السفير "وحيد رمضان" أول قائد لمنظمات الشباب في العهد الناصري

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
السفير "وحيد رمضان" أول قائد لمنظمات الشباب في العهد الناصري

[27/07/2003]

مقدمة

فكرة التغيير عند الإمام "البنا" أعمق بكثير من الفريق "عزيز المصري".

"أمين الحسيني" طالب "البنا" إبلاغ الحكومة بأنهم في حاجة إلى السلاح وليس الجيوش النظامية.

"أنت إخوان أم أحرار?".. سؤال فاجأني به "عبد الناصر" أثناء وجودنا في صفوف الجماعة!

الإخوان أمَّنوا طريق السويس يوم الثورة للتَّصدِّي للإنجليز بالتنسيق مع الضباط الأحرار.

"محمود لبيب" صاحب مصطلح الضباط الأحرار ليحمي تنظيم ضباط الإخوان من المخابرات والإنجليز.

لم يكن في مجلس الثورة أي ديمقراطي بما فيهم "نجيب" و"خالد محيي الدين".

"حسن التهامي" أكَّد أن حادث المنشية مسرحية أخرجتها المخابرات الأمريكية ولديه مستندات.

كلّ يوم تتكشف حقائق وأسرار جديدة عن ثورة يوليو التي تحتفل مصر هذه الأيام بذكراها الواحدة والخمسين، وما زال هناك شهود عيان عايشوا الثورة وعاشوها، ولعل من هؤلاء الشهود من لم يُلق عليه ضوء الإعلام...

إمَّا لأنه لم يكن في الصفوف الأولى أو كان فيها إلا أنه اختلف من الرئيس الراحل "عبد الناصر"، وبالتالي كان مصير الحكم عليه بالإعدام كما حدث مع الضابط الإخواني البكباشي "عقيد" "عبد المنعم عبد الرؤوف" مؤسس تنظيم الضباط الأحرار، والذي حاصر الملك "فاروق" في قصر رأس التين يوم الثورة، وأجبره على التسليم دون مقاومة، ولأنه من الإخوان والشريك الأول لـ"عبد الناصر" فقد حُكم عليه بالإعدام بتهمة محاولة قلب نظام الحكم فهرب إلى السعودية ثم سوريا والأردن وأخيرًا استقر بلبنان، وكان سفيرًا لها في عدة دول، أما الصنف الثاني من الذين خالفوا "ناصر" فكان مصيرهم النفي كما حدث مع "خالد محيي الدين"، أو السجن كما حدث مع "يوسف صدّيق"، أو هما معًا كما حدث مع السفير "وحيد جودة رمضان" مؤسس تنظيم الشباب في العهد الناصري، وأحد زملاء "جمال عبد الناصر" في أسرة تنظيم ضباط الإخوان المسلمين بالجيش، والذي التقينا به وفتشنا معه في ذكريات الثورة لنكتشف حقائق وأسرار تظهر لأول مرة.

والسفير "وحيد رمضان" بدأ حياته العملية ضابطًا بالجيش بعد تخرجه في الكلية الحربية عام 1940م، ثم انضمَّ لتنظيم الإخوان المسلمين في الجيش عن طريق "عبد المنعم عبد الرءوف", الذي تعرَّف عليه عندما كان الأخير مسجونًا في قضية هروب الفريق "عزيز المصري", وكان الأول حارسًا عليه في السجن, حتى توطدت العلاقة بينهما, وحرص "وحيد رمضان" على ألا يتولى الحراسة أحد غيره.

وما أن صدر قرار العفو عن "عبد المنعم عبد الرءوف" وتمت إحالته من سلاح الطيران إلى قوات المشاة, حتى تعرَّف "عبد الرؤوف" على الشيخ "حسن البنا" والصاغ "محمود لبيب" (ضابط الاتصال بين جماعة الإخوان وتنظيمها في الجيش)، وبدأ العمل الفعلي لتنظيم الإخوان داخل الجيش، وبالتبعيَّة توطَّدت علاقة "وحيد رمضان" بالإخوان.

