الرهان على أميركا خاسر

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
الرهان على أميركا خاسر


بقلم : فادي شامية

يبدو أن لدى الأطراف التي ما زالت تراهن على الولايات المتحدة الاميركية رغم الأدلة الجديدة على عدم وفائها لهم، قصور في التعلم من التاريخ ومن تجاربهم وتجارب الآخرين، والأدهى من ذلك أن موقف هذه الأطراف يصمها بالعار ويعرضها وأتباعها للدمار.

وأول هؤلاء الذين لم يحسنوا الاستفادة من تجارب الماضي، أكراد العراق الذين يراهنون على أميركا على حساب مصالحهم، صحيح أنهم شعب مسكين عانى من الاضطهاد وضياع الهوية عقودا لكن الصحيح أيضا أن النظام العراقي بعد حرب الخليج الثانية قد هادنهم ومنحهم حكما ذاتيا يحسدهم عليه إخوانهم الأكراد في دول الجوار، وهم يستفيدون من برنامج النفط مقابل الغذاء، ومن حرية كبيرة في مناطقهم، وكان أجدى لهؤلاء أن يقفوا موقف الحياد في هذه الحرب المدمرة- وهو ما التزم به عدد من فصائلهم الإسلامية- ذلك أن الأكراد سيكونون أكثر الأطراف الخاسرة في هذه الحرب لا سيما إذا ما تدخل الأتراك فيها، وهو الأمر الذي يبدو أنه قاب قوسين أو أدنى، فالحكومة والجيش في تركيا متفقون على منع قيام دولة كردية تهدد أمنهم الوطني، ومتفقون على ضرورة التدخل في شمال العراق لمنع تسرب الأكراد إلى تركيا، والجيش التركي لن يقبل بأقل من النزع الكامل لسلاح التنظيمات الكردية، وفي هذه الحالة سيكون الأكراد تحت رحمة الجيشين التركي والعراقي فضلا عن النزاعات الداخلية في صفوفهم كما أن جميع مكتسباتهم الماضية ستصبح في مهب الريح، والحليف الأمريكي الذي وضعوا أنفسهم تحت تصرفه، يبدو أنه بدأ يتخلى عنهم نتيجة الإصرار التركي على التدخل في شمال العراق .

المعارضة الشيعية في الخارج أيضا راهنت وما زالت على الاميركيين، وهي تستعجلهم إحراز نصر، يعيد إليهم بعضا من وطنيتهم المفقودة جراء الصمود العراقي واضطرار القوات الغازية إلى استهداف البنى التحتية والمدنيين العراقيين، وجراء نفس الرهان الخاسر بدأت هذه المعارضة تشعر بالعزلة، فالشيعة في الجنوب لم يثوروا على النظام كما كان يعد المعارضون، ويبدو أنهم يشاركون بفعالية في القتال وقد اعتبرته مراجعهم في النجف الاشرف جهادا، وهم قد استفادوا من تجربة حرب الخليج الثانية عندما حرضهم الحلفاء على الثورة على النظام ثم تخلى عنهم عندما قرر عدم متابعة الحرب فوقع هؤلاء فريسة سهلة لهذا النظام، ونتيجة لذلك لم يتمكن المعارضون من الوفاء بوعودهم، وما جرى في الجنوب أظهر أن العراقيين – الشيعة تحديدا – لم يستقبلوا الأمريكيين بالورود بل بالرصاص، ويبدو أن الجيش الأمريكي نفسه يعاني حاليا من هذه الخديعة بعدما اندفع بريا بشكل سريع بناء على مفترضات خاطئة، ولذلك فقدت المعارضة لدى لقيادة السياسية والعسكرية الاميركية أية مصداقية أو احترام وصلت إلى حد تحذيرها من التحرك تحت طائلة اعتبار هذا التحرك عملا عدائيا.!

الكويتيون أيضا حكومة وشعبا في غالبهم ما زالوا يراهنون على الأميركي الذي أعاد إليهم بلادهم - رغم أن إيحاءات الاميركيين لنظام بغداد هي التي شجعته على احتلال الكويت- ، والخطير في هذه المراهنة أنها جعلت الكويت تغرد خارج الوجدان العربي تماما، وتبتعد عن عمقها الطبيعي للدرجة التي جعل المتظاهرين في أكثر من عاصمة عربية يرشقون سفارتها بالحجارة ويعلقون العلم العراقي فوقها، وهو أمر لم يحدث من قبل، وهذا أخطر ما في الأمر، وهو غيض من فيض الخسارة المعنوية والمادية الكبيرة التي منيت بها الكويت منذ أن جعلت من سياستها تابعة بشكل كامل للاميركيين الذين يمتصون خيراتها ويستعمرون أرضها، وقد أدخلوها في أتون الحرب المدمرة لما جعلوا ثلثي أرضها منطقة عسكرية لهم.

أما أكثر الخائبين من المراهنة على الولايات المتحدة الاميركية فقد كان النظام العربي الرسمي الذي قدم فروض الطاعة والولاء للاميركيين على مدى عقود من الزمن، فكان جزاؤه إعلان الولايات المتحدة عدم الثقة به والرغبة بتغيير خريطة الشرق الأوسط، لكن يبدو أن أصحاب هذه الرهانات قد قطعوا خط الرجعة على أنفسهم فلم يجدوا أي ملجىء من أميركا إلا إليها وقد زادوا من رضوخهم وارتهانهم وضاعفوا من قمعهم لشعوبهم علّ سيد البيت الأبيض يرضى عنهم، وهيهات أن يفهم الأميركيون إلا مصالحهم.

المصدر