانوا أو ممن يسمون أنفسهم بالنخب والمثقفين، لوجدت جبالاً من العنجهية والتعالم والتكاذب حاضرة في الحديث والفعال، وتلك هي الطامة التي تحث على حب الكسب القريب على حساب الجد والنشاط، وعلى الدعة على حساب الهمة، وعلى الخديعة على حساب الحقيقة، وعلى الزيف على حساب الصدق، ولقد أسرف طيف هؤلاء في احتلال مواقع التأثير، فكاد الفضاء يغص بظلامهم وظلمهم للأمة، وتحولت كلماتهم إلى طلاسم تذلّ مواسم الأمة كلها، ليصبح ذلك الذل مشروبها اليومي، يخدرها حيناً، وتنام على ريب وعدم يقين أحياناً أخرى؛ (فهم بعض السياسيين والمثقفين الغافلين المعرضين)، يحاولون أبداً تشويش العقول وتعكير القلوب بلمز وهمز بحق أهل الحق، وأصحاب الصفاء، محاولين شيطنة مسيرة إنسان الأمة المهتدي، وجعله موضع الملاحقة والهزء والسخرية، بل وفي حومة الاتهام والتشكيك بعقله وفهمه، وهو حال من هؤلاء الزائغين وصفه الله أدق وصف؛ إذ قال جل من قائل: (إن الذين آجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون وإذا مروا بهم يتغامزون وإذا انقلبوا إلى أهلهم انقلبوا فكهين) (المطففين: 29 - 30 – 31).

وهؤلاء وأولئك لا شرعة يعودون إليها، ولا خلق خير وهدىً يتكئون عليه، إنها مصالح خاصة، وبرامج غيرية توجههم، وتسدد سهامهم، فلا انتماء يردعهم، ولا شوق لتراب يلين قلوبهم، ولا دم حرٌّ يدور في عروقهم يجعلهم يحنون إلى أهل وقوم ووطن، وإذا ما دعوا إلى ركب خيل قالوا: إنها دعوة خرقاء، فليس بين السلامة والدم سوى أن تطأطئ الأعناق، لتسلم الأجساد، وتمتلئ الجيوب، وتفتح الأبواب، وتعلو القامات، وما دَرَوا أن ذلك كله إن هو إلا وهم صنعه الجبن، ونسجت خيوطه عناكب الإعراض عن التحاكم إلى ما أمر الله به أن يوصل، وخطت رسمه دعايات الفساد والإفساد، والاستغراق في أوهام البقاء والخلود. ألم يعلموا أن الحياة مرهونة بين شهيق وزفير؛ فقد يكون من أحدهم شهيق ولا يأتي بعده زفير؟ ألا ما أقصر العمر! وما أطول وأمدّ وأبقى أيام الحساب والجزاء! ألا ما أعظم البلاغ في قول الله جل وعلا: (اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفراً ثم يكون حطاماً وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان وما الحياة الدنيا إلى متاع الغرور) (الحديد: 20).

وما أعظم بيان رسول الله صلى الله عليه وسلم في تشبيهه للدنيا وقصر الحياة فيها إذ قال: (إنما أنا والدنيا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها) رواه ابن ماجة في صحيحه.

حقاً، إنه الحزن والإشفاق على أمثال هؤلاء الساسة والمثقفين الذين جعلوا من هواهم وشهواتهم وغرائزهم عقولاً توجههم، فتراهم بعنجهية جاهلة يتمرغون، وحزني عليهم كما قال الشاعر: / حزن البراري الوسيعات/ فارغة من صهيل جواد وحيد/ . وارجع إذا شئت الحصول على وسيلة إيضاح تبين زيف خطاب هؤلاء إلى كلمة ألقاها مدعٍ للسياسة في رام الله يوم الرابع من آب الماضي، يريد منها أن تناطح الحق في مشكاته، ولكنه (الحق) لا ينازل الجبناء عادة، فالقبول بمنازلتهم ذلة ومقارنة للشرفاء بمن أداروا ظهورهم عن هديه .. وصدق الله العظيم القائل: (ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاً) وأي ضنك أشد من الذي جرّنا إليه هؤلاء، ونعيش اليوم ذله وبواره، وذلك باغتصابهم لمقود الأمة حتى اللحظة.


المصدر

  • نقاط فوق الحروف بقلم: محمد السيد
  • رسالة الإخوان 2 - 10 - 2009 13 شوال 1430 هـ العدد 610