وما أن نجحت الثورة ورسخت أركانها حتى تولى "وحيد رمضان" قيادة منظمات الشباب وتولى مع "أحمد الطحاوي" و"إبراهيم طعيمة" قيادة منظمة التحرير, ثم عيَّنه "عبد الناصر" سفيرًا لمصر في سويسرا، وعاد منها إلى سجونه بتهمة التآمر عليه، وفي هذا الحوار يقدم "وحيد رمضان" شهادته على ثورة يوليو, مبرزًا دور جميع الأطراف والقوى الشعبية فيها.

والآن إلى نص الحوار

إن الفريق "عزيز المصري" كان على صلة بالشيخ "حسن البنا"، فكيف كانت هذه العلاقة?!
عزيز باشا المصري" كان رئيس أركان حرب الجيش، في الوقت الذي كان فيه "صالح باشا رب" وزيرًا للحربية و"عبد الرحمن باشا عزام" وزير الشئون الاجتماعية في وزارة "علي ماهر باشا" وكل هذه العناصر كانت على صلة بالشيخ "حسن البنا"، الذي كان على صلة أيضًا بكثير من الشباب العامل في الأحزاب المختلفة؛ لأنه كان يستوعب كل التيارات المختلفة، ويستطيع جمعها في بوتقة واحدة, كما كان الشيخ "حسن البنا"، ومعه "الصاغ محمود لبيب" يتفقان اتفاقًا كاملاً مع توجهات وأفكار "عزيز المصري" غير أن وسيلة تنفيذ هذه الأفكار كانت مختلفة بينها، فالإمام "البنا" كان يرى أن إعداد الشباب بتأنٍّ يضمن نجاح أي عمل، بينما كان هدف الفريق "عزيز المصري" هو القيام بحركة مباشرة وسريعة للتخلص من الفساد، وبعد ذلك يتم تأهيل الجماهير.
  • بعيدًا عن الخوض في مسألة تحقيق الثورة لأهدافها من عدمه.. أي الفريقين- من وجهة نظرك- كان صاحب الرؤية الأفضل?!
في تصوري أن الإمام "حسن البنا" كان صاحب نظرة عميقة؛ لأن تغيّر أمة عملية رهيبة، وليست هينة، وتحتاج إلى استعداد طويل ومتقن؛ لأن الكادر الذي سيقوم بهذه المهمة إن كان مُعدًا جيدًا يستطيع أن يقوم بإعداد المجتمع بشكل جيد، وسيورث بعضه بعضًا، أما إن كان على خلاف ذلك فإنه لن يستطيع أن يستكمل المشوار، وهو ما تمَّ بالفعل مع حركة يوليو.
  • ماذا كان دورك كضابط بالجيش المصري?!
كنت كغيري من الضباط الذين يستكشفون العناصر الوطنية، التي من الممكن أن تكون معنا.
  • تستكشفون لصالح مَنْ?!
أنا كنت أستكشف لحساب الإخوان المسلمين؛ لأنني كنت أعمل مع "عبد المنعم عبد الرءوف", وكنَّا نلتقي دائمًا مع "الصاغ محمود لبيب" الذي كان يناقش معنا خطط التحرك ضد الاحتلال الإنجليزي،، كما كان يناقش معنا الوضع الداخلي، وخاصةً الظلم الاجتماعي في المجتمع كما كنا ندفع اشتراكًا شهريًا قيمته50 قرشًا، واستمر هذا الوضع حتى بدأت حرب فلسطين.
  • هل كان معكم ضباط آخرون أسهموا في الثورة وكانوا ضمن تنظيم الإخوان?!
لقد تعرفت في هذه الفترة- وفي منزل "عبد المنعم عبد الرءوف"- على "جمال عبد الناصر" سنة 1945م، وكانت أول مرة ألقاه فيها، كما تعرَّفْت على "كمال الدين حسين" في إحدى الأسر التي كان يحضرها الصاغ "محمود لبيب"، وكان يشاركنا أيضًا "خالد محيي الدين" وكان لنا موعد دوري نلتقي فيه حتى بدأت حرب فلسطين.

