السني والشيعي الكاثوليكي والأرثوذكس
2008-08-31
بقلم : محمد خضر قرش/القدس
من الأهمية بمكان الإشارة بداية إلى أن كاتب هذه السطور ليس على معرفة معمقة ومعلومات ذات شأن بالمذاهب الدينية الإسلامية والمسيحية. فكل ما يعلمه هو ما تم تلقينه له أثناء فترة الدراسة وما تيسر من معلومات بحكم القراءات والنقاشات في الندوات وورش العمل داخل فلسطين وخارجها.
ويدرك الكاتب مقدما بأن جميعها غير كافية ولا تمكن صاحبها من أن يجادل الحجة بالحجة ، وإنما تمكنه أن يدرأ عنه القبول والتسليم بما يقوله الآخرون وخاصة أولئك الذين يتصدرون أعلى موجات التوجه الديني وباتوا يرون بأنفسهم المرجع الديني الوحيد السليم والصحيح وما دونهم أقل ايمانا بالله ورسله. لذا فهم يريدون منا أن نرفع راية عدم المعرفة في فقه الدين لنخضع لهم ولتفسيراتهم واجتهاداتهم وسلوكياتهم .
وهناك قضية أخرى هامة وهي أن الكاتب أو المحلل أو الصحفي أيا تكن ديانته ومذهبه مأخوذ دائما بالخشية من نتائج ما يكتب في الجانب الديني تحديدا خوفا من اتهامه بالزندقة والكفر والخروج عن الملة والمذهب. من هنا فإن عدد من ولج هذا الموضوع محدود جدا ولم يسمح لقلمه بالذهاب بعيدا في أعماق الخلاف الذي مضى عليه آلاف السنين. ولن يخرج هذا المقال عما سلفه، لكنه سيفتح الباب واسعا أمام النقاش وعليه فلماذا نتحمل نحن أبناء هذا الجيل وزر قيام جماعة يزيد بن معاوية بقتل الحسين بن علي رحمه الله وهو بنفس الوقت حفيد رسول الله وأحد المبشرين العشرة بالجنة . ولماذا نتحمل وزر انقسام الكنيسة قبل نحو ألفي عام بين الشرقية والغربية وبالتالي نشوب المذاهب والفرق المتعددة داخل كل كنيسة. وحينما أقول نحن، أعني الشرق العربي والإسلامي بالدرجة الأولى لأن العالم الغربي عموما ليس متدنيا ولا يقيم وزنا أو بالا للسير النبوية جميعها. فالمشكلة ليست في الانقسام داخل كل ديانة وخاصة الديانتين الأكبر في العالم (الإسلامية والمسيحية) وإنما في من يعمق ويوسع حدة الخلافات انطلاقا من منظوره الديني وغير الديني. حيث يأتي بالأدلة النظرية (القولية) المنقولة عن أ عن ب عن ج عن س عن ص الخ. ولأن الناقل والمنقول عنه أو المسترشد به إنسان يتأثر بمن حوله وبالبيئة المحيطة به وخاصة لجهة النسيان أو السهو عن ذكر هذه الكلمة أو تلك أو هذا الوصف أو ذاك ولأن النقل تم شفويا عن الرواة لفترة معينة، قبل أن يتم تدوينها فيما بعد، فإني افترض أن بعض ما نقل وتم تدوينه لا يحتوي على معلومات متطابقة لما حدث أو قيل قبل الآف السنين . فالحواريون – أصحاب سيدنا عيسى بن مريم عليه دائما السلام – وبغض النظر عن عددهم اختلفوا في وصف وكتابة الكثير مما حصل من أحداث مع سيدنا عيسى عليه السلام . ورواة الأحاديث النبوية الشريفة نقلوا أحاديث وسير تم تصنيفها فيما بعد إلى أحاديث صحيحة وحسنة وضعيفة وبعضها لم يدون ورفض. فعملية التصنيف تمت انطلاقا مما جاء في القرآن الكريم وما هو مؤكد من سيرة رسول البشرية محمد عليه الصلاة والسلام . ونفس الشيء يمكن قوله عن مرافقي عيسى عليه السلام الذين صاغوا وكتبوا الإنجيل (لوقا وبطرس ومتي الخ) .
كل ما أريد أن أوضحه وأصل اليه هنا ، أن الانقسام في المذاهب والطوائف الدينية في الديانتين الرئيستين الإسلامية والمسيحية ، ليس حديثا أو مستجدا وإنما هوقديما قدم الدين نفسه .وقد وصلت إلينا الاجتهادات والتفسيرات المختلفة وقبلنا تداولها رغم معرفتنا بأن بعضها ساهم في توسيع حدة الخلاف. شخصيا لا أعلم تاريخ بروز المذهب السني ، فلم يكن أيام الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم سوى مذهب ودين واحد هو الإسلام . أما بالنسبة للمذهب الشيعي فكل ما أعلمه أنه أطلق عمن أيدوا وشايعوا (ومن هنا جاءت التسمية) سيدنا علي في الخلافة ضد معاوية الذي طمع في السلطة وحولها إلى وراثة لبني أمية، وبفعلته تلك فقد أسس للخلافة العائلية في الحكم ما زالت حتى الآن. فالذي قتل ثالث ورابع الخلفاء الراشدين عثمان بن عفان وعلي بن ابي طالب وكذلك الذي قتل الحسين بن علي ليس سنيا أو شيعيا لأنها لم تكن قد برزت بعد ، فالقتال نشب بين المسلمين أنفسهم ، ولأن معاوية وصف بالداهية فقد فعل شيئا ماكرا حين تأكد له أن مناصريه وجماعاته على وشك الهزيمة الكاملة ، فأوعز لهم برفع المصاحف على أسنة السيوف والتي تعني في إحدى معانيها بضرورة الاحتكام إلى القرآن الكريم . أما بالنسبة إلى معاوية فكانت حيلة لإعادة ترتيب الصفوف والانقضاض على جماعة علي بن أبي طالب ، وهذا ما تم وما حصل بين التلميذ الداهية عمر بن العاص وأبو موسى الأشعري . ومنذ تلك اللحظة انشق المسلمون الى مذهبين رئيسين سنة وشيعة وقد أطلق المسلمون أنفسهم على هذه الأحداث " بالفتنة الكبرى" التي ما زلنا نعاني من آثارها حتى الآن.