حرب فلسطين

قبيل الحرب حضرت لقاءً في مقر جمعية الإخوان المسلمين، وكان حاضرًا في اللقاء الشيخ "حسن البنا" و"صالح باشا حرب" والشيخ "أمين الحسيني" مفتي القدس، ولا أنسى ما قاله الشيخ "الحسيني" للإمام "البنَّا" حيث قال له: بلغوا "النقراشي باشا" رئيس الوزراء أننا لا نريد الجيوش النظامية أن تدخل الحرب، وإنما نريد أن نحرر أنفسنا بأنفسنا، وما نريده منكم المعونات من أسلحة ومفرقعات وضباط ومستشارين يقودون هذه العمليات.. وهذه الكلمات سمعتها بنفسي.
وبعد ذلك تكوَّنت قوة خفيفة من المتطوعين تحت إشراف جامعة الدول العربية، وكان يقودها البطل "أحمد عبد العزيز" ومعه بعض الضباط، وكان أغلبهم من الإخوان بل إن90% من هذه القوة الخفيفة كان من متطوعي الإخوان المسلمين, ودخلوا الأراضي الفلسطينية، قبل إعلان الحرب الرسمية في 15 مايو 1948م، ووصلوا إلى أبواب القدس بالفعل.
نعم.. كنت ما زلت على قوة الإخوان، ولكنني كنت ضمن قوات الجيش وليس مع قوات المتطوعين، وأذكر أنني كنتُ قائد قوة الحراسة التي حرست الملك "فاروق" عندما توجَّه بالقطار لزيارة قوات الجيش بعد الهدنة الأولى، وكان ذلك في مستعمرة "ديرسينيت"، ثم بعد ذلك انتقلت بفصيلتي إلى المجدل، وهو مقر قيادة القوات المصرية في فلسطين، ونتيجةً لمشكلةٍ ما تمَّ ترحيلي إلى القيادة بمصر التي رفضت قرار ترحيلي وأمرت بعودتي مرة أخرى للجبهة، ووُضعْت تحت التحفظ عند اللواء "المواوي" قائد القوات المصرية، وكان أركان حرب اللواء "المواوي" هو "صلاح سالم" الذي كان صديقًا لي، وقد صالحني "علي المواوي" الذي أمر برجوعي لفصيلتي مرة أخرى, ثم حدث خلاف آخر مع اللواء "السيد طه" (الضبع الأسود) قائد اللواء الأول, حيث كنت قائد البوليس الحربي في الفالوجا، وكنت أصادر القمح الذي يحاول الأهالي تهريبه في الوقت الذي كان يعاني فيه الجنود المجاعة، فطلبت من "السيد طه" أن يعطيهم من القمح الذي صادرتُه إلا أنه قال لي:
إنه ليس عندنا قمح فأردت أن أبرهن له خطأ ظنه فقمت بتوزيع الدقيق والقمح على الأهالي والجنود بدافع ما تعلمته داخل الإخوان من حق وشجاعة وعدل, إلا أن اللواء "السيد طه" اعتبر ما قمت به تمردًا، ووضعني في الحجْز, ولبثت تلك الفترة مع "صلاح سالم".
وفي يوم 28 ديسمبر 1948م قام اليهود باحتلال (عراك المنشية) وهي الجناح الأيمن للفالوجا، ووقتها سمعت إشارة من لاسلكي "صلاح سالم" وكانت استغاثة من "جمال عبد الناصر" لـ"السيد طه"، نصها "جمال عبد الناصر يقول لـ"السيد طه": إذا لم تصل النجدة فورًا فسأفقد السيطرة على الموقف"
فقلت لـ"صلاح سالم":
هل تتْرك "جمال" وحده?! وطلبت من "السيد طه" أن يعطيني حمالة جنود لأذهب لإنقاذه، وتوكلنا على اللّه، وبالفعل ذهبت لـ"عبد الناصر" وبعد معركة مع الجنود اليهود وصلت إليه، وكان واقفًا مع حارسه على باب مخزن ومعه سلاحه، وعندما رآني انشرحت أساريره لأنني أنقذته.

"عبد الناصر" والإخوان

  • وما كان الدافع وراء هذا الموقف رغم أنك كنت موقوفًا?!
لا أنكر أن علاقتي بـ"عبد الناصر" داخل تنظيم الإخوان كانت عاملاً مهمًا ومحركًا لموقفي، ولأننا كنا نجاهد معًا في تنظيم واحد وهو تنظيم الإخوان المسلمين، بل ولأننا كنا لفترة قريبة إخوة في أسرة واحدة.
  • بعد حرب 48 وعودة القوات المصرية بدأ "عبد الناصر" يفكِّر في الاستقلال بتنظيم جديد عن تنظيم الإخوان... فما صحة هذا الكلام؟ وماذا كانت دوافعه?!
لقد فكَّر "عبد الناصر" في الاستقلال منذ عام1949م، وكانت الفكرة مختمرة في ذهنه إلا أنه لم يكن قد اتخذ إجراءات فعلية لتطبيقها، وكان ما زال في الجماعة، وأتذكر أننا كنا نشيع جنازة الصاغ "محمود لبيب" عام 1951م وبعد أن انتهينا من العزاء طلب منّي "عبد الناصر" الذهاب لـ"عبد الرحمن السندي" قائد التنظيم السري للإخوان، وقد كان له محل أعلى محلات "حلاوة" بالعتبة، وهذا دليل على أنه لم يكن قد انفصل عن الإخوان، ولكنه كان يجهز لتنظيم الضباط الأحرار، والدليل على ذلك أنه في عام1950م سألني سؤال مفاجئ، وهو "أنت إخوان أم أحرار?!"
وهذا دليل على أن التنظيم كان في ذهنه، رغم أنه كان من الإخوان, وهذا ما اكتشفه "عبد المنعم عبد الرءوف" مبكّرًا، والذي كان يحاول موازنة الأمور أمام تصرفات "عبد الناصر", وهو ما عبّر عنه "عبد المنعم" عندما قال لي في رفح: إن "جمال عبد الناصر" يريد أن يكون ديكتاتورًا بواسطة "حيدر باشا" وزير الحربية وقتها.
غالبًا كانت لديه معلومات بأن "فاروق" يريد أن يسيطر على البلاد بواسطة الجيش.
"عبد المنعم" كان متأكدًا تمامًا أن "عبد الناصر" لا يريد أن يسيطر الإخوان على حركة الجيش، رغم أنه كما كنَّا نسميه "أركان حرب الحركة"، وهذا ما كان يتمتع به "عبد الناصر"، حيث كانت لديه قدرة على الجمع بين الشيء ونقيضه، بينما كان "عبد المنعم" رجلاً مثاليًا وصريحًا.
لم يكن قد انفصل- وهذا لا شك فيه-، وإنما كانت هناك حرب أعصاب بين الطرفين، وكان هدف "عبد الناصر" هو الانفراد بالتنظيم, والدليل على ذلك السؤال الذي سأله لي: "أنت إخوان أم أحرار?!" واللافت للنظر أن هذا السؤال قد سُئل للكل، وانتشر بين كل المنضمين للحركة, خاصةً بعد أن استولى "عبد الناصر" على الأوراق الخاصة بالتنظيم من الصاغ "محمود لبيب" قبل وفاته، ولقد استمر هذا الوضع حتى مارس 1952م بعد أن قابل المستشار "حسن الهضيبي" المرشد العام.