وبدون الخوض في التفاصيل الفقهية للخلافات الدينية بين السنة والشيعة وبين الكاثوليك والأرثوذكس وبقية المذاهب والفرق الأخرى العديدة في الديانتين الإسلامية والمسيحية وما أكثرها ، فإن من الأهمية بمكان الإشارة إلى النقاط التالية:
1- الشخص مهما كان مركزه وعلمه وفقهه وجهله وفقره وغناه وطوله وعرضه ولونه وشكله فإنه لا يختار دينه . فلو أن والد كاتب هذا المقال كان اسمه جورج وأمه اسمها حنه لكان مسيحيا بالولادة والفطرة بدون نقاش ولو كان والدا المرحوم جورج حبش مسلمان لكان أسمه محمد حبش على سبيل المثال وهكذا بالنسبة لبقية الأسماء والديانات دون استثناء.
2- يبدأ الأهل بتلقين المخلوق منذ لحظة ولادته بكل العادات والقيم والمبادئ والدين والقواعد والأخلاق التي يتوجب عليه سلوكها وإتباعها . ولا أدري كم شخصا شذ عن هذه القاعدة وأدار ظهره بالكامل لكل ما تؤمن به عائلته وأهل بلده وكم بقي صامدا بأفكاره الجديدة غير تلك التي نهلها في صغره وشربها مع حليب أمه.
3- لماذا يريد الآخرون تحميل الأجيال الحالية وزر الخلافات التي حدثت قبل الآف السنين . فمثلا هناك يوم محدد لمولد سيدنا المسيح عليه السلام ، فلماذا يتم الاحتفال بمولده في ثلاثة تواريخ مختلفة . أنا شخصيا لا أعرف ليس فقط لماذا!! وإنما عن سبب الخلاف الكبير بين الكنيستين الشرقية والغربية وأتباعها . ولا أعلم أيضا ما الخلاف بين البروتستانت والكاثوليك (ايرلندا وبريطانيا وعلى ماذا تقاتلوا لفترات طويلة قبل أن يتفقوا على السلام) . كما أنني لا أعلم لماذا لا يصوم الشيعة والسنة في يوم واحد ويفطرون معا. فكيف يمكن تفسير صوم الفلسطيني السني في مخيم برج البراجنة قبل اللبناني الشيعي القاطن في نفس الشارع والحي وفي أحيانٍ كثيرة في نفس العمارة (البناية) بينما يكون الشيعي مفطرا لأن موعد الصيام لم يحل بعد علما بأن الهلال واحد. حقيقة هناك أمور لا يمكن لأي رجل دين تفسيرها أو توضيحها والأهم إقناع المسلمين من كلا المذهبين بها.
4- فما دام القران والإنجيل وأضيف هنا التوراة كلها من عند الله سبحانه وتعالى فلماذا كل هذا التنافر والعداء وخاصة بين الديانة اليهودية من جهة والديانتين المسيحية والإسلامية من جهة أخرى.
5- وبالنسبة إلينا نحن المسلمين ، فإذا كان القرآن الكريم مرجعنا وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم مرشدنا وقائدنا، فلماذا يذهب كل مفتي بما يخدم ويرضي الحكام وليس بما يرضي الله ورسوله. فشيخ الأزهر أفتى بجواز الاشتراكية أيام حكم الزعيم جمال عبد الناصر وبرر كل ما قام به من أعمال وكذلك فعل مفتي مصر مع المرحوم أنور السادات والآن مع حسني مبارك ، ونفس الشيء يمكن تعميمه مع شيوخ الإسلام بكل الدول العربية والإسلامية ، إذن فعلى ماذا يبنون حجتهم أو وجهة نظرهم.
6- كيف برر شيوخ المسلمين للولايات المتحدة ضرب واحتلال العراق والصومال وتقسيمها علما بأن ذلك محرم بالقرآن الكريم.
7- بالنسبة لنا ، نحن نفرق تماما بين المسيحية الفلسطينية والعربية [ عدا مجموعة من المسيحيين الموارنة في لبنان من أمثال وأتباع انطون لحد وسمير جعجع] وبين المسيحية الغربية الاستعمارية. فالأولى حاربت ووقفت على الدوام بل وتصدرت موجات النضال العربي والفلسطيني ضد الاستعمار والاحتلال والحكم الأجنبي بغض النظر عن جنسيته عثمانيا كان أو بريطانيا أو فرنسيا أو أمريكيا . فهذه بالنسبة لنا من البديهيات النضالية . الإسلامية الفلسطينية كالمسيحية الفلسطينية تماما لا فرق بينهما إلا بقدر ما يقدم كل منهما من خدمات للوطن. تيمنا بقول الرسول الكريم لا فرق بين عربي وأعجمي إلا بالتقوى.
ومن بيت المقدس معراج الرسول العظيم محمد صلى الله عليه وسلم ومولد سيدنا المسيح عيسى بن مريم ، نقول لرجال الدين كافة اتقوا الله فيما تقولونه في الجوامع والكنائس ، فجميعنا أبناء ادم وحواء وجميعنا من تراب وإلى التراب عائدون.