وقال له: إن برنامج الإخوان في ضم الضباط إلى صفوف التنظيم مثالي جدًا، ويستغرق وقتًا طويلاً، وهو أمر قد يعرقل القيام بأي حركة ضد الملك وحاشيته، وإن الحل هو فتح الباب لكل الضباط الوطنيين بصرف النظر عن مدى تدينهم أو التزامهم، وهو ما رفضه المرشد العام، وانتهى اللقاء بينهما بأن يسير الطرفان في طريق واحد، وأن يتعاونا معًا من أجل الهدف المراد تنفيذه؛ لأن "عبد الناصر" في النهاية كان من الإخوان المسلمين، وبعدها بدأ تنظيم الضباط الأحرار في الاستقلال والظهور.

لقد استفاد "عبد الناصر" استفادة كبيرة جدًا من انضمامه للإخوان؛ لأنه في الوقت الذي عمل فيه مع الإخوان كان ينظم للضباط الأحرار، وعلى صلة بتنظيم "عزيز المصري" وخلية "حسن إبراهيم" و"كمال رفعت" وهي الخلية التي ذهبت لقتل "حسين سري عامر باشا" وكان "عبد الناصر" يمتاز بقدرته على السير في طريقين متوازيين لا يلتقيان ولا ينفصلان وهذه قدرة تنظيمية غير طبيعية.
  • البعض أشار إلى أن الصاغ "محمود لبيب" كان صاحب تسمية تنظيم الإخوان داخل الجيش باسم الضباط الأحرار?!
هذا حدث بالفعل؛ لأن الصاغ "محمود لبيب" كان موجودًا في تركيا، وكان ضابطًا بالجيش التركي الذي كان يطلق علي تنظيمه "الضباط الأحرار"، وهذا يرجع لحرص الصاغ "لبيب" على أن يكون تنظيم الإخوان بعيدًا عن مخابرات الجيش والبوليس السياسي.

الإخوان والثورة

لقد كان هناك تعاون كامل بين الإخوان المسلمين و"جمال عبد الناصر" وتمثَّل هذا التعاون في قيام مجموعات من الإخوان بحراسة بعض السفارات والمرافق المهمة, كما قاموا بحراسة الطريق المؤدي إلى السويس, وهو من أهم أدوار الثورة؛ لأن هذا الطريق هو الوحيد لدخول الإنجليز القاهرة وإعادة احتلالها مرة أخرى؛ ولذلك اعتمد "عبد الناصر" والضباط الأحرار على شباب الإخوان لتأمين هذا الطريق؛ لأنه يعرف أنهم سيقومون بمهمتهم أفضل ما يكون، كما كان لـ"عبد المنعم عبد الرءوف" دورٌ مهمٌّ وحيويٌّ، حيث إنه كان قائد القوة التي حاصرت الملك "فاروق" بقصر رأس التين بالإسكندرية، والتي على أثرها وقَّع "فاروق" وثيقة التنازل، كما قام "أبو المكارم عبد الحي" بمحاصرة قصر عابدين, إضافةً لمشاركة ضباط الإخوان في وحداتهم بالقيام بالأعمال الموكلة إليهم.

اللواء نجيب

  • :البعض قال: إن اللواء "محمد نجيب" لم يكن له دور في قيام الثورة?!
لولا "محمد نجيب" ما نجَحَت الثورة، وأتذكر موقفًا حدَث مع "عبدالحكيم عامر", حيث كنا في رفح نحن الاثنين، واتصل "عامر" بـ"جمال حماد" يطلب منه أن يخبر "محمد نجيب" ألا يتقدم باستقالته, بعد أن علم أنه سينقل إلى منقباد بأسيوط بعد أن كان رئيسًا لسلاح المشاة, وقال بالحرف: "إحنا عايزينه"!! كما أن وجود "محمد نجيب" كان عاملاً مهمًا لانضمام أكثر من 500 ضابط أكبر من "عبد الناصر" في الرتبة، وكانوا سيرفضون أن يكونوا تحت قيادة رتبة أصغر منهم, وهو ما عبّر عنه "يوسف صديق" نفسه, عندما عرضت عليه الانضمام للتنظيم
فسألني عن قائده فقلت:
إنه "عبد الناصر" وهو نفس رتبة "يوسف صديق" فارتاحت نفسه، ثم سألني: وهل "عبد الناصر" هو المسئول الأول?!
فأجبته:
إن هناك من هو أكبر منه" فارتاح أكثر! إضافةً إلى محبة رجال الجيش نفسه لشخصية "محمد نجيب"، والكل يعرف شجاعته وبطولاته في حرب فلسطين وغيرها.
كما كان صدره واسعًا, وكانت هناك نية لأن يكون اللواء "فؤاد صادق" هو قائد الثورة، وعندما عرض "عبد الناصر" هذا الرأي قلت له: إنه سيشنقنا بعد الثورة بـ24 ساعة, كما أن "نجيب" كان محبوبًا من الشعب نفسه, خاصةً بعد أن فاز برئاسة نادي الجيش، ولقد ظلَّ "محمد نجيب" بهذه الشعبية حتَّى حدثت أزمة مارس 1954م.

شعبية نجيب

  • وهل كانت شعبية "نجيب" سببًا في أزمة مارس?!
من بداية عام 1953م كانت هناك خلافات بين "محمد نجيب" ومجلس قيادة الثورة وفي ديسمبر 53 نظمت هيئة التحرير مؤتمرًا في شبرا لتقريب الناس من "جمال عبد الناصر" والعكس؛ لأن شعبية "محمد نجيب" كانت جارفة، وقد أحس "محمد نجيب" أن مجلس قيادة الثورة يتخذ قرارات دون علمه وإخباره فقدم استقالته في 23 فبراير1954م, وقبِل المجلس الاستقالة وأعلنها في 25 فبراير, أي بعد يومين، وقامت مظاهرات في الجامعات ووصف الطلاب "عبد الناصر" بالدكتاتورية، وكنت في هذا اليوم بكلية الهندسة بجامعة عين شمس، وثار الطلاب، وبعد مناقشات عديدة وساخنة طلبت منهم أن يركّزوا في الثورة؛ لأنه من الصعب- وهم في هذه السنّ- أن يفرقوا بين الديمقراطي والديكتاتوري، خاصةً مع بداية الثورة.
  • إذا كانت معرفة الديمقراطي من الديكتاتوري أمرًا صعبًا في بداية الثورة.. فما هي الحقيقة كما تراها الآن?!
لم يكن يوجد في مجلس قيادة الثورة أي ديمقراطي بمن فيهم "محمد نجيب" نفسه، فعندما علم أن "أحمد حسين" زعيم (مصر الفتاة) تكلَّم في إحدى ندوات منظمة الشباب استدعاني لمكتبه, وسألني: لماذا تركت "أحمد حسين" يتكلم في الندوة? فقلت له: إنها الديمقراطية, فقال لي: "ديمقراطية إيه؟.. هذا الشعب لا يُحكَم إلا بالكرباج".
  • نعود مرة أخرى لأزمة مارس.. كيف تطورت إلى ذلك الحد?.
بعد إعلان قبول استقالة "محمد نجيب" قامت المظاهرات الجارفة والتي هتفت بحياة "نجيب" وسقوط مجلس الثورة، ورأى "صلاح سالم" هذه المظاهرات, فطلب من قيادة الثورة أن يعود "محمد نجيب"، وقال: "لا مفر من عودة "محمد نجيب" لمنصبه رئيسًا للجمهورية"، في الوقت الذي حدث فيه اعتصام سلاح الفرسان, وبالفعل عاد "محمد نجيب" يوم السبت 27 فبراير 54 وكلَّف مجلس قيادة الثورة "خالد محيي الدين" بتشكيل وزارة برلمانية, وقد قابلت "خالد" في فناء مجلس قيادة الثورة بعد هذا القرار، وهو ذاهب لضباط الفرسان، وأخبرته أن هذا المكسب رخيص وحدثت مشادة بيننا، وهو ما قلته لـ"عبد الناصر" نفسه ووصلت حدة المناقشات بيننا إلى أنني هددت بقتله هو و"خالد محيي الدين" بمسدسي وكان طلبي- مع زملائي الضباط الذين كانوا متواجدين وقتها بمبنى مجلس قيادة الثورة- أن يعود الجيش إلى ثكناته، وأن يترك الحكم لـ"محمد نجيب"، ومن معه من السياسيين.
غير صحيح؛ لأنه كان السبب فيها حيث مكث منذ بداية الثورة في بثّ الأفكار الشيوعية وسط ضباط سلاح الفرسان؛ لأنه كان ضابط مخابرات و قائد السلاح، وقد اصطحبه "محمد نجيب" أواخر عام 53 في رحلته للسودان وقيل إنهما اتفقا معًا على شيء ما!!.
"عبد الناصر" كان يُجيد المناورة وقد وقف موقف المؤيد لـ"خالد محيي الدين" لاحتواء العاصفة, بعد أن حوصر سلاح الفرسان بواسطة قوات المشاة, وأرسل "عبد الناصر" سيارته مع "شمس بدران" للإفراج عن "محسن عبد الخالق" وزملائه من المدفعية المحبوسين في يناير 1953م لضرب سلاح الفرسان بواسطة المدفعية، وبالفعل تم تسجيل الأهداف كما قامت طلعة من الطيران فوق سلاح الفرسان أي أن الجو كان ينذر بحرب أهلية.
ذهب "محمد نجيب" لسراي عابدين واستقبل الحشود الحاشدة وكان ضمنهم المستشار "عبد القادر عودة"، الذي لوّح بقميص به دماء لـ"محمد نجيب" في إشارة إلى أن البوليس أطلق النار على طلاب جامعة القاهرة الذين خرجوا في المظاهرات، وكان القميص لأحد طلاب الإخوان على ما أتذكر، فاصطحب "محمد نجيب" الشهيد "عبد القادر عودة" في الشرفة التي كان يقف فيها، وقال- ضمن ما قال-: "أعدكم بحكْم نيابي"، رغم أنه كان يعلم تمام العلم أن هذا من المستحيلات!!
  • وماذا كان موقف القوى السياسية من تلك الأحداث?
في فبراير1954م تكوَّنت جبْهة متَّحدة يشكِّلُها الإخوان وطلائع الوفد والشيوعيون وحزب مصر الفتاة وشباب الحزب الوطني القديم، وكان هناك انسجام مرحلي فيما يشبه التجمع ضد الثورة ومجلس قيادتها.
  • لماذا?!
لأن النشاط المضاد للجماهير من أجهزة الأمن قد أشاع جوًا من التجسس، خصوصًا ضد الطلاب والعمال؛ مما أدَّى إلى تكتل الشعب ضد الثورة.
وبعد أن انتهت الأزمة وعاد "نجيب" أصدر مجلس قيادة الثورة قرارات لإعادة الديمقراطية، وإجراء انتخابات حرة، واتفق على عقد اجتماع لجمعية تأسيسية منتخبة في يوليو54 بعد أن طالب الشعب كله بالحريات.
وفي هذه الأثناء كان "جمال عبد الناصر" يدبّر لأمور أخرى مخالِفة لمجرى الأحداث, حيث ألقى رجاله 6 قنابل في أماكن متفرقة بالقاهرة؛ لإشاعة جوٍّ من الخوف ليبين للناس أن هذه هي عيوب الديمقراطية, وحرَّك العمال وأعطى لـ"الصاوي أحمد صاوي" 4 آلاف جنيه؛ لكي يقوم باعتصام في مقر الاتحاد العام لعمال النقل قبل عودة "محمد نجيب" بيوم واحد, ففي يوم 26 فبراير 1954م وبالفعل توقفت المواصلات في اليوم التالي بالقاهرة، وحدثت مظاهرات يحرسها البوليس تهتف بسقوط الحرية, وتطالب باستمرار مجلس قيادة الثورة في الحكم، وفي يوم 29 تعرض "عبد الرازق السنهوري"- أحد أقطاب القانون المنادين بالحرية- للضرب في مكتبه بمجلس الدولة، وكان "عبد الناصر" هو المحرك وراء كل ذلك, إلى أن اجتمع مجلس قيادة الثورة في 2 مارس 1954م وتمَّت إقالة "محمد نجيب" وتحديد إقامته, وهكذا عاد "عبد الناصر" أقوى مما كان، بعد أن مزَّق الجبهة الشعبية وقبض على ضباط سلاح الفرسان، ووقَّع اتفاقية الجلاء مع الإنجليز بالأحرف الأولى يوم 26 يوليو 54، وقد صادف ذلك أن المستشار "حسن الهضيبي" قد سافر لسوريا وهاجم الاتفاقية، وبدأ الصدام بين مجلس قيادة الثورة والجماعة، ثم تطورت الأحداث بعد رجوع المستشار "حسن الهضيبي" من سوريا وفي اجتماع كبير بجمعية الإخوان المسلمين هاجم الاتفاقية هجومًا عنيفًا ثم اختفى بعد ذلك!!

حادث المنشية

  • من المحطات المهمة في تاريخ الثورة حادث المنشية.., فما هي حقيقة ما حدث?!
رغم أنني كنت في القاهرة وقتها لكنني سمعت من القريبين جدًا من الأحداث أن "محمود عبد اللطيف" كان واقعًا تحت تأثير "عبد الرحمن السنْدي" الذي فصلته جماعة الإخوان، وأنه وضع له الرصاص من الفشنك، وكان الأمر بالتنسيق مع المباحث الجنائية والمخابرات العامة، وكما قال "حسن التهامي": إن لديه الوثائق والمستندات التي تؤكد دور المخابرات الأمريكية في التكتيك لهذا الحادث؛ حتى يصبح "عبد الناصر" شخصية شعبية تطْغى على شخصية "محمد نجيب"، إضافةً إلى قصة القميص الواقي.
وأعتقد أن "التهامي" الذي صرَّح بأنه سيصدر مذكراته قريبًا هو أكثر من يوضح هذه القضية؛ لأنه كان من أكثر الشخصيات المحيطة بـ"عبد الناصر" في ذلك الوقت.
  • هل كان حادث المنشية مرحلة فاصلة في طبيعة الحكم المصري?
الديكتاتورية بدأت في مصر من يوم 27 يوليو 1952م؛ لأن هناك تنظيمًا عسكريًا قد استولى على السلطة، وكل الجهاز الإداري والأمني في البلد أصبح تحت قيادته، ولذلك بدأت الدولة البوليسية منذ ذلك اليوم, خاصةً أن هذا التنظيم العسكري لم يكن له قاعدة شعبية أو جماهيرية وحتَّى خلايا الضباط الأحرار التي كانت موجودة بالجيش انتهت بعد أن وصل العسكر للحكم.
وعلى جانب آخر فإن حادث المنشية كان المحرك والسبب في فتح السجْن الحربي الذي امتلأ بالمعتقلين من الإخوان المسلمين وفي مقدمتهم الأستاذ "حسن الهضيبي" ودارت طاحونة الدم من هذا اليوم وحدثت مأساة المحكمة التي رأسها "جمال سالم" وصدر حكم الإعدام على 7 من زعماء الإخوان، ثم خُفِّف الحكم على المستشار "الهضيبي"- رحمه اللّه- إلى الأشغال الشاقَّة.

المصدر